تتناول المدونة القضايا الاقتصادية التي تخص الكويت ودول مجلس التعاون، وكذلك القضايا الاقتصادية الدولية والمفاهيم الاقتصادية العامة. هدفي هو نشر المعرفة ورفع مستوى الثقافة وتصحيح المفاهيم في الحقل الاقتصادي، داعيا الله أن أكون قد تحملت جزءا من مسئوليتي نحو مجتمعي. جميع الحقوق محفوظة، لا يجوز إعادة النشر أو الانتاج بدون ذكر المصدر أو بدون موافقة مسبقة.
الجمعة، أبريل ٣٠، ٢٠١٠
أخطر الديون السيادية في العالم
منذ 3 أسابيع أصدرت مؤسسة CMA، وهي مؤسسة متخصصة في المعلومات عن الائتمان في العالم تقريرها الفصلي عن مخاطر الديون السيادية في العالم بعنوان " CMA Global Sovereign Credit Risk Report, 1st Quarter, 2010 "، وقد عرض التقرير ترتيبا لأخطر الديون السيادية في العالم، وأكثر الديون السيادية في العالم أمانا، ويوضح الجدول رقم (1) الترتيب المبدئي الذي أعدته المؤسسة عن أخطر الديون السيادية في العالم في الربع الأول من هذا العام، واتجاهات تطور هذه الديون، والاحتمال التراكمي للتوقف عن السداد، ومن ثم تصنيف CMA الضمني لتلك الدول. ويقصد بالاحتمال التراكمي للتوقف عن السداد Cumulative Probability of Default (CPD) احتمال إلا تتمكن دولة ما من الوفاء بالتزاماتها خلال فترة زمنية محددة (5 سنوات).
ويوضح الجدول رقم (1) ترتيب دول العالم صاحبة أخطر الديون السيادية، ومن الجدول يلاحظ أنه مقارنة بالربع الرابع من العام الماضي 2009، استمرت الديون السيادية لفنزويلا تحتل قائمة أكثر الديون السيادية في العام خطورة، ولم يتغير ترتيب دبي أيضا باعتبارها صاحبة سادس أخطر دين سيادي في العالم. بينما انخفض ترتيب الأرجنتين بدرجة واحدة حيث احتلت المركز الثاني عالميا، بعد أن كانت في المركز الثالث، وانخفض ترتيب اليونان بدرجة واحدة إلى تاسع أخطر ديون سيادية في العالم. في الوقت الذي تحسنت فيه درجة خطورة كل من الديون السيادية لأوكرانيا (درجة)، وآيسلاندا (درجتين) ولاتفيا (درجة). وقد أدرج هذا التقرير ثلاثة دول إلى قائمة الدول صاحبة الديون السيادية الأخطر في العالم وهم باكستان في المركز الثالث، والعراق في المركز الخامس، ومصر في المركز العاشر، وهي أخبار جديدة تماما عن الدين السيادي المصري. ومقارنة بالتقرير الماضي فإن ثلاثة دول خرجت من قائمة الدول صاحبة أخطر الديون السيادية في العالم وهي ليثوانيا، ولبنان ورومانيا.
احتلال اليونان المركز التاسع بين الدول صاحبة أكثر الديون السيادية خطورة لا يعكس الوضع الحقيقي لليونان حاليا، كما أن ارتفاع احتمال إفلاس اليونان لم يؤد إلى التأثير على ترتيب الدول المشتركة معها في اليورو، غير أن التحديث الذي أصدرته CMA أمس 29 أبريل أعاد ترتيب دول العالم صاحبة الديون الأكثر خطورة بشكل جوهري كما يتضح من الجدول رقم (2)، وعكس بالفعل الوضع الحرج للدين السيادي اليوناني ووفقا للجدول التالي، تدهور ترتيب اليونان بست درجات من الترتيب التاسع إلى الترتيب الثالث، ودخلت البرتغال قائمة الدول صاحبة أكثر الديون خطورة لتحتل الترتيب الثامن، بينما خرجت مصر من القائمة.
من ناحية أخرى أصدرت مجلة الأكونوميست أول أمس (28 أكتوبر 2010) تحديثا عن موقف الديون السيادية لليونان، حسب ما يوضحه الشكل رقم (1)، وتذكر الأكونوميست أن وكالة ستاندارد أند بور تصنف الآن السندات اليونانية على أنها سندات خردة Junk bonds، وذلك نتيجة للمخاوف المتزايدة من احتمال تأخر حصولها على المساعدات اللازمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لمواجهة أزمة السيولة الحادة التي تواجهها. المشكلة هي انه عندما تحدث أزمة ديون سيادية في منطقة ما فإن اثر الأزمة ينتشر بين الدول المجاورة أو الدول ذات التعرض المالي القوي لتلك الدولة، ومن الشكل يلاحظ أنه بالإضافة إلى اليونان أصبحت تصنف الديون السيادية لكل من البرتغال واسبانيا وايرلندا وايطاليا على أنها من الديون الخطرة، وكما يتضح من الشكل فان هامش معدل الفائدة بين سندات الدين الألماني وسندات ديون تلك الدول آخذ في التزايد، مما يعكس اتساع درجة المخاطرة، وهو أوضح ما يكون في حالة اليونان.
الشكل رقم (1) هامش معدل الفائدة بين ديون بعض الدول الأوروبية والسندات الألمانية
ووفقا لـ CMA وحسبما يوضح الجدول رقم (3) فإن أفضل الديون السيادية من حيث درجة الأمان تتركز في شمال وغرب أوروبا، ومقارنة بالتقرير السابق، فقد خرجت فرنسا وبلجيكا من قائمة الدول صاحبة أكثر الديون السيادية أمانا في العالم، وتم استبدالهما بالسويد وهونج كونج، بينما تدهور ترتيب كل من ألمانيا وهولندا بدرجة، في الوقت الذي تدهور فيه ترتيب الولايات المتحدة 3 درجات، بعد أن كانت صاحبة المركز السابع من حيث أكثر الديون السيادية أمانا في العالم.
استمرار بقاء الولايات المتحدة في قائمة الدول صاحبة أكثر الديون أمانا في العالم هو رد على المتشككين في قدرة أمريكا على خدمة ديونها والذين يتوقعون أن الدولار سوف ينهار بسبب مشكلة الديون الأمريكية، الذين يعتقدون أن الدولار سوف ينهار بسبب الدين الأمريكي يجهلون حقيقة أن هذا الدين مقوم أساسا بالعملة الأمريكية، ومن ثم فإنه ليس هناك أدنى احتمال لإفلاس أمريكا نتيجة عدم قدرتها على خدمة هذا الدين، تلك هي مشكلة الدول الأخرى وليس مشكلة أمريكا، ببساطة لأن خدمة الدين الأمريكي في حالة تدهور الأوضاع في الولايات المتحدة سوف تتطلب فقط قيام الولايات المتحدة بطبع المزيد من الدولارات ومن ثم تحمل بعض التضخم في سبيل استيفاء احتياجات خدمة الدين السيادي.
الخميس، أبريل ٢٩، ٢٠١٠
هل تشتعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين4/5: من هو المتضرر من الحرب
من هو المتضرر من الحرب التجارية إذا اشتعلت بين الدولتين؟ حقيقة الأمر أن الوضع الحالي للصين في غاية الحساسية ذلك أن طريقة تقييم اليوان أدت إلى رفع درجة سخونة الاقتصاد الصيني، الأمر الذي جعل الصين اليوم أكثر عرضة من أي وقت مضى لتوابع سياساتها الحمائية بحيث أصبح من الصعب جدا في الوقت الحالي على الحكومة الصينية ان تمس اليوان برفع قيمته لعدة أسباب أهمها انه سوف يؤدي إلى تراجع في صادراتها نظرا لتأثيره السلبي على تنافسيتها، من ناحية أخرى فان رفع قيمة اليوان بالنسبة للدولار سوف يترتب عليه انخفاض القيمة الحقيقية لاحتياطياتها الدولارية الضخمة وأصولها الخارجية المستثمرة في السندات الأمريكية بنفس نسبة الرفع لليوان. على سبيل المثال إذا تصورنا ان المواجهة قد ترتب عليها رفع قيمة اليوان بنسبة 20%، وهو الحد الأدنى لانخفاض قيمة اليوان بالنسبة للدولار، وفقا لمعهد بيترسون، فإن ذلك سوف يعني خسارة الصين لحوالي 500 مليار دولارا من أصولها الاحتياطية الدولارية في يوم واحد، وهو ما جمعته الصين خلال سنوات من الكد والتعب. من المؤكد أيضا أنه إذا تم رفع قيمة اليوان فإن الكثير من الصينيين سوف يفقدون وظائفهم نتيجة لأثر الرفع على الصادرات الصينية للعالم، وهناك بعض التقديرات التي تشير إلى أنه ربما تخسر الصين حوالي 5 مليون وظيفة، تضاف هذه الوظائف إلى حوالي 20 مليون وظيفة تم خسارتها بسبب الأزمة المالية.
في رد فعل يمثل تحديا للجانب الأمريكي أعلن وزير التجارة الصيني بأن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في حال اشتعلت الحرب التجارية بين الدولتين وقامت الولايات المتحدة بفرض ضرائب جمركية انتقائية على الصين، حيث سيصبح من المستحيل على الصين إلا تدرس الرد على الإجراءات الأمريكية من جانب واحد، صحيح ان الصين سوف تضار، ولكن المواطن الأمريكي والشركات الأمريكية العاملة في الصين هي التي ستخسر بصورة أكبر. فإذا ما قامت الولايات المتحدة بفرض ضرائب على الصين فان الشركات الأمريكية العاملة في الصين والمسئولة عن حوالي 60% من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة سوف تتعرض لإجراءات انتقامية من الجانب الصيني، وسوف تكون كبش الفداء في هذه الحرب، ومن ناحيتها أيضا دعت الصين الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات أن تمارس ضغوطا على إدارة الرئيس أوباما لوقف الاتجاهات الحمائية ضدها على أمل أن تتمكن تلك الشركات من تغيير رأي الإدارة الأمريكية والسماح بتدفقات التجارة بين الدولتين بدون إجراءات حمائية.
الصين أيضا يمكن أن ترد على الولايات المتحدة بتقليل مشترياتها من السندات الأمريكية، ولكن فاعلية هذا الخيار تعد محدودة، لان الصين في حاجة إلى استثمار فوائضها، وبما ان فوائضها دولارية أساسا فليس هناك خيار آخر أمامها سوى استثمار هذه الفوائض في أدوات الدين الأمريكية، فما الذي تستطيع الصين شراءه بتلك الفوائض الضخمة.
الصين ترفض الادعاء بأن انخفاض قيمة اليوان هو السبب في الخلل التجاري بين الدولتين وتحمل السياسات الأمريكية مسئولية هذا الخلل الشديد في الميزان التجاري وذلك بسبب استمرار إصرار الولايات المتحدة على فرض حظر على الصادرات الأمريكية عالية التقنية إلى الصين مثل الحواسيب العملاقة والأقمار الصناعية .. الخ. فمنذ حادثة "تيانانمن سكوير" في 1989، حيث قمعت السلطات الصينية مظاهرات الطلبة، قامت الولايات المتحدة بفرض بعض القيود على صادراتها إلى الصين ومنها المنتجات العالية التقنية، ومن وجهة النظر الصينية من الأفضل للولايات المتحدة ان تقوم بإرخاء القيود على هذه الصادرات للصين والتي من الممكن ان تشجع الصادرات الأمريكية إليها وتخفض من العجز التجاري بينهما، ولذلك ترى الصين أنه كان الأولى بالولايات المتحدة عندما تتحدث عن نظام تجاري حر أن تطبق مبادئ هذا النظام أولا على نفسها، وأنه إذا ما رغبت الولايات المتحدة ان تناقش قضية معدل الصرف للعملة الصينية فعليها ان تقوم بذلك في إطار نظام تجاري حر، أي في إطار ذلك النظام الذي يسمح للولايات المتحدة ان تبيع ما تشاء إلى الصين، وان تشتري الصين ما تشاء من الولايات المتحدة، وأن الميزان التجاري بين الدولتين غير متعادل بسبب السياسات الأمريكية وليس السياسات الصينية.
الصين تؤكد مرارا أن رفع قيمة اليوان أمر قادم لا محالة وأن هذا اليوم لن يكون قبل ان يتعافى الاقتصاد الصيني ويقف على قدميه مرة أخرى، حيث هناك مخاطر حقيقية لاحتمال حدوث تدفقات ضخمة لرؤوس الأموال الساخنة إلى الصين مع أي إعلان لرفع قيمة اليوان، جانب كبير من هذه الأموال سيستهدف المضاربة على اليوان الصيني، وهو ما يستدعي إستراتيجية خاصة من قبل الصين للتعامل مع كيفية الرفع لتجنب هجمات صناديق المضاربة، وذلك ربما من خلال رفع اليوان سهوا وبدون مقدمات وعلى فترات أطول من الزمن لتضيع فيها فرصة تحقيق أرباح من المضاربة على اليوان، ولتجنب سوق النقد الأجنبي فيها للاضطرابات التي يمكن أن تحدثها التدفقات السريعة لأموال المضاربة على اليوان. من ناحية أخرى تدعي الصين أنها يجب أن تتأكد من ان حجم التجارة بينها وبين الدول الفقيرة مناسب ولن يتأثر برفع اليوان، لان هذه الدول هي الأكثر عرضة للتأثر بسبب رفع اليوان، وليس الولايات المتحدة أو أوروبا. المشكلة هي أن الولايات المتحدة لديها شكوك في درجة صدق الصين على الإقدام على اتخاذ هذه الخطوة من ناحية، وترى أن هذه الخطوة لا بد وأن تتخذ الآن، من ناحية أخرى.
لا أعتقد أن الحرب التجارية سوف يكون فيها طرف ما رابح على حساب الطرف الآخر فكلا الطرفان سوف يخسر بشكل صاف. وأعتقد ان التحرك الأمريكي من جانب واحد لبذل المساعي المناسبة للوصول إلى حل وسط مع الصين ربما يجنب الدولتين والعالم الكثير من الخسائر، وذلك عندما تتعقد الأوضاع ويخرج النظام عن نطاق السيطرة بما قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية العالمية في ظروف الأزمة، بصفة خاصة في آسيا حيث أصبحت التجارة البينية الآسيوية ترتكز أساسا على الصين. على الولايات المتحدة إذن التوصل إلى حل وسط مع الصين وإقناع الصين بأن من مصلحتها ان تقوم بالسماح لليوان بأن ترتفع قيمته وهي الخطوة التي يعتقد أنها سوف تشجع الاستهلاك في الصين وتعمل على خفض درجة اعتماد اقتصادها على المستهلكين الأمريكيين. فإذا فشلت المقاربات الثنائية، فإنه من الأفضل ان تتخلى الولايات المتحدة عن سياسة الضغط الثنائي على الصين، وان تلجأ إلى الآليات متعددة الأطراف من خلال المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو مجموعة العشرين لتحفيز الصين على رفع قيمة عملتها، فالحماية لا يجب أن تقابل بإجراءات حمائية، لأنها تعمق الاتجاه نحو انتشار الحماية التجارية في عالم يتخلص تدريجيا منها.
تنبغي الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الموضوع قد يبدو وكأنه قضية اقتصادية بحتة، إلا أن رائحة السياسة تفوح من بين ملفات القضية، فهناك خلفيات أخرى ساعدت في تحريك الملف التجاري مع الصين، على سبيل المثال هناك امتعاض من قبل الولايات المتحدة بسبب الموقف غير المتشدد للصين في فرض عقوبات أشد على إيران فيما يتعلق بملفها النووي، كذلك عارضت الصين المبادرات الأمريكية حول سياسة التغير المناخي، مما أثر بشكل كبير على الاجتماع الذي تم في كوبنهاجن. الصين إذن ليست كغيرها من الدول، فهي لا تسير في الحذاء الأمريكي، وهذا ما يغيظ صانع السياسة الأمريكي، وأعتقد أنه لو أبدت الصين بعض التنازل في مواقفها من القضايا الساخنة التي تهم الإدارة الأمريكية فان الحديث عن تقييم اليوان سوف تخف حدته بصورة كبيرة، الأمر يتطلب إذن بعض الدبلوماسية من الصين، وهي لا تعدمها. الاحتمال الأكبر هو ان تلجأ الحكومتان إلى الوسائل الدبلوماسية في التعامل مع القضية بصورة أكثر ليونة، وهو ما يعني ضمناً ان سياسة اليوان الرخيص سوف تستمر لفترة زمنية مقبلة في المستقبل.
وفي رأيي أنه على الرغم من التهديد الأمريكي بشن حرب تجارية على الصين إلا أن الأوراق الأميركية للتعامل مع السلاح التجاري الصيني ربما تبدو محدودة، وان جانبا من قواعد اللعبة يقع أيضا تحت سيطرة صانع السياسة الصيني، وأن الأمر ربما يقتضي قدرا أكبر من الليونة من قبل صانع السياسة الأمريكي في التعامل مع الصين التي أصبحت اليوم أكبر من ان يوجه إليها أوامر من حكومة أجنبية. ولكن ما هي الخلاصات التي يمكن استنباطها مما يحدث هذا هو موضوع الجزء الأخير من هذا المقال.
آفاق التضخم في دول مجلس التعاون.
منذ أسبوع أصدر صندوق النقد الدولي تقرير ابريل عن "آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook"، ومن المعلوم أن التقرير يصاحبه تحديث قاعدة البيانات التي ارتكزت عليها السيناريوهات التي يقوم عليها التقرير. وتشتمل قاعدة البيانات على سلاسل زمنية مهمة جدا، بصفة خاصة فيما يتعلق بتوقعات الصندوق حول الأداء الاقتصادي الكلي لدول العالم ومجموعاته المختلفة خلال الفترة القادمة. قاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الحالية توفر توقعات حول أداء الاقتصاد العالمي حتى العام 2015. سوف أتناول هذه التوقعات الأساسية للصندوق حول الأداء الاقتصادي الكلي واحدا تلو الآخر وسوف أبدأ بتوقعات الصندوق حول آفاق التضخم في دول مجلس التعاون، باعتبار أن التضخم من المؤشرات التي تهم رجل الشارع حيث تؤثر على القوة الشرائية لدخله وقدرته على الانفاق، خصوصا في ظل ميل الدخول الى عدم الارتفاع بصورة موازية لتطورات معدل التضخم.
دول مجلس التعاون هي، من الناحية التقليدية، دول لا تعاني من التضخم المرتفع بشكل عام، حيث كان معدل التضخم خلال الفترة من 1980 حتى 2008 إما منخفضا أو متوسطا. في بداية فترة الثمانينيات شهدت دول مجلس التعاون معدلات تضخم متوسطة نتيجة آثار أسعار النفط المرتفعة التي سادت في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، قبل أن تنخفض معدلات الارتفاع في أسعار النفط الخام وتميل بالتالي معدلات التضخم نحو الانخفاض من حوالي 7% في المتوسط في عام 1980 إلى 1.7% في المتوسط في عام 1983، ثم مالت الأسعار نحو الانخفاض في عامي 1984 و 1985، وتحول معدل التضخم الى انكماش سعري، نتيجة انخفاض أسعار النفط بشكل كبير خلال هذه الفترة.
وعلى مدى الفترة من 1985 حتى عام 2004 تقريبا تمتعت دول مجلس التعاون بمعدلات تضخم منخفضة للغاية، حيث بلغ معدل التضخم في المتوسط 1.8% وهو ما يعد من أقل معدلات التضخم في العالم. بدءا من عام 2004 شهدت اقتصاديات دول مجلس التعاون سخونة نسبية نتيجة للزيادات غير المسبوقة في الإيرادات النفطية وخطط الإنفاق على المشروعات الضخمة في دول المجلس فضلا عن زيادة مستويات الدخول، كل هذا كان يصب في زيادة الإنفاق الكلي داخليا ليمارس ضغوطا على المستوى العام للأسعار، كذلك مالت الأسعار العالمية للسلع في هذه الفترة نحو الارتفاع، بصفة خاصة السلع الغذائية، نتيجة للظروف المناخية وتزايد الاتجاه نحو استخدام الغذاء في توليد غار الايثانون كبديل للبنزين المرتفع الثمن فضلا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
أدت كافة هذه العوامل أدت إلى نوعين من الضغوط التضخمية في دول المجلس: ضغوط تضخمية محلية ومستوردة. بلغ معدل التضخم في دول مجلس التعاون في المتوسط خلال الفترة من 2004 إلى 2008 حوالي 7%، إلا أنه بحلول عام 2008، بدا من الواضح ان التضخم في دول مجلس التعاون قد خرج عن نطاق سيطرة صانع السياسة الاقتصادية الكلية، وشهدت دول المجلس معدلات تضخم بلغت في المتوسط 10.5%، غير أن هذا المعدل المتوسط يخفي فروقا واضحة بين دول المجلس، فقد بلغ معدل التضخم في قطر 15.5%، تليها عمان بمعدل تضخم 12.6%، ثم المملكة العربية السعودية بمعدل تضخم 11.54% والكويت والإمارات بمعدل تضخم 10.% تقريبا، أما أقل معدلات التضخم فهو ما تتمتع به البحرين بشكل عام. إذن معدل التضخم في 2008 كان قد كسر حاجز الرقمين في معظم دول المجلس، وبات من الواضح ان الإقليم يستعد للدخول في حلقة تضخمية مدفوعة بضغوط الطلب الناجم عن تزايد الإيرادات النفطية والدخول من جانب، وضغوط التكلفة الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج من جانب آخر.
غير أن نشوب الأزمة المالية العالمية، وتحولها إلى أزمة اقتصادية عالمية وما ترتب عليها من كساد عالمي وميل الأسعار نحو الانخفاض في كافة دول العالم، وبالطبع منها دول مجلس التعاون، قد ساعد على تخفيف الضغوط التضخمية في دول المجلس. تراجع معدلات التضخم في دول المجلس هو إذن أحد الآثار الايجابية للازمة المالية العالمية على تلك الدول. هذا طبعا لا يعني أن الأزمة كانت خيرا كلها على دول المجلس، بالعكس لقد أحدثت آثارا عميقة، ليس هنا مجال الحديث عنها.
للأسف السيناريو الذي يعرضه الصندوق في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي "عدد ابريل 2010" يتسم بعدم الواقعية إلى حد بعيد، حيث أنه يتوقع مستويات منخفضة للغاية لمعدلات التضخم في دول المجلس خلال الفترة القادمة. حيث يتوقع الصندوق أن تصل معدلات التضخم في المتوسط خلال الفترة من 2010-2015 إلى حوالي 3.3%، وهو معدل أراه منخفضا جدا بالنظر إلى ما هو متوقع أن يحدث في دول المجلس عقب تعافي العالم وخروجه من الأزمة. أتوقع عند خروج العالم من الكساد الحالي، أن تصعد أسعار النفط إلى مستوياتها قبل الأزمة مرة أخرى، ومن ثم حدوث نمو هائل في الإيرادات النفطية لدول المجلس ومن ثم عودة ضغوط التضخم مدفوعة بعوامل الطلب المحلية من جانب والتضخم المستورد من جانب آخر. إذا صدقت توقعاتي، فإن عام 2011 سوف يشهد عودة التضخم عند مستوياته المتوسطة مرة أخرى في دول مجلس التعاون. الأشكال الستة التالية توضح اتجاهات التضخم في الستة دول الأعضاء في مجلس التعاون خلال الفترة من 1980-2008 (بيانات فعلية)، وتقديرات صندوق النقد الدولي لاتجاهات التضخم في تلك الدول كل على حدة حتى عام 2015.
الشكل رقم (1) معدل التضخم في البحرين (1980-2015)
الشكل رقم (2) معدل التضخم في الكويت (1980-2015)
الشكل رقم (3) معدل التضخم في عمان (1980-2015)
الشكل رقم (4) معدل التضخم في قطر (1980-2015)
الشكل رقم (5) معدل التضخم في المملكة العربية السعودية (1980-2015)
الشكل رقم (6) معدل التضخم في الامارات العربية المتحدة (1980-2015)
المصدر: IMF "World Economic Outlook" April 2010 data base
الثلاثاء، أبريل ٢٧، ٢٠١٠
حمل هذا الكتاب مجانا
اصدرت مؤسسة VoxEU.org هذا الاسبوع كتابا بعنوان:
The US-Sino Currency Dispute: New Insights from Economics, Politics and Law
قائمة محتويات الكتاب هي:
Executive Summary Simon J. Evenett
SECTION 1: What’s at stake? The clash that could have been...and could still be
1. Correcting the Chinese exchange rate: an action plan
C. Fred Bergsten
2. A trade war is entirely unnecessary
Yu Yongding
SECTION 2: Recent developments concerning the renminbi-dollar exchange rate
3. What caused China’s current-account surplus?
Yiping Huang
4. Congress and Chinese currency legislation
Claude Barfield
SECTION 3: The renminbi and global imbalances
5. Is an undervalued renminbi the source of global imbalances?
Charles Wyplosz
6. A trade theorist’s take on global imbalance
Alan V. Deardorff
SECTION 4: How much does the renminbi need to appreciate? To what effect?
7. The renminbi since 2005
Jeffrey Frankel
8. Is China’s currency overvalued?
Helmut Reisen
9. New PPP-based estimates of renminbi undervaluation and policy implications
Arvind Subramanian
10. Measuring misalignment: Latest estimates for the Chinese renminbi
Yin-Wong Cheung, Menzie D Chinn and Eiji Fuji
11. The 2005 to 2008 appreciation of the yuan and US trade
Peter K. Schott
12. Impact of China’s exchange-rate policy on trade in Asia
Alicia García-Herrero and Tuuli Koivu
SECTION 5: Does the crisis-era renminbi regime violate WTO rules? Is the threat of WTO litigation credible?
13. Currency ‘manipulation’ and world trade: a caution
Robert W. Staiger and Alan O. Sykes
14. Currency undervaluation as a violation of GATT Article XV:4
Jorge Miranda
15. Yuan to fight about it? The WTO legality of China’s exchange regime
Joel P. Trachtman
16. Retaliating against exchange rate manipulation under WTO rules
Michael Waibel
17. Is the Chinese exchange-rate regime ‘WTO-legal’?
Dukgeun Ahn
18. China's currency regime is legitimately challengeable as a subsidy under ASCM rules
John Magnus and Timothy C. Brightbill
SECTION 6: Potential responses by industrialised countries
19. Deconstructing Sino-US codependence: revaluation, tariffs, exports and jobs
Joseph Francois
20. US policy approaches to Chinese currency
Philip I. Levy
21. Is the 1971 ‘import surcharge’ a useful precedent?
Simon J. Evenett
22. What should the US and China learn from the past US-Japan conflict?
Jenny Corbett and Takatoshi Ito
23. Should Europe join the US in condemning Chinese currency manipulation?
Patrick A. Messerlin
24. China: revisiting the issue of mercantilism
François Godement
SECTION 7: Potential responses by China
25. Beijing blinks first – the currency debate in diplomatic context
Andrew Small
26. Great expectations: (Competing) domestic drivers of Chinese policy deliberations
Shaun Breslin
27. Absent revaluation, retaliation? Reactions to US restrictions on Chinese exports
Kati Suominen
28. China's holdings of US government debt: A dagger pointed at the heart of the US economy?
Eswar Prasad
لتحميل الكتاب اضغط على الرابط التالي:
http://www.voxeu.org/reports/currency_dispute.pdf
الاثنين، أبريل ٢٦، ٢٠١٠
الصين تزيح ألمانيا عن عرش أكبر مصدر للسلع في العالم
تعرضت التجارة الدولية إلى تراجع كبير خلال الأزمة المالية العالمية حيث انخفض حجم التجارة العالمية بمعدل 12.2% في عام واحد، وهو التراجع الأعنف خلال السبعين عاما الماضية، كما يتضح من الشكل رقم (1). ووفقا لمنظمة التجارة العالمية فإن التزام الدول الأعضاء بقواعد المنظمة هي التي أبقت الأسواق التجارية في دول العالم مفتوحة مما وفر أساسا لاستمرار التجارة الدولية مرتفعة على الرغم من حدوث الأزمة. حيث أنه من المتصور في أوقات الأزمات ان تحرص كل دولة على ان تعظم إنفاقها الكلي محليا وليس على سلع الآخرين حتى تحافظ على مستويات التوظف لديها مرتفعة، وهو ما قد يدفع الدول إلى استخدام أساليب حمائية للحد من تدفقات السلع عبر حدودها، خصوصا إلى الداخل، ولما كانت واردات دولة ما هي صادرات لدولة أخرى فإن ذلك يؤدي إلى تراجع مستويات التجارة العالمية إن أفضل التطورات التي شهدها العالم خلال العام الماضي هو عدم لجوء الدول الأعضاء إلى أي إجراءات تضيق من تدفقات التجارة عبر حدودها. وفي رأيي فإن القيمة الحقيقية لاتفاقية مثل اتفاقية منظمة التجارة الدولية كانت أهم ما يمكن خلال فترة الأزمة، حيث كان من الممكن ان تتدهور الأمور على نحو أسوأ مما يعقد من عملية استعادة النشاط الاقتصادي في العالم. لقد كان السبب الأساسي في هذا الانخفاض هو تراجع مستويات الثروة وانخفاض الائتمان الممنوح سواء بالنسبة للشركات أو بالنسبة للأفراد وهو ما أدى إلى تراجع الإنفاق، بصفة خاصة الإنفاق على السلع الاستهلاكية المعمرة، مثل السيارات والسلع الإنتاجية مثل الآلات والمعدات، حيث يسهل في ظل هذه الأوضاع تأجيل قرارات شراء مثل هذه السلع. وقد انتقل تأثير ذلك بسرعة إلى تدفقات التجارة العالمية في السلع، حيث تشكل هذه السلع نسبة كبيرة من تدفقات التجارة العالمية بين دول العالم.
الشكل رقم (1) معدلات نمو التجارة الدولية 1965-2009
المصدر: منظمة التجارة العالمية http://www.wto.org/english/news_e/pres10_e/pr598_e.htm
وعلى الرغم من هذا التراجع في حجم التجارة في ظل الأزمة يتوقع ان تنمو التجارة العالمية بمعدل 9.5% خلال عام 2010 مثلما تتوقع منظمة التجارة العالمية في تقريرها الأخير عن اتجاهات التجارة العالمية في عام 2010. فمن المتوقع مع تعافي العالم من الأزمة الحالية ان تزداد كمية الصادرات للدول المتقدمة بحوالي 7.5%، بينما تنمو صادرات باقي دول العالم بما في ذلك الدول النامية بحوالي 11%. بالطبع زيادة حجم التجارة العالمية لا يعني انتهاء خروج العالم من الأزمة، ولكنه بالتأكيد أحد المؤشرات الجيدة على أن العالم في طريقه للتعافي منها. من ناحية أخرى فان النمو المتوقع في حجم التجارة في 2010 لا يعني عودة التجارة الدولية إلى مستوياتها قبل الأزمة.
ووفقا لتوزيع هذا الانخفاض في حجم التجارة فان الصادرات الأمريكية من السلع انخفضت بنسبة 13.9%، وصادرات الاتحاد الأوروبي بنسبة 14%، وصادرات اليابان بنسبة 24.9%، وهي الأكبر بين مجموعة الدول الصناعية. أما اقل الدول تأثرا فهي الدول العربية المصدرة للنفط، حيث انخفضت صادرات هذه الدول بحوالي 5% فقط. وبشكل عام انخفضت الصادرات الأسيوية بمعدل 11.1%، في الصين بمعدل 10.5%.
تطورات التجارة العالمية خلال عام 2009 أظهرت تحولا هيكليا في طبيعة القوى المسيطرة على حجم التجارة، فلأول مرة تجتاح الصين كافة دول العالم لتصبح المصدر رقم 1 بحجم صادرات يصل إلى 1202 مليار دولار (1.2 تريليون دولارا)، مزيحة بذلك ألمانيا عن عرش أكبر مصدر في العالم والتي قامت بتصدير 1121 مليار دولارا في العام الماضي، يليها الولايات المتحدة 1057 مليار دولار، واليابان 581 مليار دولار. وفي دول مجلس التعاون الخليجي احتلت المملكة العربية السعودية المركز رقم 18 بين أكبر المصدرين في العالم (189 مليار دولارا) يليها الإمارات العربية المتحدة في المركز 19 (175 مليار دولارا).
دولة المليارديرات الفقراء
بمناسبة الحديث عن زعيم زيمبابوي أعيد نشر مقال سابق كان قد نشر بعنوان دولة المليارديرات الفقراء على مدونة مذكرات اقتصادية.
التضخم الجامح Hyper-inflation هو حالة من التضخم الحاد الذي تأخذ فيه معدلات الزيادة في الأسعار في النمو بأكثر من 50% شهريا، أي ما يقارب الـ 1300% سنويا. وفي حالات التضخم الجامح الحادة تصل الزيادات في الأسعار إلى أرقام فلكية، بحيث تصبح النقود بلا قيمة، وربما تكون تكلفة الورق الذي تطبع عليه النقود اكبر بكثير من القيمة الاسمية المنصوص عليها على الورقة. ونظرا لذلك يتم تعديل فئات النقود من خلال إضافة أصفار إضافية على كل ورقة جديدة يتم طباعتها، فبدلا من أن تحمل الورقة قيمة دولار، تصبح 10000 دولار، ثم 100000 دولار، ثم مليون دولار، ثم بليون دولار، ثم 500 بليون دولار للورقة الواحدة، وهكذا. الشكل التالي يمثل ورقة بنصف تريليون دولار أصدرت في يوغوسلافيا أثناء التضخم الجامح (1992-1994).
لك أن تتخيل الآن ما هو إجمالي عرض النقود اذا كانت الوحدة النقدية تصدر بنصف تريليون، انه رقم يحتاج إلى أكثر من سطر لكتابته. في ظل هذه الأوضاع نواجه الحالة الكلاسيكية للتضخم الجامح الحاد، وهي طوفان من النقود يطارد كمية صغيرة جدا من السلع، فتأخذ الأسعار في الارتفاع بشكل فلكي.
زيمبابوي تعيش حاليا الحالة الكلاسيكية للتضخم الجامح، الحاد بما له من أبعاد اقتصادية خطيرة على الفرد والاقتصاد بشكل عام. السبب الأساسي للتضخم في زيمبابوي هو الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة، التي أعقبت انتخابات مارس 2008، وإعادة الانتخابات في يونيو من نفس العام. ببساطة روبرت موجابي، قرر الاستمرار في كرسي السلطة بأي ثمن، على طريقة أنا ومن ورائي الطوفان، مثل هتلر وميلوسوفيتش وصدام حسين.. وغيرهم ممن ذهبوا إلى مزبلة التاريخ. فمنذ إعلان نتائج انتخابات مارس 2008 والتي فازت فيها المعارضة، رفض موجابي النتائج، ودخلت البلاد في حالة من العنف والاضطرابات السياسية الحادة، وكان موجابي قد أعلن انه سيفعل أي شيء لكي يحكم سيطرته على البلاد، بما في ذلك اضطهاد وقتل أعضاء الحزب المعارض له حركة التغيير الديمقراطي. التضخم الجامح في زيمبابوي حول الشعب إلى فقراء وهاجر عدد كبير من السكان إلى المناطق المجاورة هربا من جحيم التضخم. وأصبح الشغل الشاغل للمواطن الزيمبابوي الآن هو كيف يدبر مسألة توفير طعام، أي طعام، على مائدته، في خضم هذا التورنادو السعري. يشير احد الصحفيين الأمريكان انه في 4 يوليو الماضي كان سعر البيرة في احد بارات هراري الساعة الخامسة مساءا يساوي 100 مليار دولار، وبعد ساعة واحدة ارتفع السعر إلى 150 مليارا (أنظر http://www.latimes.com/news/nationworld/world/la-fg-money14- 2008jul14,0,3947241.story)، أي أن الأسعار أصبحت تتغير الآن كل ساعة. من الواضح أن أعدادا متزايدة من السكان يتوقع أن تواجه الجوع، وتقدر منظمة الفاو بأن أعداد هؤلاء سوف تصل إلى 5 ملايين في السنة القادمة (ملحوظة: عدد سكان ريمبابوي حوالي 12 مليون نسمة، هاجر منهم حوالي 3 مليون نسمة. توقع العمر عند الميلاد للشخص في المتوسط 39 سنة، وهو أقل مستوى لتوقع العمر في العالم، بسبب ضعف مستوى الخدمات الصحية، وتقدر الـ CIA أعداد المصابين بالإيدز بحوالي 2 مليون شخص، يموت منهم حوالي 170,000 سنويا).
معدل التضخم الرسمي المعلن هذا الشهر هو 2,200,000% أي أعلى بـ 13 ضعفا من مستوى الأسعار في فبراير الماضي. في الوقت الذي يعتقد الكثير من الاقتصاديين أن المعدل أعلى من الضعف، أي ربما 5,000,000%، وربما يصل إلى 15,000,000%. وبالنسبة لبعض المواد الأساسية التي تباع في السوق السوداء، حيث بلغ معدل الارتفاع 70,000,000% للصابون، و 60,000,000% لزيت الطعام و36,000,000% للسكر. في ظل هذه الأوضاع يباع الزيت في زيمبابوي بالملعقة كمكيال، وليس باللتر. هل تتخيل الآن كم من ملايين الدولارات الزيمبابوية هي ثمن ملعقة من الزيت؟.
بعض الأسعار الرسمية للسلع الأساسية هي: كيلو السكر 10,000,000,000 (10 مليار) دولار زيمبابوي، رغيف الخبز 100,000,000,000 دولار زيمبابوي (100 مليار)، كيلو اللحم بـ 450,000,000,000 (450 مليار)دولار زيمبابوي، لتر الحليب 200,000,000,000 (200 مليار) دولار. غير أن أسعار السوق السوداء تفوق ذلك بمراحل. وبالنسبة للمواطن الزيمبابوي، هذه أسعار زمان، زمان جدا، هذا الأسبوع، سعر كيلو الدقيق في السوق السوداء 1,000,000,000,000(واحد تريليون) دولار، وسعر رغيف الخبز هو 250,000,000,000 دولار، وسعر الدجاجة المجمدة هو 250,000,000,000,000 (250 تريليون) دولار زيمبابوي.
إنها طاحونة أسعار، تطحن المواطنين، بصفة خاصة الفقراء منهم، والذين لم يعودوا قادرين حاليا على دفع تكاليف دفن موتاهم. وفي محاولة لتوفير السلع المدعمة أعلن الرئيس موجابي عن خطة لتوزيع السلع المدعمة والتي ستكلف الأسر المتوسطة 100,000,000,000 (100 مليار) دولارا زيمبابوي فقط شهريا. في الوقت الذي لم يعرف فيه كيف سيمول البنك المركزي تكاليف الدعم في الوقت الذي تنهار فيه الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات العامة.
إنها طاحونة أسعار، تطحن المواطنين، بصفة خاصة الفقراء منهم، والذين لم يعودوا قادرين حاليا على دفع تكاليف دفن موتاهم. وفي محاولة لتوفير السلع المدعمة أعلن الرئيس موجابي عن خطة لتوزيع السلع المدعمة والتي ستكلف الأسر المتوسطة 100,000,000,000 (100 مليار) دولارا زيمبابوي فقط شهريا. في الوقت الذي لم يعرف فيه كيف سيمول البنك المركزي تكاليف الدعم في الوقت الذي تنهار فيه الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات العامة.
وفي ظل هذه الأوضاع أغلقت الكثير من المصانع أبوابها، بينما تعمل المصانع المستمرة بطاقة أقل من 30%، وبعد أن كانت زيمبابوي مكتفية ذاتيا في بعض السلع الأساسية، أصبحت تستوردها من الخارج. التضخم الجامح إذن خرج عن نطاق السيطرة، وأصبح الاقتصاد على حافة الانهيار بسبب مشاكل العرض وعدم فاعلية سياسات الرقابة على الأسعار. وفي ضوء هذه الأرقام الفلكية للأسعار تحتاج إلى سيارة نقل لتنقل لك كمية النقود اللازمة لشراء رغيف من الخبز اذا كانت النقود من فئة 100 دولار، ولذلك اضطرت حكومة زيمبابوي إلى إعادة إصدار النقود بفئات أعلى، أي من خلال إضافة عدة أصفار إلى أرقامها السابقة، وأخيرا تم إصدار ورقة نقدية من فئة الـ 100 مليار دولار، كما هي في الشكل التالي:
كذلك يترتب على تلك الأسعار الفلكية نقص كمية النقود المتاحة عن توفير القوة الشرائية اللازمة لتمويل المعاملات، لذلك تزيد الضغوط على البنوك أثناء التضخم الجامح، مما يدفع الحكومة إلى تحديد حد أقصى على مسحوبات الأفراد من مودعاتهم في البنوك. وقد حدد بنك الاحتياطي الزيمبابوي الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك بـ 100 مليار دولار.
ما الذي يؤدي إلى هذه الارتفاعات الفلكية في الأسعار، الإجابة ببساطة هي طبع النقود، وتعديل فئات النقود من دولار مثلا إلى 100 مليار دولار للورقة الواحدة. في ظل هذه الظروف يبلغ معدل نمو عرض النقود أضعاف معدل النمو في الناتج فتكون النتيجة هو ما يعرف تقليديا عن التضخم الجامح (نقود كثيرة جدا تطارد سلع قليلة جدا). ولكن ما الذي يدفع الحكومة إلى هذا السلوك. منذ أعوام قليلة بلغ الدين الحكومي نسبة تفوق 100% من الناتج المحلي لزيمبابوي، ولتمويل الدين الحكومي (أقساط الدين + الفوائد) لجأت الحكومة، في ظل ضعف مواردها (الضرائب)، إلى طبع النقود لسداد تكاليف الدين الحكومي، فبدأت الأسعار في الارتفاع، ثم حدثت الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات مارس 2008، ودخلت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية طاحنة ترتب عليها نقص كبير في المعروض من السلع الأساسية مما أدى إلى هذا التضخم الجامح. غير أن هذا النقص في العرض من السلع ازداد سوءا بسبب قوانين الرقابة على الأسعار، التي تثبت أسعار السلع، بالنسبة لمنتج تلك السلع لن يجد خيارا سوى إغلاق مصنعه بسبب الزيادة الفلكية في تكاليف الإنتاج، بينما لا تتغير الأسعار الرسمية للسلع بنفس المعدل، مما يعني أن الاستمرار في الإنتاج والبيع بالأسعار الرسمية سوف يعني تحقيق خسارة هائلة. في ظل هذه الأوضاع تتعقد مشكلة نقص عرض السلع ومن ثم تأخذ الأسعار في الارتفاع بمعدلات فلكية، ليس على شكل حلزون ولكن في صورة تورنادو، حيث ترتفع الأسعار كل ساعة.
التفسير النقودي للتضخم بسيط ومباشر، انه يقوم على أساس نظرية كمية النقود والتي تأخذ الصورة الآتية:
حيث M هي كمية النقود، و V هي سرعة تداول النقود (متوسط عدد المرات التي يتم استخدام الوحدة النقدية فيها بين البائعين والمشترين خلال السنة)، و P هي الأسعار، و Q هي كميات السلع والخدمات المختلفة. وتفترض النظرية أن كل من سرعة التداول V و كمية السلع والخدمات Q ثابتة. وفي ظل هذه الفروض اذا زادت كمية النقود بنسبة ما فان الأسعار لا بد وأن ترتفع بنفس النسبة، أي أنه اذا زادت كمية النقود بـ 10%، فان الأسعار لا بد وأن ترتفع بنفس النسبة. معنى ذلك أن لجوء البنك المركزي في دولة ما إلى طبع كمية من النقود تزيد عن حاجة المجتمع لتمويل المعاملات المختلفة، سوفي يؤدي حتما إلى تضخم. فإذا ما كانت معدلات النمو في طبع النقود فلكية، فان البلاد لا محالة ستواجه حالة تضخم جامح.
المشكلة في زيمبابوي أن التضخم ليس ناجما عن جذب الطلب، فالقوة الشرائية للفرد المتوسط منعدمة تقريبا، حيث يعمل حاليا واحد من كل خمس أشخاص من قوة العمل، وإنما في العجز الكبير في العرض الناجم عن انخفاض مستويات الإنتاج بسبب الأزمة الاقتصادية، في ظل طوفان عرض النقود الذي تطبعه الحكومة لمواجهة تكاليف نفقاتها من خلال تطبع المزيد من النقود. وبالنسبة للـ 20% التي تعمل من قوة العمل فإنها تطالب برفع أجورها الاسمية بشكل شبه يومي، مما يعني وجود قوة شرائية تزيد عن العرض المحدود جدا من السلع بسبب الانهيار الاقتصادي.
ماذا يجب أن تفعل زيمبابوي، للأسف الخيارات المتاحة أمام زيمبابوي هي خيارات اقل ما يمكن أن توصف به أنها خيارات حادة، بنفس حدة معدلات التضخم التي تواجهها، زيمبابوي عدة خيارات هي:
مما لا شك فيه أن على موجابي وحزبه أن يرحلان ويتركا الحكم أولا، وإتاحة الفرصة أمام وجوه جديدة بأفكار ورؤى جديدة تساعد على إعادة بناء البلاد وتعيد للشعب الزيمبابوي دخوله الحقيقية التي أهدرتها نار التضخم.
الدولرة: أي إلغاء الدولار الزيمبابوي والتعامل بعملة تتسم بالاستقرار النقدي، مثل الدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي. ومن ثم إلغاء البنك المركزي الزيمبابوي والتخلي عن السياسات النقدية الوطنية، وترك تلك المهمة للبنك المركزي للدولة التي سيتم تبني عملتها.
إلغاء الدولار الزيمبابوي الحالي وإصدار عملة جديدة بفئات جديدة، بحيث يتم استبدال الدولار الحالي مع العملة الجديدة على أساس معدل تحويل ثابت، مع إتباع سياسات نقدية ومالية جديدة تضمن تحقيق الاستقرار النقدي المطلوب، فضلا عن تبني سياسات تشجع رأس المال المبادر وتحسن من بيئة الأعمال وتجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
تحديث.
بالفعل قامت زيمبابوي بالغاء الدولار الزيمبابوي ولجأت الى الدولرة كحل لمشكلة التضخم الجامع ودخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لرسم برنامج لاستقرارها الاقتصادي. العام الماضي تراجعت الاسعار على نحو كبير بسبب هذه الاجراءات.
ما الذي يؤدي إلى هذه الارتفاعات الفلكية في الأسعار، الإجابة ببساطة هي طبع النقود، وتعديل فئات النقود من دولار مثلا إلى 100 مليار دولار للورقة الواحدة. في ظل هذه الظروف يبلغ معدل نمو عرض النقود أضعاف معدل النمو في الناتج فتكون النتيجة هو ما يعرف تقليديا عن التضخم الجامح (نقود كثيرة جدا تطارد سلع قليلة جدا). ولكن ما الذي يدفع الحكومة إلى هذا السلوك. منذ أعوام قليلة بلغ الدين الحكومي نسبة تفوق 100% من الناتج المحلي لزيمبابوي، ولتمويل الدين الحكومي (أقساط الدين + الفوائد) لجأت الحكومة، في ظل ضعف مواردها (الضرائب)، إلى طبع النقود لسداد تكاليف الدين الحكومي، فبدأت الأسعار في الارتفاع، ثم حدثت الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات مارس 2008، ودخلت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية طاحنة ترتب عليها نقص كبير في المعروض من السلع الأساسية مما أدى إلى هذا التضخم الجامح. غير أن هذا النقص في العرض من السلع ازداد سوءا بسبب قوانين الرقابة على الأسعار، التي تثبت أسعار السلع، بالنسبة لمنتج تلك السلع لن يجد خيارا سوى إغلاق مصنعه بسبب الزيادة الفلكية في تكاليف الإنتاج، بينما لا تتغير الأسعار الرسمية للسلع بنفس المعدل، مما يعني أن الاستمرار في الإنتاج والبيع بالأسعار الرسمية سوف يعني تحقيق خسارة هائلة. في ظل هذه الأوضاع تتعقد مشكلة نقص عرض السلع ومن ثم تأخذ الأسعار في الارتفاع بمعدلات فلكية، ليس على شكل حلزون ولكن في صورة تورنادو، حيث ترتفع الأسعار كل ساعة.
التفسير النقودي للتضخم بسيط ومباشر، انه يقوم على أساس نظرية كمية النقود والتي تأخذ الصورة الآتية:
M V = P Q
حيث M هي كمية النقود، و V هي سرعة تداول النقود (متوسط عدد المرات التي يتم استخدام الوحدة النقدية فيها بين البائعين والمشترين خلال السنة)، و P هي الأسعار، و Q هي كميات السلع والخدمات المختلفة. وتفترض النظرية أن كل من سرعة التداول V و كمية السلع والخدمات Q ثابتة. وفي ظل هذه الفروض اذا زادت كمية النقود بنسبة ما فان الأسعار لا بد وأن ترتفع بنفس النسبة، أي أنه اذا زادت كمية النقود بـ 10%، فان الأسعار لا بد وأن ترتفع بنفس النسبة. معنى ذلك أن لجوء البنك المركزي في دولة ما إلى طبع كمية من النقود تزيد عن حاجة المجتمع لتمويل المعاملات المختلفة، سوفي يؤدي حتما إلى تضخم. فإذا ما كانت معدلات النمو في طبع النقود فلكية، فان البلاد لا محالة ستواجه حالة تضخم جامح.
المشكلة في زيمبابوي أن التضخم ليس ناجما عن جذب الطلب، فالقوة الشرائية للفرد المتوسط منعدمة تقريبا، حيث يعمل حاليا واحد من كل خمس أشخاص من قوة العمل، وإنما في العجز الكبير في العرض الناجم عن انخفاض مستويات الإنتاج بسبب الأزمة الاقتصادية، في ظل طوفان عرض النقود الذي تطبعه الحكومة لمواجهة تكاليف نفقاتها من خلال تطبع المزيد من النقود. وبالنسبة للـ 20% التي تعمل من قوة العمل فإنها تطالب برفع أجورها الاسمية بشكل شبه يومي، مما يعني وجود قوة شرائية تزيد عن العرض المحدود جدا من السلع بسبب الانهيار الاقتصادي.
ماذا يجب أن تفعل زيمبابوي، للأسف الخيارات المتاحة أمام زيمبابوي هي خيارات اقل ما يمكن أن توصف به أنها خيارات حادة، بنفس حدة معدلات التضخم التي تواجهها، زيمبابوي عدة خيارات هي:
مما لا شك فيه أن على موجابي وحزبه أن يرحلان ويتركا الحكم أولا، وإتاحة الفرصة أمام وجوه جديدة بأفكار ورؤى جديدة تساعد على إعادة بناء البلاد وتعيد للشعب الزيمبابوي دخوله الحقيقية التي أهدرتها نار التضخم.
الدولرة: أي إلغاء الدولار الزيمبابوي والتعامل بعملة تتسم بالاستقرار النقدي، مثل الدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي. ومن ثم إلغاء البنك المركزي الزيمبابوي والتخلي عن السياسات النقدية الوطنية، وترك تلك المهمة للبنك المركزي للدولة التي سيتم تبني عملتها.
إلغاء الدولار الزيمبابوي الحالي وإصدار عملة جديدة بفئات جديدة، بحيث يتم استبدال الدولار الحالي مع العملة الجديدة على أساس معدل تحويل ثابت، مع إتباع سياسات نقدية ومالية جديدة تضمن تحقيق الاستقرار النقدي المطلوب، فضلا عن تبني سياسات تشجع رأس المال المبادر وتحسن من بيئة الأعمال وتجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
تحديث.
بالفعل قامت زيمبابوي بالغاء الدولار الزيمبابوي ولجأت الى الدولرة كحل لمشكلة التضخم الجامع ودخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لرسم برنامج لاستقرارها الاقتصادي. العام الماضي تراجعت الاسعار على نحو كبير بسبب هذه الاجراءات.
صورة كئيبة لزعيم ثوري
الزعماء الثوريون هم أشخاص يعتقدون أن القدر قد سخرهم لانتشال شعوبهم من باطن الأرض والصعود بهم إلى عنان السماء حيث الجنة المزعومة للجميع، لا أدري ما هي التركيبة النفسية لهؤلاء، ولكن من المؤكد أنها تركيبة مختلفة عن باقي البشر فهم على الأقل أشخاص استثنائيين من وجهة نظرهم ساقهم القدر في اللحظة المناسبة لأداء هذه المهمة الاستثنائية، وغالبا عندما نستمع لهؤلاء القادة وهو يلقون الخطب، تشعر بأن الذي يخطب يتصور أنه يتحدث من السماء وأن كافة أنحاء الكون تسمعه وتهتز لعباراته الرصينة اهتزازا تسمع أصداءه في كافة جوانب الكون السحيق. القاسم المشترك بين هؤلاء هو أنهم يعتقدون أنهم جاءوا لنصرة الفقراء والضعفاء من سيطرة وجشع الأغنياء وذوي النفوذ، ومحاربة الامبريالية والطبقية وسيطرة رأس المال على الحكم، بينما على أرض الواقع تجدهم يعيشون في واد آخر يختلف تماما عما يرسمونه في خطبهم ودساتيرهم ومبادئهم التي شرعوها، حيث تسخر موارد الدولة لا من أجل الفقراء والضعفاء وتحسين أحوالهم، وانما من أجل استيفاء احتياجاتهم هم بالدرجة الأولى، ومثل هذه الاحتياجات متعددة، فبالإضافة إلى الاحتياجات الشخصية، تنفق الأموال على قمع المعارضة بدعوى أنها ضد الثورة ومبادئها وضد الحلم القادم بالحرية والديمقراطية والرفاهية وغيرها من العبارات والمفاهيم التي يسمعها رجل الشارع مرارا وتكرارا من الزعيم، ويظل طوال حياته يحلم بها أو يحلم بأن يعيشها لحظة على أرض الواقع، ثم يفاجأ بأنه يموت قبل أي يرى أي من هذه الوعود الزائفة حقيقة.
زعيمنا الثوري اليوم صورة طبق الأصل لهذا الوهم الذي يسمونه الثورة في دول العالم الثالث، إنه الزعيم الدكتاتور روبرت موجابي الذي حول زيمبابوي إلى واحدة من أندر دول العالم وأكثرها مأساوية في تاريخ البشرية الحديث. ما حدث في زيمبابوي سوف يسجل في تاريخ التضخم على أنه واحدة من أعنف حالات التضخم الجامح التي عاشها البشر في كل العصور.
عندما تولى موجابي السلطة بأفكاره الثورية العبقرية، قام موجابي بمصادرة أراضي البيض تحت دعوى الإصلاح الزراعي، ومن ثم أخذت إنتاجية الأرض الزراعية في زيمباوي في التراجع حتى انهارت، وتحولت زيمبابوي من الدولة التي كانت تصدر الغذاء إلى دولة تعيش على المعونات التي يجود بها العالم لإنقاذ الفقراء والجوعى في زيمبابوي، وذلك بعد ان حطمت عملية طباعة النقود غير المسئولة من الزعيم الثوري دخول الأفراد وحولت معظم السكان إلى جيش من المعوزين بحثا عما يسد الرمق، أي شيء يسد الجوع، وهاجرت العقول الزيمبابوية إلى الخارج في كافة أنحاء الدنيا، لتتراجع تنافسية زيمبابوي وينتشر فيها الفساد، وتتراجع نتيجة لذلك شعبية موجابي بصورة واضحة ويجلب موجابي أعداءا جدد كل يوم في الداخل والخارج، بينما الزعيم يهلل لنفسه ويطبع النقود على أمل أن توزيعها على الناس سوف يخفف من معاناتهم. هذا التفكير العبقري للزعيم الثوري أدى إلى انهيار الدولار الزيمبابوي إلى مستويات أقل ما يمكن ان توصف به أنها خيالية، يندر أن تتكرر في تاريخ العالم. لقد سبق ان تناولت موضوع التضخم الجامح في زيمبابوي أكثر من مرة تحت عناوين مختلفة أهمها "دولة المليارديرات الفقراء" في مدونة مذكرات اقتصادية، ولكن الطريف هو ما أعرضه اليوم للقارئ نقلا عن الاكونوميست عن معدلات صرف الدولار الزيمبابوي بالدولار الأمريكي خلال عامي 2008 و 2009 ببركات الزعيم، حيث يتحدث موجابي لنفسه مرتديا افخر الثياب وشعبه يسير بلا ملابس تقريبا يحلم بالايام الخوالي حيث كان من الممكن أن يتناول الفرد قطعة من الفراخ في احدى وجباته، ولكنه اليوم اصبح يراها على التلفاز أو في كتب المطالعة فقط، في الوقت الذي ينهار فيه الدولار الزيمبابوي كل ثانية يمر فيها الزمن. معدلات صرف الدولار الزيمبابوي انخفضت الى مستويات لا يمكن تصديق أن أي عملة في العالم يمكن أن تصل اليها، لاحظ واحد كوادريليون يساوي ألف تريليون، وواحد ديشيليون يساوي مليار تريليون تريليون، هل يمكن ان تصدق ان الدولار الامريكي بلغ في لحظة من الزمن 47.2 ديشيليون دولار زيمبابوي، أي 47.2 مليار تريليون تريليون دولار زيمبابوي. إنها أرقام لا يمكن أن نسمع عنها سوي في الفضاء اللا متناهي، حيث يعيش هؤلاء الزعماء المأساويين أمثال موجابي وصدام حسين وأدولف هتلر وغيرهم.
المصدر: http://www.economist.com/research/articlesBySubject/displaystory.cfm?subjectid=7933596&story_id=15943316
الأحد، أبريل ٢٥، ٢٠١٠
الدول الناشئة تقود النمو العالمي في مرحلة استعادة النشاط الاقتصادي
منذ عدة أيام أصدر صندوق النقد الدولي الإصدار الأول من تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook لعام 2010، والذي يتضمن تحليلا للقضايا الاقتصادية الرئيسية التي يواجهها العالم، إصدار ابريل من التقرير يتناول أساسا قضية استعادة توازن النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث يواصل الاقتصاد العالمي تحقيق معدلات نمو أفضل من التوقعات التي طرحها الصندوق في الإصدارات السابقة من التقرير، بصفة خاصة في الاقتصاديات الناشئة والنامية. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط معدل النمو العالمي إلى حوالي 4.25%، ومقارنة بهذا المعدل فان الدول الآسيوية تنمو بسرعة صاروخية متجاوزة هذا المتوسط بصورة واضحة. وقد ترتب على هذه الانفراجة في آفاق النمو العالمي تنشيط حركة رؤوس الأموال بين دول العالم، بصفة خاصة إلى الاقتصاديات الناشئة، دون أن يترتب عليها حدوث فقاعات في أسعار الأصول في تلك الدول أو تسارعا في معدلات التضخم، على الأقل حتى هذه اللحظة. غير أنه مع تحسن مستويات النشاط الاقتصادي العالمي يتوقع ان تتسع الاختلالات في المواقف الخارجية لدول العالم مرة أخرى بعد ان كانت قد خمدت بعض الشيء بفعل الأزمة، كذلك يتوقع ان تستمر الاختلالات في المالية العامة عند مستويات مرتفعة في العام القادم، والتي يمكن ان يترتب عليها تراكما للدين العام في العديد من الدول، وربما تواجه بعض دول العالم اليوم صعوبة في تسويق ديونها، إلا ان الانتعاش الاقتصادي سوف يمكن الجهاز المصرفي في دول العالم من امتصاص قدرا أكبر من هذه الديون العامة في المستقبل القريب، خصوصا مع تحسن الأوضاع الائتمانية لتلك الدول وانخفاض مستويات المخاطر المصاحب لذلك.
وعلى الرغم من تحسن آفاق نمو الاقتصاد العالمي في العام القادم إلا أن مشكلة الديون السيادية قد تقف حجر عثرة أمام استقرار النمو الاقتصادي العالمي لما يمكن ان يترتب على انفجار إحداها من أثار ارتدادية هائلة على الأسواق المالية في العالم قد تؤدي إلى انعكاس اتجاهات النمو ومن ثم إطالة أمد الخروج من الأزمة. الديون السيادية إذن هي التحدي الأول الذي قد يواجه عملية استعادة النشاط الاقتصادي في العالم لما يمكن أن تحدثه من اضطرابات مالية على المستوى الدولي. لم تكن طريقة تعامل العالم مع أزمة الديون السيادية لليونان تسير في الاتجاه والسرعة المناسبتين، وإذا استطاع العالم ان يتعايش العالم مع التهديد الذي تمثله الديون السيادية لليونان حتى الآن فإن بروز مشكلة ديون سيادية أخرى ربما يخرج الأمور في الأسواق المالية العالمية عن نطاق السيطرة، لذلك اعتقد ان التحدي الأكبر الذي سيواجه العالم في العامين القادمين هو كيفية السيطرة على المخاطر الكامنة للديون السيادية، خصوصا مع ترشح عدد اكبر من الدول ذات حجم الدين المرتفع والانتشار الأوسع بين مصارف دول العالم إلى الانضمام إلى اليونان. على العالم إذن ان يتخذ الإجراءات المناسبة للسيطرة على نمو الدين العام في مختلف الدول وان يتخذ الإجراءات المناسبة لتوفير آليات مناسبة للتعامل من هذه المخاطر، على سبيل المثال يجب أن يتم تدعيم الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي، بحيث يصبح الملجأ الأخير للاقتراض من قبل دول العالم على ان يصاحب ذلك رفع موارده المالية على النحو الذي يمكنه من الاضطلاع بهذه المهمة لضمان الاستقرار المناسب للأسواق المالية العالمية، وهي بلا شك مهمة ينبغي أن يعهد بها إلى صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى مهام الاستقرار النقدي والمالي للدول الأعضاء. الشكل التالي يوضح اتجاهات الاختلالات المالية في العالم واتجاهات الدين العام وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي.
التعافي الاقتصادي الذي يشهده العالم إذن حاليا مازال هشا، ومن الممكن أن يتعرض لمخاطر تراجع اتجاهاته، وهو ما يقتضي ضرورة بذل دول العالم أقصى ما في وسعها لضبط إيقاع نمو إنفاقها العام والسيطرة على عجز ميزانياتها العامة ومن ثم دينها العام. العديد من الدول مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى ان تقوم بإصلاح نظم الإنفاق العام بها وإتباع سياسات أكثر حصافة للحد من نمو الإنفاق العام ومن ثم العجز في الميزانيات العامة لها.
على جانب آخر استدعت عملية التعاطي مع الأزمة استخدام أدوات نقدية غير تقليدية من قبل العديد من الدول مثل التيسير الكمي (طبع النقود)، والتي ربما في أوقات الأزمة تحقق الأهداف المرجوة منها في رفع مستويات الطلب الكلي في المجتمع ومن ثم تشجيع عمليات خلق الوظائف في سوق العمل، غير أن مثل هذه الإجراءات غير التقليدية سوف تحتاج إلى تدخل حاسم من قبل السلطات النقدية في دول العالم للسيطرة على نمو المعروض النقدي ومن ثم لجم معدلات التضخم من الخروج عن نطاق السيطرة، أخذا في الاعتبار اتجاهات معدل البطالة، والذي قد يقتضي توسيع معدلات نمو الائتمان لقطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة.
السيناريو المتوقع من قبل صندوق النقد الدولي هو نمو الاقتصاد العالمي ككل بمعدل 4.25% في المتوسط كما سبقت الإشارة، غير أن هذا النمو يختلف في المتوسط من مجموعة إلى أخرى. على سبيل المثال يتوقع ان تشهد الاقتصاديات المتقدمة معدل نمو بحوالي 2.25% - 2.5% خلال عامي 2010-2011%، مقارنة بمعدل نمو أسالب قدره 3% في 2009، فإن أفضل اتجاهات النمو ستتحقق في الاقتصاديات الناشئة والنامية والتي يتوقع ان تحقق في المتوسط معدل نمو يصل إلى 6.25% وتتفاوت اتجاهات النمو بشكل واضح بين هذه الدول حيث يتوقع ان تحقق الصين والهند والبرازيل والمكسيك وكذلك روسيا معدلات نمو استثنائية حيث تقود معدلات النمو الاقتصادي في العالم، بينما نجد أن معدلات النمو المتوقع في دول العالم القديم في أوروبا سوف تكون متواضعة للغاية خلال السنتين القادمتين، حيث يتوقع أن تقتصر على 2.3%. الشكل التالي يوضح اتجاهات معدل النمو الحقيقي في المجموعات الرئيسية من دول العالم، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
العجز التجاري الأمريكي يتزايد في فبراير
على الرغم من المحاولات الأمريكية للحد من العجز التجاري (الفرق بين الصادرات الأمريكية من السلع والواردات الأمريكية من السلع والتي يتم تسجيلها في جزء خاص من ميزان المدفوعات يسمى الميزان التجاري)، فإن هذا العجز آخذ في التزايد، مما يزيد من الضغوط على الدولار في سوق الصرف الأجنبي، وهو ما يعني أن الدولار الضعيف ربما يستمر لفترة أطول مما نتوقع بسبب تلك الضغوط. فقد أعلن المكتب الأمريكي للتحليل الاقتصادي أن شهر فبراير من هذا العام شهد ارتفاعا في العجز التجاري الأمريكي (في السلع والخدمات) بلغ 39.7 مليار دولارا، حيث بلغت قيمة الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات 143.2 مليار دولارا، بينما بلغت قيمة الواردات الأمريكية 182.9 مليار دولار، وذلك مقارنة بعجز في السلع والخدمات قدر بحوالي 37 مليار دولار في يناير الماضي. ومن الناحية الواقعية لم يشهد شهر فبراير زيادة تقريبا في الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات، حيث لم ترتفع الصادرات سوى بحوالي 300 مليون دولارا، بينما ارتفعت الواردات من السلع والخدمات في فبراير بحوالي 3 مليار دولار. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن هذا العجز يخفي طبيعة العجز الحقيقي في الميزان التجاري (أي في السلع فقط) والذي بلغ في فبراير حوالي 52.3 مليار دولار، وهو ما يمثل مصدر صداع ميزان المدفوعات الأمريكي، إذ أن عجز الميزان التجاري المتزايد (في السلع) يمثل أحد مصادر الضغط الأساسية على الدولار، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة تحقق فائضا في مبادلاتها التجارية في الخدمات مع العالم، ففي فبراير حققت الولايات المتحدة فائضا من تجارتها في الخدمات قدر بحوالي 11.6 مليار دولارا. مصدر الزيادة الأكبر في الواردات الأمريكية في فبراير جاء من واردات السلع الاستهلاكية، وواردات المواد الخام، والسلع الأخرى، بينما مثلت الزيادة في الصادرات من السلع الصناعية ووسائل النقل والسلع الرأسمالية والغذاء أهم مصادر الزيادة في الصادرات السلعية. الشكل التالي يوضح أنه على الرغم من جهود الولايات المتحدة للحد من الفجوة بين صادراتها ووارداتها والتي مالت إلى التراجع خلال العام الماضي، فإن هذه الفجوة تميل إلى التزايد مرة أخرى.
المصدر: U.S. Census Bureau and U.S. Bureau of Economic Analysis
أعود وأكرر أنه من الواضح أنه رغم حرص الولايات المتحدة على الإبقاء على الدولار منخفض القيمة بوسائل عدة لدعم صادراتها والحد من وارداتها من العالم الخارجي والضغط على الصين لرفع قيمة اليوان، إلا أن مرونة الطلب على الواردات تبدو ضعيفة، حيث لم تتأثر قيمة الواردات الأمريكية من السلع بارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع قيمة عملات الدول الأخرى بالنسبة للدولار، والولايات المتحدة تتهم الصين بأنها أحد المتسببين الرئيسيين في هذه المشكلة نتيجة لسياسات الصرف التي تتبعها في تحديد قيمة اليوان، والتي تعتقد أن الصين تحرص على ان تقيم اليوان بأقل من قيمته مما يجعل السلع الصينية أرخص نسبيا، وهو ما يؤدي إلى زيادة الواردات الأمريكية من الصين، دون أن تسأل الولايات المتحدة نفسها، ماذا تستورد من الصين وهل يمكن للولايات المتحدة أن تنتج ما تستورده من الصين داخليا، وذلك في ظل الاتجاه المتزايد لتحول دور الشركات الأمريكية من شركات منتجة إلى شركات مبتكرة تدير أعمالها الإنتاجية أساسا من الخارج من خلال بناء مصانعها خارج الولايات المتحدة، أو إسناد عمليات إنتاج منتجاتها إلى شركات خارج الولايات المتحدة. إذا كانت الشركات الأمريكية تنتج في الخارج، فالوضع الطبيعي أن تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري ضخم نظرا لتركز عمليات الاستهلاك في السلع الأمريكية في تلك التي تنتجها دول مثل الصين وتايوان والهند وغيرها من الدول التي تتمتع بميزة نسبية في التكلفة.
أعود وأكرر أنه من الواضح أنه رغم حرص الولايات المتحدة على الإبقاء على الدولار منخفض القيمة بوسائل عدة لدعم صادراتها والحد من وارداتها من العالم الخارجي والضغط على الصين لرفع قيمة اليوان، إلا أن مرونة الطلب على الواردات تبدو ضعيفة، حيث لم تتأثر قيمة الواردات الأمريكية من السلع بارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع قيمة عملات الدول الأخرى بالنسبة للدولار، والولايات المتحدة تتهم الصين بأنها أحد المتسببين الرئيسيين في هذه المشكلة نتيجة لسياسات الصرف التي تتبعها في تحديد قيمة اليوان، والتي تعتقد أن الصين تحرص على ان تقيم اليوان بأقل من قيمته مما يجعل السلع الصينية أرخص نسبيا، وهو ما يؤدي إلى زيادة الواردات الأمريكية من الصين، دون أن تسأل الولايات المتحدة نفسها، ماذا تستورد من الصين وهل يمكن للولايات المتحدة أن تنتج ما تستورده من الصين داخليا، وذلك في ظل الاتجاه المتزايد لتحول دور الشركات الأمريكية من شركات منتجة إلى شركات مبتكرة تدير أعمالها الإنتاجية أساسا من الخارج من خلال بناء مصانعها خارج الولايات المتحدة، أو إسناد عمليات إنتاج منتجاتها إلى شركات خارج الولايات المتحدة. إذا كانت الشركات الأمريكية تنتج في الخارج، فالوضع الطبيعي أن تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري ضخم نظرا لتركز عمليات الاستهلاك في السلع الأمريكية في تلك التي تنتجها دول مثل الصين وتايوان والهند وغيرها من الدول التي تتمتع بميزة نسبية في التكلفة.
عدد البنوك الأمريكية التي أفلست هذا العام يصل إلى 57 بنكا
كما سبقت الإشارة من المتوقع ان ترتفع وتيرة عمليات إفلاس البنوك الأمريكية هذا العام، حيث تعرضت سبعة بنوك أمريكية للإفلاس هذا الأسبوع بما يجعل إجمالي البنوك التي أفلست منذ بداية العام حتى يوم الجمعة الماضي 57 بنكا. السبعة بنوك التي أفلست هذا العام تقع في ولاية الينوي، وتفصيلها كالآتي:
البنك الأول هو بنك Amcore Bank, National Association, Rockford, Illinois، وهو من البنوك المتوسطة، حيث بلغت أصوله في ديسمبر الماضي 3.8 مليار دولارا، والمودعات به 3.4 مليار دولارا، وسوف يكلف إفلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 220.3 مليون دولارا.
البنك الثاني هو بنك Broadway Bank, Chicago, Illinois، وهو من البنوك المتوسطة الحجم، حيث بلغ إجمالي أصوله في ديسمبر الماضي 1.2 مليار دولارا، والمودعات به 1.1 مليار دولارا، وسوف يكلف إفلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع 394.3 مليون دولارا.
البنك الثالث هو بنك Citizens Bank&Trust Company Of Chicago, Chicago, Illinois، وهو من البنوك الصغيرة حيث بلغت أصوله في ديسمبر الماضي 77.3 مليون دولارا والمودعات به 74.5 مليون دولارا، وسوف تقتصر التكلفة التي يتحملها صندوق التأمين على الودائع نتيجة إفلاس هذا البنك على 20.9 مليون دولارا.
البنك الرابع الذي أفلس هذا الأسبوع هو بنك New Century Bank, Chicago, Illinois، وهو بنك متوسط الحجم والذي بلغت أصوله 485.6 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات به 492 مليون دولارا، وتبلغ تكاليف إفلاس البنك على صندوق التأمين على الودائع 125.3 مليون دولارا.
البنك الخامس هو بنك Lincoln Park Savings Bank, Chicago, Illinois والذي بلغت أصوله في ديسمبر الماضي 199.9 مليون دولار، ومودعاته 171.5 مليون دولار، سوف تكلف عملية إفلاس هذا البنك صندوق التأمين على الودائع حوالي 48.4 مليون دولارا.
البنك السادس هو Peotone Bank and Trust Company, Peotone, Illinois، والذي بلغت أصوله في ديسمبر الماضي 130.2 مليون دولارا، وإجمالي المودعات به 127 مليون دولارا. وسوف تكلف عملية إفلاسه صندوق التأمين على الودائع حوالي 31.7 مليون دولارا.
البنك السابع هو بنك Wheatland Bank, Naperville, Illinois، وهو من البنوك المتوسطة الحجم، حيث بلغت أصول البنك في ديسمبر الماضي 437 مليون دولارا والمودعات به 438.5 مليون دولارا، وسوف يتحمل صندوق التأمين على الودائع خسارة تصل إلى 133 مليون دولارا جراء إفلاس البنك.
الخميس، أبريل ٢٢، ٢٠١٠
هل تشتعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين3/5: هل تتحسن تنافسية أمريكا برفع اليوان
نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
هل فعلا سيؤدي رفع قيمة اليوان إلى حل مشكلة اختلال الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين؟ أو هل سيؤدي تعديل قيمة اليوان إلى القضاء على الفوائض الضخمة التي تحققها الصين؟، الإجابة المباشرة على هذين السؤالين هي بالطبع لا! أقصى ما يمكن تصوره هو حدوث انخفاض محدود في الصادرات الصينية إلى أمريكا، إلا إذا كنا نتحدث عن حدوث ارتفاع كبير جدا في قيمة اليوان وهو أمر غير متصور حدوثه لا الآن ولا في الأجل المتوسط. معنى ذلك أن على الولايات المتحدة أن تقوم بدراسة أسباب انخفاض تنافسيتها التجارية بعيدا عن اليوان.
هل فعلا سيؤدي رفع قيمة اليوان إلى حل مشكلة اختلال الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين؟ أو هل سيؤدي تعديل قيمة اليوان إلى القضاء على الفوائض الضخمة التي تحققها الصين؟، الإجابة المباشرة على هذين السؤالين هي بالطبع لا! أقصى ما يمكن تصوره هو حدوث انخفاض محدود في الصادرات الصينية إلى أمريكا، إلا إذا كنا نتحدث عن حدوث ارتفاع كبير جدا في قيمة اليوان وهو أمر غير متصور حدوثه لا الآن ولا في الأجل المتوسط. معنى ذلك أن على الولايات المتحدة أن تقوم بدراسة أسباب انخفاض تنافسيتها التجارية بعيدا عن اليوان.
الفرض الأساسي التي يمكن أن تستند إليه الحرب التجارية هو أنه إذا تم فرض ضرائب جمركية انتقائية على الصادرات الصينية فان واردات أمريكا سوف تقل وسوف تقوم أمريكا بإنتاج بدائل وارداتها من الصين، ومن ثم تقلل من عجز ميزانها التجاري وترفع من معدلات التوظف للعمال الأمريكيين وتخفف من الضغوط في سوق العمل. في وجهة نظري أن هذا الفرض سطحي جدا ولا يقوم على أسس اقتصادية سليمة حيث أنه يتجاهل أبعاد المزايا النسبية التي تنشأ في ظل العولمة، ويتجاهل طبيعة المزايا التنافسية التي تملكها أمريكا بالفعل. إن قيام أمريكا بإنتاج بدائل وارداتها من الصين سوف يعني اضطرارها إلى إنتاج سلع تقليدية، لم تعد تنتجها أساسا، مثل التليفونات والتليفزيونات والمنسوجات.. الخ، غير أن العودة لمثل هذه الخطوط من الإنتاج التي انتقلت من أمريكا إلى الخارج لن يكون مجديا للولايات المتحدة، حيث حولت العولمة مفاهيم الإنتاج حول العالم، فالمنتجات لم تعد الآن ملكا لمن اخترعها أو ابتكر طرقا لتطويرها، وإنما هي ملك الأقدر على إنتاجها في أي بقعة في العالم بتكلفة أقل.
في ظل المزايا المكتسبة في التكاليف لبعض دول العالم، بصفة خاصة الصين، التي أصبحت مركز إنتاج الواردات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة أصبحت غير مؤهلة حاليا من الناحية الاقتصادية لإنتاج بدائل وارداتها من الصين. الحقيقة الغائبة عن الإدارة الأمريكية هي أنه عندما تواجه الشركات الأمريكية المنتجة لوارداتها في الصين ارتفاعا في التكاليف بفعل رفع اليوان، فإنها لن تعود إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، وإنما سوف تبحث عن بقعة أخرى في العالم ارخص نسبيا من الصين، ربما في الهند أو فيتنام أو اندونيسيا أو بنجلاديش لتعيد نشر خطوط إنتاجها، ومن ثم إعادة تصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة من هناك. ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني ببساطة أن رفع اليوان لن يؤدي إلى انخفاض العجز التجاري الأمريكي من الناحية المطلقة بقدر ما سيؤدي إلى تحول العجز التجاري مع الصين إلى دول أخرى، وهذا هو أخشى ما تخشاه الصين، ولذلك في رأيي أنه في ظل حقيقة أن الصين تعيد استثمار فوائضها التجارية في الولايات المتحدة، فان أفضل سيناريو للعجز التجاري الأمريكي هو أن يكون مع الصين وليس مع أي دولة أخرى.
محافظ البنك المركزي الصيني زهاو زياوشوان Zhou Xiaochuan يتناول بالتحليل سياسات تحديد قيمة اليوان ومدى جدوى رفع عملات الدول المصدرة للولايات المتحدة على الميزان التجاري الأمريكي مشيرا إلى أن هناك 3 قضايا يساء فهمها حول سياسة قيمة اليوان، سوء الفهم الأول هو أن الصين تحتفظ باليوان منخفضا لكي تحافظ على تنافسية صادراتها إلى الخارج، و يرى أن الاعتقاد بذلك يمثل تسطيحا شديدا للأمور، حيث أن الصين تأخذ في الاعتبار عوامل عديدة عند تحديد سياسة معدل الصرف لليوان، ومن المؤكد ان تنافسية الصادرات الصينية هي أحد هذه العوامل، ولكن الصين تأخذ في اعتبارها أثر تغيير قيمة اليوان على أصولها الضخمة التي تمتلكها حاليا بالدولار الأمريكي، كما أن الصين تنظر بصورة أكبر للعلاقة بين الدولار واليورو، وهما العملتان اللتان تتم على أساسهما معظم التجارة العالمية، وأن سياسات معدل الصرف تحاول ان تحدث توازنا فيما بينهما. على سبيل المثال قامت الصين في 2008 بتثبيت اليوان بالدولار لتقدم بذلك دعما هاما للدولار عندما بلغ أدنى مستوى له في مقابل اليورو.
سوء الفهم الثاني مرتبط بافتراض أن رفع اليوان سوف يؤدي إلى تقليص الفائض التجاري مع الولايات المتحدة، ويؤكد ان الدراسات التطبيقية لا تقدم أي دليل على احتمال حدوث انخفاض في صادرات الصين إلى الولايات المتحدة مع رفع قيمة اليوان، وتاريخ أمريكا التجاري ينفي احتمال حدوث ذلك. ففي عام 1985 كان معدل صرف الين الياباني للدولار الأمريكي هو 250 ينا لكل دولار والذي كان ينظر إليه في الولايات المتحدة أنه سبب العجز التجاري الكبير مع اليابان في ذلك الوقت نتيجة تقييم الين بأقل من قيمته الحقيقية، وبسبب الضغوط الأمريكية على اليابان تم رفع قيمة الين إلى الضعف تقريبا حتى أنه بحلول 1988 كان معدل صرف الين إلى الدولار هو 121 ينا للدولار، ولكن ما الذي ترتب على ذلك؟ ماذا حدث للصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة،؟ لقد تزايدت من 69 مليار دولارا في 1985 إلى 90 مليار دولارا في 1988. كذلك عندما قامت الصين برفع قيمة اليوان في يوليو 2005 بحوالي 21% استجابة لضغوط الرئيس بوش، ماذا حدث خلال الثلاثة أعوام اللاحقة؟ لقد تزايدت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 40%، من 163 مليار دولارا إلى 233 مليار دولارا على التوالي. في كلتا الحالتين ترتب على رفع قيمة العملة الأجنبية بالنسبة للدولار قيام الأمريكيين بدفع أسعار أعلى للسلع التي يستوردونها من الخارج، وفي ذات الوقت استمر العجز التجاري في التصاعد.
أما سوء الفهم الثالث والمرتبط بافتراض أن تراكم الضغوط السياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى تغيير سياسة تقييم العملة الصينية، يرى المحافظ ان الضغوط على الرئيس أوباما نشأت أساسا بسبب تزايد القلق حول معدلات البطالة في الولايات المتحدة والتي صاحبت الأزمة، لكي يعلن ان الصين دولة متلاعبة بعملتها، وأشار إلى أن أي شخص لديه خبرة في التعامل مع الصين يعرف ان هذه الضجة لن تؤدي إلا إلى تأخير أي قرارات ستتخذها الصين لتعديل قيمة عملتها، فلا يوجد أي قائد صيني يود ان يوصف بأنه خضع للضغوط الخارجية فيما يتعلق بهذه القضية، وقد توقع المحللون أن الصين سوف تسمح مرة أخرى لليوان بالارتفاع بصورة تدريجية بالنسبة للدولار بدءا من منتصف هذا العام، إذا استمر الدولار في كسب المزيد من الأرض في مقابل اليورو، وعندما يحدث ذلك فان الصين سوف تحرر ربط اليوان بالدولار فورا، واختتم تحليله بقوله انه ينصح الساسة الأمريكان بأن يتحلوا بالحكمة وترك الأمور تسير على ما هي عليه بدون تدخل من جانبهم.
إذن على الرغم من تصاعد ضغوط الكونجرس على الرئيس الأمريكي لإعلان ان الصين دولة متلاعبة بعملتها جاء الرد الصيني حاسما وحازما، وهو أن الصين لن تغير من سياسة تحديد قيمة عملتها، ويأتي الرد الصيني من قناعتها بأن اليوان ليس مقيما بأقل من قيمته الحقيقية، وانه من الخطأ ان تقفز الحكومة الأمريكية إلى خلاصة أن الصين تتلاعب بعملتها لمجرد ان الصين تتمتع بفوائض تجارية ضخمة، وأنه من غير المقبول من جانب الصين أن تمارس الولايات المتحدة الضغط على اليوان وأن تهدد بفرض ضرائب جمركية عقابية على الصادرات الصينية نتيجة لذلك، وأنه لا ينبغي أن تدفع الصين الثمن لتعرض الولايات المتحدة للضغوط الاقتصادية المختلفة الناجمة عن الأزمة، فلم تكن الصين هي المسبب للأزمة المالية، ولم تكن الصين هي التي أقرضت مئات المليارات من الدولارات لأشخاص بدون عمل أو مساكن أو حتى آفاق جيدة للسداد، من فعل ذلك هو أمريكا ذاتها، وأنها وحدها هي التي يجب أن تتحمل تبعات ذلك.
والآن على افتراض ان الولايات المتحدة قررت المضي قدما في إعلان حربها التجارية على الصين، فمن سيكون الخاسر في هذه الحرب، هذا ما سوف نتناوله في الجزء الرابع من هذا المقال.
خواطر مسافر
أعتذر عن عدم التواصل خلال الأسبوع الماضي بسبب ظروف سفري إلى الولايات المتحدة، حيث كنت أحضر المؤتمر الدولي لجمعية AACSB، وهي الجمعية الأمريكية لتطوير كليات إدارة الأعمال في العالم، وهي أعلى مؤسسات الاعتماد الأكاديمي في مجال التعليم الإداري في العالم، وذلك بمناسبة حصول كلية العلوم الإدارية على صيانة اعتمادها الأكاديمي من المؤسسة لمدة 6 سنوات قادمة. وهو مؤتمر ضخم جدا تحضره أفضل كليات إدارة الأعمال في العالم، وهو احتفالية علمية هامة جدا، خصوصا بالنسبة لطبيعة المحاضرات التي تقدم في المؤتمر عن آخر ما توصل إليه العلم في مجال الإدارة، وأفضل الممارسات الإدارية لأهم الشركات في العالم. وهذه بعض خواطري أثناء سفري.
1. قائدة الطائرة
صباح يوم الجمعة الماضي أبلغتني شركة KLM بإلغاء سفري على خطوطها بسبب ظروف بركان أيسلندا، وأنه تم تحويل الخط إلى شركة يونايتد ايرلاينز الأمريكية حيث سيتحول الخط من أمستردام لوس انجلوس إلى واشنطن لوس أنجلوس، وبالفعل توجهت مساء الجمعة للسفر، وعندما انتهينا من كافة الإجراءات ودخلنا الطائرة وبدءنا الاستعداد للطيران جاءنا صوت نسائي من كبينة الطائرة "قائدة الطائرة كابتن .... تحييكم على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز المتجهة إلى واشنطن، سوف نقلع في الوقت المحدد 12.55 صباحا بتوقيت الكويت وسوف نصل في الوقت المحدد 6.45 دقيقة صباحا بتوقيت واشنطن" وبالفعل طارت بنا قائدة الطائرة الأمريكية في الوقت المحدد بالثانية، وحطت بنا قائدة الطائرة في الوقت المحدد بالثانية، بعد حوالي 14 ساعة طيران متواصل. فعلا قائدة طائرة حديدية.
2. سائقة الشاتل
موضوع قائدة الطائرة الأمريكية له تكملة ولكن على الأرض هذه المرة، عندما وصلت إلى مطار لوس انجيلوس، كان في انتظارنا لتوصيلنا من المطار إلى الفندق في Anaheim، خدمة الشاتل، وهو ميني باص صغير يتنقل بين المطار والفندق. وعندما خرجت من باب المطار تقدمت سيدة صغيرة السن بكل همة لحمل حقيبتي وإيداعها في دبة الشاتل قائلة لي "إلى فندق ديزني لاند"، فأجبتها نعم، وأمرتني بالصعود إلى الشاتل. في براعة أحسدها عليها كرجل قادت السيدة الميني باص من المطار حتى الفندق، ونزلت من السيارة لتخرج الحقيبة من دبة الشاتل قائلة تفضل سيدي. المرأة في الغرب تخلت عن أنوثتها حيث اجبرها المجتمع على القيام بمثل هذه الأعمال الشاقة، فأصبح من الصعب الآن أن تفرق بين أعمال الرجال وأعمال الإناث، المهم في النهاية أن العمل يؤدي إلى جني النقود، إنها فعلا حياة قاسية على المرأة هناك.
3. مفاجأة من العيار الثقيل
عندما وصلت إلى مكتب الاستقبال في الفندق، طالبتني موظفة الاستقبال إعطاءها بطاقة الائتمان حتى تستوفي تكاليف الإقامة في الفندق، فأعطيتها بطاقة الائتمان الفيزا العادية، وعبثا حاولت ان تسحب تكلفة الفندق على البطاقة، حيث كان يأتيها رفض العملية في كل مرة، فناولتها بطاقة الائتمان الذهبية، ومرة أخرى وجدت ان البطاقة لا تعمل، فناولتها البطاقة البلاتينية، وكان الحال كمثله، اكتشفت أن مفاجأة من العيار الثقيل تنتظرني، وهي أن جميع بطاقاتي الائتمانية لا تعمل وأنا في الولايات المتحدة، وعلي أن ادفع ثمن الإقامة في الفندق أو أبحث لي عن مكان في الشارع لأبيت به. عندما أخبرتني شركة KLM ، بأن رحلتي ألغيت بسبب بركان أيسلندا، كنت قد شعرت ببعض الخوف وعدم الاطمئنان، فذهبت إلى شركة المزيني وقمت بتحويل مبلغ كاف بالدولارات تحسبا لأي طارئ قد أضطر معه إلى البقاء أياما إضافية إذا ما استمرت ثورة البركان وتعطلت الطائرات، وهو بالفعل ما حدث. لحسن الحظ إذن انه كان يوجد معي كاش حيث قمت بدفع الثمن نقدا، وإلا لتحول الأمر إلى وضع غير سار تماما. نصيحتي للمسافرين إلى الخارج، تأكد من ان بطاقتك الائتمانية تعمل على النحو السليم، فقد تتوقف عن العمل لسبب غير معروف، لا تثق في البطاقات الائتمانية بشكل كامل، واحمل معك بعض الكاش زيادة في الاطمئنان، فمن المؤكد أنك ربما سوف تحتاج إليه.
4. نحن لا نقبل الكاش
عبارة سمعتها أكثر من مرة وفي أكثر من مكان في الولايات المتحدة، نحن لا نقبل سوى البطاقات الائتمانية، ولا نقبل أي كاش. استدعى الإعلان انتباهي وأخذت ادقق الأمر، كنت دائما ما أناقش الموضوع مع طلبتي في مقرر النقود والبنوك حول هذا السؤال، هل يأتي علينا يوم لا نحمل فيه نقودا كاش؟، وكنت دائما ما آخذ الخط المعارض، حيث كنت اعتقد انه مهما بلغت درجة تقدم الاقتصاد، سوف يظل يحتاج الأمر إلى حمل بعض الكاش على الأقل لدفع قيمة المعاملات صغيرة الحجم، ولكنني أجد نفسي اليوم أعيش هذه اللحظة، فكل شيء يعتمد أساسا على الدفع بالبطاقات الائتمانية وليس كاش، حتى شراء كيس شيبس من الماكينة يمكنك الحصول عليه باستخدام بطاقة الائتمان. حدث ان كنت في مطار لوس انجلوس وكنت في حاجة إلى عربة لحمل حقيبة السفر، فأخبرني العامل ان علي أن أدفع ربع دولار، في ماكينة التحصيل المرفقة بعربانات التحميل، وأنه يمكنني الحصول على واحدة من خلال بطاقتي الائتمانية (بدفع مبلغ ربع دولار)، حتى هذه المعاملة تدفعها بالبطاقة. العالم فعلا مقبل اليوم أكثر من أي يوم مضى على اليوم الذي لا نستخدم فيه الكاش، ويصبح كل شيء بالبطاقات الائتمانية، من المؤكد طبعا أن العالم سيطور وسائل أفضل وأكثر مناسبة من البطاقات الائتمانية لعمليات الدفع الالكتروني، بصفة خاصة لرفع درجة الأمان في استخدام هذه الوسائل للدفع.
5. ما هي الثروة
حضرت محاضرة هامة جدا بعنوان "الابتكار في الابتكار"، تتحدث عن أهمية الابتكار في عالم اليوم وأنه السبيل الوحيد أمام الأمم اليوم لكي تتعايش في مجتمع يقوم على المنافسة، ليس المهم موضوع المحاضرة، وإنما المهم هو تعريف المحاضر للثروة. يقول المحاضر، الثروة الحقيقية في عالم اليوم لم تعد ما تمتلكه الدول من أصول سواء في باطن الأرض أو على سطحها، الثروة الحقيقية التي تمتلكها الأمم اليوم تتمثل في "القدرة على الابتكار"، الاقتصاديات التي تمتلك طاقة ابتكاريه هي الاقتصاديات الوحيدة التي ستتقدم وتكون قادرة على المنافسة، والاقتصاديات التي لا تبتكر وتدخل اختراعات جديدة وابتكارات في مجال الإنتاج ليس لها مكان في عالم اليوم.
6. سنغافورة
دائما ما يعجبني النموذج السنغافوري في التحول من دولة فقيرة ليس لديها أي موارد إلى دولة أصبحت محط اهتمام العالم كله اليوم وإعجابه. أستخدم دائما النموذج السنغافوري كحجة في أننا في الكويت يمكن ان نحقق ذات المعجزة خصوصا ان لدينا إمكانيات اكبر من سنغافورة عندما بدأت مشوار التحول. سنغافورة دولة صغيرة جدا، مساحتها 4% من مساحة الكويت، وبدون موارد تقريبا ومع ذلك تحتل المركز الأول في العالم اليوم في الكثير من المؤشرات. تعرفت على زميل في جامعة ديلاور الأمريكية وكنا نتناقش عن موضوع سنغافورة فأخبرني أن جامعته، الجامعة الأمريكية، أرسلت هذا العام 12 أستاذا أمريكيا إلى سنغافورة لكي يتعلموا كيف تعلم المدارس السنغافورية الطلبة مادة الرياضيات. العجلة دارت اليوم، بدلا من ان تستقبل أمريكا السنغافوريين لكي تعلمهم، سنغافورة تستقبل الأمريكيين لكي تعلمهم.
7. أمريكا تفقد هويتها
حضرت محاضرة عن دور الإدارة في الشركات الأمريكية، تحدث المحاضر عن ظاهر جديدة تنتشر بين الشركات الأمريكية اليوم وهي تقلص حجم هذه الشركات بشكل واضح، بحيث أصبحت الكثير من الشركات مجرد مالك للعلامة التجارية فقط، أما عمليات الإنتاج فتتم في الخارج، أي في الصين أو الهند أو فيتنام، أو حتى بنجلاديش، أمريكا تبتكر وتخترع والعالم ينتج ما تبتكر وما تخترع، المصانع الأمريكية لم تعد توجد على ارض الولايات المتحدة، المصانع الأمريكية توجد اليوم خارج الولايات المتحدة، على سبيل المثال شركة Nike لا تنتج منتجا واحدا يحمل علامتها في أمريكا، كل شيء يتم في الخارج حيث التكاليف أرخص، هذا الوضع يؤكد مرة أخرى دور الابتكار الذي يمكن الدولة المبتكرة من السيطرة على المنتجات، غير أن هذا الوضع يوضح أيضا أن الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية في خطر دائم، حيث دائما ما ستكون تحت ضغوط الحاجة إلى مزيد من الابتكار حتى تحافظ على سيطرتها على المنتج. إذا فقدت الولايات المتحدة قدرتها على الابتكار فسوف تتحول بسرعة إلى دولة من دول العالم الثالث، حيث توجد مصانعها.
الثلاثاء، أبريل ١٣، ٢٠١٠
هل تشتعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين 2/5: تطور الأحداث
نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
يقدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن اليوان مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40%، ونتيجة لذلك تتمتع الصين بفائض تجاري ضخم ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع العالم أجمع، ومنذ فترة طويلة فإن الميزان التجاري بين البلدين يسير في صالح الصين، على سبيل المثال في 2009 بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأمريكية إلى الصين 70 مليار دولارا، أي أن الصين حققت فائضا يصل إلى حوالي 230 مليار دولارا، وهو أكبر فائض تجاري تحققه الصين مع أي من شركاءها التجاريين في العالم، وبشكل عام تضيف الصين حاليا في المتوسط حوالي 30 مليار دولارا شهريا لاحتياطياتها البالغة 2.4 تريليون دولارا، ويتوقع أن يصل الفائض التجاري للصين في 2010 إلى حوالي 450 مليار دولارا، أي حوالي 10 أضعاف فوائضها التجارية من خمس سنوات مضت فقط. هذا الخلل الرهيب في المعاملات التجارية يثير حفيظة شركاء الصين في التجارة، بصفة خاصة الولايات المتحدة، والتي تتهم الصين أيضا بأنها تستخدم جانبا من احتياطياتها الضخمة للتدخل في سوق النقد الأجنبي لشراء الدولار لضمان استمرار الحفاظ على قيمة اليوان منخفضة في مقابل الدولار.
يقدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن اليوان مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40%، ونتيجة لذلك تتمتع الصين بفائض تجاري ضخم ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع العالم أجمع، ومنذ فترة طويلة فإن الميزان التجاري بين البلدين يسير في صالح الصين، على سبيل المثال في 2009 بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأمريكية إلى الصين 70 مليار دولارا، أي أن الصين حققت فائضا يصل إلى حوالي 230 مليار دولارا، وهو أكبر فائض تجاري تحققه الصين مع أي من شركاءها التجاريين في العالم، وبشكل عام تضيف الصين حاليا في المتوسط حوالي 30 مليار دولارا شهريا لاحتياطياتها البالغة 2.4 تريليون دولارا، ويتوقع أن يصل الفائض التجاري للصين في 2010 إلى حوالي 450 مليار دولارا، أي حوالي 10 أضعاف فوائضها التجارية من خمس سنوات مضت فقط. هذا الخلل الرهيب في المعاملات التجارية يثير حفيظة شركاء الصين في التجارة، بصفة خاصة الولايات المتحدة، والتي تتهم الصين أيضا بأنها تستخدم جانبا من احتياطياتها الضخمة للتدخل في سوق النقد الأجنبي لشراء الدولار لضمان استمرار الحفاظ على قيمة اليوان منخفضة في مقابل الدولار.
لقد استطاعت الصين مدعومة بفوائضها التجارية الضخمة أن تتجاوز الأزمة المالية العالمية بدون مشاكل تقريبا، واستعادت النشاط الاقتصادي فيها بسرعة قياسية، ولم تحتاج الصين إلى ميزانيات ضخمة للتحفيز المالي لتحقيق هذا الهدف مثلما فعلت الولايات المتحدة. على الجانب الآخر ما زالت الولايات المتحدة تواجهه الآثار العميقة للأزمة، بصفة خاصة على سوق العمل في صورة ارتفاع معدلات البطالة، وعندما يرتفع معدل البطالة الرسمي إلى حوالي 10%، ومعدل البطالة الأوسع إلى حوالي 17%، فان الكونجرس لن يجد أفضل من إتهام الصين بسرقة الوظائف الأمريكية لخلق وظائف مماثلة في الصين. في الآونة الأخيرة ازدادت حدة نبرة الحديث عن ضرورة أن تجد الصين حلا لعملتها الرخيصة، ولكن لماذا هذا الوقت بالذات؟ كما سبق وأن أشرنا في الحلقة السابقة فإن موضوع اليوان الرخيص كان على قائمة البرنامج الانتخابي للرئيس أوباما، غير ان اشتداد حدة الأزمة المالية العالمية مع تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، وحاجة الولايات المتحدة إلى خطب ود الصين، أكبر مستثمر في السندات الأمريكية، دفعت بالولايات المتحدة إلى خفض حدة نبرة الحديث عن العملة الصينية.
مع اشتداد الأزمة وتدهور الأوضاع المالية للولايات المتحدة وبدء تبني الولايات المتحدة سياسات نقدية توسعية طالبت الصين الولايات المتحدة بأن تتخذ خطوات جادة لتحسين أوضاعها المالية وتحمي استثمارات الصين في السندات الأمريكية، حيث تستثمر الصين مئات المليارات في الدين العام الأمريكي، تقدر بحوالي 10% من الدين الحكومي، وهي بهذا الشكل أكبر دائن للحكومة الأمريكية، أكثر من ذلك استغلت الصين الوضع الضعيف للدولار في خضم الأزمة لمحاولة الإجهاز عليه وحث دول العالم على التخلص من الدولار كعملة احتياط عالمية، ودعت إلى ذلك في المحافل الدولية وشكلت في سبيل ذلك تحالفات مع الدول الناشئة، بصفة خاصة روسيا والهند والبرازيل، بهدف الاستغناء عن الدولار، غير أن هذه الجهود ذهبت سدى لعدم وجود بديل جاهز للدولار يمكن ان يحل محله كعملة احتياط للعالم، بما في ذلك اليورو.
مع بدء انتعاش النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، أخذت ترد الصاع صاعين، وركزت هذه المرة على حرمان الصين من الميزة الأساسية التي تعتقد أنها وراء هذا النمو الهائل في الفوائض التجارية التي تحققها. ففي فبراير 2010 هاجم الرئيس الأمريكي السياسات الصينية قائلا "أن على الولايات المتحدة أن تتأكد من أن السلع التي تصدرها لا تعاني من ارتفاعا مصطنعا في القيمة، وأن الصادرات الصينية ليست منخفضة القيمة بصورة اصطناعية أيضا، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة في موضع غير تنافسي بصورة كبيرة". وفي هذا الخطاب انتقد 15 عضوا في الكونجرس الحكومة بأنها فشلت في ان تفحص الادعاءات القائلة بأن الصين تخفض بشكل متعمد عملتها. ولشد أزر أوباما قام 130 عضوا في الكونجرس بإرسال خطاب إلى وزير الخزانة "جايثنر" يطالبون فيه الإدارة الأمريكية بتصنيف الصين على أنها دولة تتلاعب بقيمة عملتها، وذلك في التقرير الذي ستصدره الخزانة عن العملات في 15 ابريل من هذا الشهر، أي اليوم، لأنها بذلك سوف تعطي الإدارة الأمريكية السند القانوني الذي يمكنها من وضع قيود تجارية أمام الصادرات الصينية كإجراء انتقامي ضد الصين. من الواضح إذن أن الإدارة الأمريكية قد قررت رفع درجة المواجهة مع الصين، وقد أبلغت المسئولين الصينيين بأن سياسة معدل الصرف الصيني سوف تكون من أولويات المحادثات الاقتصادية بين البلدين.
من الواضح أن التحرك الأمريكي ضد الصين لم يأت فقط من الحكومة الأمريكية وإنما أيضا من الكونجرس، حيث أخذ بعض أعضاء الكونجرس زمام المبادرة في رفع درجة المواجهة، على سبيل المثال حث السيناتور تشارلز جراسلي من الجمهوريين الرئيس الأمريكي على وضع الصين في قائمة الدول التي تتلاعب بعملتها، وتعبيرا عن نفاد صبر الكونجرس بسبب عدم تناول الإدارة الأمريكية القضية بالصورة المناسبة، وأنه ربما يكون إصدار تشريع قانوني في هذا الصدد هو الحل الأخير لإجبار الصين على الانصياع لمطالب الولايات المتحدة، قام تشارلز شومر من الديمقراطيين وليندسي جراهام بصياغة مقترح قانون يلزم الحكومة الأمريكية بإعلان الصين دولة متلاعبة بعملتها، تمهيدا لفرض عقوبات على الصين، وقد علق تشارلز شومر على ذلك قائلا "إن الصين لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة، ونحن لا نتخذ أي إجراءا حيال ذلك، وأنه إذا لم تتحرك الحكومة لذلك فان الكونجرس لديه رغبة قوية في التحرك في هذا الاتجاه".
الرئيس أوباما والكونجرس يعتقدان إذن أن زيادة الصادرات الأمريكية إلى الخارج، بصفة خاصة إلى آسيا كفيل بفتح مئات الآلاف أو الملايين من فرص العمل في الولايات المتحدة وهو ما قد يساعد سوق العمل الأمريكي على التخفيف من ضغوط البطالة، بصفة خاصة هناك اعتقاد بأن رفع قيمة اليوان سوف يساعد على إعادة نقل الوظائف التي خسرتها أمريكا إلى البلاد مرة أخرى والى تخفيض هذا الفائض التجاري الضخم مع الصين، وهي إدعاءات ربما لا تستند إلى أي أساس عملي كما سنوضح فيما بعد.
الصين بالطبع لا ترغب في أن توصف بأنها متلاعبة بعملتها لأن ذلك سوف يؤلب العالم كله ضدها، وليس الولايات المتحدة وحدها. رد الفعل المبدئي للصين إزاء الدعوى الأمريكية كان عنيفا، ومن الواضح أن هناك خلافا حادا في وجهات النظر حول التوقيت المناسب لرفع قيمة اليوان، فالولايات المتحدة ترى ان الوقت الحالي هو التوقيت المناسب لذلك، إنطاقا من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الإدارة الأمريكية، بينما ترى الصين أن رفع اليوان هو مسألة وقت، وأن الوقت الحالي ليس مناسبا على الإطلاق نظرا لما يمكن ان يترتب عليه من آثار على الصين التي لم يتعاف اقتصادها بشكل تام من آثار الأزمة التي تسببت فيها الولايات المتحدة، وان الحقيقة التي تتجاهلها الإدارة الأمريكية هي ان الصين أيضا خسرت ملايين الوظائف بسبب الأزمة، قدرت بحوالي 20 مليون وظيفة نتيجة لعمليات الإغلاق المكثف التي تمت للمصانع الصينية في أعقاب اشتعال الأزمة، ومن ثم ترى الصين أن رفع اليوان الآن، بما يترتب عليه من خفض للصادرات الصينية، سوف يؤدي إلى تعقد مشكلة البطالة في الصين. من ناحية أخرى ترى الصين أن رفع اليوان في الوقت الحالي سوف يعقد من الآثار السلبية للأزمة على الدول الفقيرة والتي سوف تعاني أيضا من جراء رفع قيمة اليوان في صورة ارتفاع معدل التضخم نظرا لازدياد تكلفة السلع التي تستوردها من الصين. وقد عبر زير التجارة الصيني السيد زونج شان Zhong Shan عن ذلك قائلا بأن "استقرار اليوان له فوائد عديدة لأن رفع قيمته سوف يؤذي الدول النامية، بصفة خاصة الدول الأكثر فقرا". وفي رأيي أنها حجة لا تخلو من بعض الخبث، والتي تستهدف جلب تعاطف العالم مع الصين.
ولكن هل فعلا الادعاءات الأمريكية بأن رفع قيمة اليوان سوف يمهد السبيل أمام انطلاق الصادرات الأمريكية إلى آسيا ومن ثم القضاء على، أو الحد من، الفوائض التي تحققها الصين في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، هذا ما سوف نتناوله في الجزء الثالث من هذا المقال.
الاثنين، أبريل ١٢، ٢٠١٠
حلم التنمية بعيدا عن النفط
نشر في جريدة الجريدة الكويتية
التنمية بدون الاعتماد على موارد النفط في الكويت، ليست حلما وإنما هي ضرورة ليس لنا فيها أي خيار، إذا أردنا أن يكون لنا مكان في عالم المستقبل مثلما هو الحال اليوم. لا يمكن لنا الاستمرار في المستقبل بمورد ناضب، سوف ينتهي يوما ما بعد، 20 عاما أو بعد 50 أو 100 عاما، الشيء الوحيد المؤكد أنه سوف ينتهي، والشيء المؤكد أيضا أنه سوف يأتي علينا هذا اليوم ونحن ننظر إلى موانئنا حيث كانت حاملات النفط تزرع المكان جيئة وذهابا لتأتي لنا بالدولارات السهلة، ولم يعد لها أي أثر، إما لانتهاء النفط، أو لعدم رغبة العالم في استهلاك النفط بسبب اكتشاف بديل للنفط أو لأي سبب آخر، إذا لم نكن مستعدين لهذا اليوم فسوف تكون تبعاته مأساوية علينا جميعا، ببساطة شديدة إنه سيكون بمثابة يوم القيامة بالنسبة لنا.
التنمية بدون الاعتماد على موارد النفط في الكويت، ليست حلما وإنما هي ضرورة ليس لنا فيها أي خيار، إذا أردنا أن يكون لنا مكان في عالم المستقبل مثلما هو الحال اليوم. لا يمكن لنا الاستمرار في المستقبل بمورد ناضب، سوف ينتهي يوما ما بعد، 20 عاما أو بعد 50 أو 100 عاما، الشيء الوحيد المؤكد أنه سوف ينتهي، والشيء المؤكد أيضا أنه سوف يأتي علينا هذا اليوم ونحن ننظر إلى موانئنا حيث كانت حاملات النفط تزرع المكان جيئة وذهابا لتأتي لنا بالدولارات السهلة، ولم يعد لها أي أثر، إما لانتهاء النفط، أو لعدم رغبة العالم في استهلاك النفط بسبب اكتشاف بديل للنفط أو لأي سبب آخر، إذا لم نكن مستعدين لهذا اليوم فسوف تكون تبعاته مأساوية علينا جميعا، ببساطة شديدة إنه سيكون بمثابة يوم القيامة بالنسبة لنا.
التنمية بدون الاعتماد على النفط ليست خيارا أو حلما، إنها قدرنا الذي لا بد أن نتعامل معه كما هو بكل معطياته وتبعياته، وأن نبذل كل ما أوتينا من جهد للخلاص من قيد المورد الطبيعي الذي يكبل انطلاقنا بعيدا عنه. لسوء الحظ، وحتى هذه اللحظة كانت حياتنا سهلة ومريحة، كل ما نفعله هو استخراج النفط من باطن الأرض والحصول على المقابل ليتفتق أذهان الكثير منا حول سبل إنفاق المقابل الذي نحصل عليه من النفط دون أن نستثمر في قدراتنا على الاستمرار في المستقبل.
مشكلة النفط أنه علمنا ثقافة الاستهلاك المرتفع وأفقدنا ثقافة الادخار والاستعداد للمستقبل، فبالنسبة للكثير من الناس قد يبرز هذا السؤال "لماذا ندخر ونحرم أنفسنا من متاع الدنيا، والنفط مخزون في باطن الأرض سوف يأتينا غدا وبعد غد بما نحتاج إليه من موارد؟"، إنها النظرة الغير رشيدة التي أفقدتنا مواردنا التي أتيحت لنا وحولت عوائد النفط إلى مساكن فاخرة وسيارات فارهة وسلع للاستهلاك الترفي، وهو أسوأ ما يمكن ان نوجه إليه عوائدنا النفطية. لسوء الحظ أنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو لأن الزمن سوف يقهرنا يوما ما، من المؤكد أن ذلك اليوم ليس الآن، أو في المستقبل المنظور خلال العشرين عاما القادمة مثلا، ولكن هذا اليوم آت لا محالة في نقطة زمنية ما في المستقبل، وأننا سوف نعيش هذا اليوم، أو سوف يعيشه أبناءنا فماذا فعلنا لاستقبال هذا اليوم، أي اليوم الذي تنفد فيه موارد النفط أو الذي يستغني فيه العالم عن النفط؟، واقع الحال يشير إلى أننا لم نفعل شيء، نحن نعيش حالة من الاسترخاء المؤقت اعتمادا على هذا المورد الناضب.
الاستغناء التدريجي عن النفط ليس خيارا إذن وإنما هو ضرورة حتمية للكويت ليس هناك أي بديل لها إذا أردنا أن يكون لنا وجود وكيان في المستقبل، والتحديات التي تواجهنا في هذا المجال عظيمة جدا، ويجب أن نكون على نفس القدر من المسئولية في مواجهة تلك التحديات. نحن في حاجة إلى استثمار كل فلس يأتي به النفط لكي نرسي أساسا قويا لاقتصاد تنافسي يمكن أن يشق طريقه بسهولة بعيدا عن هذا المورد الناضب، لا أن نوجه هذا الإيراد العظيم نحو المنح والرواتب والكوادر الخاصة جدا ودفع الديون عن الناس ودعم من لا يستحق. نحن في حاجة إلى استخدام هذا الإيراد في تهيئة مواردنا البشرية وتعليمها على أعلى مستوى حتى نتحول إلى اقتصاد مبتكر يملك ميزة التنوع والمنافسة، نحن في حاجة إلى استثمار مكثف جدا في بناء ميزة تنافسية مكتسبة في الكثير من السلع والخدمات التي سنعمل بشق الأنفس على أن نكتسب فيها الميزة لنواجه بها المستقبل، نحن في حاجة إلى بنى تحتية كفؤة وفعالة تسهل لنا تحقيق هذا الحلم، نحن في حاجة إلى تغيير ثقافتنا الاستهلاكية وحلم الوظيفة الحكومية السهلة وميزة الحياة الهادئة، نحن في حاجة إلى تغيير نظرتنا إلى العمل المنتج، أيا كانت طبيعته، فهو شرف لنا نمارسه بجد وكد لكي نكسب قوتنا بقوة يميننا، لا بما تمنه به الأرض علينا، نحن في حاجة إلى أن نتحول إلى ما يشبه خلية النحل لكل منا دور يؤديه لكي نضمن تنويع مواردنا بعيدا عن النفط الناضب، نحن في حاجة إلى خطط تنموية جادة علمية وعملية ترسم لنا خارطة طريق محددة اليوم وغدا وفي الأمد البعيد لكيفية الانفكاك من أوضاعنا الحالية وسيناريوهات تحقيق ذلك ومتطلباته، ونستثمر في برامجها كل ما أوتينا من مال وجهد.
لحسن الحظ أننا نمتلك الموارد المادية التي إذا ما أحسن توجيهها سوف تمكننا من تحقيق ذلك. إن النفط يعطينا فرصة استثنائية وميزة لا تملكها كل الدول النامية في العالم، لكي نطور من قدراتنا بشكل علمي، كل ما نحتاج إليه هو أن نكون رؤية واضحة حول دورنا في المستقبل، نؤمن بها ونسعى جاهدين لتحقيقها، وأن نكون على مستوى الحدث لنواجه تحديات المستقبل. باختصار ليس لدينا أي خيار، نحن في حاجة إلى تنويع طاقاتنا الإنتاجية بعيدا عن النفط لكي نضمن الاستمرار في المستقبل بنفس مستوى الرفاهية التي نعيشها اليوم وأكثر، وإلا فان هناك يوما أسودا ينتظرنا، والمستقبل يحمل أخبارا غير سارة تماما بالنسبة لنا أو لأجيالنا القادمة، والذين سوف يلعنوننا بكل ما أوتوا من قوة لأننا كنا أنانيين ولم نكن على مستوى المسئولية التي يفترض أن يضطلع بها الآباء، كنا ننظر تحت أقدامنا فقط، وكان محور اهتمامنا هو نوع السيارة وماركة الساعة ودولة السفر، وهي اهتمامات أفضل ما يمكن ان توصف به أنها تافهة. وأخيرا هل حلم التنمية بدون النفط ممكنا؟ نعم إنه ممكن وليس مستحيلا كما يتصور البعض، وعلينا أن ننظر إلى تجارب الآخرين من حولنا والذين تحولوا من دول فقيرة في الموارد إلى دول غنية جدا بقدراتها التنافسية وإبداعاتها التقنية، بقيمة العمل والإيمان به حقق الكثير من دول العالم المعجزات وصاروا موضع إعجاب العالم بأسرة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)