الاثنين، أبريل ٢٦، ٢٠١٠

صورة كئيبة لزعيم ثوري

الزعماء الثوريون هم أشخاص يعتقدون أن القدر قد سخرهم لانتشال شعوبهم من باطن الأرض والصعود بهم إلى عنان السماء حيث الجنة المزعومة للجميع، لا أدري ما هي التركيبة النفسية لهؤلاء، ولكن من المؤكد أنها تركيبة مختلفة عن باقي البشر فهم على الأقل أشخاص استثنائيين من وجهة نظرهم ساقهم القدر في اللحظة المناسبة لأداء هذه المهمة الاستثنائية، وغالبا عندما نستمع لهؤلاء القادة وهو يلقون الخطب، تشعر بأن الذي يخطب يتصور أنه يتحدث من السماء وأن كافة أنحاء الكون تسمعه وتهتز لعباراته الرصينة اهتزازا تسمع أصداءه في كافة جوانب الكون السحيق. القاسم المشترك بين هؤلاء هو أنهم يعتقدون أنهم جاءوا لنصرة الفقراء والضعفاء من سيطرة وجشع الأغنياء وذوي النفوذ، ومحاربة الامبريالية والطبقية وسيطرة رأس المال على الحكم، بينما على أرض الواقع تجدهم يعيشون في واد آخر يختلف تماما عما يرسمونه في خطبهم ودساتيرهم ومبادئهم التي شرعوها، حيث تسخر موارد الدولة لا من أجل الفقراء والضعفاء وتحسين أحوالهم، وانما من أجل استيفاء احتياجاتهم هم بالدرجة الأولى، ومثل هذه الاحتياجات متعددة، فبالإضافة إلى الاحتياجات الشخصية، تنفق الأموال على قمع المعارضة بدعوى أنها ضد الثورة ومبادئها وضد الحلم القادم بالحرية والديمقراطية والرفاهية وغيرها من العبارات والمفاهيم التي يسمعها رجل الشارع مرارا وتكرارا من الزعيم، ويظل طوال حياته يحلم بها أو يحلم بأن يعيشها لحظة على أرض الواقع، ثم يفاجأ بأنه يموت قبل أي يرى أي من هذه الوعود الزائفة حقيقة.

زعيمنا الثوري اليوم صورة طبق الأصل لهذا الوهم الذي يسمونه الثورة في دول العالم الثالث، إنه الزعيم الدكتاتور روبرت موجابي الذي حول زيمبابوي إلى واحدة من أندر دول العالم وأكثرها مأساوية في تاريخ البشرية الحديث. ما حدث في زيمبابوي سوف يسجل في تاريخ التضخم على أنه واحدة من أعنف حالات التضخم الجامح التي عاشها البشر في كل العصور.

عندما تولى موجابي السلطة بأفكاره الثورية العبقرية، قام موجابي بمصادرة أراضي البيض تحت دعوى الإصلاح الزراعي، ومن ثم أخذت إنتاجية الأرض الزراعية في زيمباوي في التراجع حتى انهارت، وتحولت زيمبابوي من الدولة التي كانت تصدر الغذاء إلى دولة تعيش على المعونات التي يجود بها العالم لإنقاذ الفقراء والجوعى في زيمبابوي، وذلك بعد ان حطمت عملية طباعة النقود غير المسئولة من الزعيم الثوري دخول الأفراد وحولت معظم السكان إلى جيش من المعوزين بحثا عما يسد الرمق، أي شيء يسد الجوع، وهاجرت العقول الزيمبابوية إلى الخارج في كافة أنحاء الدنيا، لتتراجع تنافسية زيمبابوي وينتشر فيها الفساد، وتتراجع نتيجة لذلك شعبية موجابي بصورة واضحة ويجلب موجابي أعداءا جدد كل يوم في الداخل والخارج، بينما الزعيم يهلل لنفسه ويطبع النقود على أمل أن توزيعها على الناس سوف يخفف من معاناتهم. هذا التفكير العبقري للزعيم الثوري أدى إلى انهيار الدولار الزيمبابوي إلى مستويات أقل ما يمكن ان توصف به أنها خيالية، يندر أن تتكرر في تاريخ العالم. لقد سبق ان تناولت موضوع التضخم الجامح في زيمبابوي أكثر من مرة تحت عناوين مختلفة أهمها "دولة المليارديرات الفقراء" في مدونة مذكرات اقتصادية، ولكن الطريف هو ما أعرضه اليوم للقارئ نقلا عن الاكونوميست عن معدلات صرف الدولار الزيمبابوي بالدولار الأمريكي خلال عامي 2008 و 2009 ببركات الزعيم، حيث يتحدث موجابي لنفسه مرتديا افخر الثياب وشعبه يسير بلا ملابس تقريبا يحلم بالايام الخوالي حيث كان من الممكن أن يتناول الفرد قطعة من الفراخ في احدى وجباته، ولكنه اليوم اصبح يراها على التلفاز أو في كتب المطالعة فقط، في الوقت الذي ينهار فيه الدولار الزيمبابوي كل ثانية يمر فيها الزمن. معدلات صرف الدولار الزيمبابوي انخفضت الى مستويات لا يمكن تصديق أن أي عملة في العالم يمكن أن تصل اليها، لاحظ واحد كوادريليون يساوي ألف تريليون، وواحد ديشيليون يساوي مليار تريليون تريليون، هل يمكن ان تصدق ان الدولار الامريكي بلغ في لحظة من الزمن 47.2 ديشيليون دولار زيمبابوي، أي 47.2 مليار تريليون تريليون دولار زيمبابوي. إنها أرقام لا يمكن أن نسمع عنها سوي في الفضاء اللا متناهي، حيث يعيش هؤلاء الزعماء المأساويين أمثال موجابي وصدام حسين وأدولف هتلر وغيرهم.

المصدر:  http://www.economist.com/research/articlesBySubject/displaystory.cfm?subjectid=7933596&story_id=15943316

هناك تعليق واحد:

  1. كلام سليم و السياسة مرتبطه بالاقتصاد وانا بعتقادي ان الدول الديمقراطية تاتي بالحرية والحرية لاي شخص تعطيه الولاء لهذه الدولة بالتالي يعمل لاجلها وبالعمل ياتي الانتاج والدولة المنتجة يعم بها الرخاء اذا هي سلسلة متكاملة اذا شلنا الديمقراطية والحرية ماراح نوصل الى مستوى الرخاء

    طالب سابق عندك دكتور
    نواف الكوت

    ردحذف