نشرت القبس يوم الأحد 24/5/2009 تصريحا لمحافظ بنك الإمارات المركزي المركزي، سلطان السويدي، والذي أشار فيه إلى أن «قرار اختيار مقر المصرف المركزي الخليجي (في الرياض) كان سياسيا، ولم يأخذ في الحسبان الميزات التنافسية لدولة الإمارات ولقطاعها المصرفي، ومنها وجود عدد اكبر من البنوك تعمل على أراضيها وتوفر اكبر حجم من الموجودات واكبر حجم لودائع العملاء في المنطقة، فضلا عن حركة التحويلات العالمية التي يمثل نصيب الإمارات منها خمسين في المائة على مستوى الخليج». وأضاف .. أنه «فوجئ بقرار اختيار الرياض مقرا للمصرف المركزي الخليجي كون دولة الإمارات كانت أول من تقدم بطلب استضافته».
والواقع أن كافة المبررات التي ساقها محافظ البنك المركزي الإماراتي لأحقية الإمارات بأن تكون مقر البنك المركزي الخليجي غير صحيحة فنيا فضلا عن عدم موضوعيتها. دعونا أولا نتناول الوظائف التي سيقوم البنك المركزي الخليجي المقترح إنشاؤه بأدائها والتي يمكن اختصارها في الآتي:
- إصدار العملة الخليجية الموحدة بالكميات التي تتوافق مع مستويات النشاط الاقتصادي في دول المجلس
- الحفاظ على المعدل المستهدف للتضخم في دول المجلس
- رسم وتنفيذ السياسات النقدية المناسبة لدول المجلس
- القيام بعمليات التدخل في سوق الصرف الأجنبي لضمان استقرار معدل صرف العملة الخليجية الموحدة
- ضمان استقرار النظام المالي في دول المجلس
- مراقبة أعمال البنوك التجارية في دول المجلس
من الواضح أن كافة الوظائف السابقة لا يحتاج للخصائص التي ساقها محافظ البنك المركزي الإماراتي، عن أهلية الإمارات أكثر من غيرها من دول المجلس لاستضافة المقر. إن إنشاء البنك المركزي الخليجي في منطقة جغرافية ما لا يتطلب أي مزايا تنافسية لهذه المنطقة، فالبنك المركزي الخليجي لا يحتاج إلى دولة لديها مزايا تنافسية في المجال المصرفي كما يرى محافظ البنك المركزي في الإمارات. ذلك أن البنك المركزي الخليجي هو مركز صناعة وتنفيذ السياسات النقدية الموحدة وهو عمل فني ومهني بحت، وليس بنكا لجذب المدخرات أو التحويلات الخارجية، وأن اتساع القطاع المالي داخل أي منطقة ما لا يعني أن أهليتها ستكون أكبر من غيرها لاستضافة مقر البنك المركزي الخليجي. وإذا ما سلمنا بصحة ما ذهب إليه محافظ بنك الإمارات المركزي، فمن الأولى إذن أن يكون موقع البنك المركزي الخليجي في البحرين وليس في الإمارات.
البنك المركزي الخليجي يمكن إذن أن ينشأ في أي بقعة في دول المجلس، حيث أن البنك المركزي هو مجرد مكان لإصدار العملة الخليجية الموحدة، ومقر لمتابعة التطورات في العرض النقدي، ومدى ملائمته مع مستويات الناتج في دول المجلس، ومقرا لرسم السياسات النقدية وتطبيقها ومراجعة الأداء النقدي في دول المجلس، ومراقبة الأوضاع المحلية والعالمية وتقدير آثارها المحتملة على مستويات التشغيل ومعدلات التضخم في دول المجلس، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة للتعامل مع هذه الأوضاع.
هذا بالطبع لا ينفي حق الإمارات بأن تحتضن المقر. من حق الإمارات العربية كغيرها من دول المجلس أن تطالب بأن تكون مقرا للبنك المركزي الخليجي. غير أن الأسباب التي ساقها محافظ البنك المركزي الإماراتي للانسحاب من الوحدة النقدية فيما يتعلق بمقر البنك، ليست مبررا للانسحاب من الوحدة النقدية الخليجية.
من ناحية أخرى فان الإصرار السعودي لاستضافة مقر البنك المركزي الخليجي غير مبرر أيضا، فوضع المملكة العربية السعودية كدولة ذات ثقل اقتصادي في مجلس التعاون، والذي يفوق ثقل ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، يؤدي إلى نشوء نوع من الحساسية السياسية بالنسبة لباقي الدول، ويفترض أن تعطي المملكة العربية السعودية هذا الوضع قدرا أكبر من الاعتبار عند اتخاذ القرارات الخاصة بموقع مؤسسات المجلس. الوزن الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية قد لا يقتضي أن يكون أي من مؤسسات التعاون في المملكة، بما في ذلك مقر المجلس. وبما أن المقر يوجد حاليا في المملكة فان إنشاء البنك المركزي في المملكة السعودية ربما يعطي انطباع لدى الأعضاء الآخرين بتعاظم الثقل السعودي في المجلس وهامشية دور الدول الأخرى الأعضاء. بناءا على ذلك يفترض أن يعطي الجانب السعودي دورا أكبر لباقي الدول الأعضاء، لضمان قدر من التوازن بين الدول الأعضاء في كيان المجلس، ومن ثم ضمان التزام أكبر للدول الأعضاء بسياسات المجلس.
وبعيدا عن الادعاءات الإماراتية، فمن الناحية الموضوعية كان من المفترض أن تتم عملية تحديد المقر المقترح بناءا على دراسات مفصلة في صورة مقترحات تقدمها الدول الأعضاء الراغبة في استضافته، تضم عرضا للمزايا والتسهيلات التي ستمنحها الدولة للمقر لكي يمارس أعماله بسهولة وكفاءة، ومدى مساهمتها في تكاليف انشاءه والمزايا التي ستقدمها لموظفية، والاعفاءات التي تمنحها له .. الخ. ثم يتم تقييم هذه العروض واختيار أفضلها بصورة موضوعية خالصة، وبصورة فنية بحتة.
الانسحاب الإماراتي المفاجئ دون الرجوع إلى باقي الدول الأعضاء يكشف عن حقيقة طالما أشرنا إليها مرارا وهي أن هناك خللا واضحا في مؤسسات المجلس قد لا يؤهل الدول الأعضاء للدخول حاليا في مرحلة متقدمة جدا من مراحل التكامل الاقتصادي وهي تبني وحدة نقدية وإصدار عملة موحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق