نشر موقع صوت روسيا Voice of Russia يوم الجمعة الماضي الرابع من نيسان (أبريل) مقالا بعنوان "روسيا تستعد للهجوم على البترو- دولار" تحدث فيه عن أن استخدام الدولار الأمريكي كعملة أساسية في تجارة الطاقة العالمية يعطي الولايات المتحدة العديد من المزايا، حيث إن تسعير البترول بالدولار يضمن استمرار الطلب مرتفعا عليه، الأمر الذي يسمح للولايات المتحدة بأن يتراكم لديها حجم ضخم من الديون دون أن تضطر إلى التوقف عن خدمة دينها أو أن تتعرض للإفلاس، وأنه من الواضح أن روسيا تستعد حاليا للقضاء على هذه المزايا.
يشير الموقع إلى أن وزير الاقتصاد الروسي أخبر قناة أخبار روسيا بأن شركات الطاقة الروسية ينبغي أن تبعد أعمالها عن الدولار، وذلك من خلال إبرام عقود تصدير الطاقة بالروبل الروسي أو بعملات الدول الشريكة لروسيا في التجارة. وفي أعقاب تصريح الوزير أعلنت بعض الشركات الرئيسة المصدرة للسلاح أنها لا تمانع من أن تبدأ عملية تصدير السلاح بالروبل الروسي، غير أنها في حاجة فقط للآلية التي يمكن أن تقوم من خلالها بذلك، وأعتقد أنها على حق في هذا، فالسؤال الأساسي هنا هو من أين ستدبر الدول المستوردة للسلاح الروسي الروبل، وهو ليس عملة دولية كالدولار، أو كيف ستتصرف روسيا في عملات الدول الشريكة لها والتي لا يوجد عليها طلب عالمي كالدولار.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت قد دعت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى إنشاء آلية دولية للتجارة في الغاز، بالصورة التي تسمح بتصديره بعملات إقليمية أخرى غير الدولار الأمريكي، ولم تلق الدعوى صدى حتى اليوم، كذلك حاولت الصين في أعقاب الأزمة المالية العالمية قيادة تحرك داخل مجموعة دول البريكس BRICS لإحلال عملة أخرى محل الدولار كعملة دولية، حيث تم اقتراح استخدام حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، ولم تنجح المحاولة أيضا.
من الواضح أن الصراع الدائر اليوم بين روسيا والولايات المتحدة حول أوضاع أوكرانيا يعطي الدافع لروسيا لبدء استخدام ما يسمى "بالبترو-روبل"، وذلك من خلال بيع النفط الروسي بالروبل، وقد بدأت روسيا بالفعل في توقيع اتفاقيات لبيع النفط الروسي مع الصين والهند، دون استخدام الدولار، كما تجري الاستعدادات حاليا بين روسيا وإيران لتوقيع صفقة لتصدير سلع روسية في مقابل النفط الإيراني، وهو ما سيسمح لروسيا بالحصول على ما بين 300 ألف إلى نصف مليون برميل يوميا، لتبيعها في السوق العالمية للنفط الخام، فإن تمكنت روسيا أيضا من بيع هذه الكمية بالروبل فإن ذلك سيمثل فرصة كبيرة "للبترو- روبل".
كانت أمريكا قد حذرت من أنها ستفرض عقوبات على الدولتين في حال إبرام الصفقة، ولقد تم تفسير رد الفعل الأمريكي على أنه يعكس قلق أمريكا على المركز الدولي للدولار، مثلما أشارت صوت روسيا، ولكن هؤلاء تناسوا أن ردة الفعل الأمريكية تعكس أساسا الأثر المتوقع للاتفاق على العقوبات الغربية على إيران، الأمر الذي يقوي مركز إيران التفاوضي حول القضايا العالقة مع الغرب، بصفة خاصة الولايات المتحدة.
الخلاصة أن موقع صوت روسيا يصف هذه الخطوات بأنها تمثل انتقاما روسيا من أمريكا في مقابل العقوبات التي تفرضها حاليا واشنطن على روسيا، وأن الانتقام الروسي سيكون غير سار لأمريكا.
إن المدقق في مثل هذا الكلام ومحاولة مقارنته بالأوضاع على الأرض في العالم سيصل مثلي إلى نتيجة مفادها أن كل هذا الكلام لا يعدو أن يكون سوى مادة للاستهلاك المحلي، وأن المحاولة الروسية لفرض تسعير صادراتها من النفط والغاز بالروبل لن تحقق ما تعتقد روسيا أنه سيكون ضربة موجعة للبترو- دولار، فهناك العديد من الأخطاء في مثل هذا التحليل يمكن تلخيصها في أن نسبة البترو- دولار السنوية لا تمثل نسبة ذات أهمية من إجمالي الطلب العالمي على الدولار الأمريكي، وأن هناك مغالاة في التأثير المتوقع لتسعير النفط الروسي أو حتى إجمالي النفط العالمي بعملة أخرى غير الدولار على الموقف الدولي للدولار الأمريكي. لتوضيح ذلك دعونا نجري بعض الحسابات لإثبات ذلك من واقع الإحصاءات المنشورة.
تقدر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA صادرات النفط الخام في العالم بنحو 43 مليون برميل يوميا. بالنسبة لي ربما يكون الرقم الفعلي أعلى من ذلك، لو افترضنا أن الصادرات اليومية للنفط الخام هي 50 مليون برميل يوميا، وأن سعر البرميل في المتوسط هو 100 دولار، فإن ذلك يعني أن إجمالي الصادرات اليومية للنفط نحو خمسة مليارات دولار، أو ما يعادل 1.8 تريليون دولار في العام. فكم تمثل قيمة هذه المعاملات بالنسبة لإجمالي الطلب على الدولار دوليا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد أن يكون لدينا تقديرات عن إجمالي المعاملات التي تتم في العالم بالدولار، ووفقا لآخر تقرير أصدره بنك التسويات الدولية عن حجم المعاملات اليومية في السوق العالمية للنقد الاجنبي، والذي يصدر كل ثلاث سنوات بناء على استبانة يتم توزيعها على البنوك المركزية في العالم، فإن حجم المعاملات في السوق العالمية للنقد الأجنبي يقدر بنحو 5.344 تريليون دولار يوميا، أي نحو 1950 تريليون دولار في السنة. من هذه المعاملات يتم نحو 4.652 تريليون دولار يوميا بالدولار الأمريكي، أو ما يمثل نحو 87.1 في المائة من إجمالي المعاملات اليومية بالنقد الأجنبي في العالم، أي نحو 1698 تريليون دولار سنويا.
والآن ما نسبة إيرادات الصادرات النفطية في العالم إلى إجمالي الطلب العالمي على الدولار يوميا وسنويا؟ وفقا للبيانات أعلاه فإن نسبة إيرادات الصادرات العالمية للنفط الخام يوميا وسنويا تمثل0.107 في المائة فقط من الطلب اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي في العالم، وهي نسبة كما هو واضح أقل بكثير من 1 في المائة.
دعونا الآن نضيق نطاق التحليل، حيث ينصب أساسا على صادرات روسيا وإيران، لنحسب نسبة إيرادات الصادرات النفطية الروسية والإيرانية مجتمعة من النفط بالنسبة للطلب العالمي اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي، وفقا لتقديرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فإن إجمالي الصادرات من النفط الإيراني والروسي مجتمعين تقدر بنحو 7.2 مليون برميل يوميا، لنقل عشرة ملايين برميل يوميا، أي أن إجمالي الإيرادات اليومية للدولتين من صادرات النفط تمثل نحو مليار دولار يوميا، أو ما يعادل 365 مليار دولار سنويا، وعلى ذلك تبلغ نسبة قيمة هذه الصادرات إلى الطلب اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي في العالم فقط 0.0215 في المائة، وبمعنى آخر فإن نسبة إجمالي صادرات هاتين الدولتين من النفط تعادل صفر في المائة تقريبا من الطلب اليومي أو السنوي على الدولار الأمريكي، فكيف يمكن الادعاء بأن التحركات الروسية بإعادة تسعير النفط الروسي بالروبل، أو النفط الروسي الإيراني بعملة أخرى غير الدولار ستهدد مركز الدولار في العالم؟
يشير الموقع إلى أن وزير الاقتصاد الروسي أخبر قناة أخبار روسيا بأن شركات الطاقة الروسية ينبغي أن تبعد أعمالها عن الدولار، وذلك من خلال إبرام عقود تصدير الطاقة بالروبل الروسي أو بعملات الدول الشريكة لروسيا في التجارة. وفي أعقاب تصريح الوزير أعلنت بعض الشركات الرئيسة المصدرة للسلاح أنها لا تمانع من أن تبدأ عملية تصدير السلاح بالروبل الروسي، غير أنها في حاجة فقط للآلية التي يمكن أن تقوم من خلالها بذلك، وأعتقد أنها على حق في هذا، فالسؤال الأساسي هنا هو من أين ستدبر الدول المستوردة للسلاح الروسي الروبل، وهو ليس عملة دولية كالدولار، أو كيف ستتصرف روسيا في عملات الدول الشريكة لها والتي لا يوجد عليها طلب عالمي كالدولار.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت قد دعت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى إنشاء آلية دولية للتجارة في الغاز، بالصورة التي تسمح بتصديره بعملات إقليمية أخرى غير الدولار الأمريكي، ولم تلق الدعوى صدى حتى اليوم، كذلك حاولت الصين في أعقاب الأزمة المالية العالمية قيادة تحرك داخل مجموعة دول البريكس BRICS لإحلال عملة أخرى محل الدولار كعملة دولية، حيث تم اقتراح استخدام حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، ولم تنجح المحاولة أيضا.
من الواضح أن الصراع الدائر اليوم بين روسيا والولايات المتحدة حول أوضاع أوكرانيا يعطي الدافع لروسيا لبدء استخدام ما يسمى "بالبترو-روبل"، وذلك من خلال بيع النفط الروسي بالروبل، وقد بدأت روسيا بالفعل في توقيع اتفاقيات لبيع النفط الروسي مع الصين والهند، دون استخدام الدولار، كما تجري الاستعدادات حاليا بين روسيا وإيران لتوقيع صفقة لتصدير سلع روسية في مقابل النفط الإيراني، وهو ما سيسمح لروسيا بالحصول على ما بين 300 ألف إلى نصف مليون برميل يوميا، لتبيعها في السوق العالمية للنفط الخام، فإن تمكنت روسيا أيضا من بيع هذه الكمية بالروبل فإن ذلك سيمثل فرصة كبيرة "للبترو- روبل".
كانت أمريكا قد حذرت من أنها ستفرض عقوبات على الدولتين في حال إبرام الصفقة، ولقد تم تفسير رد الفعل الأمريكي على أنه يعكس قلق أمريكا على المركز الدولي للدولار، مثلما أشارت صوت روسيا، ولكن هؤلاء تناسوا أن ردة الفعل الأمريكية تعكس أساسا الأثر المتوقع للاتفاق على العقوبات الغربية على إيران، الأمر الذي يقوي مركز إيران التفاوضي حول القضايا العالقة مع الغرب، بصفة خاصة الولايات المتحدة.
الخلاصة أن موقع صوت روسيا يصف هذه الخطوات بأنها تمثل انتقاما روسيا من أمريكا في مقابل العقوبات التي تفرضها حاليا واشنطن على روسيا، وأن الانتقام الروسي سيكون غير سار لأمريكا.
إن المدقق في مثل هذا الكلام ومحاولة مقارنته بالأوضاع على الأرض في العالم سيصل مثلي إلى نتيجة مفادها أن كل هذا الكلام لا يعدو أن يكون سوى مادة للاستهلاك المحلي، وأن المحاولة الروسية لفرض تسعير صادراتها من النفط والغاز بالروبل لن تحقق ما تعتقد روسيا أنه سيكون ضربة موجعة للبترو- دولار، فهناك العديد من الأخطاء في مثل هذا التحليل يمكن تلخيصها في أن نسبة البترو- دولار السنوية لا تمثل نسبة ذات أهمية من إجمالي الطلب العالمي على الدولار الأمريكي، وأن هناك مغالاة في التأثير المتوقع لتسعير النفط الروسي أو حتى إجمالي النفط العالمي بعملة أخرى غير الدولار على الموقف الدولي للدولار الأمريكي. لتوضيح ذلك دعونا نجري بعض الحسابات لإثبات ذلك من واقع الإحصاءات المنشورة.
تقدر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA صادرات النفط الخام في العالم بنحو 43 مليون برميل يوميا. بالنسبة لي ربما يكون الرقم الفعلي أعلى من ذلك، لو افترضنا أن الصادرات اليومية للنفط الخام هي 50 مليون برميل يوميا، وأن سعر البرميل في المتوسط هو 100 دولار، فإن ذلك يعني أن إجمالي الصادرات اليومية للنفط نحو خمسة مليارات دولار، أو ما يعادل 1.8 تريليون دولار في العام. فكم تمثل قيمة هذه المعاملات بالنسبة لإجمالي الطلب على الدولار دوليا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد أن يكون لدينا تقديرات عن إجمالي المعاملات التي تتم في العالم بالدولار، ووفقا لآخر تقرير أصدره بنك التسويات الدولية عن حجم المعاملات اليومية في السوق العالمية للنقد الاجنبي، والذي يصدر كل ثلاث سنوات بناء على استبانة يتم توزيعها على البنوك المركزية في العالم، فإن حجم المعاملات في السوق العالمية للنقد الأجنبي يقدر بنحو 5.344 تريليون دولار يوميا، أي نحو 1950 تريليون دولار في السنة. من هذه المعاملات يتم نحو 4.652 تريليون دولار يوميا بالدولار الأمريكي، أو ما يمثل نحو 87.1 في المائة من إجمالي المعاملات اليومية بالنقد الأجنبي في العالم، أي نحو 1698 تريليون دولار سنويا.
والآن ما نسبة إيرادات الصادرات النفطية في العالم إلى إجمالي الطلب العالمي على الدولار يوميا وسنويا؟ وفقا للبيانات أعلاه فإن نسبة إيرادات الصادرات العالمية للنفط الخام يوميا وسنويا تمثل0.107 في المائة فقط من الطلب اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي في العالم، وهي نسبة كما هو واضح أقل بكثير من 1 في المائة.
دعونا الآن نضيق نطاق التحليل، حيث ينصب أساسا على صادرات روسيا وإيران، لنحسب نسبة إيرادات الصادرات النفطية الروسية والإيرانية مجتمعة من النفط بالنسبة للطلب العالمي اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي، وفقا لتقديرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فإن إجمالي الصادرات من النفط الإيراني والروسي مجتمعين تقدر بنحو 7.2 مليون برميل يوميا، لنقل عشرة ملايين برميل يوميا، أي أن إجمالي الإيرادات اليومية للدولتين من صادرات النفط تمثل نحو مليار دولار يوميا، أو ما يعادل 365 مليار دولار سنويا، وعلى ذلك تبلغ نسبة قيمة هذه الصادرات إلى الطلب اليومي والسنوي على الدولار الأمريكي في العالم فقط 0.0215 في المائة، وبمعنى آخر فإن نسبة إجمالي صادرات هاتين الدولتين من النفط تعادل صفر في المائة تقريبا من الطلب اليومي أو السنوي على الدولار الأمريكي، فكيف يمكن الادعاء بأن التحركات الروسية بإعادة تسعير النفط الروسي بالروبل، أو النفط الروسي الإيراني بعملة أخرى غير الدولار ستهدد مركز الدولار في العالم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق