الأربعاء، أبريل ٠٧، ٢٠١٠

هل تشتعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين 1/5: جذور المشكلة

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
حينما تقوم دولة ما بإتباع سياسات تهدف إلى جعل عملتها رخيصة، من خلال فرض قيمة لعملتها تقل عن القيمة الفعلية لها، فإن صادرات تلك الدولة إلى باقي دول العالم تصبح ارخص، بينما تصبح وارداتها من باقي دول العالم أكثر تكلفة، وفي ظل توافر شروط محددة حول مرونات الطلب والعرض للصادرات والواردات، فإن مثل هذا الوضع يتسبب في حدوث فوائض تجارية للدولة صاحبة العملة الرخيصة، حيث ترتفع القدرة التنافسية لصادرات تلك الدولة في مقابل شركائها التجاريين، وهو ما يعني ان شركاء تلك الدولة في التجارة سيخسرون فرص توظيف في مقابل معدلات أعلى من التوظف في الدولة صاحبة العملة الرخيصة.

الرينمنبي (التسمية الرسمية لعملة الصين)، أو ما يعرف باليوان هو عملة الصين الأساسية، والتي يتهمها العالم، بصفة خاصة الولايات المتحدة، منذ أكثر من عشر سنوات بأنها تقيمه بقيمة تقل عن قيمته الحقيقية، وهو ما يتسبب في منح الصين ميزة تنافسية زائفة تنبع أساسا من انخفاض معدل صرف اليوان بالنسبة للعملات الأجنبية الأمر الذي يجعل الصادرات الصينية رخيصة نسبيا بالنسبة لمنافسيها في دول العالم المختلفة. فمن وقت لآخر تشير التقارير إلى ان قيمة اليوان تقل عن القيمة الحقيقية لها، وأن اليوان الرخيص هو احد الأسلحة الفتاكة التي توجهها الصين إلى الصناعة العالمية، وبصفة خاصة الصناعة الأميركية، بحيث تحولت الصين وفي غضون فترة زمنية قصيرة جدا إلى المصدر رقم 1 في العالم، وسرعان ما حلت السلع الصناعية الصينية محل مثيلتها في معظم دول العالم، وتحولت الصين بالتالي إلى صاحبة أعلى معدل للنمو الحقيقي في العالم وصاحبة أكبر فائض تجاري في العالم، وصاحبة أكبر احتياطي نقدي في العالم، ولم تجد الصين خيارا آخر لاستخدام احتياطياتها النقدية الضخمة سوى في الاستثمار في شراء السندات الأميركية وبحيث تحولت الصين أيضا إلى أكبر ممول للدين الحكومي الأمريكي، بل وسيشهد هذا العام حلول الصين في مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة متخطية بذلك ألمانيا واليابان. بل أكاد اجزم أنه إذا استمر الاقتصاد الصيني في تحقيق هذه المعدلات المبهرة للنمو فإنه سرعان ما سيوجه الضربة القاضية للاقتصاد الأمريكي ليزيحه عن قائمة أكبر اقتصاد في العالم.

تشير الدراسات أيضا إلى أن اليوان الرخيص كان مدعوما بسياسات مساندة لتفعيل دوره في دعم الصادرات الصينية مثل تبني معدلات منخفضة نسبيا للأرباح في الشركات الصناعية الصينية، وكذلك تحقيق معدلات عائد منخفضة على استثمار رأس المال بشكل عام، هذه السياسات مجتمعة خلقت ميزة نسبية مكتسبة لمصلحة الصين في مقابل منافسيها من المصنعين في العالم سواء أكانوا المصنعين الجدد من جيرانها في المنطقة، أو المصنعين التقليديين في دول العالم المتقدم وأصبحت عبارة صنع في الصين "أيقونة" شبه عالمية نجدها في كل مكان في العالم.

عندما وقعت أحداث سبتمبر دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة كساد، وتفتحت عيون صانع السياسة في الولايات المتحدة على الصين، وبدءا من 2004 مارس الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأصغر ضغوطا على الصين لرفع قيمة اليوان اعتقادا من الإدارة الأمريكية بأن رفع قيمة اليوان سوف يحسن من وضع الميزان التجاري الأمريكي ويساعد على تحسين توازن التجارة بين الولايات المتحدة والصين ومن ثم تقليل العجز التجاري الأمريكي مع الصين، ويحسن من أوضاع سوق العمل، وقد نجحت ضغوط الرئيس الأمريكي وانصاعت الصين للمطالب الأمريكية، وفي 2005 سمحت الحكومة الصينية لليوان بأن يعوم في حدود ضيقة جدا، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة اليوان وأجبرت الصين على تخفيض اليوان في مقابل الدولار بنسبة 21%. ومنذ عام 2008 لم تتغير قيمة اليوان 2008 على الرغم من ظروف الأزمة.

الميزان التجاري بين البلدين ومنذ فترة طويلة في صالح الصين، على سبيل المثال في 2009 بلغت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات الأمريكية إلى الصين 70 مليار دولارا، ومن ثم بلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين في العام الماضي فقط 230 مليار دولارا.

وعندما كان الرئيس الحالي أوباما يخوض معركته الانتخابية أعلن أكثر من مرة ان الصين تحدد معدل الصرف الخاص باليوان بعيدا عن قوى العرض والطلب، وان انخفاض قيمة العملة الصينية مصطنع، الأمر الذي يعطي السلع الصينية ميزة تنافسية غير عادلة في مواجهة السلع الأميركية، بل وأعلنها صريحة أن الصين بهذه السياسة تسرق وظائف العمال في أميركا لمصلحة العاملين في الصناعة الصينية، وبعد نجاح الرئيس الأمريكي وتشكيل الإدارة الأمريكية أسند إلى "تيموثي جايثنر" مهمة إدارة الخزانة الأمريكية، وقد أعلن الأخير بمجرد استلامه زمام الأمور أن الصين دولة تتلاعب بعملتها Currency manipulator، وهي المرة الأولى التي يوجه فيها هذا الاتهام إلى الصين بهذه القوة، وهو اتهام خطير في القانون الأمريكي الذي ينص على ضرورة أن يكشف تقرير وزارة الخزانة الأمريكية، الذي يعد مرتين في السنة في ابريل وأكتوبر من كل عام، عن ممارسات العملات الدولية، وأن يحدد التقرير الدول التي تتلاعب بمعدل صرف عملاتها بهدف تحقيق ميزات تجارية.

ولكن ما الذي يترتب على إعلان الصين دولة متلاعبة بعملتها؟ وفقاً للقانون الأميركي يحق للكونغرس الأمريكي في هذه الحالة اتخاذ إجراءات مضادة تبدأ أولا بفتح الباب لمفاوضات ثنائية بين الدولتين حتى تغير الصين من تكتيكات تحديد قيمة عملتها، فإذا لم تنجح هذه المفاوضات في إثناء الصين عن موقفها يحق للولايات المتحدة القيام بفرض عقوبات تجارية على الصين بما في ذلك فرض ضرائب جمركية انتقائية على السلع الصينية بما يعادل نسبة الانخفاض المتوقع في قيمة اليوان، أو اتخاذ أي إجراءات انتقامية أخرى حتى تنصاع الصين وترفع قيمة اليوان.

الصين مطالبة اليوم من الإدارة الأميركية أكثر من أي وقت مضى بأن ترفع من قيمة اليوان في مقابل الدولار على أمل أن يشجع ذلك الصادرات الأميركية إلى الصين ويخفف من سيل الواردات من تلك الدولة، بما يسمح بتقليل العجز التجاري الأميركي مع الصين. من جانبها الإدارة الصينية تتجاهل هذه الدعوات ولا ترى ان اليوان مقوما بأقل من قيمته الحقيقية أو أنها تتلاعب بقيمة عملتها، بل وترفض بشدة اتخاذ أي إجراء لرقع قيمة اليوان. المخاطر المصاحبة لاحتمالات المواجهة المباشرة بين الدولتين مرتفعة للغاية ولن تطال فقط العلاقات التجارية بين الدولتين بل سوف تنعكس آثارها على الاقتصاد العالمي برمته، ولكن لماذا هذا التوقيت بالذات لإعلان النوايا الأمريكية عن شن حرب تجارية على الصين؟ هذا ما سوف يكون محور الجزء الثاني من هذا المقال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق