نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
يقدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن اليوان مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40%، ونتيجة لذلك تتمتع الصين بفائض تجاري ضخم ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع العالم أجمع، ومنذ فترة طويلة فإن الميزان التجاري بين البلدين يسير في صالح الصين، على سبيل المثال في 2009 بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأمريكية إلى الصين 70 مليار دولارا، أي أن الصين حققت فائضا يصل إلى حوالي 230 مليار دولارا، وهو أكبر فائض تجاري تحققه الصين مع أي من شركاءها التجاريين في العالم، وبشكل عام تضيف الصين حاليا في المتوسط حوالي 30 مليار دولارا شهريا لاحتياطياتها البالغة 2.4 تريليون دولارا، ويتوقع أن يصل الفائض التجاري للصين في 2010 إلى حوالي 450 مليار دولارا، أي حوالي 10 أضعاف فوائضها التجارية من خمس سنوات مضت فقط. هذا الخلل الرهيب في المعاملات التجارية يثير حفيظة شركاء الصين في التجارة، بصفة خاصة الولايات المتحدة، والتي تتهم الصين أيضا بأنها تستخدم جانبا من احتياطياتها الضخمة للتدخل في سوق النقد الأجنبي لشراء الدولار لضمان استمرار الحفاظ على قيمة اليوان منخفضة في مقابل الدولار.
يقدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن اليوان مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40%، ونتيجة لذلك تتمتع الصين بفائض تجاري ضخم ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع العالم أجمع، ومنذ فترة طويلة فإن الميزان التجاري بين البلدين يسير في صالح الصين، على سبيل المثال في 2009 بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأمريكية إلى الصين 70 مليار دولارا، أي أن الصين حققت فائضا يصل إلى حوالي 230 مليار دولارا، وهو أكبر فائض تجاري تحققه الصين مع أي من شركاءها التجاريين في العالم، وبشكل عام تضيف الصين حاليا في المتوسط حوالي 30 مليار دولارا شهريا لاحتياطياتها البالغة 2.4 تريليون دولارا، ويتوقع أن يصل الفائض التجاري للصين في 2010 إلى حوالي 450 مليار دولارا، أي حوالي 10 أضعاف فوائضها التجارية من خمس سنوات مضت فقط. هذا الخلل الرهيب في المعاملات التجارية يثير حفيظة شركاء الصين في التجارة، بصفة خاصة الولايات المتحدة، والتي تتهم الصين أيضا بأنها تستخدم جانبا من احتياطياتها الضخمة للتدخل في سوق النقد الأجنبي لشراء الدولار لضمان استمرار الحفاظ على قيمة اليوان منخفضة في مقابل الدولار.
لقد استطاعت الصين مدعومة بفوائضها التجارية الضخمة أن تتجاوز الأزمة المالية العالمية بدون مشاكل تقريبا، واستعادت النشاط الاقتصادي فيها بسرعة قياسية، ولم تحتاج الصين إلى ميزانيات ضخمة للتحفيز المالي لتحقيق هذا الهدف مثلما فعلت الولايات المتحدة. على الجانب الآخر ما زالت الولايات المتحدة تواجهه الآثار العميقة للأزمة، بصفة خاصة على سوق العمل في صورة ارتفاع معدلات البطالة، وعندما يرتفع معدل البطالة الرسمي إلى حوالي 10%، ومعدل البطالة الأوسع إلى حوالي 17%، فان الكونجرس لن يجد أفضل من إتهام الصين بسرقة الوظائف الأمريكية لخلق وظائف مماثلة في الصين. في الآونة الأخيرة ازدادت حدة نبرة الحديث عن ضرورة أن تجد الصين حلا لعملتها الرخيصة، ولكن لماذا هذا الوقت بالذات؟ كما سبق وأن أشرنا في الحلقة السابقة فإن موضوع اليوان الرخيص كان على قائمة البرنامج الانتخابي للرئيس أوباما، غير ان اشتداد حدة الأزمة المالية العالمية مع تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، وحاجة الولايات المتحدة إلى خطب ود الصين، أكبر مستثمر في السندات الأمريكية، دفعت بالولايات المتحدة إلى خفض حدة نبرة الحديث عن العملة الصينية.
مع اشتداد الأزمة وتدهور الأوضاع المالية للولايات المتحدة وبدء تبني الولايات المتحدة سياسات نقدية توسعية طالبت الصين الولايات المتحدة بأن تتخذ خطوات جادة لتحسين أوضاعها المالية وتحمي استثمارات الصين في السندات الأمريكية، حيث تستثمر الصين مئات المليارات في الدين العام الأمريكي، تقدر بحوالي 10% من الدين الحكومي، وهي بهذا الشكل أكبر دائن للحكومة الأمريكية، أكثر من ذلك استغلت الصين الوضع الضعيف للدولار في خضم الأزمة لمحاولة الإجهاز عليه وحث دول العالم على التخلص من الدولار كعملة احتياط عالمية، ودعت إلى ذلك في المحافل الدولية وشكلت في سبيل ذلك تحالفات مع الدول الناشئة، بصفة خاصة روسيا والهند والبرازيل، بهدف الاستغناء عن الدولار، غير أن هذه الجهود ذهبت سدى لعدم وجود بديل جاهز للدولار يمكن ان يحل محله كعملة احتياط للعالم، بما في ذلك اليورو.
مع بدء انتعاش النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، أخذت ترد الصاع صاعين، وركزت هذه المرة على حرمان الصين من الميزة الأساسية التي تعتقد أنها وراء هذا النمو الهائل في الفوائض التجارية التي تحققها. ففي فبراير 2010 هاجم الرئيس الأمريكي السياسات الصينية قائلا "أن على الولايات المتحدة أن تتأكد من أن السلع التي تصدرها لا تعاني من ارتفاعا مصطنعا في القيمة، وأن الصادرات الصينية ليست منخفضة القيمة بصورة اصطناعية أيضا، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة في موضع غير تنافسي بصورة كبيرة". وفي هذا الخطاب انتقد 15 عضوا في الكونجرس الحكومة بأنها فشلت في ان تفحص الادعاءات القائلة بأن الصين تخفض بشكل متعمد عملتها. ولشد أزر أوباما قام 130 عضوا في الكونجرس بإرسال خطاب إلى وزير الخزانة "جايثنر" يطالبون فيه الإدارة الأمريكية بتصنيف الصين على أنها دولة تتلاعب بقيمة عملتها، وذلك في التقرير الذي ستصدره الخزانة عن العملات في 15 ابريل من هذا الشهر، أي اليوم، لأنها بذلك سوف تعطي الإدارة الأمريكية السند القانوني الذي يمكنها من وضع قيود تجارية أمام الصادرات الصينية كإجراء انتقامي ضد الصين. من الواضح إذن أن الإدارة الأمريكية قد قررت رفع درجة المواجهة مع الصين، وقد أبلغت المسئولين الصينيين بأن سياسة معدل الصرف الصيني سوف تكون من أولويات المحادثات الاقتصادية بين البلدين.
من الواضح أن التحرك الأمريكي ضد الصين لم يأت فقط من الحكومة الأمريكية وإنما أيضا من الكونجرس، حيث أخذ بعض أعضاء الكونجرس زمام المبادرة في رفع درجة المواجهة، على سبيل المثال حث السيناتور تشارلز جراسلي من الجمهوريين الرئيس الأمريكي على وضع الصين في قائمة الدول التي تتلاعب بعملتها، وتعبيرا عن نفاد صبر الكونجرس بسبب عدم تناول الإدارة الأمريكية القضية بالصورة المناسبة، وأنه ربما يكون إصدار تشريع قانوني في هذا الصدد هو الحل الأخير لإجبار الصين على الانصياع لمطالب الولايات المتحدة، قام تشارلز شومر من الديمقراطيين وليندسي جراهام بصياغة مقترح قانون يلزم الحكومة الأمريكية بإعلان الصين دولة متلاعبة بعملتها، تمهيدا لفرض عقوبات على الصين، وقد علق تشارلز شومر على ذلك قائلا "إن الصين لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة، ونحن لا نتخذ أي إجراءا حيال ذلك، وأنه إذا لم تتحرك الحكومة لذلك فان الكونجرس لديه رغبة قوية في التحرك في هذا الاتجاه".
الرئيس أوباما والكونجرس يعتقدان إذن أن زيادة الصادرات الأمريكية إلى الخارج، بصفة خاصة إلى آسيا كفيل بفتح مئات الآلاف أو الملايين من فرص العمل في الولايات المتحدة وهو ما قد يساعد سوق العمل الأمريكي على التخفيف من ضغوط البطالة، بصفة خاصة هناك اعتقاد بأن رفع قيمة اليوان سوف يساعد على إعادة نقل الوظائف التي خسرتها أمريكا إلى البلاد مرة أخرى والى تخفيض هذا الفائض التجاري الضخم مع الصين، وهي إدعاءات ربما لا تستند إلى أي أساس عملي كما سنوضح فيما بعد.
الصين بالطبع لا ترغب في أن توصف بأنها متلاعبة بعملتها لأن ذلك سوف يؤلب العالم كله ضدها، وليس الولايات المتحدة وحدها. رد الفعل المبدئي للصين إزاء الدعوى الأمريكية كان عنيفا، ومن الواضح أن هناك خلافا حادا في وجهات النظر حول التوقيت المناسب لرفع قيمة اليوان، فالولايات المتحدة ترى ان الوقت الحالي هو التوقيت المناسب لذلك، إنطاقا من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الإدارة الأمريكية، بينما ترى الصين أن رفع اليوان هو مسألة وقت، وأن الوقت الحالي ليس مناسبا على الإطلاق نظرا لما يمكن ان يترتب عليه من آثار على الصين التي لم يتعاف اقتصادها بشكل تام من آثار الأزمة التي تسببت فيها الولايات المتحدة، وان الحقيقة التي تتجاهلها الإدارة الأمريكية هي ان الصين أيضا خسرت ملايين الوظائف بسبب الأزمة، قدرت بحوالي 20 مليون وظيفة نتيجة لعمليات الإغلاق المكثف التي تمت للمصانع الصينية في أعقاب اشتعال الأزمة، ومن ثم ترى الصين أن رفع اليوان الآن، بما يترتب عليه من خفض للصادرات الصينية، سوف يؤدي إلى تعقد مشكلة البطالة في الصين. من ناحية أخرى ترى الصين أن رفع اليوان في الوقت الحالي سوف يعقد من الآثار السلبية للأزمة على الدول الفقيرة والتي سوف تعاني أيضا من جراء رفع قيمة اليوان في صورة ارتفاع معدل التضخم نظرا لازدياد تكلفة السلع التي تستوردها من الصين. وقد عبر زير التجارة الصيني السيد زونج شان Zhong Shan عن ذلك قائلا بأن "استقرار اليوان له فوائد عديدة لأن رفع قيمته سوف يؤذي الدول النامية، بصفة خاصة الدول الأكثر فقرا". وفي رأيي أنها حجة لا تخلو من بعض الخبث، والتي تستهدف جلب تعاطف العالم مع الصين.
ولكن هل فعلا الادعاءات الأمريكية بأن رفع قيمة اليوان سوف يمهد السبيل أمام انطلاق الصادرات الأمريكية إلى آسيا ومن ثم القضاء على، أو الحد من، الفوائض التي تحققها الصين في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، هذا ما سوف نتناوله في الجزء الثالث من هذا المقال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق