نشر الجانب الاقتصادي من هذا المقال في جريدة القبس بتاريخ الثلاثاء 20/1/2009
في مبادرة هامة جدا لحضرة صاحب السمو تعكس عمق وجهة نظره حفظه الله ورعاه، دعا سموه إلى عقد لقاء قمة اقتصادية للدول العربية في دولة الكويت، والتي حدد لها يومي 19 ون 20 من يناير 2009، وهي كما نعلم الأولى من نوعها لتحريك المياه الراكدة في محيط التعاون الاقتصادي العربي وتعظيم الاستفادة العربية من الموارد التي يملكها العالم العربي أجمع من خلال رسم اطر أفضل للتعاون في استغلال تلك الموارد. وقد جاء توقيت عقد القمة في زمن دقيق للغاية، حيث تدق الأزمة الاقتصادية العالمية دول المنطقة أجمع بالشكل الذي يحتاج إلى تعميق كافة أشكال التعاون بيت الدول العربية لمواجهة آثار تلك الأزمة، ورسم اطر أفضل لتحقيق مستويات أعلى من الاستقرار الاقتصادي من خلال المزيد من التعاون للحد من آثار الأزمات الاقتصادية الخارجية التي تنزل بالدول العربية من وقت لآخر بسبب ضعف التعاون الاقتصادي فيما بين هذه الدول والتي يمكن أن تشكل كتلة اقتصادية هامة يتحقق من خلالها قدر كبير من الاكتفاء الذاتي لدول المنطقة.
للأسف صاحب توقيت عقد القمة حدوث العدوان الإسرائيلي على غزة وعدم انصياع إسرائيل للمطالبات الدولية بوقف عدوانها على القطاع، وقد فشلت المحاولات لعقد قمة عربية في الأيام الأولى للأزمة نظرا لضعف النتائج المتوقع الحصول عليها منها في ظل الأوضاع الدولية والعربية السائدة حاليا، واحتمال أن تنتهي القمة العربية ببيان شجب ودعوة إسرائيل للانسحاب، وهو ما يمكن القيام به بدون قمة. قبل أيام معدودة من عقد القمة الاقتصادية في الكويت دعت قطر الدول العربية إلى عقد قمة استثنائية في قطر، وعلى الرغم من تأكيد الدول العربية الكبرى أنه ليس هناك حاجة لتلك القمة لأنه من الممكن مناقشة الموضوع على هامش قمة الكويت الاقتصادية، خصوصا وانه من المتوقع حضور معظم القادة العرب في قمة الكويت، إلا أن قطر أصرت على موقفها في عقد القمة، ولما لم تجد النصاب الكافي لعقدها دعت قطر من وافق من الدول العربية لحضور قمة الدوحة، ثم في خطوة غير مسبوقة دعت قطر الرئيس الإيراني للحضور، وهو ما عني ضمنا عدم تمكن الإمارات من حضور تلك القمة. وقد كان من الأفضل إلا تعقد القمة، لان غياب مصر والسعودية عن حضور القمة وتفضيلهما تأجيل المناقشة لقمة الكويت سوف لن يؤدي إلى حدوث أي نتائج ايجابية لهذه القمة، خصوصا على نطاق الدعم السياسي والاقتصادي الفاعل لغزة. ماذا حدث في القمة القطرية؟ كالعادة تم إلقاء الكلمات والخروج ببيان ختامي يدعو إسرائيل لوقف العدوان. من الناحية الواقعية لم يكن للقمة أي تأثير على الأرض لضعف الوزن الذي مثلته القمة، خصوصا في ظل عدم حضور مصر همزة الوصل مع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية صاحبة النفوذ الأقوى في الخليج، والرئيس عباس ممثل السلطة الفلسطينية، ومن ثم خرجت القمة بخفي حنين.
إصرار قطر على عقد القمة على أراضيها، وعدم الانتظار لقمة الكويت التي أكد الجميع أنهم سوف يجنبون جزءا من جدول القمة الاقتصادية لمناقشة موضوع العدوان على غزة فيها، أثار الكثير من التساؤلات، ولكن من المؤكد أن عقد القمة، في ظل اعتذار العديد من الدول العربية عن الحضور وتفضيلهم الانتظار لقمة الكويت قد أدى إلى اهتزاز الإجماع العربي والذي كان من الممكن أن يصل إلى أقصى مستوياته إذا لم تعقد قمة الدوحة، وتم الاكتفاء بقمة الكويت. صفحة القمة القطرية قد انطوت للأسف دون التوصل إلى أي شيء يساعد غزة، أو في دعمها اقتصاديا وتقديم ضمانات بإعادة إعمار ما دمرته الحملة الإسرائيلية عليها. أهم ما تم هو إعلان قطر وموريتانيا عن وقف علاقاتهما مع الكيان الصهيوني، ولكن هل تمثل تلك القرارات شيئا بالنسبة لإسرائيل؟ واقع الحال يقول لا .
الفشل العربي في قمة قطر بدلا من أن يضعف قمة الكويت، أدى إلى إضفاء المزيد من الزخم لهذه القمة حيث ألقي عليها المزيد من الأعباء نحو ضرورة مواجهة الأوضاع العربية الحالية، ولذلك أفضل أن أسميها قمة الكويت الاقسياسية، فلا يمكن للقمة المعقودة لمناقشة الأوضاع الاقتصادية لعالمنا العربي أن تتجاهل الأوضاع في غزة، ولا يجب أن يحدث ذلك. ما هو المطلوب إذن في القمة الاقسياسية. على الصعيد السياسي مطلوب من القمة رأب الصدع العربي وترك الخلافات جانبا وخلق مناخ للوحدة السياسية الفعالة للدول العربية في مواجهة الهمجية الإسرائيلية، واستخدام كافة الأوراق للضغط الدولي على إسرائيل للانصياع للقرارات الدولية فيما يتعلق بوقف عدوانها على غزة، وتقديم كافة أشكال الدعم لإعادة إعمار القطاع، وبحث سبل عدم تكرار ما حدث للقطاع في ظل مبادرة عربية جادة.
على الصعيد الاقتصادي هناك أجندة مليئة بالموضوعات، أهمها التعليم وهجرة العقول ومعالجة مشكلة البطالة ودعم دور القطاع الخاص وربط الطرق والربط الكهربائي ومشكلة المياه. إلا أن ما أثار انزعاجي هو إدراج موضوع الاتحاد الجمركي بين الدول العربية على جدول أعمال القمة، في إشارة إلى إمكانية إقرار القمة للاتحاد الجمركي العربي. مما لا شك فيه أنني أؤيد أية خطوة تجمع الدول العربية اقتصاديا وتزيد من مستويات التعاون الاقتصادي بينها شريطة أن تكون تك الخطوة قابلة للتطبيق أو أن تكون الأرضية مهيأة لإطلاقها. كلنا يعلم أن الدول العربية قد وقعت على اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى في عام 1996. وحتى الآن ما زالت تلك الاتفاقية تواجه العديد من الصعوبات ولم تتحول بعد إلى مشروع نراه على أرض الواقع. فما زال هناك الكثير من الخطوات التي يجب أن تتخذ فيما يتعلق بتوحيد التعريفة الجمركية البينية بين الدول العربية والاتفاق على تعريف محدد لمنشأ السلع .. الخ. في ظل هذا الوضع فان إقرار الاتحاد الجمركي العربي قبل الانتهاء من تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سوف يكون خطأ كبيرا، لان الاتحاد الجمركي بين الدول العربية يصعب، أو ربما يستحيل تنفيذه في الظروف الحالية للدول العربية المختلفة حيث تختلف الأنظمة الاقتصادية فيما بينها بالشكل الذي يستحيل معه قيام اتحاد جمركي فيما بينها.
ما هو الفرق بين منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي. منطقة التجارة الحرة هي اتفاقية بين مجموعة من الدول توافق على إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات التي تتدفق فيما بينها، بالإضافة إلى ذلك فإنها توافق على إلغاء كافة القيود الأخرى التي تعيق التبادل التجاري فيما بينها مثل الحصص الكمية وأشكال التفضيل المختلفة، على كافة السلع والخدمات. ويفترض في هذه الدول أن تكون هياكل اقتصادياتها متكاملة وليست متنافسة. والدول العربية من هذا المنطلق يمكن أن تمثل حالة ممكنة لقيام منطقة تجارة حرة. الأمر الواجب الإشارة إليه هو انه في ظل اتفاقية التجارة الحرة يسمح لكل دول بالإبقاء على نظام الرسوم الجمركية الخاص بها بالنسبة للسلع التي يتم استيرادها من خارج دول المنطقة.
الاتحاد الجمركي هو منطقة للتجارة الحرة ولكن بمقتضى اتفاقية الاتحاد يتم توحيد التعريفة الجمركية الخارجية للدول الأعضاء بحيث تصبح التعريفة الجمركية على السلع التي يتم استيرادها من الخارج موحدة في جميع دول الاتحاد. فضلا عن ذلك تتبنى الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي سياسة تجارية مشتركة، مع السماح في بعض الأحيان للدول الأعضاء باستخدام نظام حصص الاستيراد الخاص بها. وبشكل عام ينظر إلى الدول التي تشكل اتحادا جمركيا على أنها تشكل تحالفا تجاريا فيما بينها. باختصار فانه في ظل الاتحاد الجمركي يتم إلغاء الرسوم الجمركية على السلع التي يتم استيرادها من دول الاتحاد، ثم توحيد الرسوم الجمركية على السلع التي تستوردها دول الاتحاد من خارج دول الاتحاد.
الاتحاد الجمركي مرشح للنجاح بين دول تتشابه في نظمها وفلسفتها الاقتصادية، حتى يسهل تبني تعريفة جمركية موحدة. والدول العربية تختلف نظمها وفلسفتها الاقتصادية بشكل بين، من دول تتبع فلسفة الاقتصاد الحر وتنخفض التعريفة الجمركية فيها إلى مستويات دنيا، مثل دول الخليج، ودول تتبع سياسة حماية تجارية قوية لدرجة أن الرسوم الجمركية تمثل احد المصادر الرئيسية للإيرادات العامة للدولة بسبب ارتفاع مستوياتها. كيف يمكن التوفيق بين الحالتين. من المستحيل أن توافق مصر مثلا على أن تخفض رسومها الجمركية إلى مستوى 5% مثلا لتتوافق بذلك مع مستويات التعريفة الجمركية الموحدة لدول مجلس التعاون، حيث أن ذلك سوف يحمل أثارا سلبية على إيراداتها العامة ومستويات الحماية التي توفرها لصناعتها المحلية. من ناحية اخرى فان دول الخليج لا يمكن ان تقبل بمستويات مرتفعة للتعريفة الجمركية لكي تصل الى حل وسط مع مستويات التعريفة الجمركية في باقي الدول العربية، لأن ذلك سوف يعني ارتفاع معدلات التضخم بها والتأثير سلبا على رفاهية المستهلكين بسبب ارتفاع المكون الاستيرادي في الاستهلاك المحلي. لذا أكاد أجزم بان الاتحاد الجمركي العربي إذا ما تم إقراره، فان ذلك سوف يعد بمثابة إقرار لمشروع ميت.
ما هو المطلوب من القمة إذن؟ المطلوب من القمة أن تكون واقعية في القرارات التي تتخذها، وان يتم اتخاذ تلك القرارات بعد دراسات متأنية تبتعد عن الشعارات الجوفاء ولا تسير وراء العاطفة وتدرس حالة كل دولة على حده وإمكانية انضمامها بنجاح لأي مشروع سوف يتم الاتفاق عليه، وبحث العوائق التي تمنعها من ذلك، وكيف يمكن التغلب على تلك العوائق، واقتراح الصيغ البديلة للتعامل مع الواقع. نجاح التعاون الاقتصادي العربي يقتضي إذن توافر خطط متأنية قائمة على الواقع، حتى لا تتحول تلك الاتفاقيات إلى مجلدات توضع على ارفف جامعة الدول العربية مثل ما سبقها من خطوات غير مدروسة مثل مشروع السوق العربية المشتركة. مطلوب إذن من القمة التأني وألا تسير وراء الشعارات التي لا تجد لها صدى على ارض الواقع وان تتعامل مع التعاون الاقتصادي العربية بصورة أكثر واقعية آخذة بعين الاعتبار طبيعة القيود الحالية، وسبل التخفيف من آثارها.
بدلا من إقرار الاتحاد الجمركي مطلوب من القمة تحديد مجموعة من المشاريع الإنتاجية والخدمية العربية التي يمكن أن تساعد على دعم أجهزة الإنتاج العربية وتعميق مستويات التجارة فيما بينها. وتوطين تلك المشروعات حسب المزايا النسبية التي تمتلكها الدول العربية في كل مشروع على حده. مستفيدين في ذلك من الوفرة المالية الحالية للدول النفطية العربية لتمويل الجانب الأكبر من تلك المشروعات.
مطلوب أيضا تكرار مثل هذه اللقاءات على نحو دوري، يفضل بشكل سنوي، حتى تتاح للعرب مناقشة مشكلاتهم الاقتصادية على مستوى قمة، وبحث السبل لمواجهة تلك المشكلات والتخفيف من آثارها. المقترح الحالي هو أن تكون لقاءات القمة الاقتصادية العربية كل 3 سنوات، وهي فترة أراها بعيدة جدا، واقترح أن تعقد تلك اللقاءات بشكل سنوي لتمكين القادة العرب من التحاور على أساس دوري لحل مشكلاتنا الاقتصادية العربية.
للأسف صاحب توقيت عقد القمة حدوث العدوان الإسرائيلي على غزة وعدم انصياع إسرائيل للمطالبات الدولية بوقف عدوانها على القطاع، وقد فشلت المحاولات لعقد قمة عربية في الأيام الأولى للأزمة نظرا لضعف النتائج المتوقع الحصول عليها منها في ظل الأوضاع الدولية والعربية السائدة حاليا، واحتمال أن تنتهي القمة العربية ببيان شجب ودعوة إسرائيل للانسحاب، وهو ما يمكن القيام به بدون قمة. قبل أيام معدودة من عقد القمة الاقتصادية في الكويت دعت قطر الدول العربية إلى عقد قمة استثنائية في قطر، وعلى الرغم من تأكيد الدول العربية الكبرى أنه ليس هناك حاجة لتلك القمة لأنه من الممكن مناقشة الموضوع على هامش قمة الكويت الاقتصادية، خصوصا وانه من المتوقع حضور معظم القادة العرب في قمة الكويت، إلا أن قطر أصرت على موقفها في عقد القمة، ولما لم تجد النصاب الكافي لعقدها دعت قطر من وافق من الدول العربية لحضور قمة الدوحة، ثم في خطوة غير مسبوقة دعت قطر الرئيس الإيراني للحضور، وهو ما عني ضمنا عدم تمكن الإمارات من حضور تلك القمة. وقد كان من الأفضل إلا تعقد القمة، لان غياب مصر والسعودية عن حضور القمة وتفضيلهما تأجيل المناقشة لقمة الكويت سوف لن يؤدي إلى حدوث أي نتائج ايجابية لهذه القمة، خصوصا على نطاق الدعم السياسي والاقتصادي الفاعل لغزة. ماذا حدث في القمة القطرية؟ كالعادة تم إلقاء الكلمات والخروج ببيان ختامي يدعو إسرائيل لوقف العدوان. من الناحية الواقعية لم يكن للقمة أي تأثير على الأرض لضعف الوزن الذي مثلته القمة، خصوصا في ظل عدم حضور مصر همزة الوصل مع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية صاحبة النفوذ الأقوى في الخليج، والرئيس عباس ممثل السلطة الفلسطينية، ومن ثم خرجت القمة بخفي حنين.
إصرار قطر على عقد القمة على أراضيها، وعدم الانتظار لقمة الكويت التي أكد الجميع أنهم سوف يجنبون جزءا من جدول القمة الاقتصادية لمناقشة موضوع العدوان على غزة فيها، أثار الكثير من التساؤلات، ولكن من المؤكد أن عقد القمة، في ظل اعتذار العديد من الدول العربية عن الحضور وتفضيلهم الانتظار لقمة الكويت قد أدى إلى اهتزاز الإجماع العربي والذي كان من الممكن أن يصل إلى أقصى مستوياته إذا لم تعقد قمة الدوحة، وتم الاكتفاء بقمة الكويت. صفحة القمة القطرية قد انطوت للأسف دون التوصل إلى أي شيء يساعد غزة، أو في دعمها اقتصاديا وتقديم ضمانات بإعادة إعمار ما دمرته الحملة الإسرائيلية عليها. أهم ما تم هو إعلان قطر وموريتانيا عن وقف علاقاتهما مع الكيان الصهيوني، ولكن هل تمثل تلك القرارات شيئا بالنسبة لإسرائيل؟ واقع الحال يقول لا .
الفشل العربي في قمة قطر بدلا من أن يضعف قمة الكويت، أدى إلى إضفاء المزيد من الزخم لهذه القمة حيث ألقي عليها المزيد من الأعباء نحو ضرورة مواجهة الأوضاع العربية الحالية، ولذلك أفضل أن أسميها قمة الكويت الاقسياسية، فلا يمكن للقمة المعقودة لمناقشة الأوضاع الاقتصادية لعالمنا العربي أن تتجاهل الأوضاع في غزة، ولا يجب أن يحدث ذلك. ما هو المطلوب إذن في القمة الاقسياسية. على الصعيد السياسي مطلوب من القمة رأب الصدع العربي وترك الخلافات جانبا وخلق مناخ للوحدة السياسية الفعالة للدول العربية في مواجهة الهمجية الإسرائيلية، واستخدام كافة الأوراق للضغط الدولي على إسرائيل للانصياع للقرارات الدولية فيما يتعلق بوقف عدوانها على غزة، وتقديم كافة أشكال الدعم لإعادة إعمار القطاع، وبحث سبل عدم تكرار ما حدث للقطاع في ظل مبادرة عربية جادة.
على الصعيد الاقتصادي هناك أجندة مليئة بالموضوعات، أهمها التعليم وهجرة العقول ومعالجة مشكلة البطالة ودعم دور القطاع الخاص وربط الطرق والربط الكهربائي ومشكلة المياه. إلا أن ما أثار انزعاجي هو إدراج موضوع الاتحاد الجمركي بين الدول العربية على جدول أعمال القمة، في إشارة إلى إمكانية إقرار القمة للاتحاد الجمركي العربي. مما لا شك فيه أنني أؤيد أية خطوة تجمع الدول العربية اقتصاديا وتزيد من مستويات التعاون الاقتصادي بينها شريطة أن تكون تك الخطوة قابلة للتطبيق أو أن تكون الأرضية مهيأة لإطلاقها. كلنا يعلم أن الدول العربية قد وقعت على اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى في عام 1996. وحتى الآن ما زالت تلك الاتفاقية تواجه العديد من الصعوبات ولم تتحول بعد إلى مشروع نراه على أرض الواقع. فما زال هناك الكثير من الخطوات التي يجب أن تتخذ فيما يتعلق بتوحيد التعريفة الجمركية البينية بين الدول العربية والاتفاق على تعريف محدد لمنشأ السلع .. الخ. في ظل هذا الوضع فان إقرار الاتحاد الجمركي العربي قبل الانتهاء من تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سوف يكون خطأ كبيرا، لان الاتحاد الجمركي بين الدول العربية يصعب، أو ربما يستحيل تنفيذه في الظروف الحالية للدول العربية المختلفة حيث تختلف الأنظمة الاقتصادية فيما بينها بالشكل الذي يستحيل معه قيام اتحاد جمركي فيما بينها.
ما هو الفرق بين منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي. منطقة التجارة الحرة هي اتفاقية بين مجموعة من الدول توافق على إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات التي تتدفق فيما بينها، بالإضافة إلى ذلك فإنها توافق على إلغاء كافة القيود الأخرى التي تعيق التبادل التجاري فيما بينها مثل الحصص الكمية وأشكال التفضيل المختلفة، على كافة السلع والخدمات. ويفترض في هذه الدول أن تكون هياكل اقتصادياتها متكاملة وليست متنافسة. والدول العربية من هذا المنطلق يمكن أن تمثل حالة ممكنة لقيام منطقة تجارة حرة. الأمر الواجب الإشارة إليه هو انه في ظل اتفاقية التجارة الحرة يسمح لكل دول بالإبقاء على نظام الرسوم الجمركية الخاص بها بالنسبة للسلع التي يتم استيرادها من خارج دول المنطقة.
الاتحاد الجمركي هو منطقة للتجارة الحرة ولكن بمقتضى اتفاقية الاتحاد يتم توحيد التعريفة الجمركية الخارجية للدول الأعضاء بحيث تصبح التعريفة الجمركية على السلع التي يتم استيرادها من الخارج موحدة في جميع دول الاتحاد. فضلا عن ذلك تتبنى الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي سياسة تجارية مشتركة، مع السماح في بعض الأحيان للدول الأعضاء باستخدام نظام حصص الاستيراد الخاص بها. وبشكل عام ينظر إلى الدول التي تشكل اتحادا جمركيا على أنها تشكل تحالفا تجاريا فيما بينها. باختصار فانه في ظل الاتحاد الجمركي يتم إلغاء الرسوم الجمركية على السلع التي يتم استيرادها من دول الاتحاد، ثم توحيد الرسوم الجمركية على السلع التي تستوردها دول الاتحاد من خارج دول الاتحاد.
الاتحاد الجمركي مرشح للنجاح بين دول تتشابه في نظمها وفلسفتها الاقتصادية، حتى يسهل تبني تعريفة جمركية موحدة. والدول العربية تختلف نظمها وفلسفتها الاقتصادية بشكل بين، من دول تتبع فلسفة الاقتصاد الحر وتنخفض التعريفة الجمركية فيها إلى مستويات دنيا، مثل دول الخليج، ودول تتبع سياسة حماية تجارية قوية لدرجة أن الرسوم الجمركية تمثل احد المصادر الرئيسية للإيرادات العامة للدولة بسبب ارتفاع مستوياتها. كيف يمكن التوفيق بين الحالتين. من المستحيل أن توافق مصر مثلا على أن تخفض رسومها الجمركية إلى مستوى 5% مثلا لتتوافق بذلك مع مستويات التعريفة الجمركية الموحدة لدول مجلس التعاون، حيث أن ذلك سوف يحمل أثارا سلبية على إيراداتها العامة ومستويات الحماية التي توفرها لصناعتها المحلية. من ناحية اخرى فان دول الخليج لا يمكن ان تقبل بمستويات مرتفعة للتعريفة الجمركية لكي تصل الى حل وسط مع مستويات التعريفة الجمركية في باقي الدول العربية، لأن ذلك سوف يعني ارتفاع معدلات التضخم بها والتأثير سلبا على رفاهية المستهلكين بسبب ارتفاع المكون الاستيرادي في الاستهلاك المحلي. لذا أكاد أجزم بان الاتحاد الجمركي العربي إذا ما تم إقراره، فان ذلك سوف يعد بمثابة إقرار لمشروع ميت.
ما هو المطلوب من القمة إذن؟ المطلوب من القمة أن تكون واقعية في القرارات التي تتخذها، وان يتم اتخاذ تلك القرارات بعد دراسات متأنية تبتعد عن الشعارات الجوفاء ولا تسير وراء العاطفة وتدرس حالة كل دولة على حده وإمكانية انضمامها بنجاح لأي مشروع سوف يتم الاتفاق عليه، وبحث العوائق التي تمنعها من ذلك، وكيف يمكن التغلب على تلك العوائق، واقتراح الصيغ البديلة للتعامل مع الواقع. نجاح التعاون الاقتصادي العربي يقتضي إذن توافر خطط متأنية قائمة على الواقع، حتى لا تتحول تلك الاتفاقيات إلى مجلدات توضع على ارفف جامعة الدول العربية مثل ما سبقها من خطوات غير مدروسة مثل مشروع السوق العربية المشتركة. مطلوب إذن من القمة التأني وألا تسير وراء الشعارات التي لا تجد لها صدى على ارض الواقع وان تتعامل مع التعاون الاقتصادي العربية بصورة أكثر واقعية آخذة بعين الاعتبار طبيعة القيود الحالية، وسبل التخفيف من آثارها.
بدلا من إقرار الاتحاد الجمركي مطلوب من القمة تحديد مجموعة من المشاريع الإنتاجية والخدمية العربية التي يمكن أن تساعد على دعم أجهزة الإنتاج العربية وتعميق مستويات التجارة فيما بينها. وتوطين تلك المشروعات حسب المزايا النسبية التي تمتلكها الدول العربية في كل مشروع على حده. مستفيدين في ذلك من الوفرة المالية الحالية للدول النفطية العربية لتمويل الجانب الأكبر من تلك المشروعات.
مطلوب أيضا تكرار مثل هذه اللقاءات على نحو دوري، يفضل بشكل سنوي، حتى تتاح للعرب مناقشة مشكلاتهم الاقتصادية على مستوى قمة، وبحث السبل لمواجهة تلك المشكلات والتخفيف من آثارها. المقترح الحالي هو أن تكون لقاءات القمة الاقتصادية العربية كل 3 سنوات، وهي فترة أراها بعيدة جدا، واقترح أن تعقد تلك اللقاءات بشكل سنوي لتمكين القادة العرب من التحاور على أساس دوري لحل مشكلاتنا الاقتصادية العربية.
في الحقيقة لم اسمع مسبقا بالقمة الاقتصاديه، واظن انها ماجاءت لولا مبادرة الكويت .. ولا اظن ان ماوراء هذا النوع من المؤتمرات رؤية اقتصادية بل وحتى من خلال تفعيل دور الكويت في جامعة الدول.. هناك مغزى سياسي، لزيادة التواجد الكويتي على الساحة العربية بعد غياب واضح لدور السياسة الخارجية وعدم مقدرتها على اثبات نفسها مع القوى الاقليمية الاخرى.. كالسعودية وسوريا ومصر.. وحتى قطر.
ردحذفلذلك فان الحاجة الى تفعيل المؤتمرات الاقتصادية، يجب ان يصاحبه الى تغيير جذري في سياسات العمل وثورة في المشاريع تنعكس بشكل مباشر غلى الشعوب.. حتى تتابعها الشعوب وتنتقدها وتنشغل بها كونها المؤثر الاساسي لمسيرة حياتهم، كما هو الحاصل في الاتحاد الاوروبي عندما يعلن عن انشاء شركة ما او مشروع ما.. او تقليل ضريبة ما.
المؤشرات الاقتصادية العربية تحتاج الى تنشيط والى احياء وزيادة وعي كذلك، حتى يبتعد عنا الدافع الاتكالي والاعتماد على المساعدات الخارجية وتتحق بعدها الوحدة السياسية والاستقرار العربي .. وبعدها ستلعب دورا مهما في توجيه القرارات المصيرية.
ان السلاح الاقتصادي سيكون فعال لو خرج من ارفف الاستحواذ الامريكي في المنطقة.. واصبح بيد الدول العربية، حتى مشكلة غزة.. لها بعد اقتصادي ولا يسع المقام لذكره.
وشكرا على المقالة المتميزة.
لذلك
شكرا استاذ حمام على تعليقك.
ردحذفنعم القمة الاقتصادية العربية تعقد لأول مرة بمبادرة حميدة من الكويت، وهي سنة حسنة، أتمنى أن تستمر عليها تلك الدول وتعقد مثل هذه اللقاءات بشكل سنوي. كما ذكرت، لن يكون للدول العربية أي وزن دولي، ولن يكون لها صوت مسموع دوليا الا عندما تصبح قوة اقتصادية ضاربة. للأسف نحن نملك المكونات الاساسية للانطلاق نحو تلك القوة الاقتصادية، الا أننا لا نتعاون فيما بيننا بالمستوى الذي يمكننا من تحقيق ذلك. فمازالت نظمنا السياسية والاقتصادية متباينة بشكل واضح جدا لدرجة أنها تمنعنا من أن نشكل أي تكتل اقتصادي ناجح. حتى يحذث ذلك نحتاج كما ذكرت الى ثورة في المشاريع الانتاجية المشتركة بين الدول العربية، ربما تساعد هذه المشروعات على ربط أقوى للمصالح بين تلك الدول حتى تقرر ان تزيل الاختلافات بين نظمها الاقتصادية لتصبح جاهزة لأن تشكل تكتل اقتصادي فعال يمكنها من أن يكون لها صوت مسموع على الساحة الدولية.
شكرا يادكتور على هذا المقال الرائع ، كان بالود ان تقام هذه القمة الاقتصادية في اوضاع غير الاوضاع الحالية التي طغت عليها احداث غزة ، ولكن رب ضارة نافعة ، فالدور الذي لعبته الكويت في تنقية الاجواء العربية هي خطوة اولى ناجحة ان اردنا اصلاحا وتنمية عربية اقتصادية وسياسية ، ونسأل الله أن يبارك للكويت هذه الخطوة ونرى نجاحات عربية في جميع الجوانب
ردحذفشكرا على الملاحظة الهامة،
ردحذفللأسف كان من المفضل ان يخصص كل وقت القمة لمعالجة التعاون الاقتصادي العربي، لكن لسوء الحظ تم عقد القمة في ظل هذه الاحداث المؤسفة، لكن من المؤكد انه حتى الان حققت القمة نجاحا باهرا في لم شمل الصف العربي، وهو ما يرجع الى حكمة حضرة صاحب السمو حفظه الله، ولا يمكن اهمال دور الكويت في هذا المجال، حيث انطلقت من أرضها عملية المصالحة العربية وتنقية تلك الاجواء. كذلك لا بد من ذكر جهود خادم الحرمين الشريفين. تلك النتيجة في رأيي أهم نتائج القمة، فمن المؤكد ان التعاون يحتاج اولا الى نفوس صافية ورغبة اصيلة في التكاتف لمواجهة التحديات التي تعصف بالأمة، وقد سعدت كثيرا حينما رأيت الصورة التي تجمع القادة العرب الذين كان يشاع ان بينهم خلافات. الحمد لله، بلا شك القمة حتى الآن ناجحة جدا على الصعيد السياسي، ونحن في انتظار البيان الختامي حول ما تم الاتفاق عليه في الجوانب الاقتصادية.
وشكرا على متابعتك.