نشر هذا الموضوع في جريدة القبس بتاريخ الاربعاء 28/1/2009
الأزمة الاقتصادية العالمية التي يعيشها العالم تخالف حاليا كافة التخمينات حول تحسن أداء الاقتصاد العالمي في عام 2009، وتسير عكس التوقعات، حيث تتعمق آثار الأزمة التي سيواجهها العالم في العام القادم، وقد حذر رئيس صندوق النقد الدولي بأن الأفق الاقتصادي لمسار الأزمة أسوأ من أية توقعات سابقة تم نشرها حول سيناريوهات مسار نمو الاقتصاد العالمي. وكان صندوق النقد الدولي قد قام في 6 نوفمبر الماضي بتعديل لتوقعاته حول مسار النمو في الاقتصاد العالمي في عام 2009، حيث أشارت سيناريوهات النمو إلى أن أنه من المتوقع أن تنخفض معدلات النمو الاقتصادي العالمي نتيجة للأوضاع المالية العالمية في العالم أجمع من 5% عام 2007 إلى 2.2% فقط عام 2009. وأن هذا الانخفاض في معدلات النمو لن يسير على نفس الوتيرة بالنسبة للمجموعات المختلفة من دول العالم، حيث كان من المتوقع أن ينخفض معدل النمو في الدول المتقدمة من 2.6% عام 2007 إلى نمو سالب بمعدل -0.3% في عام 2009. وفي الولايات المتحدة كان من المتوقع انخفاضه من 2% عام 2007 إلى -0.7% عام 2009. أما في منطقة اليورو فقد كان سيناريو النمو هو أن يتناقص معدل النمو من 2.6% عام 2007 إلى -0.5%. أما أقل معدل للنمو في الدول الصناعية فقد كان متوقع حدوثه في المملكة المتحدة، -1.3% عام 2009، مقارنة بـ 3% عام 2007. من ناحية أخرى كانت توقعات صندوق النقد الدولي لمعدلات النمو في الاقتصاديات الناشئة والدول النامية أفضل حالا، حيث توقع أن ينخفض النمو في هاتين المجموعتين من الدول من 8% عام 2007 إلى 5.1% عام 2009، وبالنسبة للصين كان المسار المتوقع هو أن ينخفض معدل النمو من 11.9% إلى 8.5% على التوالي، وكذلك في الهند من 9.3% إلى 6.3% على التوالي، وفي الشرق الأوسط من 6% إلى 5.3%.
في يوم الأربعاء 21/1/2009 أعلن رئيس صندوق النقد الدولي أن الصندوق بصدد تعديل توقعاته حول مسارات النمو في الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة خلال ما يقل عن أربعة أشهر، وهو ما يعني أن الأزمة تتطور بشكل يفوق قدرتنا على التنبؤ بمساراتها، وأن التوقعات الاقتصادية حول مسارات نمو الاقتصاد العالمي قد ازدادت سوءا خلال الأشهر القليلة الماضية وأنه سوف يتم الكشف عن السيناريوهات الجديدة لمسارات النمو العالمي في 29 يناير القادم، وهي التوقعات التي وصفها رئيس صندوق النقد الدولي بالمتشائمة بشكل كبير. ومضمون تلك التوقعات أن العالم يواجه أزمة اقتصادية كبيرة، تتعمق آثارها مع تباطؤ معدلات النمو في الاقتصاديات المتقدمة وتمتد الآن إلى الأسواق الناشئة مثل الصين والهند ، والبرازيل، والى الدول النامية بشكل عام والتي يتوقع أن تشهد معدلات نمو منخفضة جدا بالمقارنة بالاتجاهات العامة للنمو في تلك الدول أخيرا. عام 2009 كما تشير التوقعات سوف يكون عاما سيئا للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي، وأنه ربما يشهد العالم تخفيف لضغوط الكساد في وقت ما في عام 2010.
ومع اشتداد تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يتوقع أن يزداد خطر الاضطرابات الاجتماعية في البلدان الأشد تضررا منها، ومن ثم قد ينعكس ذلك على درجات الاستقرار السياسي لبعض البلدان مع ارتفاع معدلات البطالة وانتشار ضغوط الكساد.
لقد نجح العالم بفضل التدخل الكثيف والمنسق للبنوك المركزية في تفادي مخاطر الانهيار التام للاقتصاد العالمي في سبتمبر الماضي. وكان صندوق النقد الدولي قد أفصح عن روشته لتوليفة الإجراءات اللازمة لاستعادة مسار النمو الاقتصادي في العالم مرة أخرى نحو الاتجاه الصحيح متضمنة:
- اتخاذ إجراءات لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية والعمل على توفير تدفقات الائتمان في جسد القطاع المالي مرة أخرى وبمستويات كافية.
- التحفيز المالي للاقتصاد من خلال السياسة المالية عن طريق الجمع بين زيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب لإنعاش مستويات الطلب الكلي ورفع مستويات الناتج ومن ثم تخفيض معدلات البطالة.
- توفير السيولة اللازمة، بصفة خاصة في الأسواق الناشئة للحد من الآثار الناجمة عن تدفقات رأس المال إلى الخارج على نطاق واسع نتيجة للأزمة المالية.
سياسات الاستقرار الاقتصادي في فترات الكساد يمكن تلخيصها في عبارة واحدة هي "مزيد من الإنفاق" كافة دول العالم المتقدمة والناشئة قد أعلنت خططا لزيادة معدلات إنفاقها العام، غير انه من الواضح أن مستويات الإنفاق العام الحالية في تلك الدول تقل بشكل واضح عن المستويات المطلوبة لمعالجة الأزمة، خاصة وأنه من المعلوم أن استجابة الاقتصاد للمزيد من الإنفاق العام تفوق استجابته للخفض المماثل في مستويات الضرائب، سواء من حيث الحجم أو السرعة.
ما هي مضامين ما سبق بالنسبة لنا في دول الخليج؟ لحسن الحظ فان دول الخليج، على العكس من الكثير من الاقتصاديات النامية والناشئة، ما زالت تمتلك القدرة على المناورة للتعامل مع تداعيات الأزمة، خصوصا من حيث توافر القدرات المالية التي تمكنها من ذلك. فقد تعرض الكثير من الدول الناشئة والنامية لموجات هروب لرؤوس الأموال منها بحيث جفت منابع العملات الأجنبية فيها وأصبحت عملاتها الوطنية تحت ضغوط كثيفة بسبب انخفاض مستويات سيولة هذه الاقتصاديات. وكان صندوق النقد الدولي قد ساهم بما يقارب الخمسين مليار دولار لمساعدة الدول الأشد تضررا من الأزمة مثل بيلاروس، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، ولاتفيا، وباكستان، وصربيا، وأوكرانيا ويستعد الآن لمساعدة السلفادور وتركيا. كما أعلن انه في طور تلقي المزيد من طلبات الدعم والمساندة من قائمة جديدة من الدول المتضررة من الأزمة، ويقدر الصندوق انه ربما يحتاج إلى مائتي مليار دولار أخرى لتلبية مطالب المساندة من جانب الدول المتضررة.
أوضاعنا الاقتصادية لم تصل، والحمد لله، إلى هذه المستويات الكارثية. غير انه من الواضح أنه ينبغي علينا أن نستعد من الآن لسنوات عجاف قادمة، لن تفلح معها أية إجراءات لمنظمة الأوبك بخفض مستويات الإنتاج للحفاظ على معدلات مرتفعة لأسعار النفط. حيث لن تنجح محاولات رفع أسعار النفط، في ظل الدائرة الخبيثة التي تتسبب فيها ضغوط الكساد في التأثير سلبا على أسعار النفط. ذلك أن محاولات رفع أسعار النفط في ظل تعمق آثار الأزمة سوف يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط ومن ثم التأثير بصورة سلبية على معدلات النمو في الدول المستهلكة، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التدهور في الطلب، ومن ثم المزيد من تدهور الأسعار. الأوضاع الاقتصادية التي سيعيشها العالم في لفترة القادمة تتطلب إذن أن تتقبل الدول المنتجة للنفط أسعارا للنفط تقل عن الاتجاه العام لها، وهو ما يعني تدهور الإيرادات النفطية للدول المنتجة بشكل كبير بفعل تراجع الكميات التي تصدرها والأسعار التي تصدر بها. الخطر المحتمل هو أن تلجأ الدول المصدرة للنفط إلى ضخ كميات أكبر لتعويض الفقد في الإيرادات الناجم عن انخفاض الأسعار لمواجهة الضغوط المالية في ميزانياتها العامة، مثلما حدث سابقا، وهو ما سوف يعمق من آثار الأزمة على أسعار النفط، ويعرض السوق العالمي للنفط الخام لفوضى عارمة.
في ضوء هذه التوقعات ما هو المطلوب في الوقت الحالي إذن؟ المطلوب أن يستمر التحفيز المالي للاقتصاديات الخليجية من خلال استخدام ما تراكم من احتياطيات مالية في سنوات ارتفاع أسعار النفط لتعزيز مستويات الإنفاق العام، حتى لو تسبب ذلك في حدوث عجز في الميزانية، وليس خفض الإنفاق العام كما أعلنت بعض الدول ومنها الكويت، لان خفض الإنفاق العام سوف يكون له آثر انكماشي مضاعف على القطاع الحقيقي من جهة وعلى القطاع المالي بصورة أكبر من جهة أخرى، وهو ما سوف يعمق من آثار الأزمة على الاقتصاد المحلي في الدول الخليجية. إن استمرار نمو الإنفاق العام في دول الخليج في المرحلة الحالية يعد إذن ضرورة حتمية للتخفيف من أعباء الأزمة.
أما بالنسبة للكويت بصفة خاصة فيجب أن تتوقف كافة دعوات هدر الإنفاق العام والتي عادت مرة أخرى إلى الظهور على السطح مع إعلان الحكومة التدخل بمحفظتها المليارية في دعم القطاع المالي. حيث أعلنت بعض الصحف إلى أن هناك نية من جانب البعض إلى المطالبة بإحياء مشروع إلغاء القروض مرة أخرى، في خطوة أقل ما توصف به أنها محاولة للصيد في الماء العكر، فليس هناك أي مجال للمقارنة بين ما ترصده الحكومة لتنشيط القطاع المالي لينهض من عثرته ويعود لممارسة دوره كقطاع رائد في الاقتصاد غير النفطي للدولة، ومن ثم ليسهم في إضافة المزيد من القيمة المضافة للناتج المحلي الإجمالي، وبين رصد أموال تهدر في سداد ديون المواطنين القادرين أصلا على سدادها، وهم من يمثلون الغالبية العظمى من المقترضين، فضلا عن إمكانية التعامل مع من لا يمكنه السداد، بحيث يتم تخفيف أعباء خدمة الدين عليه لفترات أطول، حتى يتمكن من استعادة قدرته على السداد، من خلال برامج متعددة مثل صندوق مساعدة المتعثرين. ربما يتحجج البعض بأنه إذا كانت الكويت قادرة على تخصيص نصف مليار دولار لتشجيع مباردة إنشاء تسهيلات ائتمانية للصناعات الصغيرة والمتوسطة في مؤتمر القمة الاقتصادية الأخير، فلماذا لا توجه هذه الأموال للمواطنين. على الجميع أن يفهم أن هذا المبلغ ليس هبة أو منحة، وإنما هو أموال تستثمرها الكويت، ولكن بمعدلات عائد أقل، انطلاقا من التزامها القومي نحو أشقاءها في الوطن العربي، من ناحية أخرى فان الكويت، مثلها مثل كافة دول العالم الغني لديها التزام بمقتضى اتفاقية برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن تخصص 0.7% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا للمساعدة في جهود التنمية في العالم الفقير. الوقت الحالي ليس إذن هو الوقت المناسب لمثل هذه الدعوات المدمرة اقتصاديا.
في يوم الأربعاء 21/1/2009 أعلن رئيس صندوق النقد الدولي أن الصندوق بصدد تعديل توقعاته حول مسارات النمو في الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة خلال ما يقل عن أربعة أشهر، وهو ما يعني أن الأزمة تتطور بشكل يفوق قدرتنا على التنبؤ بمساراتها، وأن التوقعات الاقتصادية حول مسارات نمو الاقتصاد العالمي قد ازدادت سوءا خلال الأشهر القليلة الماضية وأنه سوف يتم الكشف عن السيناريوهات الجديدة لمسارات النمو العالمي في 29 يناير القادم، وهي التوقعات التي وصفها رئيس صندوق النقد الدولي بالمتشائمة بشكل كبير. ومضمون تلك التوقعات أن العالم يواجه أزمة اقتصادية كبيرة، تتعمق آثارها مع تباطؤ معدلات النمو في الاقتصاديات المتقدمة وتمتد الآن إلى الأسواق الناشئة مثل الصين والهند ، والبرازيل، والى الدول النامية بشكل عام والتي يتوقع أن تشهد معدلات نمو منخفضة جدا بالمقارنة بالاتجاهات العامة للنمو في تلك الدول أخيرا. عام 2009 كما تشير التوقعات سوف يكون عاما سيئا للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي، وأنه ربما يشهد العالم تخفيف لضغوط الكساد في وقت ما في عام 2010.
ومع اشتداد تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يتوقع أن يزداد خطر الاضطرابات الاجتماعية في البلدان الأشد تضررا منها، ومن ثم قد ينعكس ذلك على درجات الاستقرار السياسي لبعض البلدان مع ارتفاع معدلات البطالة وانتشار ضغوط الكساد.
لقد نجح العالم بفضل التدخل الكثيف والمنسق للبنوك المركزية في تفادي مخاطر الانهيار التام للاقتصاد العالمي في سبتمبر الماضي. وكان صندوق النقد الدولي قد أفصح عن روشته لتوليفة الإجراءات اللازمة لاستعادة مسار النمو الاقتصادي في العالم مرة أخرى نحو الاتجاه الصحيح متضمنة:
- اتخاذ إجراءات لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية والعمل على توفير تدفقات الائتمان في جسد القطاع المالي مرة أخرى وبمستويات كافية.
- التحفيز المالي للاقتصاد من خلال السياسة المالية عن طريق الجمع بين زيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب لإنعاش مستويات الطلب الكلي ورفع مستويات الناتج ومن ثم تخفيض معدلات البطالة.
- توفير السيولة اللازمة، بصفة خاصة في الأسواق الناشئة للحد من الآثار الناجمة عن تدفقات رأس المال إلى الخارج على نطاق واسع نتيجة للأزمة المالية.
سياسات الاستقرار الاقتصادي في فترات الكساد يمكن تلخيصها في عبارة واحدة هي "مزيد من الإنفاق" كافة دول العالم المتقدمة والناشئة قد أعلنت خططا لزيادة معدلات إنفاقها العام، غير انه من الواضح أن مستويات الإنفاق العام الحالية في تلك الدول تقل بشكل واضح عن المستويات المطلوبة لمعالجة الأزمة، خاصة وأنه من المعلوم أن استجابة الاقتصاد للمزيد من الإنفاق العام تفوق استجابته للخفض المماثل في مستويات الضرائب، سواء من حيث الحجم أو السرعة.
ما هي مضامين ما سبق بالنسبة لنا في دول الخليج؟ لحسن الحظ فان دول الخليج، على العكس من الكثير من الاقتصاديات النامية والناشئة، ما زالت تمتلك القدرة على المناورة للتعامل مع تداعيات الأزمة، خصوصا من حيث توافر القدرات المالية التي تمكنها من ذلك. فقد تعرض الكثير من الدول الناشئة والنامية لموجات هروب لرؤوس الأموال منها بحيث جفت منابع العملات الأجنبية فيها وأصبحت عملاتها الوطنية تحت ضغوط كثيفة بسبب انخفاض مستويات سيولة هذه الاقتصاديات. وكان صندوق النقد الدولي قد ساهم بما يقارب الخمسين مليار دولار لمساعدة الدول الأشد تضررا من الأزمة مثل بيلاروس، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، ولاتفيا، وباكستان، وصربيا، وأوكرانيا ويستعد الآن لمساعدة السلفادور وتركيا. كما أعلن انه في طور تلقي المزيد من طلبات الدعم والمساندة من قائمة جديدة من الدول المتضررة من الأزمة، ويقدر الصندوق انه ربما يحتاج إلى مائتي مليار دولار أخرى لتلبية مطالب المساندة من جانب الدول المتضررة.
أوضاعنا الاقتصادية لم تصل، والحمد لله، إلى هذه المستويات الكارثية. غير انه من الواضح أنه ينبغي علينا أن نستعد من الآن لسنوات عجاف قادمة، لن تفلح معها أية إجراءات لمنظمة الأوبك بخفض مستويات الإنتاج للحفاظ على معدلات مرتفعة لأسعار النفط. حيث لن تنجح محاولات رفع أسعار النفط، في ظل الدائرة الخبيثة التي تتسبب فيها ضغوط الكساد في التأثير سلبا على أسعار النفط. ذلك أن محاولات رفع أسعار النفط في ظل تعمق آثار الأزمة سوف يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط ومن ثم التأثير بصورة سلبية على معدلات النمو في الدول المستهلكة، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التدهور في الطلب، ومن ثم المزيد من تدهور الأسعار. الأوضاع الاقتصادية التي سيعيشها العالم في لفترة القادمة تتطلب إذن أن تتقبل الدول المنتجة للنفط أسعارا للنفط تقل عن الاتجاه العام لها، وهو ما يعني تدهور الإيرادات النفطية للدول المنتجة بشكل كبير بفعل تراجع الكميات التي تصدرها والأسعار التي تصدر بها. الخطر المحتمل هو أن تلجأ الدول المصدرة للنفط إلى ضخ كميات أكبر لتعويض الفقد في الإيرادات الناجم عن انخفاض الأسعار لمواجهة الضغوط المالية في ميزانياتها العامة، مثلما حدث سابقا، وهو ما سوف يعمق من آثار الأزمة على أسعار النفط، ويعرض السوق العالمي للنفط الخام لفوضى عارمة.
في ضوء هذه التوقعات ما هو المطلوب في الوقت الحالي إذن؟ المطلوب أن يستمر التحفيز المالي للاقتصاديات الخليجية من خلال استخدام ما تراكم من احتياطيات مالية في سنوات ارتفاع أسعار النفط لتعزيز مستويات الإنفاق العام، حتى لو تسبب ذلك في حدوث عجز في الميزانية، وليس خفض الإنفاق العام كما أعلنت بعض الدول ومنها الكويت، لان خفض الإنفاق العام سوف يكون له آثر انكماشي مضاعف على القطاع الحقيقي من جهة وعلى القطاع المالي بصورة أكبر من جهة أخرى، وهو ما سوف يعمق من آثار الأزمة على الاقتصاد المحلي في الدول الخليجية. إن استمرار نمو الإنفاق العام في دول الخليج في المرحلة الحالية يعد إذن ضرورة حتمية للتخفيف من أعباء الأزمة.
أما بالنسبة للكويت بصفة خاصة فيجب أن تتوقف كافة دعوات هدر الإنفاق العام والتي عادت مرة أخرى إلى الظهور على السطح مع إعلان الحكومة التدخل بمحفظتها المليارية في دعم القطاع المالي. حيث أعلنت بعض الصحف إلى أن هناك نية من جانب البعض إلى المطالبة بإحياء مشروع إلغاء القروض مرة أخرى، في خطوة أقل ما توصف به أنها محاولة للصيد في الماء العكر، فليس هناك أي مجال للمقارنة بين ما ترصده الحكومة لتنشيط القطاع المالي لينهض من عثرته ويعود لممارسة دوره كقطاع رائد في الاقتصاد غير النفطي للدولة، ومن ثم ليسهم في إضافة المزيد من القيمة المضافة للناتج المحلي الإجمالي، وبين رصد أموال تهدر في سداد ديون المواطنين القادرين أصلا على سدادها، وهم من يمثلون الغالبية العظمى من المقترضين، فضلا عن إمكانية التعامل مع من لا يمكنه السداد، بحيث يتم تخفيف أعباء خدمة الدين عليه لفترات أطول، حتى يتمكن من استعادة قدرته على السداد، من خلال برامج متعددة مثل صندوق مساعدة المتعثرين. ربما يتحجج البعض بأنه إذا كانت الكويت قادرة على تخصيص نصف مليار دولار لتشجيع مباردة إنشاء تسهيلات ائتمانية للصناعات الصغيرة والمتوسطة في مؤتمر القمة الاقتصادية الأخير، فلماذا لا توجه هذه الأموال للمواطنين. على الجميع أن يفهم أن هذا المبلغ ليس هبة أو منحة، وإنما هو أموال تستثمرها الكويت، ولكن بمعدلات عائد أقل، انطلاقا من التزامها القومي نحو أشقاءها في الوطن العربي، من ناحية أخرى فان الكويت، مثلها مثل كافة دول العالم الغني لديها التزام بمقتضى اتفاقية برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن تخصص 0.7% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا للمساعدة في جهود التنمية في العالم الفقير. الوقت الحالي ليس إذن هو الوقت المناسب لمثل هذه الدعوات المدمرة اقتصاديا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق