لفت نظري أثناء قراءة كتاب “Global
Tilt: Leading Your Business Through the Great Economic Power Shift” للمؤلف رام شاران، الذي صدر منذ 3 أشهر، في أحد فصول
الكتاب حول الاستحواذ الاستراتيجي، يتناول المؤلف قصة استحواذ الداو على شركة (Rohm and Hass) روم أند هاس، والتي كانت الداو تعد لعقد صفقة مع شركة صناعة
الكيماويات البترولية الكويتية PIC لبيع بعض
التسهيلات الانتاجية التي تمتلكها الداو في صناعات البتروكيماويات التقليدية
لتمويل عملية الاستحواذ على روم أند هاس. أحببت أن انقل ما قرأت للقارئ، لإلقاء
بعض الضوء على أحد جوانب صفقة الداو، والتي أؤمن أننا لم نقرأ حتى الآن تقريرا
فنيا متخصصا ومحايدا عن الصفقة يجيب عن تساؤلات أساسية تحتاج بالفعل الى إشفاء
الغليل حولها، والتي أوردها في نهاية هذا المقال.
كان رئيس الداو أندرو ليفراس يعد لصفقة اندماج
مع شركة Rohm
and Haas روم أند هاس في يوليو 2008 وذلك في مجال
المنتجات البترولية الخاصة، وكانت الداو تتطلع الى هذه الصفقة باعتبار أنها سوف
تغير نموذج الأعمال المستقبلية للداو على نحو جوهري، باعتبار أن هذه المنتجات
الأرقى تقنيا تمثل المستقبل في صناعة الكيماويات. وأن مستقبل الشركة ليس في مجال الصناعات
البتروكيماوية التقليدية التي كانت تشكل الجانب الأكبر من أعمال الداو في ذلك
الوقت، والذي تربعت عليها الداو لعقود.
على سبيل المثال أخذت عدة شركات تدخل مجال
الصناعات البتروكيماوية التقليدية للداو في آسيا، وبعضها كان لديه ميزة تنافسية في
صورة توافر المواد الخام بتكلفة منخفضة، مثل شركة سابك في المملكة العربية
السعودية، والتي تحقق تكاملا رأسيا من خلال تحويل انتاج النفط الخام الذي ينتج في
المملكة الى منتجات بتروكيماوية في المملكة بتكلفة أقل من تلك التي تنتج بها الداو
ولا تستطيع أن تجاريها، ويتوقع مع مثل هذه التطورات أن تتراجع حصة الداو عالميا في
سوق المنتجات البتروكيماوية التقليدية.
كان ليفراس يرى مستقبل الداو في مجال المنتجات
البتروكيماوية الخاصة، والتي يرتفع معدل الهامش عليها بشكل واضح، وأن على الداو ان
تخفض حصتها في المنتجات البتروكيماوية التقليدية، والتحول الى الشريحة الجديدة في
صناعة البتروكيماويات، وقد حانت هذه الفرصة للداو من خلال محاولة امتلاك التسهيلات
الانتاجية لشركة روم أند هاس، وقد كان على الداو ان تبرم صفقة روم أند هاس بأقصى
سرعة ممكنة قبل ان تجد منافسا قويا ينافسها في المزايدة على الصفقة، وكذلك قبل ان تتعقد
أوضاعها مع تحول سوق الأسهم في غير صالحها، خصوصا وأن الأزمة المالية كانت على
الأبواب.
كانت صفقة روم أند هاس التي ستحول مستقبل
الداو تحتاج الى حوالي 19 مليار دولارا، ولم يكن يتوافر لدى الداو هذا المبلغ لإبرام
الصفقة. لتوفير الكاش اللازم لتمويل الصفقة قام ليفراس بتوقع اتفاق مع شركة صناعة
الكيماويات البترولية الكويتية PIC، لبيع بعض
التسهيلات الانتاجية التي تملكها الداو في مجال المنتجات البتروكيماوية التقليدية،
وقد كانت قيمة الصفقة حوالي 9 مليار دولار، وهو بالنسبة للداو يعد مبلغا مناسبا
لسد فجوة السيولة اللازمة للداو لتمويل عملية الاستحواذ على شركة روم أند هاس.
وبدأ بالفعل الإعداد لصفقة العمر بالنسبة
للداو، والتي سيعتمد عليها المسار المستقبلي للشركة وذلك باستخدام الأموال التي
ستدفعها الكويت. لم تستقبل بورصة الأوراق المالية في نيويورك في هذا الوقت أخبار
الصفقة على نحو مناسب، وأخذ المحللون في انتقاد الصفقة، على أساس أنها معروضة بسعر
أعلى من اللازم أو مبالغ فيه، أو أن العوائد المتوقعة من الصفقة غير مؤكدة بالنسبة
للكويت، وذلك على الرغم من الوضع الممتاز للداو في مجال هذه الصناعة.
وفي 31 ديسمبر 2008، أي قبل يومان من تاريخ ابرام
صفقة الداو مع شركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية وجهت الحكومة الكويتية
صفعة قوية للداو من خلال الاعلان من طرف واحد عن رفض ابرام الصفقة، وهو ما اوقع
ليفراس في ورطة شديدة، وأصبح مستقبلة وكذلك مستقبل الداو على المحك. كان المحللون
يرون أن الداو سوف تتملص من صفقة الاندماج مع روم أن هاس، غير أنه لم يكن أمام
ليفراس من سبيل سوى المضي في ابرام صفقة روم أند هاس، لأن أي تراجع في ابرام
الصفقة سوف يترتب عليه التزامات قانونية كبيرة، وهو الأمر الذي لم تلق له الحكومة
الكويتية بالا عندما فكرت في إلغاء الصفقة، ودفعت ثمنه غاليا لاحقا حيث أصبحت
مطالبة بسداد غرامة تتجاوز الـ 2 مليار دولار، أو اكثر من 20% من قيمة الصفقة.
أصبحت الداو في ورطة شديدة خصوصا في هذا
التوقيت السيء الذي رفضت الصفقة فيه، حيث أصبح من شبه المستحيل تقريبا أن تجد
الداو بديلا لشركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، ذلك أن الأزمة المالية
العالمية كانت قد أخذت في التعمق، ودخل سوق الأوراق المالية في نيويورك أسوأ
حالاته منذ الكساد العالمي الكبير، وأصبح من غير المناسب أو حتى الآمن ان تجد
الداو الشريك المناسب، أو أن يجد اي شريك للداو أن المشاركة في مثل هذه الصفقة تعد
أمرا مأمونا في هذا التوقيت السيء، حيث أخذ سوق الائتمان في العالم في الأفول،
وتراجعت أسعار الأسهم عالميا، وسقطت أسواق المال في العالم تباعا واحدة وراء
الأخرى.
عندما تم الإعلان عن أخبار التوصل الى اتفاق
حول صفقة الداو مع شركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، ارتفع سهم الداو في
البورصة الأمريكية الى حوالي 30 دولارا، غير أنه مع اعلان إلغاء الصفقة من الجانب
الكويتي تراجع سهم الداو حتى بلغ حوالي 7 دولارات في مارس 2009، ليس هذا فقط،
وانما أخذت شركات التصنيف الائتماني في خفض تصنيف الداو، على سبيل المثال قامت
شركة ستاندرد أند وبور وشركة مودي للتصنيف بخفض التصنيف الائتماني للداو الى درجة Junk.
غير أن ليفراس، على الرغم من الصفعة التي
وجهت اليه برفض الحكومة الكويتية المضي في توقيع الصفقة، كان مصمما على الاستمرار
في الاندماج مع روم أند هاس وأخذ يعمل على إيجاد مصادر بديلة للتمويل، وأخيرا نجح في
تأمين التمويل اللازم، حيث استطاع اقناع المستثمر العالمي وارن بوفيت وعضوين من
روم أند هاس للدخول في شراكة مع الداو وإتمام الصفقة.
كانت الصفقة محورية بالنسبة للداو وكذلك
بالنسبة لروم اند هاس، حيث اصبحت الايرادات الأساسية للداو اليوم تأتي من هذه الشريحة
الأعلى للمنتجات الكيماوية الخاصة. حيث
تبلغ ايرادات الداو من هذه الكيماويات الخاصة حاليا حوالي ثلثي ايرادات الداو، بعد
أن كانت تمثل حوالي النصف قبل عملية الاندماج بين الشركتين، ويتوقع ان تمثل 80% من
الإيرادات في المستقبل، بهذه الصفقة أيضا امتلكت الداو قوة تنافسية جديدة، كما
أصبحت ايراداتها أكثر استقرارا عن ذي قبل، والنتيجة ارتفع سعر سهم الداو من 5.75
دولارا وهو أدنى مستوى بلغه في 2009 بعد الغاء الصفقة مع شركة صناعة الكيماويات
البترولية الكويتية، الى حوالي 33 دولارا في ابريل 2012.
فهل كان إلغاء صفقة الداو خطأ من جانب الحكومة
الكويتية، أضاع على الكويت فرصة استثمارية جيدة يمكن من خلالها توسيع نطاق التكامل
الرأسي لصناعة النفط في الكويت، وتعزيز درجة وصول الكويت الى الأسواق العالمية
للمنتجات البتروكيماوية من خلال عملاق مثل الداو؟ وهل تم الغاء الصفقة بناء على
معطيات الوضع في 2008، حيث كان العالم يواجه أزمة مالية وأصول جميع الشركات في
العالم تدهورت، وبالطبع منها الداو، ولم يؤخذ في الاعتبار آفاق النمو الذي يمكن أن
يحدث لهذه الأصول التي كانت ستتملكها شركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية؟
وهل أخذ في الاعتبار عند تقييم العرض العوائد التي سوف تعود على شركة صناعة
الكيماويات البترولية من الصفقة والتي تتمثل في رفع درجة التكامل الرأسي لمجالات
الانتاج التي تقوم بها، وزيادة مستوى الوصول الى الأسواق العالمية من خلال الداو؟
أم أن الصفقة كانت من الممكن أن تكون وبالا
على الكويت واستثماراتها، باعتبار أنها تمثل قرارا استثماريا خاطئا مقارنة بالفرص
البديلة الأخرى المتاحة أمام الكويت لاستثمار فوائضها؟ وهل تم بالفعل تقييم
للعوائد التي حققتها الكويت من الفرص الاستثمارية البديلة مقارنة بهذه الفرصة
الاستثمارية؟ وهل أجري بالفعل حتى اليوم فحصا للقيم السوقية التي بلغتها هذه
الأصول التي كانت محل للصفقة، وتقييما لمعدلات العوائد الفعلية التي حققتها على
أرض الواقع اليوم وذلك لتقييم مدى معقولية الصفقة من عدمه؟
وأخيرا كيف تتم عملية الغاء صفقة على هذا
النحو السريع مع تحمل مخاطرة دفع غرامة مرتفعة جدا مثل التي استطاعت الداو الحصول
على حكم بها، دون دراسة الانعكاسات القانونية لمثل هذا القرار وسبل التعامل مع هذه
الانعكاسات او التفاوض عليها؟
للأسف الشديد لا يستطيع أحد الاجابة على هذه
الأسئلة وما زلنا في انتظار تقرير فني محايد حول هذا الموضوع يمكن أن يتناول
الإجابة بموضوعية حول هذه التساؤلات، ومع ذلك فإن الحديث عن صفقة الداو اليوم أو
الغرامة التي ترتبت عليها هو بمثابة التحسر على الحليب المسكوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق