الأحد، يونيو ٢٨، ٢٠٠٩

هل شارفت الولايات المتحدة على الإفلاس

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية على حلقتين بتاريخ 20/7/2009 و 25/7/2009
الولايات المتحدة الأمريكية دولة تعيش حاليا خارج حدود إمكانياتها ومواردها، فعلى الرغم من أن عدد سكان الولايات المتحدة يمثل تقريبا حوالي 4.5% من سكان العالم، فإن هذه الدولة تستهلك حوالي 25% من موارد العالم، أي خمس أضعاف نسبة سكانها، ويتم تبرير ذلك بارتفاع مستويات الدخل الفردي والذي بلغ 47000 دولار في 2008. الولايات المتحدة أيضا تستهلك أكثر مما تنتج، وتمول هذا الفرق من خلال استخدام مدخرات الدول الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد مديونية هذه الدولة قبل الدول الأخرى في العالم.

لا يمكن لدولة ما أن تعيش خارج حدود إمكانياتها لفترة طويلة من الزمن، إذ لا بد وأن يأتي يوم ما تتراكم فيها التزاماتها بصورة تعجز معها عن سداد تلك الالتزامات، وحاليا أخذ الدين الفدرالي في الولايات المتحدة في الانفجار حتى بلغ مستويات تاريخية، فقد بلغ الدين العام الأمريكي حتى كتابة هذا المقال 11.370 تريليون دولار (
http://www.brillig.com/debt_clock)، وبما أن عدد سكان الولايات المتحدة يبلغ 306.4 مليون نسمة، فإن نصيب الفرد الأمريكي من الدين العام يساوي 37105 دولارا أمريكيا، وهو ما يضع الفرد الأمريكي في مقدمة أكثر الأفراد المدينين في العالم. من ناحية أخرى فان الدين الفدرالي بهذا الشكل يشكل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا ما استمر الدين الفدرالي في التصاعد بهذا الشكل في المستقبل، وهو أمر مؤكد بسبب العجز المالي الكبير الذي تعاني منه الولايات المتحدة، فإن الدين الفدرالي سوف يقترب من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس القادمة، ومنذ نشوء الأزمة المالية العالمية في العام الماضي والدين العام الأمريكي يزيد بحوالي 3.7 مليار دولار يوميا. ويتوقع أن يشهد عام 2009 فقط إضافة حوالي 2 تريليون دولار إلى الدين الفدرالي.

مع تضخم الدين الفدرالي أخذت مدفوعات الفائدة على هذا الدين في التزايد تبعا لذلك، ففي عام 2008 بلغت مدفوعات الفائدة على الدين الفدرالي 412 مليار دولار، وعلى الرغم من أن معدلات الفائدة على السندات الأمريكية في الولايات المتحدة تنخفض بشكل واضح حاليا وتقترب من الصفر، إلا إن تآكل القوة الشرائية للدولار سوف يدفع بمعدلات الفائدة نحو الارتفاع لاحقا، وهو ما يؤدي، مع تصاعد حجم الدين المحلي، إلى زيادة نسبة مدفوعات الفائدة على الدين إلى إجمالي الإنفاق العام في الولايات المتحدة، وهناك بعض التوقعات التي تشير إلى انه من المحتمل أن تتجاوز مدفوعات الفائدة على الدين الأمريكي في المستقبل التريليون دولارا سنويا.

مع نشوء الأزمة المالية اضطرت الولايات المتحدة إلى تحمل عجز كبير في ميزانيتها لدفع تكاليف عملية الإنقاذ الاقتصادي من تبعات أخطر الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، وقد بلغ عجز الميزانية في العام الماضي أكثر من 1.3 تريليون دولار، أما العجز المتوقع في عام 2009 فيقدر بحوالي 1.75 تريليون دولار، ويتوقع أن ينخفض العجز إلى حوالي 1.1 تريليون في 2010، وهذا العجز لا يشمل خطط الرئيس أوباما بخفض الضرائب أو بزيادة الإنفاق العام. للأسف تتخذ الولايات المتحدة حاليا خطوات لمعالجة الانكماش يمكن أن تؤدي إلى تضخم جامح. فسياسات التيسير الكمي (طبع الدولار) التي يتبعها الاحتياطي الفدرالي حاليا تؤدي إلى ضخ تريلونات من الدولارات الورقية إلى عرض النقود، تحت دعوى أن أسواق الائتمان المجمدة حاليا تحتاج إلى توسع كبير في عرض النقود، وذلك من اجل تنشيط شرايين التجارة للعمل مرة أخرى.

ولكن كيف تسمح الولايات المتحدة للدين الفدرالي بأن يصل إلى تلك المستويات الحرجة؟ الإجابة هي أن ذلك يتم في ظل التوقع بأنه حالما تتعدل الأوضاع وترتفع معدلات النمو الاقتصادي فإن العجز سوف ينخفض كنسبة من الناتج المحلي، ومن ثم ترتفع قدرة الولايات المتحدة على سداد التزاماتها يساعدها في ذلك الوضع الفريد للدولار كعملة احتياط عالمية. غير أن إتباع الحكومة لسياسات التيسير الكمي مع الاحتفاظ بعجز مالي ضخم يمثل المزيج المناسب لنشوء التضخم الجامح. في ظل هذه الحقائق فان هناك بعض الشواهد التي تشير إلى تزايد الشك في قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار كدولة ذات ملاءة مالية على الأمد الطويل لدى المقرضين الخارجيين الأساسيين للولايات المتحدة، ويبدو أن الصين تحاول تنويع استثمارات صندوق ثروتها السيادي شيئا فشيئا بعيدا عن أدوات الدين الأمريكي كتعبير عن قلقها المتصاعد حيال مستويات المديونية المرتفعة للولايات المتحدة، أكثر من ذلك فقد بدأت الصين بالفعل في تحري البدائل الممكنة للدولار كعملة احتياط دولية. ومثل هذه المخاوف الصينية ناشئة أساسا عن المنظور المحتمل للتضخم الجامح والذي يمكن أن يقضي على جانب كبير من القيمة الحقيقية لاستثماراتها الدولارية، ويرجع ذلك إلى إيمان الصين بأن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستمرار في خدمة عبء دينها العام المتصاعد بدون اللجوء إلى التضخم كسبيل لتجنب إعلان الإفلاس الوطني، وهو ما يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للدولار، ومن ثم تراجع استثمارات الصين الدولارية. وفي أول يونيو 2009 صرح السيد/ يو يوندينج المستشار السابق لبنك الصين المركزي (http://www.bloomberg.com/apps/news?pid=20601080&sid=aCV0pFcAFyZw&refer=asia) بأن العالم قد يشهد أزمة مالية أخرى أساسها تراجع الثقة في الدولار إذا لم تحاول الولايات المتحدة زيادة مستويات ادخارها والسيطرة على العجز في ميزانها الجاري.

صورة الدين الفدرالي على الرغم من قتامتها قد تبدو وردية إذا ما قارناها بالعجز المتوقع في برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمرشحة لأن تواجه عجزا مرعبا في المستقبل. ففي خطابه أمام نادي الكومونويلث في كاليفورنيا (http://www.dallasfed.org/news/speeches/fisher/2008/fs080528.cfm) أشار ريتشارد فيشر رئيس الاحتياطي الفدرالي في دالاس إلى أن القيمة الحالية لتوقعات التزامات الضمان الاجتماعي غير الممولة في الولايات المتحدة تبلغ حوالي 13 تريليون دولار. غير أن هذا المبلغ الضخم يعد معقولا جدا بالنسبة للقيمة الحالية لتوقعات عجز برنامج الرعاية الصحية والذي يتكون من 3 أجزاء هي الجزء (أ) والذي يشمل الإقامة في المستشفيات، والجزء (ب) والذي يغطي الزيارات للأطباء، والجزء (د) والذي يغطي دعم الدواء. ووفقا للسيناريوهات التي عرضها فيشر فان القيمة الحالية للالتزامات غير الممولة للجزء (أ) تبلغ 34.4 تريليون دولار، والجزء (ب) حوالي 34 تريليون دولار، أما العجز في الجزء (د) فيصل إلى حوالي 17.2 تريليون دولارا، أي أن العجز المتوقع في برامج الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يبلغ 85.6 تريليون دولارا، أي أكثر من 6 أضعاف العجز في الضمان الاجتماعي، وهو أيضا أكثر من ثمانية أضعاف الدين الفدرالي وأكثر من خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. وإذا ما تمت إضافة العجز المتوقع في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في الولايات المتحدة، فإن إجمالي العجز المستقبلي المتوقع في البرنامجين يصل إلى حوالي 100 تريليون دولار، وهو رقم مرعب حقا. إذ يعني هذا العجز أن التزامات الخزانة العامة تصل إلى حوالي 330 ألف دولار للفرد الأمريكي الواحد، أو حوالي 1.3 مليون دولار لكل أسرة مكونة من أربعة أفراد، هذا العجز يساوي 25 ضعف متوسط نصيب الفرد من الدخل، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف للولايات المتحدة أن تواجه هذه الأعباء الضخمة؟ ولذلك لم يكن مستغربا أن يعلن الرئيس أوباما أمام الاجتماع السنوي للجمعية الطبية الأمريكية أن "الولايات المتحدة قد تسير على طريق جنرال موتورز"، أي نحو الإفلاس "إذا لم يتم إصلاح نظام الرعاية الصحية" (http://news.bbc.co.uk/2/hi/americas/8100605.stm)، ذلك أن أحد أسباب اضطراب جنرال موتورز وكرايزلر هي التكاليف الضخمة التي تكلفتها في سبيل توفير الرعاية الصحية لكافة عمالها، وهو ما جعل الشركتين أقل ربحية ومن ثم اقل تنافسية في مقابل باقي مصنعي السيارات عبر العالم. الولايات المتحدة تسير إذن حاليا على نفس الطريق ما لم تتخذ إصلاحات هيكلية في برامج رعايتها الصحية. وقد كان إصلاح نظام الرعاية الصحية أحد وعود أوباما الانتخابية، وحاليا يوجد حوالي 50 مليون أمريكي بدون تأمين صحي، وقد اقترح أوباما خطة من 10 سنوات تتكلف حوالي 1.6 تريليون دولار لكي تصبح الرعاية الصحية متاحة لكل الأمريكيين. وتشمل خطط أوباما الإصلاحية تشجيع المنافسة بين شركات التأمين الصحي لجعل تكاليف التأمين الصحي معقولة لكافة المواطنين.

عجز ميزان المدفوعات الأمريكي كان أيضا من الناحية الكلاسيكة أحد أسباب اضطراب نظام المدفوعات على المستوى العالمي، وهناك 3 أنواع من عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، الأول العجز التجاري حيث تستورد الولايات المتحدة أكثر مما تصدر، والثاني هو العجز الناجم عن حركات رؤوس الأموال، حيث تشتري الشركات الأمريكية شركات أجنبية، والعجز الثالث وهو الأهم وهو العجز الناجم عن إنفاق البنتاجون في الخارج، والذي يمثل الإنفاق العسكري الأمريكي. وخلال الخمسة عقود السابقة كان الإنفاق العسكري الأمريكي مسئولا عن جانب كبير من العجز في ميزان المدفوعات، ولتمويل اقتصاد في حالة حرب شبه دائمة أغرقت الولايات المتحدة العالم بالدولارات، وتذهب هذه الدولارات بعد استبدالها بالعملات المحلية إلى البنوك المركزية، وهنا تواجه البنوك المركزية للدول المختلفة مشكلة أساسية وهي أنه لا بد من إنفاق هذه الدولارات في الولايات المتحدة، وإلا فان معدل صرف عملاتها بالنسبة للدولار سوف يأخذ في التزايد، الأمر الذي يؤثر بصورة سلبية على تنافسية صادراتها، ومن ثم لا تجد هذه البنوك خيارا آخر سوى إعادة تدوير هذه الأموال في الولايات المتحدة من خلال شراء الدين الحكومي، أي أنها وبشكل غير مباشر تمول الإنفاق العسكري الأمريكي، وقد مكن مثل هذا الوضع الفريد الولايات المتحدة من أن تطبع الدولار بدون أي قيود لشراء وارداتها من الخارج ولتمويل توسعاتها العسكرية. غير أن بعض الشواهد تشير إلى أن هذا الوضع بدأ ينحسر الآن، وأنه إذا ما توقفت الدول الأخرى عن شراء السندات الأمريكية قد يصبح من غير الممكن للولايات المتحدة الاستمرار في الإنفاق العسكري على النحو الذي تسير عليه الأمور حاليا، وهي معضلة إستراتيجية، فالولايات المتحدة في حاجة مستمرة إلى تعزيز إنفاقها العسكري كقوة عظمى ولتثبيت سيطرتها في عالم أحادي القطب، ومن ثم فإنه إذا ما أصرت على الاستمرار في إنفاقها العسكري عند مستوياته الحالية فلا بد وان تنخفض دخول الأمريكيين بشكل كبير من خلال الضرائب، وقد بلغت ميزانية الإنفاق العسكري الأمريكي في عام 2008 حوالي 623 مليار دولار.

وحاليا يطمئن الرئيس أوباما وكذلك وزير خزانته تيموثي جايثنر الجميع بإمكانية استدامة الوضع الحالي وأنه حالما تنتهي الأزمة سوف تعود الولايات المتحدة مرة أخرى إلى إتباع سياسات مالية متحفظة. غير أن البعض يشكك بشدة في إمكانية حدوث ذلك طارحين 3 سبل للخروج من الخلل المالي الذي تعاني منه الميزانية الأمريكية وهو أولا: زيادة الضرائب على نحو كبير، أو خفض الإنفاق الحكومي بشكل جذري، وهما خياران مستبعدان في ظل ظروف الأزمة، أو ثانيا: السماح بتضخم جامح لتخفيض القيمة الحقيقية للدين المحلي ومن ثم تدمير قيمة الدولار، أو ثالثا: التوقف عن سداد الدين الفدرالي وهو ما يعد إعلانا رسميا بالإفلاس. ومما لا شك فيه أن إعلان التوقف عن السداد سوف يحمل آثارا رهيبة على النظام الاقتصادي العالمي، سواء المالي أو الاقتصادي أو على صعيد العلاقات الدولية أو التحالفات الإستراتيجية.

إن استمرار عجز ميزان المدفوعات وتزايد عجز الميزانية ومن ثم تصاعد الدين الأمريكي، مع سياسات نقدية تضخمية لا تعطي خيارا للدول ذات الفوائض الدولارية سوي محاولة تجنب تراكم تلك الفوائض الدولارية لديها، وقد حاولت الصين أن تنوع من محافظها الدولارية بعدم الاقتصار على الاحتفاظ بالسندات الدولارية، ولكن بدون نجاح حتى الآن على ما يبدو. وفي زيارته إلى الصين صرح تيموثي جايثنر وزير الخزانة الأمريكي بأن عجز الميزانية الأمريكي يصل حاليا إلى حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة، إلا أن جايثنر أعلن أن الولايات المتحدة تخطط إلى تخفيض العجز إلى حوالي 3%، والواقع أن جايثنر لم يكن مقنعا خصوصا وأنه لم يوضح من الناحية الحسابية كيف يمكن الوصول إلى تلك المستهدفات، فالوضع الأمريكي في غاية الصعوبة، فلا يمكن رفع معدلات الضرائب في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وفي ضوء الجمود النسبي للإنفاق العام الأمريكي وتكلفة حربين لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفك التزاماتهما فيهما، يصبح من الصعب الحديث عن السيطرة على عجز الميزانية. وفي محاولة لتهدئة المخاوف الصينية أشار جايثنر إلى أن الأصول الاستثمارية المالية في الولايات المتحدة آمنة جدا، وأن إدارة أوباما ملتزمة بسياسة الدولار القوي، وهي سياسة لم تثمر حتى هذه اللحظة. الصين أيضا شغوفة حاليا لمعرفة كيفية السيطرة على نمو السيولة في الولايات المتحدة، والآليات التي من خلالها سوف يتم سحب تلك السيولة مستقبلا من الاقتصاد الأمريكي لكي تتجنب مخاطر التضخم.

وتبذل حاليا جهودا من قبل الصين وروسيا بصورة أساسية لاستبدال الدولار كعملة احتياط دولية بعملة أخرى، وإذا ما نجحت تلك الدول فان الدولار سوف ينخفض بشكل كبير. فقد وقعت الصين اتفاقيات مع البرازيل وماليزيا بأن تتم تسوية الصفقات التجارية الثنائية بينها من خلال اليوان الصيني أو الجنيه الإسترليني أو اليورو بدلا من الدولار، كذلك وعدت روسيا بأنها سوف تبدأ عقد صفقاتها التجارية بالروبل والعملات المحلية للدول التي تتاجر معها، كذلك تحاول الصين التخلص جزئيا من احتياطياتها الدولارية من خلال شراء مصانع وأصول عبر دول العالم، فبما أن الولايات المتحدة ترفض أن تبيع أي من صناعاتها عالية التقنية للصين، فان الصين لا تجد خيارا آخر سوى شراء تلك الأصول خارج الولايات المتحدة في ظل توقعها أن يفقد الدولار قيمته بسرعة في المستقبل.

ولكن السؤال الأساسي هو هل يستطيع المدخرون بالدولار الاتجاه بمدخراتهم بعيدا عن الدين الأمريكي، الإجابة لحسن حظ الولايات المتحدة قد تبدو لا، وفي رأيي فإن فرص نجاح تلك المحاولات تعد شبه معدومة بسبب عدم وجود بديل جاهز حاليا أو في المستقبل القريب للدولار. وفي مقال سابق حول دور الدولار كعملة احتياط دولية نشرته القبس ذكرنا أن محافظ البنك المركزي الصيني اقترح وقف استخدام الدولار كعملة احتياط واستخدام وحدات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي كعملة احتياط دولية بدلا من الدولار، وعددنا الأسباب التي تحول دون نجاح هذا المقترح حاليا (http://economyofkuwait.blogspot.com/2009/04/blog-post_20.html).

الوضع المالي للولايات المتحدة إذن حرج للغاية، ويدور التساؤل حاليا وبقوة حول ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستجبر على إعلان إفلاسها بعد أن دخلت مديونية الولايات المتحدة الخطوط الحمراء حول المعدلات الآمنة لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ليس أمرا مستبعدا أن تفلس إمبراطورية، إلا أن التاريخ يخبرنا بأن الإمبراطوريات التي تفلس تفقد قوتها على الصعيد العالمي. لحسن الحظ فإن السيناريو الحالي تكرر، وربما بصورة أسوأ، في أعقاب أزمة 1929، وخرج الاقتصاد الأمريكي من الأزمة معافى دون أن تضطر الحكومة الأمريكية إلى إعلان إفلاسها، ومن المؤكد أن الاقتصاد الأمريكي يملك من القوى التي تمكنه من أن يحول دون بلوغ حافة الإفلاس، وللحيلولة دون ذلك فان الولايات المتحدة في حاجة إلى مراجعة شاملة لسياسات الإنفاق، بما في ذلك إنفاقها العسكري، وبرامج الرعاية الصحية والاجتماعية، وإتباع سياسات تقشفية للسيطرة على العجز المتصاعد في ميزانيتها الفدرالية، ورفع معدلات الادخار المحلي لتقليل اعتمادها على مدخرات العالم الخارجي، وهي سياسات قد تبدو غريبة على مسامع الفرد الأمريكي، إلا أنها ضرورة أساسية للحيلولة دون لجوء الولايات المتحدة إلى إعلان إفلاسها.

السبت، يونيو ٢٧، ٢٠٠٩

الديمقراطية ترف لا يتحمله مستقبل الأجيال القادمة

لست من أعداء الديمقراطية، ولا أفضل الحكم الأوتوقراطي، ولكن إذا أصبحت الديمقراطية عائقا أمام التنمية، وسبيلا لضياع الموارد وهدر القدرات والإمكانيات، أو على الأقل تضييعا للوقت، فليس هناك حاجة إليها. من الواضح للعيان أن هناك مشكلة في صيغة الممارسة الديمقراطية الحالية، والتي تجعل كل عضو عبارة عن حزب مستقل بذاته، حيث مطلوب من كل عضو أن يحارب على جبهته الانتخابية بمفرده، ومطلوب منه أيضا أن يقدم كشف حساب لناخبيه عند عودته مرة أخرى ليطالبهم بإعادة انتخابه، الأمر الذي يجعل العضو دائما تحت ضغوط ناخبيه لكي يضمن مقعده في المجلس التالي. وكلنا يعلم ما هي ضغوط الناخبين.

أعلم أن الكثير لن يعجبه حديثي هذه المرة، ولكن دعونا نكون صادقين مع أنفسنا، ما الذي عاد علينا من هذه المؤسسة خلال الفترة الماضية؟ كيف كان يمكن أن تكون أوضاع التنمية لدينا بدون هذا البرلمان، لو وضعت مسئولية اتخاذ القرار في أشخاص هم محل ثقة الجميع. كم موظف تم الزج به في أروقة الحكومة من خلاله؟ كم مسئول لا يستحق موقع ما وهو غير مؤهل له ووضع فيه بسببه؟ كم معاملة خاصة اجبر المسئولين على توقيعها من خلال أعضاءه؟ كم حجم الموارد التي أهدرت بمباركة منه؟ كم مرة ادخل البلد في أزمات سياسية لتتعطل فيها الجهود وتضيع فيها الطاقات في مناقشة محاور استجواباته المثيرة للجدل؟ كم مشروع إنتاجي تم رفضه من خلاله بدعوى أو بأخرى؟ بل كم خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وافق عليها أو أقرها؟ كم مرة أوقفت القرارات والخطط والبرامج لحين انتخاب أعضاءه؟... كم ...؟.

من الواضح أن الكويت تدفع ثمنا باهظا للاحتفاظ بهذه المؤسسة. كفانا تأزيما سياسيا يجعل قطار التنمية محلك سر، تجربتنا الديمقراطية جعلت من حولنا يخاف من مجرد السماح بإنشاء برلمان، بل ويستشهد بما يحدث لدينا للتعبير عن مساوئ الديمقراطية. أوضاعنا الاقتصادية لا تتحمل ما يصر البعض على أن يدخل هذا البلد فيه. دعونا نستبدل مجلس الأمة بمجلس شورى أو مجلس استشاري أو مجلس للحكماء أو أي صيغة أخرى تمكننا من أن نملك ديناميكية صناعة القرار، بدلا من الشلل التنموي الذي نحن فيه. مشاريعنا تنهار واحدا تلو الآخر بين إلغاء وتأجيل، والجميع لا يملك سوى الوقوف لكي يتفرج على ما يحدث. إن التنمية لا تحتاج لمجلس أمة إذا ما كان من ألد أعداءها، دعونا نضحي بالمجلس من أجل مصلحة الكويت ومستقبل أجيالها. نحن في حاجة إلى أن نخرج أنفسنا مما نحن فيه والذي يستهلكنا حتى الرمق الأخير، ويجعل الوقت يضيع من أيدينا ونحن نقف موقف المتفرج بين معارك مفتعلة، للأسف نحن لا نملك رفاهية تضييع الوقت كما يتصور البعض، فالوقت الذي يفصلنا عن نهاية عصر النفط أصبح قصيرا جدا، أقصر من تصورات أي أحد، ماذا سنقول لأجيالنا القادمة؟ كنا نتشدق بالديمقراطية وفي خضم ذلك نسينا أن نعد لكم مستقبلا يليق بكم!، ما أسخفها من إجابة!!!

السبت، يونيو ٢٠، ٢٠٠٩

أزمة الشاحنات بين الإمارات والسعودية

تصاعدت في الفترة الأخيرة ما أسمي بأزمة الشاحنات المحملة بالبضائع القادمة من الإمارات إلى المملكة العربية السعودية، حتى بلغ طول طابور الشاحنات حسب بعض التقارير 35 كيلو مترا عند منفذ الغويفات الحدودي. وقد تم تبرير التشدد السعودي حسب المصادر السعودية بأنه يعود إلى أسباب أمنية التي تهدف أساسا إلى منع تهريب المخدرات والخمور إلى المملكة التي تأتي من الإمارات. بينما أشارت مصادر سعودية أن سبب معوقات انسيابية حركة الشاحنات هو عدم اكتمال المستندات والوثائق اللازمة لدخول تلك الشاحنات، وعدم توفر شروط دخول الترانزيت، فضلا عن عدم التقيد بالمواصفات الخليجية للنقل وذلك من حيث الارتفاعات والأبعاد وعدم امتثال سائقي الشاحنات لأوامر الجمارك، ولكن هل هذه المعوقات مستحدثة بالشكل الذي يبرر هذه الإجراءات الجديدة على الحدود. الأزمة على الرغم من انتهاءها إلا أنها أبرزت عدة نقاط مثيرة للاهتمام:

الأولى أن توقيت التطبيق في فصل الصيف لم يكن مناسبا على الإطلاق من الناحية المناخية، خصوصا في ظل تصاعد درجات الحرارة إلى مستويات مرتفعة، مما جعل عملية انتظار الشاحنات بالنسبة لسائقي الشاحنات في الصحراء أشبه بالانتظار في الجحيم، خصوصا في ظل عدم توافر التسهيلات المناسبة للانتظار على الحدود، وهو ما أدى خلق مأساة إنسانية لسائقي الشاحنات، الأمر الذي دفع الهلال الأحمر الإماراتي إلى تقديم الطعام والمياه لسائقي الشاحنات كما شكل الهلال الأحمر فريقا من الأطباء المتطوعين وأخصائيي الإسعافات الأولية.

الثانية: أن توقيت التطبيق تزامن مع قرار الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من الوحدة النقدية، الأمر الذي جعل بعض المعلقين ينظرون إلى القرار الإماراتي ورد الفعل السعودي بتشديد الرقابة على تدفقات السلع من الإمارات إلى السعودية، على انه نوع من العقاب السعودي لشقيقتها الإمارات، وهو ما نفته السعودية. وقد أشارت صحيفة جلف نيوز عن المدير العام للجمارك الإماراتية أن السعودية لم تقدم دليلا ماديا على أنه هناك مواد ممنوعة تهرب من الإمارات إلى المملكة. من ناحية أخرى أشار بعض المراقبين إلى أن هذه الإجراءات تطبق بصفة أساسية على الحدود الإماراتية وليس على الحدود الأخرى للمملكة مع باقي دول المجلس، وهو أمر لم نتأكد منه. ولكننا لم نلاحظ تقارير مماثلة على الحدود الأخرى للمملكة مع باقي دول المجلس، وربما يكون ذلك بسبب ارتفاع حجم التجارة البينية بين الإمارات والمملكة، كما دفعت الازمة البعض إلى الادعاء بأن موظفي الجمارك السعوديين يطيلون الإجراءات على نحو يبدو متعمدا من أجل خنق حركة المرور بين البلدين.

الثالثة: من المفترض أن هناك اتحادا جمركيا بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون، والذي يتكون من الدول الست الأعضاء بما فيها الإمارات كعضو، فضلا عن ذلك فان كل من المملكة والإمارات أعضاء في السوق الخليجية المشتركة، وفي ظل هذه الظروف يفترض تدفق السلع بين الدولتين بنفس السهولة التي تتدفق بها داخل الدولة الواحدة بدون أية معوقات إدارية، ومن المفترض من الناحية النظرية انه في حال نية أي دولة في اتخاذ إجراءات إضافية أن يتم إبلاغ باقي الدول الأعضاء، والتأكد من أن الإجراءات الجديدة على الحدود سوف يتم تطبيقها من خلال استعداد اكبر من الجانب الذي سيطبق تلك الإجراءات بما يضمن مرة أخرى التدفق السلس للتجارة البينية. غير انه من الناحية النظرية يفترض أن تكون كافة إجراءات الدخول واحدة في دول المجلس كونها أعضاء في سوق خليجية مشتركة.

الرابعة: أظهرت الأزمة أنه ربما تكون مشكلة حقيقية على الحدود بين دول المجلس، حيث تحتاج البنى التحتية للتجارة البينية بين دول المجلس إلى تطوير كبير بحيث تكون إجراءات الدخول واحدة، ومستندات الدخول واحدة، وإدخال نظم المعلومات الحديثة وأجهزة التفتيش الحديثة وسبل أخذ بصمات السائقين، وتوسيع المنافذ بين دول المجلس بما يضمن سرعة تخليص الإجراءات على الحدود ومن ثم ضمان سهولة تدفقات السلع بين دول المجلس.

الأربعاء، يونيو ١٧، ٢٠٠٩

فقاعة أسعار لاعبي كرة القدم، هل تؤدي إلى أزمة مالية كروية؟

هل هذه الأرقام حقيقية؟

أصبت بدهشة كبيرة عندما قرأت عن السعر الذي دفع في لاعب الكرة البرتغالي كريستيانو رونالدو المصنف كأفضل لاعب من قبل الفيفا في العالم لهذا العام، إذ خلصت إلى نتيجة مفادها "أن الأزمة المالية العالمية سوف تتكرر وبصورة أخرى في صناعة كرة القدم". فقد اشترى نادي مانشستر يونايتد الانجليزي اللاعب رونالدو في عام 2003 في مقابل 12.24 مليون جنية استرليني (حوالي 20 مليون دولار أمريكي بمعدل صرف اليوم)، وفي يونيو 2009، أعلن نادي مانشستر يونايتد انه قد تلقى عرضا لبيع رونالدو في مقابل 80 مليون جنية استرليني (131 مليون دولار أمريكي) إلى نادي ريال مدريد الاسباني، وهو سعر أقل ما يوصف بأنه سعر تاريخي، حيث يبدو ان الثمن الريعي للاعبي كرة القدم يتزايد بسرعة صاروخية.

ما الذي يدفع ناديا مثل ريال مدريد الى دفع 131 مليون دولار ثمنا لضم لاعب واحد، وما هي الميزانية الرأسمالية التي يحتاجها أي نادي كرة قدم من أجل الاستثمار في شراء اللاعبين، بصفة خاصة المشهورين منهم لتكوين فريق تنافسي لكرة القدم. وفقا لهذه النتائج فإن رونالدو كان الدجاجة التي تبيض ذهبا لمانشستر يونايتد. فقد حقق مانشستر يونايتد أرباحا مباشرة تعادل حوالي 550% في عملية شراء وبيع رونالدو، وبمعنى آخر فإن سعر رونالدو كان يتزايد بنسبة 100% في المتوسط سنويا خلال الفترة التي قضاها مع مانشستر يونايتد، لا يوجد في عالم اليوم استثمارا يحقق هذا القدر الهائل من العوائد، ويبدو أنه نفس الدافع لدى ريال مدريد لضم نفس اللاعب، فكيف يدفع هذا الرقم الضخم جدا للاعب كرة قدم دون التأكد من أن اللاعب يساوي من الناحية الفعلية أكثر من المبلغ الذي سيدفع فيه. من المؤكد أن القيمة الحالية لتدفقات العوائد المستقبلية المباشرة وغير المباشرة لشراء رونالدو تفوق بشكل كبير مبلغ الـ 131 مليون دولار الذي سيدفع فيه الآن، وإلا لما أقدم ريال مدريد على عرض هذا الرقم الضخم لضم اللاعب. الامر المثير للقلق هو أنه يبدو أيضا أن صناعة كرة القدم بدأت تواجه حالة مضاربة شديدة على النجوم، بصفة خاصة المشهورين منهم، وهو ما يعكس حالة الرواج الشديد الذي تعيشه الصناعة حاليا، ويبدو أنها تحقق أرباحا طائلة حتى في ظل مناخ الأزمة العالمية.

فقاعات الأسعار ليست قاصرة إذن على المساكن والأسهم وغيرها من الاصول المالية، وإنما امتدت اليوم لتطال لاعبي كرة القدم. فقاعة أسعار لاعبي كرة القدم إذا انفجرت فقد تؤدي إلى إفلاس بعض نوادي كرة القدم خصوصا في ظل سيادة نمط جديد من المضاربة على أسعار النجوم، أو على الأقل سوف يترتب عليها رفع تكلفة المشاهدة، إما من خلال رفع اسعار تذاكر الدخول أورفع تكلفة حقوق البث للمباريات لمجاراة الأسعار الفلكية للنجوم، الأمر الذي قد يؤثر على شعبية اللعبة، أو على الاقل على فرص محدودي الدخل في الحصول على حق مشاهدة مباريات اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والتي يتزايد الاتجاه نحو حصر حقوق بثها الى القنوات التجارية، بحيث لم تعد مشاهدة مباريات كرة القدم مجانية تقريبا.

الاثنين، يونيو ١٥، ٢٠٠٩

مطلوب المزيد من الجامعات الحكومية في الكويت

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية بتاريخ الأحد 5/7/2009

تفاجئنا الصحف من وقت لآخر بتقارير مذهلة عن طبيعة الجامعات الخارجية التي يسجل فيها بعض الطلبة الكويتيين الذين يدرسون في الخارج، ملف الجامعات الخارجية أصبح من الملفات الشائكة التي تحتاج بالفعل إلى عناية خاصة من وزارة التعليم العالي، لخطورة النتائج التي تترتب عليه. يوم الاثنين 15/6/2009 صدرت القبس بعنوانها الرئيسي "طوفان الشهادات الوهمية"، وقد أشارت القبس ضمن الملف إلى أنه وفقا للأرقام الرسمية فإن هناك 13711 طالبا يدرسون في جامعات العالم خارج دولة الكويت، بينما أوضحت الصحيفة أن الرقم الحقيقي 34707 طالبا وطالبة. إذا كانت هذه الأرقام صحيحة فإن ذلك يعني أن هناك حوالي 21 ألف طالبا وطالبة مسجلين في جامعات لا تعترف بها وزارة التعليم العالي في الكويت. هذا الرقم يساوي تقريبا عدد الطلبة المسجلين في جامعة الكويت، الشيء المؤكد أن هؤلاء سوف يعودون يوما ما بشهاداتهم التي لا نعلم كيف حصلوا عليها، ومن المؤكد أيضا أنهم وأولياء أمورهم ومن سوف يستعينون بهم سيشكلون جماعات ضغط للاعتراف بتلك الشهادات حماية لمستقبل هؤلاء الخريجين من الضياع بعد أن أضاعوا أحلى سنوات عمرهم في الحصول على تلك الشهادات. بغض النظر عن مدلولات هذا الرقم، فان الإقبال الشديد على التعليم في الخارج يعني أن هناك مشكلة عرض حقيقة لخدمات التعليم العالي في الداخل، بصفة خاصة التعليم العالي الحكومي.

عدد سكان الكويت يقترب حاليا من 3.5 مليون نسمة تخدمهم جامعة حكومية واحدة هي جامعة الكويت. صحيح أن هناك عدد من الجامعات الخاصة الآن في الكويت، إلا أن تلك الجامعات لا يمكن أن تكون بديلا كاملا للجامعات الحكومية. فالجامعة الحكومية تتمتع بالعديد من المزايا أهمها انخفاض تكلفة التعليم على الطالب الملتحق بها، ومن فإنها ثم تمثل البديل المثالي للطلبة ذوي الدخول المنخفضة، كما تخضع لقواعد محددة من حيث نسب القبول وأعداد المقبولين لضمان حدا أدنى من المستوى التعليمي للطالب الذي يتم التحاقه بها، كما تخضع لمعايير محددة فيما يتعلق بنوعية أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وبرامج تنمية مستوياتهم العلمية والمهنية، كما تخضع برامجها التعليمية لقواعد محددة من حيث التصميم وفقا للقواعد المتعارف عليها عالميا، فضلا عن سيطرة الدولة بشكل عام على مخرجاتها وتوجهاتها وخططها..الخ. من المؤكد أن جامعة حكومية واحدة لا تكفي دولة الكويت، ذلك أنه باستخدام المؤشرات المتعارف عليها عالميا بالنسبة لعدد الجامعات لكل مليون من السكان فان الكويت تواجه نقصا واضحا في العرض من الجامعات الحكومية العامة.

مشكلة الجامعات الحكومية هي التكاليف الكبيرة المصاحبة لها، خاصة في ظل عدم استقلالية إدارات تلك الجامعات في تعبئة الموارد المالية التي يمكن أن تحصل عليها الجامعة من المجتمع، ولعل مشروع الجامعة الجديدة في منطقة الشدادية أكبر مثال على ذلك، فالميزانية المرصودة للجامعة الجديدة اقل ما توصف به أنها "ميزانية فلكية"، حيث أن المطلع على تكاليف إنشاء الجامعة الجديدة يصاب بصدمة شديدة. البنى التحتية الحالية لجامعة الكويت، من وجهة نظري، ليست بهذا القدر من السوء بحيث يتطلب الأمر إنشاء مقر بديل، لذلك اقترح، تعظيما لاستفادة دولة الكويت من مواردها المالية، أن يتم إلغاء مشروع الجامعة الجديدة في الشدادية، والإبقاء على جامعة الكويت في مقرها الحالي، واستخدام الميزانية الكبيرة المخصصة للجامعة الجديدة في الشدادية في إنشاء عدد من الجامعات الجديدة صغيرة الحجم في المحافظات، وحبذا لو كانت تلك الجامعات جامعات تخصصية، وذلك لتخفيف الضغط على جامعة الكويت من ناحية ولتوفير فرص أكبر للتعليم الجامعي المجاني للعدد المتزايد من خريجي الثانوية العامة الآن وفي المستقبل من ناحية أخرى، ومحاربة الاتجاه نحو التعليم التجاري داخل وخارج الكويت من ناحية ثالثة.

ولأن جامعة الكويت هي الجامعة الحكومية الوحيدة، ونظرا لضيق الطاقة الاستيعابية للجامعة بسبب قيود المكان والموارد، فان الحد الأدنى لنسب الالتحاق بالجامعة الحكومية الوحيدة من خريجي الثانوية العامة يعد كبيرا جدا بالمقاييس العالمية، لذا لا يجد طالب الثانوية العامة الذي يرغب في استكمال تعليمه الجامعي خيارا آخر سوى اللجوء إلى الالتحاق بالجامعات الخاصة في الكويت، أو الخروج للالتحاق بجامعة أو مؤسسة تعليمية خارج الكويت، وهنا تقع الكارثة. الجامعات الخاصة في الكويت تخضع لعملية تقييم دوري من قبل مجلس الجامعات الخاصة، وإن كنت أرى أن الأمر يتطلب جهدا أكبر في عملية التدقيق من خلال مجلس وطني للاعتماد الأكاديمي تخضع له كافة المؤسسات التعليمية في الكويت والخارج سواء أكانت تلك المؤسسات عامة أو خاصة، عندما بدأت مشكلة جودة الجامعات الخارجية التي يلتحق بها الطلبة الكويتيين في الخارج تتفاقم، أرسلت وزارة التعليم العالي لجانا للوقوف على مستويات جودة التعليم في الجامعات الأجنبية. لجان التقييم التي أرسلتها وزارة التعليم العالي من أساتذة جامعة الكويت لتقييم الجامعات الخارجية وقفت على حقائق مذهلة عن تلك الجامعات، لدرجة أن بعضهم وصف الجامعات التي يلتحق بها الطلبة الكويتيين في الخارج "بالدكاكين التي تبيع الدرجات الجامعية الوهمية لمن يدفع". منذ فترة أيضا فوجئنا بتقرير نشرته القبس حول عمليات تزوير لشهادات الدراسات العليا بصفة خاصة الدكتوراه من قبل مقاولين متخصصين في الدراسات العليا لتأمين الشهادة المعترف بها لمن يدفع، أنها أيضا شبكة خبيثة وظاهرة خطيرة تحتاج إلى وقفة جادة من قبل وزارة التعليم العالي.

قوة العمل المتعلمة جيدا والمدربة فنيا على أعلى مستوى هي أساس أي اقتصاد تنافسي في عالم اليوم. ونوعية المؤسسات التعليمية التي ننشئها والخريجين الذي يتخرجون منها هي سلاحنا الذي سنواجه به المستقبل بكل ما يحمله لنا من تحديات. ومما لا شك فيه أن جودة العملية التعليمية هي اخطر القضايا التي تهتم بها المجتمعات المتقدمة على الإطلاق، ربما أخطر من أي قضية أخري، فعلى أساسها تتحدد فرص تلك المجتمعات للنهوض والرقي في المستقبل. عندما اختلت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان لصالح الأخيرة أرسلت الولايات المتحدة فرقا لدراسة النظام التعليمي الياباني، لأنها تؤمن بأن الاقتصاد التنافسي في اليابان لا بد وان يرتكز أساسا على نظام تعليمي مرتفع الجودة. ليس هناك إذن أدنى شك في أن التعليم هو عماد الاقتصاد.

موضوع الشهادات الوهمية موضوع في غاية الخطورة والأهمية في ذات الوقت، فكل شهادة وهمية يحصل عليها خريج كويتي هي أيضا مشروع وظيفة حكومية في المستقبل، لأنه من المؤكد أن حملة الشهادات الوهمية سوف يصعب عليهم أن يجدوا سبيلا سهلا لهم في القطاع الخاص، حيث تلعب معايير الكفاءة والإنتاجية الدور الأساسي في عملية التوظيف والبقاء في الوظيفة، وبما أن الوظيفة الحكومية شبه حق تقريبا لكل من يحمل الشهادة التعليمية، فان أروقة الحكومة والقطاع العام إن آجلا أو عاجلا سوف تستقبل هؤلاء كموظفين جدد بها، لتبدأ معهم معاناة الجميع. وبتدقيق النظر سوف نجد أن كل شهادة وهمية هي أيضا مشروع موظف غير كفئ أو غير منتج أو خامل أو ربما موظف فاسد، ببساطة شديدة كل شهادة وهمية حاليا هي مشروع قنبلة موقوتة في الجهاز الحكومي مستقبلا. ومن الممكن أن تحدث الطامة الكبرى عندما يتحول صاحب الشهادة الوهمية إلى مسئول كبير في الدولة، وذلك إذا استطاع، بالواسطة أو بأي وسائل أخرى، أن يتحول إلى مدير على رأس العمل أو ربما مسئول رفيع، فتضيع لديه الأولويات، ويهدر موارد الدولة بسبب عدم كفاءته أو نقص قدراته. أو ربما قد يفكر صاحب الشهادة الوهمية، بصفة خاصة حملة شهادات الدراسات العليا، في الترشيح إلى مجلس الأمة ويضمن مقعده من خلال إحدى الفرعيات ليترأس بذلك لجان تقييم برامج الدولة وخططها وتوجهاتها المستقبلية، ويشترك في القرارات المصيرية للدولة، ويمثل الدولة من خلال اللجان البرلمانية المختلفة بل ويقترح مشاريع للقوانين .. الخ، الأمر جدا خطير.

لا يمكن أن يوصف ما يحدث في الجامعات الأجنبية غير المعترف بها والتي يلتحق بها الطلبة والتي تمنح شهادات وهمية بأقل من أنه جريمة بشعة ترتكب في حق هؤلاء الطلبة أولا وفي حق هذا البلد ومستقبله ثانيا. ولا يمكن التهاون أو السكوت عما يحدث تحت أي ظرف من الظروف أو بأي ذريعة من الذرائع، فالموضوع في غاية الخطورة، ويحمل تهديدات مدمرة بصفة خاصة للقطاع الحكومي في الدولة.

منذ سنتين اشتركت في لجنة مشكلة من وزير التعليم السابق أ.د. عادل الطبطبائي ومكونة من أ.د. فؤاد العصفور ود. عبد الله العويهان و د. محمد الفارس، لوضع الخطوط العامة لمشروع هيئة وطنية للاعتماد الأكاديمي في دولة الكويت لتكون صمام الأمان لضمان جودة مخرجات التعليم ما بعد الثانوي سواء في دولة الكويت أو في الخارج، وقد كان التوجه لدى اللجنة هو أن تتولى الهيئة الوطنية المقترح إنشاءها مهمة اعتماد كافة المؤسسات التعليمية سوءا في الداخل أو الخارج، حيث ستخضع تلك الهيئة الوطنية الجامعات الوطنية والأجنبية لمعايير الجودة التي تضعها الهيئة كشرط لاعتماد المؤسسات التعليمية بكافة أنواعها واعتماد الشهادات التي تصدرها الجامعات التي تستوفي معاييرها فقط، الأمر الذي يمكن الدولة من السيطرة على نوعية مخرجات العملية التعليمة وجودة المؤسسات التي تقدمها وطبيعة الخريجين الذين يتخرجون من تلك المؤسسات سواء داخليا أو خارجيا، وبالفعل أتممنا التقرير، وتوقعنا أن تبدأ على الفور أعمال إنشاء الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي، غير أن التقرير مثل غيره، ظل حبيس الأدراج في وزارة التعليم العالي. ملف الشهادات الوهمية يؤكد ضرورة إنشاء الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي، فلا يمكن أن تضمن وزارة التعليم العالي جودة خدمات التعليم العالي المقدمة محليا أو خارجيا إلا من خلال هيئة وطنية للاعتماد الأكاديمي، بحيث تخضع الهيئة جميع مؤسسات التعليم العالي لمعايير صارمة للجودة. وبالمناسبة فان بعض دول مجلس التعاون لديها هيئات وطنية للاعتماد الأكاديمي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان.

الأحد، يونيو ١٤، ٢٠٠٩

هل يبرر ذلك حرمان الإمارات من استضافة المقر

نشرت القبس اليوم الخميس 11/6/2009 تصريحا لوزير المالية السعودي بـ «إن انسحاب الإمارات من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية لن يؤثر على تنفيذ اتفاقية النظام النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة»، وأشار إلى أن «التأثير السلبي سيكون على الدول غير الأعضاء في الاتحاد النقدي» والذي سيعطي ميزات تفاضلية للدول الأعضاء، ويعزز حركة الاستثمار والتجارة البينية، كما أنه سيعزز عملية التكامل ويعطي ثقلاً دولياً لمجلس التعاون في مقابل العملات الأخرى.

وقد أشار العساف إلى أن (اختيار الرياض مقراً للبنك المركزي الخليجي إلى أسباب موضوعية مفهومة، منها حجم الاقتصاد السعودي الذي يشكل أكثر من 50 في المائة من حجم الاقتصاد الخليجي، وكذلك حجم النقد المتداول في المملكة الذي يشكل نحو 70 في المائة من النقد المتداول في الدول الخليجية، فضلاً عن أهمية وجود البنك المركزي الخليجي بالقرب من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون التي يقع مقرها في الرياض لناحية التكامل والتنسيق بين عمل المؤسستين). كما قال إبراهيم العساف: إن من العوامل المهمة التي رجحت كفة الرياض نشاط المملكة في المؤسسات المالية الدولية وعضويتها في كل من بنك التسويات الدولية، ومجلس الاستقرار المالي (التابع لمجموعة العشرين)، فضلاً عن تمثيلها الخاص في مجلس إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولكونها مساهماً رئيسياً في كثير من المؤسسات المالية الدولية.

جوهر تصريحات وزير المالية السعودي يشير إلى أن هناك إفراطا في التفاؤل حول مستقبل العملة الخليجية الموحدة، وتضخيما لحجم الآثار السلبية التي ستلحق بالإمارات جراء انسحابها من مشروع الوحدة وذلك اعتراضا على اختيار الرياض كمقر للبنك المركزي الخليجي بدلا من الإمارات العربية المتحدة والتي ترى أحقيتها في استضافة المقر. أين هي تلك التجارة البينية التي ستتعزز حركتها بإنشاء الاتحاد النقدي، وما هو حجمها وكثافتها، وما هي آفاقها سواء قبل إقرار الاتحاد النقدي أو بعده، وما هو الأساس الإنتاجي الذي يسندها. من ناحية أخرى هل منع تعدد العملات من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الإماراتي، وهل فعلا ستتوقف الاستثمارات الخليجية عن التدفق للإمارات لمجرد أنها ليست عضوا في العملة الخليجية الموحدة، أو حتى في مجلس التعاون الخليجي. وما هو هذا الثقل الدولي الذي ستعطيه العملة الخليجية الموحدة لمجلس التعاون في مقابل العملات الأخرى، خصوصا إذا ما علمنا أن كل اقتصاديات دول مجلس التعاون مجتمعة اقل من حيث الحجم من اقتصاد دولة متوسطة القوة الاقتصادية مثل اسبانيا.

والواقع أنه ليس مفهوما من الناحية الفنية أن الحجم هو أساس استضافة الموقع. قد سبق وأن اشرنا في أكثر من موضع إلى أن حجم الاقتصاد السعودي لا يبرر إنشاء البنك في المملكة، وأن البنك المركزي الخليجي يمكن أن ينشأ في اصغر الدول في المجلس بدون أية مشكلات. أما بالنسبة لحجم النقد المتداول في المملكة العربية السعودية فهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي التي جعلتني في أكثر من موقع أطالب بأنه إذا كانت دول مجلس التعاون تسعى فعلا لعملة موحدة، فلماذا لا تستخدم الريال السعودي باعتباره عملة أكثر أمانا واستقرار واقل مخاطرة من العملة الخليجية الموحدة المرتقبة. وقد سبق أن عددت المزايا المصاحبة لهذا الاقتراح، الذي يبدو انه من المستحيل أن يرى النور من الناحية العملية نظرا للحساسية المفرطة للاقتراح. أما حجة أن قرب موقع المؤسستين الجغرافي (الأمانة والبنك المركزي الخليجي) فهي أمر مثير للغرابة. إذا كان الأمر كذلك فقد كان الأولى إنشاء البنك الأوروبي في بروكسل. ثم ما هي المسافة الجغرافية التي تفصل بين دول مجلس التعاون قاطبة. القيود المكانية ليس لها وجود في عالم العالم اليوم.

عضوية السعودية في كل من بنك التسويات الدولية ومجلس الاستقرار المالي وتمثيلها الخاص في مجلس إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هي أمور تخص المملكة، ولا تعني أن الإمارات، كونها ليست كذلك، لا تستحق الموقع. فهذا أمر خاص بالمملكة السعودية وليس بمجلس التعاون الخليجي، ومن الناحية الفنية فان استفادة البنك المركزي المقترح من تلك المواقع التي تحتلها المملكة محدودة للغاية، ولا تعطيه أي ميزة نسبية.

كافة المبررات التي ساقها وزير المالية السعودي لا ترجح من كفة المملكة العربية السعودية في استضافة مقر البنك، ولا تبرر من جانب آخر حرمان الإمارات العربية المتحدة من استضافة المقر. والواقع أنه باستثناء الحجم لا يمكن مقارنة المزايا الديناميكية التي يتمتع بها اقتصاد الإمارات بالاقتصاد السعودي، فجميعها لصالح الإمارات، سواء من حيث مناخ الأعمال أو التنوع الاقتصادي، أو حتى حجم الأصول الخارجية، فالإمارات صاحبة اكبر رصيد للأصول الخارجية في العالم في إطار صناديق الثروة السيادية التي تملكها، ومع ذلك فان تلك المزايا، كما سبق أن ذكرنا، لا تعني تفوق الإمارات على باقي دول المجلس وأحقيتها في المقر.

المتتبع لسيناريو الأحداث يلاحظ انه قد تم تسريع عملية التوقيع على اتفاقية الوحدة النقدية والذي تم الأسبوع الماضي، ويبدو أن هناك ضغوطا على عمان لكي تنضم إلى المشروع مرة أخرى، حيث تشير الشواهد إلى أن هناك قدر اكبر من الليونة من جانب عمان حيال مشروع الوحدة النقدية، وأنها ربما تنضم إلى الاتفاقية لاحقا.

السبت، يونيو ١٣، ٢٠٠٩

لماذا ينتشر الفساد في الكويت

هناك شبه اتفاق بين المراقبين أن الفساد يتجذر في الكويت بصورة متزايدة عاما بعد آخر، وهناك أسباب عديدة لانتشار الفساد في الكويت، والمتتبع لتقارير هيئة الشفافية الدولية يلاحظ أن هناك تدهورا واضحا في ترتيب الكويت العالمي بالنسبة لمؤشر مدركات الفساد. ويعكس مؤشر مدركات الفساد مدى انتشار الفساد في الدولة. ويوضح الجدول التالي تطور مؤشر مدركات الفساد في الكويت مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي خلال الخمس سنوات الماضية، ومن الجدول يتضح أن الكويت قد احتلت المركز 35 عالميا من بين 133 دولة عام 2003، وفي عام 2007 تدهور مركز الكويت عالميا إلى 60 من بين 180 دولة، وهو ما يعكس التدهور الكبير في أداء الكويت في مكافحة الفساد، ويشير إلى أن مكامن الفساد ما زالت منتشرة، بل ويتسع نطاق تأثيرها العام في الدولة. وبالمقارنة مع باقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، فان الكويت تحتل بشكل عام المركز الأسوأ بعد المملكة العربية السعودية، التي احتلت المركز الأخير بين دول مجلس التعاون في عام 2007، والمركز 79 عالميا في نفس العام.

مؤشر مدركات الفساد في دول مجلس التعاون

Country

2003

2004

2005

2006

2007

Qatar

32

38

32

32

32

UAE

37

29

30

31

34

Bahrain

27

34

36

36

46

Oman

26

29

28

39

53

Kuwait

35

44

43

46

60

S. Arabia

46

71

70

70

79

Source: Transparency International "Global Corruption Report" various issues.

أمس الجمعة 12 يونيو ذكرت الصحف في الكويت نبأ اعتداء أحد أعضاء مجلس الأمة على مدير عام إدارة الهجرة العميد كامل العوضي، لرفض الأخير تمرير معاملات للنائب إلا من خلال التسلسل البيروقراطي المعمول به لإقرار تلك المعاملات، وحسب ما نشرته الصحف فان النائب قام بتهديد المسئول بأنه سوف يستجوب وزيره، ولم يكتف بذلك بل اعتدى عليه بقذفه بمجسم البوم الذي كان موضوعا على مكتب المدير. في تصريح آخر اليوم لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد قال بأنه "إذا كان ضابط كبير يتعرض للإهانة فما بالك بالأصغر" (القبس 13/6/209 الصفحة الأولى)، في إشارة إلى سوء استغلال بعض أصحاب النفوذ لنفوذهم. ويبدو أن بعض النواب ينظرون إلى المقعد على انه بمثابة تصريح يعطيهم الحق في أن يفعلوا ما يشاءون في ظل الحصانة التي يوفرها لهم القانون، وإلا فان سيف الاستجواب يمكن سحبه من المغمد في أية لحظة. السؤال الأساسي هو هل يستطيع كبار الموظفين، كما أشار وزير الداخلية مقاومة هذا الترهيب؟، وإذا كان بعض كبار الموظفين لا يستطيعون، فماذا عن الصغار منهم كما عقب وزير الداخلية على الحادث؟. في الواقع فإن الحادثة تفسر لنا أحد اسباب انتشار الفساد في الدولة، للأسف القضية في غاية الحساسية، والتعامل مع هذا الموطن من مواطن الفساد مسألة ليست سهلة.

غير أنه من الواضح أن الموظف العام في الدولة لا يتمتع بالغطاء القانوني المناسب الذي يحميه من اعتداءات الجمهور عليه. فمن وقت لأخر نسمع عن اعتداءات على الأطباء والمدرسين والموظفين بكافة أشكالهم. مما لا شك فيه أن القانون الحالي لا يقدم الحماية الكافية للموظف العام، كما لا يوفر العقوبة الرادعة على المعتدي، أيا كان هو أو كان موقعه. مما لا شك فيه أن مكافحة الفساد في الكويت تحتاج إلى تضافر الجهود على المستوى القومي لمواجهة الظاهرة واجتثاث الفساد من جذوره، وهو مهمة ليست بالسهلة، بدون غطاء قانوني مناسب يعاقب الجميع، أيا كانت مراكزهم.

الجمعة، يونيو ١٢، ٢٠٠٩

رسميا: أنفلونزا الخنازير وباء عالمي

رفعت منظمة الصحة العالمية درجة التحذير من مرض أنفلونزا الخنازير إلى الدرجة السادسة، وهي أعلي درجات الإنذار من انتشار وباء ما، مما يعني أنه ومن الناحية الرسمية فإن أنفلونزا الخنازير أصبحت تحمل كافة خصائص الوباء العالمي، ومن ثم يجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس. أنفلونزا الخنازير بهذا الشكل تصبح أول وباء عالمي في القرن الواحد والعشرين، حيث ينتشر المرض بشكل واسع من الناحية الجغرافية عبر عدد كبير جدا من دول العالم يصل إلى 75 دولة، وبصورة قد تهدد البشرية من الناحية الفعلية بانتشار وباء الأنفلونزا. أنفلونزا الخنازير هي إذن أول وباء يصيب العالم بعد آخر وباء للأنفلونزا عام 1968، والذي أودى بحياة حوالي مليون شخص في كافة أنحاء العالم. يذكر أن أشد أوبئة الأنفلونزا المسجلة تاريخيا هي الأنفلونزا الاسبانية التي انتشرت عبر العالم في عام 1918، وأصابت حوالي مليار نسمة، مات منهم وفقا لبعض التقديرات حوالي 100 مليون نسمة، وهو ما يعكس حجم الخسائر البشرية الهائلة التي يمكن أن تنجم عن انتشار الوباء. لمتابعة تطور الإصابات بمرض أنفلونزا الخنازير على المستوى العالمي اضغط الرابط التالي، مع ملاحظة أن هناك تأخر نسبي في تحديث المعلومات عن المرض على الموقع http://www.who.int/csr/don/2009_05_25/en/index.html.

كافة دول العالم مدعوة الآن وبشكل رسمي إلى اتخاذ كافة التدابير التي تحول دون انتشار المرض. وربما لا حقا، لا قدر الله، يفرض حجر صحي على العالم بأسره، أي تغلق كافة الحدود أمام انتقال الأفراد والسلع إذا اخذ الوباء في الانتشار بصورة أكبر. وقد سبق أن تناولنا الآثار الاقتصادية المحتملة لتحول أنفلونزا الخنازير إلى وباء عالمي، والخسائر التي يمكن أن يتعرض لها العالم من جراء انتشار المرض، والقطاعات المحتمل أن تتركز الخسائر فيها على المستوى العالمي وذلك في هذه المدونة (اضغط على الرابط (http://economyofkuwait.blogspot.com/2009/05/blog-post.html)، وقد تم ذلك في ظل الفروض الخاصة بالسيناريوهات المحتملة لانتشار الوباء.


مطلوب من الجميع إذن الآن توخي الحذر بصورة أكبر، لأنه من الناحية العملية لا يوجد مصل للمرض، كما أن عدد الوفيات الناجمة عنه يعد كبيرا قياسا إلى عدد الإصابات بالمرض، ومن ثم يفضل إلغاء خطط السفر هذا العام، بصفة خاصة إلى الولايات المتحدة حيث يوجد أكبر عدد من الإصابات، والبقاء هنا إيثارا للسلامة، لأنه من المتوقع أن تشتد حالات الإصابة خلال الفترة الصيفية التي تمثل موسم السفر نظرا لانتقال العدوى بصورة سريعة عبر دول العالم، اللهم احفظنا من هذا الوباء، واحفظ أحباءنا الذين ليسو بيننا حاليا، واحفظ العالم أجمع من هذا الوباء القاتل.

الخميس، يونيو ١١، ٢٠٠٩

خبير بريطاني يتنبأ بسيطرة المصرفية الإسلامية في 2015

هذا الخبر حول آفاق النمو في التمويل الإسلامي نشر على موقع الأسواق العربية نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية (اضغط الرابط: http://www.alaswaq.net/articles/2009/06/10/24638.html.

توقع الخبير الاقتصادي البريطاني توبي بيرش أن يعيد التمويل الإسلامي الانضباط للنظام المالي العالمي في 2010، مضيفا أن المصرفية الإسلامية ستكتسح النظام المالي في العالم بحلول 2015. وقال بيرش الذي تنبأ بالأزمة المالية العالمية قبل اندلاع شرارتها الأولى بأربعة أشهر في كتابه الشهير "الانهيار النهائي" أو "الانهيار الأخير"، إن القوانين المنظمة للاقتصاد الإسلامي والتي تمنع المسلمين من "استنساخ المال من المال" جنبت على الأقل ربع ثروات العالم من التأثر بالأزمة المالية العالمية التي دحرجتها المشتقات المالية وبيع الدين (المتاجرة بالديون) في أوروبا وأمريكا إلى داخل الاقتصاد العالمي، وأضاف أن التمويل الإسلامي يمكنه توسيع نطاق جاذبيته إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، كما يمكنه المساعدة في إعادة الانضباط إلى النظام المالي العالمي. ورأى أن "البدايات دائما ما تكون صعبة وظهور المصرفية الإسلامية وإحلالها مكان النظام القديم يحتاج إلى بعض الوقت؛ لأن الآخرين من غير المسلمين يجب أن يلمسوا فوائدها قبل أن يعتمدوها طريقة لهم لإدارة أموالهم واستثمارها، وهو ما شرعت فيه بعض المؤسسات والأفراد في الغرب، وتعزز مع مسار الأزمة الجديد".

وأكد في تصريحات نشرتها صحيفة "الاقتصادية" السعودية اليوم 10-6-2009 أن "مبادئ الشريعة ستساعد مديري الأصول على الانصراف عن الهندسة المالية والتحول إلى المشاركة في المخاطر والأرباح وهو نظام أفضل بكثير، كما أن كثيرا من المستثمرين ينجذبون إلى الاستثمارات المطابقة للشريعة الإسلامية؛ لأنها تتجنب المنتجات التي يستعصى فهمها على الكثيرين، وتركز على منتجات ملموسة، إن تدمير الأصول الحقيقية أصعب من تدمير المنتجات المالية المعقدة"، وتناول الخبير البريطاني المزايا المصرفية للبنوك الإسلامية، والتي يأتي على رأسها أنها لا تقرض سوى ما لديها من ودائع وهو ما يتفادى تخليق الائتمان بكل آثاره التي شاهدناها خلال الأزمة المالية، مشيرا إلى أن الإقراض يصبح أكثر انضباطا بدرجة كبيرة. وقال بيرش إن الإفراط في الإقراض يشكل تهديدا رئيسيا للنظام المالي العالمي وهو ما دفعه إلى نشر كتابه "الانهيار النهائي" مطلع عام 2007، الذي ناقش خلاله تداعيات أزمة الائتمان التي كانت وقتها تلوح في الأفق. واعتبر أنه لا تزال هناك فرصة للتغيير الشامل وسط الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وسيكون هناك هيكل جديد أفضل للأسواق المالية العالمية إذا عملنا جميعا على مكافحة عدو مشترك ألا وهو النظام القديم الذي أصبح غير عملي في وقتنا الحالي. وأكد أن الاستفادة من التجارب التاريخية سيكون نقطة بداية جيدة إذا أردنا أن يقف النظام المالي مرة أخرى على قدميه، داعيًا إلى الاستفادة من أفضل الممارسات والنماذج المختلفة، فقال إننا بحاجة إلى نموذج اقتصادي يعيد التركيز على العناصر الإيجابية في الرأسمالية وإلى نظام مالي يقوم على التعاون والمصلحة المشتركة بعيدا عن أية أنانية.

وقال بيرش إن المقترضين من البنوك الإسلامية يدفعون إيجارًا بدلاً من أن يدفعوا فائدة، وتعتبر البنوك هذه القروض بمثابة إيداعات وتتقاضى رسومًا بدلا من الفائدة لتسديد تكلفة خدماتها. وأضاف "قد يبدو الفرق هنا مجرد اختلاف في التسميات، ولكن هناك فرقا مهما للغاية وهو أن هذا النظام يحول دون خلق دين يؤدي إلى تضخم في الاقتصاد وفي النهاية يؤدي إلى انهيار البنك، إن البنوك الإسلامية بحكم تكوينها هي بنوك صغيرة برؤوس أموال جيدة، كما أنها بنوك محافظة، وبالنسبة إلى كثيرين فإن البنك الذي لا يدفع فائدة ولكنه أكثر أمانًا أفضل من بنك يقدم لهم فائدة بنسبة 7%، لكن يمكن أن ينهار في يوم ما". وتابع أنه رغم وجود جوانب معينة في القطاع المالي الإسلامي، مثل صناديق العقارات، تأثرت بالأزمة بشكل طفيف، إلا أن المشاريع المشتركة والأسهم الخاصة تلقى قبولاً بسبب نهجها القائم على المشاركة والذي يتقاسم فيه الناس المخاطر والمكافآت. وحث بيرش المؤسسات الإسلامية في المجتمعات الإسلامية على تطوير التمويل الإسلامي من خلال البحوث العلمية والشرعية، مؤكدا أن العبث الذي قد يحدثه بعض من يدعي تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية على منتجاته قد يضر بالتجربة.

أما تعليقي على هذا الخبر فهو أنه من الواضح الرجل يتحدث بحماسة شديدة لا يجرؤ متخصص في التمويل الاسلامي ان يتحدث بمثلها، وأعتقد ان هناك افراطا ومبالغة في العبارات التي ربما تكون منقولة خطأ عن الرجل. صحيح أن التمويل الإسلامي به كافة المزايا التي تخوله من أن يمنع حدوث أزمة عالمية بالحجم الذي شاهدناه مؤخرا، إلا أن الادعاء بأن التمويل الإسلامي سوف يكتسح النظام المالي في العالم بحلول 2015، فهو ادعاء لا يستند إلى حقائق واقعية سواء من حيث الحجم أو الآفاق المتوقعة، فأفضل التوقعات المتاحة حاليا عن آفاق حجم التمويل الاسلامي عام 2015 لا تتجاوز التريليون دولار، وهو أقل بكثير من التمويل الذي يمنحه بنك تقليدي كبير الحجم سنويا. طبعا نحن نتمنى أن يكتسح التمويل الإسلامي كل أشكال التمويل الأخرى، لما به من مزايا الاستقرار والأمان النسبي والعدالة فضلا عن ارتباطه بالوازع الديني والاخلاقي، غير انه من الواضح أن المتحدث في هذه الجزئية بالذات قد جانبه الصواب، فما زال أمام التمويل الإسلامي الكثير على نطاق البحث والابتكار لكي يكتسح أسواق المال في الدول الإسلامية، ناهيك عن المستوى العالمي.

الأربعاء، يونيو ١٠، ٢٠٠٩

لمصلحة من

نشر في جريدة القبس يوم الخميس 11/6/2009.

نشرت القبس بتاريخ الاثنين 8/6/2009 أنه قد تم تأجيل النظر في مرسوم قانون الاستقرار المالي لمدة أسبوعين، للمزيد من الدراسة، ودعوة وزير المالية ومحافظ البنك المركزي للرد على الملاحظات على القانون. بهذا الشكل فان الكويت تطبخ قانون الاستقرار المالي على نار هادئة جدا، وهي ليست متعجلة في ذلك. فعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سرت عندما قام مجلس الوزراء بإقرار القانون كمرسوم ضرورة، واستبشار الجميع خيرا بأن القانون سوف يعطى أولوية أساسية في عملية الإقرار في الأيام الأولى لانعقاد جلسات المجلس. لكن يبدو انه مازال هناك وقتا طويلا ينتظر القانون لكي يتم إقراره، على الأقل لن يقر إلا بعد انتهاء الإجازة الصيفية، هذا إن تم إقراره بصورته الحالية. بل وربما تنتهي الأزمة المالية قبل إقرار القانون، ليصبح مرسوم الضرورة قانونا عفا عليه الزمن.

قانون الاستقرار المالي على الرغم من محدودية آثاره المتوقعة على القطاع المالي يؤجل إقراره تحت دعاوى حماية المال العام. إذا كنا ننظر إلى مساندة القطاع المالي على أنه هدر للمال العام، فماذا يقول إذن دافع الضرائب الأمريكي أو الأوروبي عندما يرى أن ما تحصله الدولة من دخله في صورة ضرائب تدفعه بسخاء لمساندة مؤسسات القطاع المالي في ظل ظروف الأزمة للحيلولة دون تدهور أداء تلك المؤسسات؟. لماذا تضخ إذن دول العالم تريليونات الدولارات في القطاع لتوفير السيولة اللازمة له؟. لماذا تشتري دول العالم أسهم البنوك والشركات، بل وتلجأ في بعض الأحيان إلى تأميم تلك البنوك، لتصبح الدولة اكبر مساهم فيها؟. هل حكومات العالم الأخرى تتسم بالسفه الاقتصادي؟، بالطبع لا، إن الإجابة في غاية البساطة وهي أن القطاع المالي هو أهم القطاعات الاقتصادية على الإطلاق، هو شريان الحياة الاقتصادي الذي تتحرك به عجلة الاقتصاد المحلي، وبدونه لا يوجد استثمار أو إنتاج أو توزيع أو توظيف أو دخل.

مثل باقي دول العالم فان القطاع المالي في الكويت هو أحد أهم القطاعات، إذا ما استثنينا النفط، ومن ثم فإن حجم القيمة المضافة التي ينتجها هذا القطاع هو من بين الأكبر على الإطلاق في الاقتصاد غير النفطي للكويت. القطاع المالي أيضا هو أكبر موظف لقوة العمل الوطنية، حيث لا يوجد قطاع آخر، غير حكومي، في دولة الكويت يوظف هذه النسب المرتفعة من العمالة الوطنية، على الرغم من فشل كافة الجهود لدفع القطاع غير الحكومي نحو استيعاب المزيد من العمالة الوطنية وتخفيف ضغوط التوظيف على القطاع الحكومي. القطاع الوحيد الذي وفر هذا القدر من الوظائف للعمالة الوطنية هو القطاع المالي. بل إن الشواهد تشير إلى أن القطاع المالي لا يوفر فقط فرصا لتوظيف العمالة الوطنية، بل أيضا يوفر هياكل للرواتب أعلى من تلك التي يوفرها القطاع الحكومي، وهو بهذا الشكل يساعد على التخفيف من حده مشكلة تجزئة سوق العمل في دولة الكويت، ومن ثم تقليل التهافت على القطاع الحكومي الذي أصبحت البطالة المقنعة فيه أحد أهم مشكلات الكفاءة في استخدام موارد الدولة. وقد أثبتت دراسة حديثة في كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت أنه على الرغم من إن البعض فد ينظر إلى القطاع الحكومي على انه الملجأ الأفضل للعمالة الوطنية، فان غالبية الطلبة الذين هم في سبيلهم إلى التخرج أعلنوا أنه يفضلون العمل في القطاع الخاص، وبصفة أساسية في القطاع المالي.

أكثر من ذلك فإن القطاع المالي يمثل حاليا أمل الكويت في مستقبل تتنوع فيه مصادر الدخل بعيدا عن القطاع النفطي، وسبيلا لفك الارتباط بين النشاط الاقتصادي والإيرادات النفطية، حيث يمثل القطاع المالي العماد الأساسي لإستراتيجية النمو الوحيدة المتاحة لدينا الآن نحو المستقبل وهي تحويل الكويت إلى مركز مالي. من البديهي أن المركز المالي لا يمكن أن ينشأ بدون قطاع مالي كبير وقوي وكفئ وفعال وتنافسي. لا يمكن أن تنشئ الكويت مشروعها الاستراتيجي على قطاع مالي ضعيف، لأنه لن يرى النور في ظل عالم ترتفع فيه درجة التنافسية، بصفة خاصة في المجال المالي، بصورة كبيرة. من هذا المنطلق فان القطاع المالي في دولة الكويت في حاجة إلى مساندة جادة وحقيقية تتوافق مع أهمية ومكانة القطاع والدور الذي أصبح يلعبه في الاقتصاد المحلي حاليا، والدور المأمول له أن يلعبه في المستقبل.

قانون الاستقرار المالي ليس كما يظن البعض بأنه سوف يضخ أموالا في القطاع المالي على حساب حقوق المواطن البسيط، على الرغم من أن دول العالم الأخرى تفعل ذلك، ومن ثم فهو لا يؤدي إلى هدر المال العام كما يروج له، لدرجة أن البعض قد ربط بين إقرار القانون وشراء الدولة لقروض الأفراد، أو إلغاءها، وهي مقترحات تمثل هدرا للمال العام في أبشع صوره. قانون الاستقرار المالي المقترح في جوهره يوفر أساسا ضمانات تشجع البنوك على توفير السيولة اللازمة لشريحة محددة من شركات الاستثمار وأيضا للشركات الإنتاجية في القطاع غير المالي، بهدف إقالة الشركات التي تستوفي الشروط من عثرتها، وتشجيع عمليات الاقتراض لتمويل الاستثمار المنتج. البنوك تنتظر القانون لكي تبدأ في التخلص من كميات السيولة التي تحتفظ بها، وتخشى من إقراضها للغير بدون وجود تلك الضمانات الحكومية.

أوضاع البنوك كمؤسسات عاملة في القطاع المالي في دولة الكويت قد تبدو أكثر متانة واستقرارا من أوضاع شركات الاستثمار، التي ينتظر الكثير منها أيضا إقرار القانون لكي يجد منفذا لتوفير احتياجاته من السيولة التي جفت منابعها. الأمر المثير للغرابة أن المتابع للكتابات والتصريحات والتحليلات منذ بدأت الأزمة يلاحظ أن هناك هجوما شرسا على شركات الاستثمار المحلية، لدرجة أن البعض قد أصدر حكما بالإعدام على بعضها، ودعا البعض الآخر لخروج تلك الشركات من السوق. نعم ربما تكون بعض شركات الاستثمار قد أخطأت أو اتبعت ممارسات استثمار أو أنماط أعمال خاطئة، من وجهة نظرنا الآن، ولكن تلك الممارسات لم تكن بمثابة خطأ في مرحلة ما قبل الأزمة المالية العالمية، بل على العكس، كانت تلك الممارسات هي نمط الأعمال السائد في القطاع المالي في العالم أجمع، بما في ذلك أعتى الدول المتقدمة ماليا. إذا كان الأمر كذلك لماذا تتعرض شركات الاستثمار الكبرى لهذا الهجوم الحاد. لمصلحة من أن تسوء أوضاع هذه المؤسسات الهامة. إن علينا أن ندرك أن نموذج الأعمال في قطاع المال قبل أغسطس 2008، يختلف عن نموذج الأعمال الآن. فقد كان القطاع المالي يسير بدون ضوابط رقابية كافية في كل دول العالم، بل وقد كان الجميع يلهث لرفع تلك الضوابط والقيود الرقابية عن القطاع المالي وذلك تحت دعاوى إطلاق المجال للقطاع لكي ينمو بلا حدود نظرا للقيمة المضافة الهائلة التي كان القطاع ينتجها، والأرباح الضخمة التي كان يحققها، والدخول الكبيرة التي كانت تنجم عن نشاطاته، وحجم الوظائف الجديدة التي يسهم في توفيرها. من المؤكد أن هذا النمو غير المنضبط هو الذي تسبب في الكارثة المالية العالمية، لكن الجميع، وفي كل دول العالم، كان يعمل هكذا. شركات الاستثمار لدينا لم تكن إذن استثناءا من تلك القاعدة، ولم يختلف سلوكها عن سلوك أفضل المؤسسات المالية في العالم حتى نصب عليها النار لنحرقها.

شركات الاستثمار، حتى المتعثر منها، في واقع الأمر في حاجة إلى مساندة لكي تستمر في العمل وتصحح من مسارها ومنهاجها وطريقتها في العمل، وتعيد هيكلة أصولها لكي تتمكن من البقاء والاستمرار في أداء أعمالها، وتسهم في نمو هذا البلد على نحو ايجابي. لمصلحة من أن تغلق بعض الشركات أو تخرج من السوق؟. ليس صحيحا أن لدينا شركات استثمار اكبر من طاقتنا الاستيعابية، وأننا يجب أن نضحي بعدد من هذه الشركات، لأن أعدادها أصبحت أكثر من اللازم، فالطاقة الاستيعابية للقطاع المالي في دولة الكويت، وباستخدام كافة المعايير المتعارف عليها عالميا، تشير إلى أن الكويت مازالت في حاجة إلى المزيد من المؤسسات في القطاع المالي، وأن السوق المحلي يمكنه استيعاب أعداد أكبر منها، نظرا لارتفاع درجة التركز في قطاع المال في دولة الكويت بصورة واضحة، سواء كان ذلك بالنسبة للبنوك أو شركات الاستثمار أو شركات التأمين أو شركات النقد الأجنبي.

مؤسسات القطاع المالي تمثل أيضا اللبنة الأساسية التي سوف يرتكز عليها مشروع تحويل الكويت إلى مركز مالي. ومن الناحية العملية فإن المركز المالي في حاجة إلى عدد ضخم من المؤسسات المالية على اختلاف أنواعها لكي يمارس دوره كوسيط في عالم المال على المستويين الإقليمي أو العالمي. نعم مازلنا في حاجة إلى المزيد من المؤسسات المالية، ولكن شريطة أن تعمل في ظل مناخ مالي صحي، ورقابة مهنية عالية من البنك المركزي لضمان عدم انحراف تلك المؤسسات عن أهدافها ولتحقيق دورها المأمول منها في الاقتصاد الوطني. كل شركة ستغلق من شركات الاستثمار ستكون بمثابة خسارة للقطاع المالي من جانب، ولمشروع الكويت كمركز مالي من جانب ثان وللاقتصاد الوطني ككل من جانب ثالث. هذا طبعا لا ينفي حقيقة أننا نحتاج إلى محاسبة من أخطأ، أو أساء استخدام سلطاته، أو دخل في تعارض للمصالح على النحو الذي هدد سلامة الأصول المالية للقطاع.

شركات الاستثمار الوطنية، حتى المتعثر منها، في حاجة إلى مساندة، وليس إلى معاول للهدم. فالجانب الأكبر من هذه الشركات يضيف قيمة مضافة وحقيقية للاقتصاد، ويوظف طاقات بشرية وطنية في فرص توظيف حقيقية وليس في صورة بطالة مقنعة مثلما تفعل الدولة في قطاعها الحكومي، ويستثمر المدخرات في قطاعات الإنتاج المختلفة، ومن ثم يسهم في تحقيق التنويع المأمول للاقتصاد الكويتي. من المؤكد أننا في حاجة إلى وضع الكثير من مؤسسات القطاع المالي على الطريق الصحيح، مثلما تفعل حاليا كافة دول العالم، بحيث تكون الوظيفة الأساسية لتلك المؤسسات هي المساعدة على إنتاج قيمة مضافة وحقيقية وليس تشجيع المضاربة. من المؤكد أيضا أن المرحلة القادمة تتطلب مناخ أعمال أفضل وهيكل تشريعات أقوى وأدوات رقابة أكثر مهنية، وفوق كل ذلك بنك مركزي مسلح بالشكل الذي يمكنه من ممارسة تلك المهمة الصعبة في ضبط إيقاع النشاط المالي. ومن المؤكد أن ممارسة الرقابة على القطاع المالي على النحو السليم، وتهيئة مناخ خال من المخاطر المفرطة، ورفع فرص تحسين أداء المؤسسات المالية سوف يكون أهم التحديات التي سيواجهها البنك المركزي في المستقبل.

الخميس، يونيو ٠٤، ٢٠٠٩

التضخم الجامح في زيمبابوي يتحول إلى انكماش

في تطور هام جدا أعلنت وكالة رويتر في 29 مايو أن معدل التضخم الشهري في زيمبابوي قد أصبح في ابريل 2009 سالب 1.1%، ويعني ذلك أن زيمبابوي قد انتقلت من حالة التضخم الجامح Hyperinflation إلى حالة انكماش سعري في غضون أشهر قليلة، وذلك بعد إعلانها التخلي عن عملتها الدولار الزيمبابوي، والذي تحول إلى كابوس مرعب لكل من يتعامل به في زيمبابوي بسبب الكميات الفلكية التي يتم إصدارها منه لدرجة أنه أصبح بلا قيمة من الناحية الفعلية، والسماح بتداول عملات أجنبية أخرى داخل البلاد. فقد بلغ معدل التضخم وفقا للأرقام الرسمية 231000000% في العام الماضي. وكانت زيمبابوي في العام الماضي تمثل نموذجا حيا لحالة التضخم الجامح التي يعاني منها بعض البلدان في العالم من فترة إلى أخرى نتيجة الإفراط الشديد في عملية إصدار النقود، إلى الحد الذي تتدهور فيه القوة الشرائية لها بسرعة رهيبة. فقد أصبحت تكاليف المعيشة تفوق قدرة الجميع في زيمبابوي، وأصبح الشعب الزيمبابوي يجيد حفظ الأرقام الهائلة التي لا يعرفها معظم سكان العالم، كأسعار لسلع بسيطة مثل بيضة، أو ملعقة من الزيت. كما أصبح جميع شعب زيمبابوي الفقير تريليونيرات بمقاييس العملة المحلية، بسبب الطوفان الهائل من النقود الذي صبه النظام عليهم، والذي أدى إلى تورنادو سعري ترتب عليه ارتفاع الأسعار في كل دقيقة، وفقدت النقود وظيفتها كمخزن للقيمة، وكذلك لم تعد البنوك مركزا لجذب المدخرات حيث توقفت الودائع في البنوك، فمن ذا الذي يودع مبلغا من المال سوف يصبح بلا قيمة في غضون فترة قصيرة جدا، وأصبح حمل النقود يمثل مشكلة لمن يريد أن يشتري أي سلعة، حيث يحتاج الشخص إلى أن يكون قوي البنية مفتول العضلات لكي يحمل الكميات الكبيرة من رزم النقود لشراء دجاجة مجمدة مثلا. نتيجة للتضخم الجامح انهار القطاع الصناعي في زيمبابوي، وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات هائلة، وهجر البلاد كل من كانت تسنح له الفرصة تقريبا، لدرجة أن ما يفوق ثلث شعب زيمبابوي قد غادر البلاد هاربا من جحيم الأسعار الذي يلهب كل من يعيش فيها، وتحولت الدولة من دولة مصدرة للغذاء إلى شعب يعيش على المعونات الغذائية، وخلت المحلات من السلع تقريبا، وأصبح من الواضح أن زيمبابوي تتجه نحو دولة تعيش وراء المدنية الحديثة.

ونتيجة للتدهور الرهيب في قيمة الدولار الزيمبابوي لم يجد البنك المركزي بدا من السماح للجمهور باستخدام العملات الأجنبية بدلا من العمة المحلية كوسيط للتبادل. بسماحها لجمهور المتعاملين باستخدام عملات أخرى غير الدولار الزيمبابوي، فان ذلك يعني أن زيمبابوي قد ألغت من الناحية الفعلية عملتها الرسمية، لأنه لن يقدم احد على استخدام عملة تتدهور قيمتها كل ثانية تقريبا. ولذلك تواجه زيمبابوي أزمة حادة في العملات الأجنبية، نظرا لتراجع صادراتها، وضعف موارد النقد الأجنبي المتاحة لها. ومن ثم فان الاقتصاد الزيمبابوي في حاجة ماسة إلى تدفقات كافية من النقد الأجنبي لكي يحدث الاستقرار الاقتصادي اللازم للتعافي من الآثار المدمرة للتضخم الجامح الذي شهدته بالبلاد في العام الماضي، وقد قدرت احتياجات زيمبابوي في هذا العام بحوالي 8.3 مليار دولار لكي يتمكن الاقتصاد الزيمبابوي من استعادة مستويات التوظف والقضاء على مستويات البطالة المرتفعة، وتنشيط القطاع الصناعي. ربما يكون من المستحيل أن تتمكن زيمبابوي من تدبير هذا القدر من تدفقات رؤوس الأموال في ظل أوضاعها الحالية، بصفة خاصة السياسية، وحتى في ظل تعاونها مع صندوق النقد الدولي لوضع برنامج للاستقرار الاقتصادي في زيمبابوي، يصعب على زيمبابوي تدبير تلك الأموال الطائلة في ظل العزلة شبه الدولية التي يعيشها النظام، ولذلك سوف تظل زيمبابوي تعاني من مشاكلها المزمنة لفترة قادمة من الزمن.

من المؤشرات الايجابية في زيمبابوي أن الحياة الآن قد اختلفت بعض الشئ بعد أن تم تشكيل حكومة تحالف من الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي، ومنافسه زعيم المعارضة تسيفانجياري، الآن تمت إعادة فتح المدارس والمستشفيات كما أضحت المحلات تعرض الآن السلع الأساسية بعد أن خلت تماما منها، وأصبح من الواضح أن الحياة تعود إلى طبيعتها السابقة شيئا فشيئا في هذا البلد الفقير الذي مزقته طموحات موجابي وإصراره على أن يكون رئيس زيمبابوي حتى آخر نفس في حياته القصيرة في عمر زيمبابوي، والطويلة جدا بالنسبة لشعب زيمبابوي المسكين. الأمر المؤكد أن موجابي سوف يذهب يوما ما غير مأسوف عليه، وستبقى زيمبابوي، ولكن بأي حال ستبقى هذا ما سوف تجيب عنه الأيام القادمة

للاطلاع على مصدر الخبر اضغط على الرابط: http://www.reuters.com/article/latestCrisis/idUSLT1017948?sp=true