نشر في جريدة القبس بتاريخ الاثنين 11/5/2009
منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن الرئيس باراك أوباما بأنه سوف يخضع البنوك في الولايات المتحدة لاختبارات للضغط المصرفي للتعرف على الأوضاع الحقيقية لتلك البنوك. اختبارات الضغط المصرفي للبنوك هي اختبارات تهدف إلى التعرف على قدرة البنوك على تحمل الخسائر المستقبلية التي يمكن أن تتعرض لها البنوك في ظل أوضاع الكساد. وتحديدا أشار رئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي إلى أن هدف هذه الاختبارات هو التأكد من أن البنوك لديها موارد رأسمالية كافية لمواجهة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها في السنتين القادمتين.
وتساعد نتائج تلك الاختبارات الحكومة على اتخاذ الإجراءات المناسبة قبل المؤسسات المالية التي تظهر النتائج سوء أوضاعها، أي فيما إذا كانت ستقدم لها الحكومة الدعم المالي لكي تستمر في أعمالها، أو ستسمح لها بالإفلاس، وعلى ذلك فان نتائج تلك الاختبارات سوف تحدد البنوك ذات الأوضاع المتينة، وهي البنوك التي تكفي أصولها لتمويل التزاماتها وتغطية خسائرها المستقبلية، ومن ثم يمكنها أن تستمر في تقديم الائتمان الجديد، وبدون مساعدة حكومية. وكذلك تحديد تلك البنوك التي سوف تتطلب مساعدة من الحكومة لكي تستمر في العمل، وهي تلك البنوك المحتمل أن تكون مليئة ماليا عند تحسن أوضاع الاقتصاد، غير أنها تحتاج في الوقت الحالي إلى المساعدة الحكومية في ظل استمرار أوضاع الكساد. فإذا ما اتضح أن البنك غير قادر على مواجهة الكساد الحاد الحالي، فإما أن يتم تقديم أموال لمساندة وإنقاذ البنك، أو أن يطلب من البنك أن يبحث عن مصادر للتمويل في سوق التمويل الخاص، بما في ذلك دفع أو إجبار البنك نحو الاندماج، وغني عن البيان أن باقي البنوك هي البنوك التي سوف تسمح لها الحكومة بالإفلاس لعدم قدرتها على الاستمرار تحت أي سيناريو نظرا لتعاظم خسائرها في ظل أوضاع الأزمة.
اختبار الضغط المصرفي الذي تم إجراؤه في الولايات المتحدة هو في الواقع اختباران يقيسان حجم الأصول التي يمكن أن يخسرها البنك خلال السنتين القادمتين في ظل سيناريوهان لأوضاع الكساد خلال هاتين السنتين. السيناريو الأول قائم على أساس افتراض أن معدل البطالة سوف يصل إلى 8.8% في عام 2010 مع انخفاض أسعار المساكن بحوالي 14% في نفس العام، بينما يعد السيناريو الثاني أكثر سوءا، حيث يقوم هذا السيناريو على أساس افتراض أن معدل البطالة في 2010 سوف يصل إلى 10.3% بينما تنخفض أسعار المساكن بحوالي 22% في هذا العام. وبمجرد الانتهاء من الاختبار يمكن تحديد حجم الخسارة التي يمكن أن تلحق بالقطاع المصرفي الناجمة عن الأصول المضطربة في قطاعات الائتمان المختلفة، ومن ثم مقارنة حجم الخسائر مع الاحتياطيات الرأسمالية لكل بنك على حده، للتعرف على ما إذا كان من المحتمل أن يستمر البنك في ظل أوضاع الكساد وفقا للسيناريو الأسوأ.
يوم الخميس 7/5/2009 تم أخيرا الكشف عن نتائج اختبارات الضغط المصرفي في الولايات المتحدة والتي توصلت إلى أنه لو ساءت أوضاع الكساد في الولايات المتحدة وفقا للسيناريو الأسوأ، فان خسائر أكبر 19 بنكا خلال عامي 2009 و 2010 سوف تصل إلى حوالي 600 مليار دولار، منها 185.5 مليار دولار خسائر في الرهون العقارية، و82.4 مليار دولار خسائر في قروض بطاقات الائتمان، و53 مليار دولار خسائر في قروض قطاع العقار التجاري. كذلك أشارت النتائج إلى أن حوالي 10 من بين 19 بنكا تمثل اكبر بنوك الولايات المتحدة تحتاج إلى زيادة رأسمالها بحوالي 75 مليار دولار لمواجهة خسائرها إذا ما اشتدت أزمة الكساد في الاقتصاد الأمريكي، باقي البنوك التسعة عشر وجد أن وضعها مستقر وأنها قادرة على مواجهة الخسائر في حالة اشتداد درجة الكساد، كذلك أشارت النتائج إلى أن النظام المصرفي في الولايات المتحدة في طريقه للتعافي من الأزمة، وان كان لم يتعاف بصورة كاملة بعد.
الحكومة الأمريكية تأمل في أن تؤدي عملية الإعلان عن هذه النتائج إلى استعادة ثقة المستثمرين، وأنه على عكس ما هو شائع، ليست كل البنوك ضعيفة، وان تلك البنوك الضعيفة يمكن أن يتقوى وضعها المالي، وانه ليس هناك من البنوك الكبرى في الولايات المتحدة الآن ما هو قابل للإفلاس، وان البنوك التي في حاجة إلى زيادة في رؤوس أموالها سوف تعطى مهلة حتى 8 يونيو القادم لكي تضع الخطط المناسبة لذلك لكي تتم الموافقة عليها من قبل الاحتياطي الفدرالي.
من بين العشرة بنوك التي لم تجتز اختبار الضغط المصرفي Bank of America، وهو أكبر البنوك التي في حاجة إلى دعم رأسمالي، قدر بحوالي 34 مليار دولار. بنك أوف أمريكا بدأ البحث بالفعل عن تدبير الـ 34 مليار دولار لزيادة رأسماله بما في ذلك بيع حصته في بنك الصين للإنشاء، أو تحويل الأسهم التفضيلية التي تمتلكها الحكومة إلى أسهم عادية، مما يجعل من الحكومة المساهم الرئيسي في البنك، الجميع ينظر إلى تلك النتائج بالنسبة لبنك أوف أمريكا على أنها أتت على نحو أفضل مما كانوا يتوقعون حول الأوضاع الحقيقية للبنك، وهو ما رفع من درجة توقعاتهم التفاؤلية حول مستقبل البنك في ظل استمرار الأزمة. كذلك أشارت النتائج إلى أن Wells Fargo & Co يحتاج إلى 13.7 مليار دولار، و GMAC ILL يحتاج إلى زيادة رأسمالية بـ 11.5 مليار دولار، و Citigroup يحتاج إلى زيادة رأسماله بـ 5.5 مليار دولار، و Morgan Stanley يحتاج إلى زيادة رأسماله بـ 1.8 مليار دولار. أما الخمس بنوك الأخرى التي تحتاج إلى زيادة رأسمالها فهي بنوك إقليمية وهي Financial Corp. of Birmingham, Ala. (2.5 مليار دولار) و SunTrust Banks Inc. of Atlanta (2.2 مليار دولار) و KeyCorp of Cleveland (1.8 مليار دولار) و Fifth Third Bancorp of Cincinnati (1.1 مليار دولار) و PNC Financial Services Group Inc. of Pittsburgh (600 مليون دولار).
بهذا الشكل تم كشف الستار عن الأوضاع الحقيقية لأكبر البنوك الأمريكية، وتم نشر المعلومات لجمهور المتعاملين في وول ستريت بشفافية تامة، لتزول بذلك حالة الغموض التي سادت لفترة طويلة منذ بدء الأزمة حول الأوضاع الحقيقية لهذه البنوك في القطاع المصرفي في الولايات المتحدة، وقد جاء الإعلان عن نتائج اختبارات الضغط المصرفي بشفافية غير مسبوقة حيث لأول مرة تعلن أسماء البنوك التي تعاني من انخفاض مواردها الرأسمالية، فقد كان يخشى دائما من أن نشر مثل هذه المعلومات يمكن أن يضر بتلك البنوك. الأمر المثير للدهشة أن الأمور لم تسير على هذا النحو. بل على العكس ارتفعت أسعار أسهم تلك البنوك على نحو واضح مع انتشار الأخبار بملاءة البنوك الكبرى في الولايات المتحدة وذلك بفعل الاطمئنان الذي ساد لدى المستثمرين في أسهم تلك البنوك، والذين كانوا يظنون أن الأوضاع أسوأ بكثير مما هو معلن، فجاءت النتائج لكي تطمئن هؤلاء بأن الأمور ليست على هذا النحو السيئ، وأنه لا يوجد أي من البنوك الكبرى من هو معرض للإفلاس مثلما حدث سابقا مع بنك ليمان براذرز، على الرغم من أن بعضها ربما يكون في حاجة إلى زيادة موارده الرأسمالية لمواجهة أسوأ سيناريوهات تطور الأزمة.
النتائج التي توصلت إليها اختبارات الضغط المصرفي، على الرغم من عمقها، أدت إذن إلى آثار ايجابية على أسهم هذه البنوك، لأن هذه النتائج أتت أفضل مما كان يخشاه المستثمرون حول الأوضاع الحقيقية لتلك البنوك. ومن ثم فإن اختبارات الضغط كانت مفيدة لسوق المال، وهو ما يعني أن نشر نتائج اختبارات الضغط المصرفي كان خطوة موفقة للاحتياطي الفيدرالي، حيث أخذت أسعار أسهم تلك البنوك في الارتفاع، على سبيل المثال ارتفعت أسعار سهم بنك أوف أمريكا بأكثر من 9%، وسهم JPMorgan بـ 1.5%، وسهم Third Bancorp 23.4%، و Boston’s State Street Corp بأكثر من 8%، كذلك شجعت هذه النتائج بعض البنوك على المطالبة بإعادة الأموال التي حصلت عليها من الحكومة الأمريكية في ظل برنامج إسعاف الأصول المضطربة Troubled Asset Relief Program (TARP). وتهدف تلك البنوك من هذه الخطوة أولا إلى إثبات تحسن أوضاعها البنوك بصورة واضحة، ومن ثم استعادة ثقة مستثمريها في أداءها العام، وثانيا إلى التخلص من الرقابة الحكومية الصارمة على أعمالها والمصاحبة لاستخدام هذه البنوك لأموال حكومية، غير أن الضوء الأخضر لن يعطى لتلك البنوك لإعادة تلك الأموال إلا بعد أن تثبت أنها قادرة على تعبئة احتياجاتها الرأسمالية من مصادر التمويل الخاصة.
تيموثي جايثنر وزير المالية صرح بأن هذه الاختبارات تؤكد أن البنوك لديها موارد رأسمالية كافية لتمكنها من الاستمرار في علمية الإقراض حتى في ظل الأوضاع الاقتصادية غير الملائمة التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي حاليا، فضلا عن أنها تقدم الشفافية المناسبة لأسواق المال للحكم على مدى قوة القطاع المصرفي في الولايات المتحدة، كذلك وجه الدعوة للبنوك للتخلص من أصولها المسمومة، حتى لو أدى ذلك إلى تحمل خسائر كبيرة فيها.
هذه النتائج لا تعني بالطبع أن القطاع المصرفي في الولايات المتحدة أصبح بأكمله الآن في أمان تام، فما زالت هناك آلاف البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تمثل قروضها في قطاع العقار إلى إجمالي التزاماتها نسبة كبيرة، والمعرضة بالتالي لازمات مالية إذا ما تدهور أداء قطاع العقار على نحو أسوأ، ومن ثم تدهور أداء تلك القروض بشكل يؤثر على الملاءة المالية لتلك البنوك. غير أنه من غير المتوقع أن يؤدي إفلاس أحد هذه البنوك إلى مخاطر نظامية، مثل تلك التي أحدثها انهيار ليمان براذرز، ولكن ذلك لا يعني أن إفلاس هذه البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم لن يؤثر على السوق، ولا شك أن أوضاع مثل هذه البنوك سوف تتطلب معالجة خاصة من الاحتياطي الفدرالي، لضمان سلامة أوضاع القطاع المالي في الولايات المتحدة.
بعض المراقبين ينتقد تلك الاختبارات على أساس أن هدفها الأساسي هو إشاعة جو من الثقة في النظام المالي، والبعض الآخر يشكك في مدى دقة هذه الاختبارات، بصفة خاصة بالنسبة للسيناريوهات القائمة عليها تلك الاختبارات، على أساس أن معدل البطالة المتوقع في عام 2010 أعلى بكثير من المستويات التي أشار إليها السيناريو الأسوأ، كذلك فإن هناك بعض الأخبار التي تشير إلى أن بعض البنوك قد حققت بالفعل خسائر في قطاع العقارات التجارية بأكثر مما توصلت إليه نتائج اختبارات الضغط المصرفي حتى في ظل السيناريو الأسوأ. من ناحية أخرى فان هناك انتقاد آخر لتلك الاختبارات والمتمثل في أنها فشلت في أن تأخذ في الاعتبار مشكلة أساسية تواجه البنوك الأمريكية وهي الأصول العقارية المضطربة في محافظها المالية، والتي تجعل من الصعب على تلك البنوك أن تستكمل عمليات إقراضها على نحو طبيعي.
بالنسبة لنا في الكويت فان الطريقة التي قام بها بنك الكويت المركزي بإجراء اختبارات الضغط المصرفي مثيرة للغرابة، حيث طلب من البنوك أن تقوم بتك الاختبارات بنفسها في ظل مجموعة من الفروض حول معدلات الفائدة وأسعار الأسهم وأسعار العقارات وأسعار النفط واتجاهات الإنفاق الحكومي، ثم تتولى عرض نتائج تلك الاختبارات التي توصلت إليها على البنك المركزي لتقييمها، ولما قامت البنوك بإجراء تلك الاختبارات طلب منها البنك المركزي، حسبما ذكرت القبس في 16/4/2009، أن تعيد تلك الاختبارات على أساس "وضع أصعب السيناريوهات التي تتوقعها في ظل تغيرات محتملة قد تطرأ على السوق، واحتساب حجم الخسائر التي يمكن أن يتكبدها البنك جراء هذه السيناريوهات، وقدرته على مواجهة تلك الخسائر، الأمر الذي يتيح للمركزي تقييم أوضاع البنوك تحت أسوأ الظروف ومن ثم تفعيل أدواته الاستباقية".
من أين للبنوك المحلية القدرة على عكس تلك الفروض على الأداء الاقتصادي الكلي، وبالتالي تقدير احتمالات التوقف عن سداد الأصول المضطربة أو المسمومة في القطاعات المختلفة في الاقتصاد، ومن ثم حساب نصيبها من تلك الخسائر... الخ، حتى تتمكن بالفعل من إجراء اختبار الضغط المصرفي بطريقة صحيحة لتكشف عن احتياجاتها الرأسمالية الحقيقية في ظل أوضاع الأزمة. لا يمكن أن نثق في القدرات الفنية للبنوك المحلية في القيام باختبارات على درجة عالية من التقنية القياسية، مثل اختبارات الضغط المصرفي، خصوصا فيما يتعلق بقياس نتائج سيناريوهات الأداء الاقتصادي على المستوى الكلي وآثارها المتوقعة على أعمال القطاع المالي بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص، ومن ثم على كل بنك على حده، الأمر الذي يعني أن النتائج التي توصلت إليها البنوك المحلية لاختبارات الضغط المصرفي التي قامت بها لنفسها، لا يمكن الوثوق في صحتها على أنها تعكس القدرة الحقيقية لتلك البنوك على مواجهة خسائرها في المستقبل القريب.
الوضع الطبيعي أن الذي يجب أن يقوم بمثل هذه الاختبارات هو البنك المركزي ذاته باعتباره جهة محايدة من ناحية، ولكي يتأكد من سيطرته على صحة تلك الاختبارات والفروض القائمة عليها والسيناريوهات التفصيلية المختلفة الخاصة بمستقبل الاقتصاد المحلي خلال الفترة القادمة في ضوء الفروض المختلفة حول أداء القطاع النفطي وغير النفطي من ناحية أخرى، وتأثيرات ذلك على القطاعات المختلفة. البنك المركزي يملك نموذجين اقتصاديين كليين، الأول سنوي، والثاني ربع سنوي، للاقتصاد المحلي، يفترض أن يتم توظيف هذه النماذج لقياس نتائج السيناريوهات المختلفة حول الأداء الاقتصادي الكلي والقطاعي خلال العامين القادمين، ومن ثم حساب انعكاسات نتائج تلك السيناريوهات على القطاع المصرفي المحلي، ثم عكس آثار تلك النتائج على كل بنك على حده، وإعلان النتائج بشفافية تامة، مثلما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يتم إزالة الغموض المصاحب لحالة عدم التأكد الحالية حول أوضاع البنوك المحلية، في ظل غياب المعلومات عن الأوضاع الحقيقية للبنوك واحتياجاتها الرأسمالية خلال الأزمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق