كنت قد قرأت في بداية هذا الشهر مقالة Armen V Papazian حول إمكانية أن يساعد الإصلاح النقدي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الاقتصاد الأمريكي نحو الانتعاش والخروج من الأزمة الحالية، (أنظر http://www.business24-7.ae/Articles/2009/1/Pages/01012009_b842340db2a84cdf8da4dc6e5a69b53d.aspx) وقد لفت نظري الأخطاء الكبيرة في التحليل الذي قدمه الكاتب، وفي الصورة السطحية جدا التي رسمها عن واقع عمل النظم النقدية في دول مجلس التعاون، وشطط المقترحات التي ساقها الكاتب، فضلا عن بعدها عن الواقع. غير أنني فوجئت بنشر الموضوع في القبس بتاريخ 17/1/2009 بعنوان " كيف يمكن للإصلاحات النقدية في الخليج أن تدعم انتعاش الاقتصاد الأميركي؟" لذا رأيت أنه من الضروري تصحيح الصورة بالرد على المقال وتصحيح بعض المفاهيم التي وردت به، فضلا عن بيان خطورة إتباع المقترح الذي ساقه الكاتب. وتنبغي الإشارة إلى أن هذه الملاحظات قائمة أساسا على المقال الأصلي للكاتب (انظر العنوان الالكتروني أعلاه).
خلاصة مقال الكاتب هو أن دول مجلس التعاون تحتفظ حاليا باحتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي (دولار أمريكي) تستخدمها (بالإضافة إلى قدر قليل من الذهب) في تغطية الإصدار النقدي بها، وذلك نتيجة لنظام معدل الصرف الأجنبي الذي تتبعه دول المجلس بربط عملاتها بالدولار الأمريكي، والذي يطلق عليه الكاتب قاعدة الدولار. وانه من الممكن من خلال الإصلاح النقدي بإلغاء النظام الحالي القائم على استخدام الاحتياطيات الدولارية، واستبدال تلك الاحتياطيات بسندات حكومية تصدرها الحكومات الخليجية بعملاتها المحلية لتستخدم بدلا من الاحتياطيات الدولارية كغطاء للعملات المحلية التي يتم إصدارها، ثم تقوم الحكومات باستثمار الاحتياطي الدولاري لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يساعد على إنعاش الاقتصاد الأمريكي ومن ثم خروجه من أزمته الحالية. ومما لا شك فيه أن هذا المقترح يقتضي ضرورة تعديل نظام معدل الصرف الأجنبي في هذه الدول من النظام القائم على التثبيت بالدولار الأمريكي، حيث يقترح الكاتب اللجوء إلى نظام التعويم المدار. هذه ببساطة خلاصة المقال. وكما أسلفت فان المقال يحتوي على قدر هائل من الأخطاء العلمية فضلا عن عدم الحاجة إلى المقترح الذي ساقه الكاتب أساسا لأنه مطبق إلى حد كبير بالفعل، بالإضافة إلى خطورة استبدال النظام الحالي في تغطية عملية الإصدار النقدي في دول مجلس التعاون. وفيما يلي الملاحظات على المقال:
الملاحظة الأولى، من قال أن دول مجلس التعاون في حاجة إلى القيام بإصلاحات نقدية فيما يتعلق بنظم الإصدار النقدي وعرض النقود فيها، وما هو الخطأ في النظم الحالية لإصدار النقود في دول المجلس. من الناحية الواقعية ليس هناك أي مشكلة على الإطلاق في النظم الحالية، وهي تتم وفقا للنظم العلمية المتعارف عليها في هذا المجال، فضلا عن ذلك فان نظم عرض النقود في دول المجلس تتسم بالاستقرار الشديد والذي ينعكس في صورة عملات مستقرة وقوية، ومن الناحية العملية فان عملات دول مجلس التعاون تعد أكثر عملات هذا العالم استقرارا، ومما لا شك فيه ان تلك الحقيقة تعكس جودة نظم إصدار وعرض النقود في تلك الدول، ومن ثم فإنها ليست في حاجة إلى الإصلاح كما يوحي المقال.
الملاحظة الثانية: من قال أن احتياطي البنوك المركزية من النقد الأجنبي يتم الاحتفاظ بها في صورة سائلة ولا يتم استثمارها، بحيث يقترح الكاتب أن يتم استبدالها بسندات حكومية لاستثمار تلك الاحتياطيات في الولايات المتحدة الأمريكية. أن مقترح الكاتب يعد تصور سطحي جدا لعملية الإصدار النقدي. فالاحتياطيات الخارجية للبنوك المركزية بالدلاور الأمريكي ليست كلها سائلة، أن القدر الأكبر من تلك الاحتياطيات عبارة عن أذون خزانة قصيرة الأجل، معنى ذلك أن احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية عبارة عن جزأين جزء سائل وهو الأقل، والباقي عبارة عن أذون خزانة بالعملات التي يتم الاحتفاظ بها. ذلك أن احتفاظ البنوك المركزية في دول المجلس باحتياطياتها الخارجية في صورة سائلة يؤدي إلى خسارتين؛ الأولى هي خسارة الفوائد التي يمكن تحقيقها من استثمار هذه الاحتياطيات في أدوات قصيرة الأجل، مثل اذونات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، أما الخسارة الثانية فهي التكلفة الضخمة لعملية نقل وتخزين هذه المليارات من الدولارات في صورة سائلة، ولا يوجد في العالم بنك مركزي يفعل ذلك. إن قيام البنوك المركزية باستثمار احتياطياتها الخارجية من خلال شراء أذون خزانة قصيرة الأجل للبنوك المركزية صاحبة العملات التي تحتفظ بها يحقق فائدتين للبنك المركزي، الأولى هي العائد على هذه الأذون، والثانية هي السيولة، حيث يسهل تحويل تلك الأذون إلى صورة سائلة بسرعة وبتكلفة منخفضة في حال الحاجة الطارئة إلى تلك الاحتياطيات. معنى ذلك أن ما يسعى الكاتب إلى اقتراحه من خلال تحرير تلك الاحتياطيات واستثمارها في الاقتصاد الأمريكي هو مطبق بالفعل، ولكن في صورة استثمارات قصيرة الأجل، أي أنها تذهب إلى الولايات المتحدة بشكل ما، وليس كما يتصور الكاتب.
الملاحظة الثالثة، يقترح الكاتب أن تتم تغطية العملات الخليجية فقط بالسندات الحكومية. تنبغي الإشارة إلى أن البنوك المركزية في الخليج تستخدم السندات الحكومية في تغطية جانب من عمليات الإصدار النقدي، حتى في تلك الدول التي لا تقوم فيها الحكومات عادة بالاقتراض، وذلك لتسهيل عمل النظام النقدي وتمكين البنوك فيها من الاقتراض من البنك المركزي، أو استخدام تلك السندات كرهون للقروض المتبادلة فيما بينها. إلا أن اقتراح أن يتم تغطية الإصدار بالكامل بالسندات الحكومية فانه يعد اقتراحا خطيرا، حيث يضع هذه العملات في مهب الريح. ذلك أن مصدر القوة الأساسي الذي تتمتع به العملات الخليجية حاليا هو هذه الاحتياطيات الضخمة من النقد الأجنبي التي تقف على أهبة الاستعداد للتدخل في أي وقت لحماية تلك العملات إذا ما طرأ من الإحداث ما يهدد تلك العملات في أسواق الصرف الأجنبي. ومن ثم تمثل تلك الاحتياطيات صمام الأمان للبنوك المركزية للدفاع عن عملاتها. أما عندما يتم تغطية تلك العملات بالكامل بالسندات الحكومية، فإن أي تراجع للإيرادات النفطية أو أي عجز في الميزانية العامة لتلك الدول سوف يصحبه انخفاض في قيمة تلك العملات، نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للغطاء التي ستنتج عن زيادة عمليات إصدار السندات الحكومية لتغطية العجز في الميزانية.
الملاحظة الرابعة: أن استخدام السندات الحكومية فقط لتغطية العملات الوطنية قد يغري حكومات تلك الدول بالإفراط في إصدار تلك السندات، بصفة خاصة في أوقات تراجع الإيرادات من النفط، خصوصا وان تلك الدول لا يوجد لديها نظام ضريبي يمكنها من تغطية القدر الأكبر من إنفاقها من خلال الضرائب على المبادلات التي تتم في الاقتصاد الوطني، وهو ما يؤدي إلى تشجيع الضغوط التضخمية ومن ثم عدم الاستقرار النقدي.
الملاحظة الخامسة، يقترح الكاتب استبدال نظام معدل الصرف الأجنبي الحالي من نظام التثبيت بالدولار الأمريكي إلى نظام التعويم المدار. ونظام التعويم المدار يقوم على أساس أن تترك الدوله معدل صرف عملتها حرا وفقا لقوى العرض والطلب حتى حد معين (ارتفاعا أو انخفاضا) بعدها يتدخل البنك المركزي أساسا باستخدام احتياطياته من النقد الأجنبي لإعادة معدل الصرف إلى حدود التقلب المتفق عليها وفقا للنظام، فضلا عن تعديل معدل الفائدة. ويعني ذلك انه حتى وإذا تم استخدام نظام التعويم المدار، فان البنوك المركزية في تلك الدول لا بد وان تستمر في الاحتفاظ باحتياطيات من النقد الأجنبي، بغرض إدارة معدل الصرف والحد من الارتفاع المستمر فيه، أو الانخفاض المستمر فيه. فإذا ما تم تجريد البنوك المركزية في هذه الدول من تلك الاحتياطيات فان الأمر مرشح لانهيار تلك العملات في حال أخذت تلك العملات في التراجع دون تدخل لوقف هذا التراجع. من ناحية أخرى وهذا هو الأهم فان التعويم المدار يتطلب شروطا أساسية لنجاحه ليست متوفرة في دول المجلس.
الملاحظة السادسة: يشعر القارئ للمقال أن الكاتب يقترح أن تقوم دول المجلس بتدوير إيراداتها النفطية مباشرة إلى الاقتصاد الأمريكي، حيث يقول بالنص "إذا تم إجراء إصلاحات هيكلية فان إيرادات الحكومات من البترودولارز يمكن تحويلها بشكل مباشر نحو الاستثمارات المباشرة في الأصول المقومة بالعملات الأجنبية، بصفة خاصة الأصول الأمريكية" إذا اتبعت دول الخليج هذا الاقتراح الساذج، فمن أين لها أن تمول إنفاقها العام، خاصة وانه ليس لديها نظام ضريبي يمكنها من تمويل جانب من إنفاقها العام بعيدا عن إيرادات البترودولارز. ببساطة يقترح الكاتب أن تمول الحكومات إنفاقها المحلي من خلال الاقتراض، فإذا كان الإنفاق الحكومي هو المكون الأكبر من مكونات الإنفاق الكلي، فلمن تبيع الحكومة هذه السندات. إذا طبقت حكومات دول المجلس هذا المقترح، فضلا عن عدم إمكانية تطبيقه من الناحية العملية، فلن يبقي في نظمها المالية أي مدخرات قابلة للإقراض لأي قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني.
الملاحظة السابعة: أنه بفرض قيام البنوك المركزية في دول الخليج باستخدام احتياطياتها السائلة من الدلاور للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، فان حجم تلك الاحتياطيات السائلة مجتمعة لا يمثل هذا القدر الجوهري الذي يتصوره الكاتب، وسوف يكون بمثابة نقطة مياه في محيط هائل هو الاقتصاد الأمريكي.
ملاحظة أخيرة، ورد في المقال الذي نشرته القبس عبارة "وفي الوقت الذي يتم دعم إصدار العملات المحلية بالسندات المحلية، وعندما يطفو معدل الصرف يمكن عندئذ للاحتياطيات الأجنبية في البنوك المركزية الموجودة أن تنتشر بشكل تكون فيه أكثر إنتاجية" وهي ترجمة خاطئة للعبارة الأصلية في المقال، وصحة الجملة هي "عندما يتم إصدار العملات المحلية بغطاء من السندات المحلية، وعندما يتم إتباع نظام التعويم المدار لمعدل الصرف، فان احتياطي البنوك المركزية يمكن استخدامها بصورة أكثر إنتاجية".
خلاصة مقال الكاتب هو أن دول مجلس التعاون تحتفظ حاليا باحتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي (دولار أمريكي) تستخدمها (بالإضافة إلى قدر قليل من الذهب) في تغطية الإصدار النقدي بها، وذلك نتيجة لنظام معدل الصرف الأجنبي الذي تتبعه دول المجلس بربط عملاتها بالدولار الأمريكي، والذي يطلق عليه الكاتب قاعدة الدولار. وانه من الممكن من خلال الإصلاح النقدي بإلغاء النظام الحالي القائم على استخدام الاحتياطيات الدولارية، واستبدال تلك الاحتياطيات بسندات حكومية تصدرها الحكومات الخليجية بعملاتها المحلية لتستخدم بدلا من الاحتياطيات الدولارية كغطاء للعملات المحلية التي يتم إصدارها، ثم تقوم الحكومات باستثمار الاحتياطي الدولاري لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يساعد على إنعاش الاقتصاد الأمريكي ومن ثم خروجه من أزمته الحالية. ومما لا شك فيه أن هذا المقترح يقتضي ضرورة تعديل نظام معدل الصرف الأجنبي في هذه الدول من النظام القائم على التثبيت بالدولار الأمريكي، حيث يقترح الكاتب اللجوء إلى نظام التعويم المدار. هذه ببساطة خلاصة المقال. وكما أسلفت فان المقال يحتوي على قدر هائل من الأخطاء العلمية فضلا عن عدم الحاجة إلى المقترح الذي ساقه الكاتب أساسا لأنه مطبق إلى حد كبير بالفعل، بالإضافة إلى خطورة استبدال النظام الحالي في تغطية عملية الإصدار النقدي في دول مجلس التعاون. وفيما يلي الملاحظات على المقال:
الملاحظة الأولى، من قال أن دول مجلس التعاون في حاجة إلى القيام بإصلاحات نقدية فيما يتعلق بنظم الإصدار النقدي وعرض النقود فيها، وما هو الخطأ في النظم الحالية لإصدار النقود في دول المجلس. من الناحية الواقعية ليس هناك أي مشكلة على الإطلاق في النظم الحالية، وهي تتم وفقا للنظم العلمية المتعارف عليها في هذا المجال، فضلا عن ذلك فان نظم عرض النقود في دول المجلس تتسم بالاستقرار الشديد والذي ينعكس في صورة عملات مستقرة وقوية، ومن الناحية العملية فان عملات دول مجلس التعاون تعد أكثر عملات هذا العالم استقرارا، ومما لا شك فيه ان تلك الحقيقة تعكس جودة نظم إصدار وعرض النقود في تلك الدول، ومن ثم فإنها ليست في حاجة إلى الإصلاح كما يوحي المقال.
الملاحظة الثانية: من قال أن احتياطي البنوك المركزية من النقد الأجنبي يتم الاحتفاظ بها في صورة سائلة ولا يتم استثمارها، بحيث يقترح الكاتب أن يتم استبدالها بسندات حكومية لاستثمار تلك الاحتياطيات في الولايات المتحدة الأمريكية. أن مقترح الكاتب يعد تصور سطحي جدا لعملية الإصدار النقدي. فالاحتياطيات الخارجية للبنوك المركزية بالدلاور الأمريكي ليست كلها سائلة، أن القدر الأكبر من تلك الاحتياطيات عبارة عن أذون خزانة قصيرة الأجل، معنى ذلك أن احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية عبارة عن جزأين جزء سائل وهو الأقل، والباقي عبارة عن أذون خزانة بالعملات التي يتم الاحتفاظ بها. ذلك أن احتفاظ البنوك المركزية في دول المجلس باحتياطياتها الخارجية في صورة سائلة يؤدي إلى خسارتين؛ الأولى هي خسارة الفوائد التي يمكن تحقيقها من استثمار هذه الاحتياطيات في أدوات قصيرة الأجل، مثل اذونات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، أما الخسارة الثانية فهي التكلفة الضخمة لعملية نقل وتخزين هذه المليارات من الدولارات في صورة سائلة، ولا يوجد في العالم بنك مركزي يفعل ذلك. إن قيام البنوك المركزية باستثمار احتياطياتها الخارجية من خلال شراء أذون خزانة قصيرة الأجل للبنوك المركزية صاحبة العملات التي تحتفظ بها يحقق فائدتين للبنك المركزي، الأولى هي العائد على هذه الأذون، والثانية هي السيولة، حيث يسهل تحويل تلك الأذون إلى صورة سائلة بسرعة وبتكلفة منخفضة في حال الحاجة الطارئة إلى تلك الاحتياطيات. معنى ذلك أن ما يسعى الكاتب إلى اقتراحه من خلال تحرير تلك الاحتياطيات واستثمارها في الاقتصاد الأمريكي هو مطبق بالفعل، ولكن في صورة استثمارات قصيرة الأجل، أي أنها تذهب إلى الولايات المتحدة بشكل ما، وليس كما يتصور الكاتب.
الملاحظة الثالثة، يقترح الكاتب أن تتم تغطية العملات الخليجية فقط بالسندات الحكومية. تنبغي الإشارة إلى أن البنوك المركزية في الخليج تستخدم السندات الحكومية في تغطية جانب من عمليات الإصدار النقدي، حتى في تلك الدول التي لا تقوم فيها الحكومات عادة بالاقتراض، وذلك لتسهيل عمل النظام النقدي وتمكين البنوك فيها من الاقتراض من البنك المركزي، أو استخدام تلك السندات كرهون للقروض المتبادلة فيما بينها. إلا أن اقتراح أن يتم تغطية الإصدار بالكامل بالسندات الحكومية فانه يعد اقتراحا خطيرا، حيث يضع هذه العملات في مهب الريح. ذلك أن مصدر القوة الأساسي الذي تتمتع به العملات الخليجية حاليا هو هذه الاحتياطيات الضخمة من النقد الأجنبي التي تقف على أهبة الاستعداد للتدخل في أي وقت لحماية تلك العملات إذا ما طرأ من الإحداث ما يهدد تلك العملات في أسواق الصرف الأجنبي. ومن ثم تمثل تلك الاحتياطيات صمام الأمان للبنوك المركزية للدفاع عن عملاتها. أما عندما يتم تغطية تلك العملات بالكامل بالسندات الحكومية، فإن أي تراجع للإيرادات النفطية أو أي عجز في الميزانية العامة لتلك الدول سوف يصحبه انخفاض في قيمة تلك العملات، نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للغطاء التي ستنتج عن زيادة عمليات إصدار السندات الحكومية لتغطية العجز في الميزانية.
الملاحظة الرابعة: أن استخدام السندات الحكومية فقط لتغطية العملات الوطنية قد يغري حكومات تلك الدول بالإفراط في إصدار تلك السندات، بصفة خاصة في أوقات تراجع الإيرادات من النفط، خصوصا وان تلك الدول لا يوجد لديها نظام ضريبي يمكنها من تغطية القدر الأكبر من إنفاقها من خلال الضرائب على المبادلات التي تتم في الاقتصاد الوطني، وهو ما يؤدي إلى تشجيع الضغوط التضخمية ومن ثم عدم الاستقرار النقدي.
الملاحظة الخامسة، يقترح الكاتب استبدال نظام معدل الصرف الأجنبي الحالي من نظام التثبيت بالدولار الأمريكي إلى نظام التعويم المدار. ونظام التعويم المدار يقوم على أساس أن تترك الدوله معدل صرف عملتها حرا وفقا لقوى العرض والطلب حتى حد معين (ارتفاعا أو انخفاضا) بعدها يتدخل البنك المركزي أساسا باستخدام احتياطياته من النقد الأجنبي لإعادة معدل الصرف إلى حدود التقلب المتفق عليها وفقا للنظام، فضلا عن تعديل معدل الفائدة. ويعني ذلك انه حتى وإذا تم استخدام نظام التعويم المدار، فان البنوك المركزية في تلك الدول لا بد وان تستمر في الاحتفاظ باحتياطيات من النقد الأجنبي، بغرض إدارة معدل الصرف والحد من الارتفاع المستمر فيه، أو الانخفاض المستمر فيه. فإذا ما تم تجريد البنوك المركزية في هذه الدول من تلك الاحتياطيات فان الأمر مرشح لانهيار تلك العملات في حال أخذت تلك العملات في التراجع دون تدخل لوقف هذا التراجع. من ناحية أخرى وهذا هو الأهم فان التعويم المدار يتطلب شروطا أساسية لنجاحه ليست متوفرة في دول المجلس.
الملاحظة السادسة: يشعر القارئ للمقال أن الكاتب يقترح أن تقوم دول المجلس بتدوير إيراداتها النفطية مباشرة إلى الاقتصاد الأمريكي، حيث يقول بالنص "إذا تم إجراء إصلاحات هيكلية فان إيرادات الحكومات من البترودولارز يمكن تحويلها بشكل مباشر نحو الاستثمارات المباشرة في الأصول المقومة بالعملات الأجنبية، بصفة خاصة الأصول الأمريكية" إذا اتبعت دول الخليج هذا الاقتراح الساذج، فمن أين لها أن تمول إنفاقها العام، خاصة وانه ليس لديها نظام ضريبي يمكنها من تمويل جانب من إنفاقها العام بعيدا عن إيرادات البترودولارز. ببساطة يقترح الكاتب أن تمول الحكومات إنفاقها المحلي من خلال الاقتراض، فإذا كان الإنفاق الحكومي هو المكون الأكبر من مكونات الإنفاق الكلي، فلمن تبيع الحكومة هذه السندات. إذا طبقت حكومات دول المجلس هذا المقترح، فضلا عن عدم إمكانية تطبيقه من الناحية العملية، فلن يبقي في نظمها المالية أي مدخرات قابلة للإقراض لأي قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني.
الملاحظة السابعة: أنه بفرض قيام البنوك المركزية في دول الخليج باستخدام احتياطياتها السائلة من الدلاور للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، فان حجم تلك الاحتياطيات السائلة مجتمعة لا يمثل هذا القدر الجوهري الذي يتصوره الكاتب، وسوف يكون بمثابة نقطة مياه في محيط هائل هو الاقتصاد الأمريكي.
ملاحظة أخيرة، ورد في المقال الذي نشرته القبس عبارة "وفي الوقت الذي يتم دعم إصدار العملات المحلية بالسندات المحلية، وعندما يطفو معدل الصرف يمكن عندئذ للاحتياطيات الأجنبية في البنوك المركزية الموجودة أن تنتشر بشكل تكون فيه أكثر إنتاجية" وهي ترجمة خاطئة للعبارة الأصلية في المقال، وصحة الجملة هي "عندما يتم إصدار العملات المحلية بغطاء من السندات المحلية، وعندما يتم إتباع نظام التعويم المدار لمعدل الصرف، فان احتياطي البنوك المركزية يمكن استخدامها بصورة أكثر إنتاجية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق