الثلاثاء، يناير ١٣، ٢٠٠٩

نعم للمزيد من خفض معدلات الفائدة في الكويت

نشر في جريدة القبس بتاريخ الثلاثاء 13/1/2009

نشرت القبس يوم الأحد 11/1/2009 مقالا بعنوان "لا للمزيد من خفض معدلات الفائدة" (انظر المقال في جريدة القبس http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=463687&date=11012009) وقد حمل المقال هجوما، على المقال الذي نشرته لي جريدة القبس يوم الخميس 8/1/2009 "بعنوان لماذا لا تتجه الكويت إلى الفائدة الصفرية" سأحاول في هذا المقال أن أرد على جوانب النقد الموضوعية في المقال المذكور، لأؤكد مرة أخرى أن هناك حاجة إلى المزيد من الخفض لمعدلات الفائدة في دولة الكويت، حيث ما زلت أؤمن أن الاقتصاد الكويتي يحتاج إلى المزيد من جرعات خفض معدل الفائدة ومن المؤكد أن المستقبل سوف يشهد المزيد منها.

بادئ ذي بدء فان بنك الكويت المركزي قد أعلن يوم السبت الماضي، أي قبل نشر مقال "لا للمزيد من خفض معدلات الفائدة" بيوم واحد عن خفض معدلات الفائدة بنصف في المئة، هذه الخطوة أراها خطوة هامة في الاتجاه الصحيح وتتماشى تماما مع جوهر مقالي الذي نشر قبل هذا الخفض بيومين، مما يعني أن البنك المركزي يرى أن المعدلات السائدة للفائدة حاليا تعد مرتفعة، وان هناك حاجة إلى تعديل معدلات الفائدة لكي تتوافق مع مستهدفات البنك المركزي بالنسبة لهذه الأداة، وهو ما يتنافى مع ما ذهب إليه المقال المنشور بعنوان "لا للمزيد من خفض معدلات الفائدة" أما بالنسبة للملاحظات التي سيقت حول قلة فاعلية معدل الفائدة في ظل الظروف الحالية في دولة الكويت، مهما تم تخفيضه، فان المقال يسرد عدة أسباب هي كالآتي:

السبب الأول أن "سعر الفائدة في الاقتصادين الأمريكي والياباني له أثر في القرارات التي تتخذها مكونات الاقتصاد الصناعية والاستثمارية والأخرى (يقصد الأنشطة الاقتصادية) وأن تخفيض معدل الفائدة يعني تنشيط الاقتصاد وكبح معدلات البطالة المرتفعة" بينما الفائدة الصفرية ليست ذات جدوى في حالة الكويت، أتفق مع الشق الأول، وأختلف مع الشق الثاني، حيث أن هذا لا يعني أنه ليس لمعدل الفائدة أي دور في اقتصاد دولة الكويت، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التعديل المستمر لمعدل الفائدة من قبل البنك المركزي. ببساطة شديدة ينقسم الاقتصاد الكويتي إلى قسمين الاقتصاد النفطي والاقتصاد غير النفطي، وعلى رأسه القطاع المالي، نعم الاقتصاد النفطي لا يتأثر بمعدل الفائدة لان أداء الصناعة النفطية يعتمد على عوامل خارجية، إلا أن الاقتصاد غير النفطي، والذي أصبح وزنه حاليا لا بأس به ضمن مكونات الاقتصاد الكلي، لا شك انه يتأثر بمعدل الفائدة وتطوراته.

بالنسبة للسبب الثاني يشير المقال إلى أن "معظم الدراسات الكمية أثبتت أن معدل الفائدة في الكويت يتناسب طردا مع نشاط سوق العقار والأسهم وذلك مخالف للنظرية" والواقع أن ما توصلت إليه تلك الدراسات بالصورة التي عرضها المقال ليس مخالفا للنظرية، وإنما مؤيدا لها، إن مفاد تلك الملاحظة هو أن معدل الفائدة سوف يكون مرتفعا عندما يكون قطاعي العقار والأسهم في أوجهما، والعكس عندما يهبط النشاط في هذين النشاطين، ويعني ذلك أن هذا السلوك لمعدل الفائدة في الكويت يتماشى مع نظرية الدورة الاقتصادية تماما وليس العكس كما ادعى المقال. لماذا؟ لأن بلوغ قطاع العقار والأسهم لأوجهما يعني أن هناك حالة رواج في الاقتصاد المحلي، ومن المعلوم انه في حالة الرواج ترتفع معدلات الفائدة بفعل ارتفاع الأسعار، وفي حالات هبوط النشاط الاقتصادي تميل معدلات الفائدة نحو الانخفاض بفعل تراجع مستويات الأسعار. ووفقا لنظرية الدورات الاقتصادية يجب أن يتخذ صانع السياسة إجراءا معاكسا للدورة حتى يحدث التناغم المطلوب في مستويات الطلب الكلي، أي أن يجعل معدل الفائدة مرتفعا في أوقات الرواج، حتى يحد من سخونة الاقتصاد، والعكس. مرة أخرى فان ذلك يعني أن صناعة السياسة النقدية الخاصة بمعدل الفائدة في الكويت سليمة تماما من الناحية العملية، وأن معدل الفائدة يمثل احد الأدوات الفعالة للسياسة النقدية في دولة الكويت، على عكس ما ادعى المقال.

بالنسبة للسبب الثالث حول الأثر المحدود لمعدلات الفائدة على بعض شركات الاستثمار، بسبب "أن هناك سوء إدارة وتقدير سيئ في اتخاذ القرارات" فهل هناك اختلاف بين ما قامت به شركات الاستثمار في الكويت، وما قامت به أعتى المؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الحكومة الأمريكية لم تبادر إلى إصدار الحكم بالإعدام على تلك المؤسسات لأنها لم تتبع الأسس السليمة في أعمالها، على العكس من ذلك فان هناك هجوما حادا على الحكومة الأمريكية بأنها تركت بنكا مهما مثل ليمان براذرز يواجه الإفلاس، وأن الجميع يقر بان ذلك يعد خطأ فادحا لا يجب أن يتكرر. نعم ربما تكون بعض الشركات في الكويت قد أخطأت ولكن ذلك السلوك كان قاعدة العمل السائدة في تلك الفترة ليس فقط في الكويت، وإنما في كافة أنحاء العالم، ومن المؤكد انه إذا لم تحدث الأزمة، لكانت تلك الشركات بخير اليوم، ومما لا شك فيه أن هناك العديد من الأفكار للتعامل مع واقعها، ومن المؤكد أن الكثير منها يحتاج إلى تكلفة اقتراض اقل، ضمن حلول أخرى لمعالجة تلك الأزمة.

بالنسبة للسبب رقم 4، لماذا تم إقحام سيادة المحافظ بهذه الصورة في هذا الموضع من المقال، لا خلاف على درجة المهنية العالية التي يتمتع بها محافظ بنك الكويت المركزي من بين محافظي البنوك المركزية العرب، وهذه ليست شهادتي، إنما أنا أنقل عن جهات عالمية معتبرة في هذا المجال، ومما لا شك فيه أن قيام البنك المركزي يوم السبت الماضي بتخفيض معدل الفائدة بخمسين نقطة، يؤكد ذلك، وهو ما يصب مرة أخرى في المهنية العالية للمحافظ وفريقه. أما بالنسبة للجانب الثاني من الملاحظة والذي يتحدث عن المساوئ الكثيرة جدا للفائدة الصفرية، فقد ذكر مقالي تلك المساوئ، إلا أن ذلك لا يعني أنها سياسة عديمة الفاعلية، وإذا كانت مساوئ معدل الفائدة الصفري بهذا الشكل الذي يشير إليه الكاتب، لماذا إذن تعتمدها الدول المتقدمة حاليا كسياسة معلنة بشكل رسمي، وكخط دفاع أول. أما بالنسبة للقول بأن "خفض معدل الفائدة إلى الصفر سوف يرفع حجم القروض الشخصية، ومن ثم يزيد معدلات الاستهلاك على حساب الادخار الخ"، فإن هذا إن تحقق، في ظل معدلات الفائدة المنخفضة، فان ذلك يعني أن تلك الأداة قد حققت أهدافها المرغوبة بصورة مثلى، بمعنى آخر فان ما يخشاه المقال هو بالفعل النتيجة المطلوب تحقيقها في ظل الأزمة الحالية. فمن المعلوم أن قطاعات عريضة في الاقتصاد الكويتي تعاني اليوم من انحسار معدلات مبيعاتها، ومن ثم مستويات أرباحها، الأمر الذي أدى بالعديد من الشركات في القطاع الخاص إلى التخلص من جانب من العمالة الوطنية العاملة بها، حسب ما تنشر التقارير الصحفية. إذا كان الوضع كذلك فما هي الروشتة المناسبة لهذا الوضع في أي اقتصاد؟ المطلوب إذن في ظل هذه الأزمة أن يكون هناك إنفاق استهلاكي واستثماري عند أعلى مستوى، وأن يكون الادخار عند أدنى مستوى، ثم ما هو الخطأ في ارتفاع معدلات الاقتراض طالما انه يراعي عند منح تلك القروض الملاءة المالية للمقترضين وقدرتهم على خدمة تلك القروض على المدى الطويل، فضلا عن مراعاة المرحلة من الدورة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد. إن المشكلة التي تواجهها الاقتصاديات في أوقات الأزمات وانتشار التوقعات الانكماشية، هي أن إقبال الأفراد على الاقتراض يقل، حتى مع انخفاض معدلات الفائدة بسبب انتشار التوقعات التشاؤمية. من ناحية أخرى فان مقالي لم يطالب بإلغاء الهامش بين معدل الفائدة على الدينار مقارنة بالدولار، بل على العكس من ذلك، المقال يؤكد ضرورة استمرار وجود هذا الهامش، ولكن تعديله وفقا لتطورات معدلات الفائدة الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء مستهدفات البنك المركزي في هذا الصدد.

وأخيرا بالنسبة للشق من الملاحظة الذي ينتقد الأكاديميين في دولة الكويت "بأنهم يعتقدون أن النظريات الاقتصادية تنطبق على كل الحالات وأنها مثالية ولا يعيشون الواقع ويقيسونه" فلا أستطيع أن أمنع نفسي من الذود عن زملائي الأكاديميين في جامعة الكويت. فأكاديميي الجامعة ليسو بعيدين عن هذا الواقع، وإنما يعيشونه أكثر من غيرهم، وهم الرافد الأساسي للخبرات التي تحتاجها الجهات المختلفة في الدولة، وهم لا يعيشون في برج عاجي منفصلين عن هذا المجتمع كما يوحي المقال، بل على العكس من ذلك تماما، أنهم يعيشون واقع هذا المجتمع، ويستخدمون هذا الواقع بشكل مكثف في أبحاثهم العلمية، وحالاتهم العملية داخل الفصول الدراسية، وندواتهم العلمية، ومؤتمراتهم السنوية .. الخ. بل إن كل ما استند إليه المقال من ملاحظات حول دور الإنفاق الحكومي ودور السياسة المالية ودور السياسة النقدية في دولة الكويت إنما هو منقول عن ما توصل إليه الأكاديميون في بحوثهم ودراساتهم وندواتهم، فكيف يقال عنهم أنهم منفصلين عن هذا الواقع.

بالنسبة للملاحظة رقم 5، حول خطر استدراج الاقتصاد إلى مصيدة الانكماش، فإنني في هذه النقطة بالذات لم أكن أتحدث عن الاقتصاد الكويتي، وإنما كنت أتحدث عن الاقتصاد العالمي. أما بالنسبة للدور المقبل للسياسة المالية، فاعتقد أن مقالي قد أكد بشكل واضح على ذلك، ليس في الكويت فقط، وإنما في دول العالم أجمع، وقد بدأت الأدبيات الاقتصادية الآن تعود مرة أخرى إلى نغمة فعالية السياسة المالية، بعد أن كانت قد انتهت تقريبا على نطاق البحث الاقتصادي. أما بالنسبة للادعاء بان الميزانية القادمة سوف تحافظ على فائض جيد تتمكن من خلاله الدولة من الإنفاق، فهذا إن حدث فإنه يمثل خطأ علميا، لان الفائض الجيد في هذه الحالة سوف يعني أن الميزانية انكماشية، ومن ثم تسهم الحكومة بهذا الشكل في تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي، استنادا إلى أن الإنفاق الحكومي هو المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في دولة الكويت كما يشير الكاتب، من ناحية أخرى كيف تحافظ الدولة على فائض جيد في ظل انهيار إيرادات النفط وجمود الإنفاق الحكومي الجاري، والذي يصعب جدا تخفيضه بصورة جوهرية، كما توحي الملاحظة.

إن واقع الحال يشير إلى أننا ما زلنا في انتظار المزيد من خفض لمعدلات الفائدة، وان معدلات الفائدة الحالية في دولة الكويت تنحرف بعض الشيء عن اتجاهها طويل الأمد، ولإثبات ذلك يمكن مقارنة معدلات الخصم في الكويت بتلك الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد المستهدفات المعلنة لبنك الكويت المركزي. وتنبغي الإشارة إلى عدم إمكانية عقد تلك المقارنة وفقا لأحدث البيانات (اقصد الأربع اشهر السابقة)، حول تلك المعدلات من الفائدة بسبب عدم توافرها، ما تمكنت من الحصول عليه هو معدلات الخصم لدى بنك الكويت المركزي والاحتياطي الفدرالي عن الفترة من يناير 1995 إلى سبتمبر 2008، (بيانات شهرية، أي على مدى 165 شهرا). ويوضح الشكل التالي معدلات الخصم في الكويت والولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك الفترة. ومن الواضح أنه على العكس من معدلات الخصم في دولة الكويت والتي كانت تميل دائما إلى التعديل السريع مع تطورات معدلات الخصم في الولايات المتحدة، فانه خلال الفترة الأخيرة، يتسع الهامش بين المعدلين على نحو واضح، حيث لم تكن الفروق في معدلات الخصم بهذا الاتساع في أي وقت مضى خلال الفترة الطويلة، وهذا هو ما قصدته في مقالي، وأعتقد أن هذه الفجوة قد مالت نحو الانخفاض قليلا الآن في ظل التعديلات المستمرة التي يجريها بنك الكويت المركزي على معدل الخصم في دولة الكويت، لكن عدم توافر البيانات لم يسمح لنا بإبراز ذلك. إن الشكل يوضح حقيقة مهمة جدا، وهي أن هناك عملية تعديل مستمر لمعدل الخصم في الكويت مقارنة بمعدل الخصم بالولايات المتحدة الأمريكية، غير أن سرعة عملية التعديل تختلف كما هو واضح من الشكل من فترة لأخرى، لكنها تعود سريعا إلى تلك المستهدفات في أن يكون هناك هامش لصالح الدينار الكويتي.


من المؤكد أن العالم، ودولة الكويت من بينه، يواجه أزمة بالغة التعقيد، وأن آليات التعامل مع الأزمة تستدعي اتخاذ كافة الإجراءات التي يمكن أن تخفف من وقع الأزمة، وأن التعامل مع الأزمة كما تشير الكتابات الاقتصادية في هذا المجال سوف تتطلب قدرا هائلا من الحلول غير التقليدية لمواجهتها، والتي من بينها معدل الفائدة الصفري، كأول أداة من أدوات السياسة التي لجأت إليها دول العالم.

ومما لا شك فيه أنني سعيد بالملاحظات التي أثيرت في المقال لأن الجدل العلمي الموضوعي هو من الأمور البناءة التي تثري النقاش، وهذا ما حرصت أن أورده في هذا المقال، أما ما تطرق إليه المقال سالف الذكر من مساس بشخصي، فإني أتسامح فيه.

هناك ٦ تعليقات:

  1. يعطيك العافية دكتور رد أكثر من رائع
    شنو نسوي الديرة هذي مقلوبة

    محمود الجراح

    ردحذف
  2. Welcome to the club. Some people will disagree with you. Your judge is your readers and time. Do not let disagreement put you down.

    ردحذف
  3. Thank you Bo Salem. I never feel frustrated due to disagreement. On the contrary, disagreement will enrich discussion. I always welcome comments from my readers, because I know that they guide me to what they think is right, and what could be wrong in what I deliver. No one is a 100% right.

    ردحذف
  4. دكتور

    وجودك هنا يذكرني بالزمن الجميل
    عنددما كنت طالبا في كلية العلوم الادارية

    ارجوك استمر في اثراء ثقافتنا الاقتصادية

    و الى الامام

    ابنك

    مانتوفاني

    ردحذف