فشل الكونجرس الأمريكي في تمرير الميزانية الأمريكية للعام المالي
2013/2014، وأصبحت المصالح الحكومية الأمريكية بلا اعتمادات مالية لدفع رواتب
العاملين فيها، فتم تحويل حوالي 800 ألف عام الى عاطلين عن العمل بدون أجور، ولكن
البنتاجون قام باستدعاء العاملين فيه مرة أخرى ليقل عدد العاطلين عن العمل من
العاملين في الحكومة بحوالي 400 ألف عاملا.
الخلاف الأساسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يتمثل في كيفية السيطرة
على عجز الميزانية الأمريكية، حيث يحاول الديمقراطيون معالجة عجز الميزانية من
خلال زيادة الايرادات، بينما يرى الجمهوريون ضرورة الحد من حجم الحكومة وتخفيض
الانفاق الحكومي، بصفة خاصة على برامج الرعاية الاجتماعية المكلفة، مثل برنامج
أوباما كير للرعاية الصحية، الذي أصر الجمهوريون على تأجيله لمدة عام كشرط لإقرار
الميزانية وعدم اغلاق الحكومة الأمريكية. لمن لا يعلم، ليست هذه هي المرة الأولى
التي يتم فيها إغلاق الحكومة الأمريكية، بسبب الخلاف حول القضايا المالية بين
الحزبين فقد أغلقت الحكومة الأمريكية أبوابها 17 مرة من قبل لمدة تتراوح بين يوم
واحد وشهرا تقريبا، وهذه هي المرة الثامنة عشر التي تغلق فيها الحكومة الأمريكية
أبوابها في الساعة 12 صباح الأول من هذ الشهر.
ترتب على إغلاق الحكومة الأمريكية لأبوابها وترحيل العمالة التي تؤدي
الخدمات غير الأساسية الحكومة، ولذلك لم تنشر التقارير الاقتصادية الأساسية
المفترض أن تنشر في هذا الوقت من الشهر، وعلى رأسها تقرير سوق العمل الأمريكي، ولم
يعرف سكان الولايات المتحدة ولا العالم حجم تطور معدل البطالة في الولايات المتحدة
في الشهر الماضي، كما لم يتم تم نشر المراجعة الشهرية للميزانية الأمريكية لهذا
الشهر بسبب إغلاق الحكومة.
حتى الآن لا تبدو ملامح في الأفق حول قرب التوصل لاتفاق لتمرير
الميزانية وانهاء اغلاق الحكومة، واستمرار
إغلاق الحكومة يزيد من سخط الأمريكيين على الحزب الجمهوري، بصفة خاصة ما يسمى جناح
حزب الشاي داخل الحزب الجمهوري، فضلا عن أنه يؤدي الى الكثير من المخاطر
الاقتصادية على المستوى الأمريكي والدولي.
ولكن ما هي الأثار التي يمكن أن تترتب على إغلاق الحكومة الأمريكية، على
دول مجلس التعاون والكويت بصفة خاصة. ما أسرده الآن هو الآثار الكامنة إذا طالت
مدة الاغلاق وكان ذلك مصحوبا برفض رفع سقف الدين الأمريكي.
إذا استمر الإغلاق لمدة طويلة فإن ذلك سيؤثر سلبا في معدلات نمو
الاقتصاد الأمريكي كما حدث من قبل، فعندما تم إغلاق الحكومة الأمريكية نحو شهر في
عهد الرئيس كلينتون انخفض النمو الاقتصادي بنحو 1.4 في المائة، وبالتالي فإن هذا
الاثر السلبي على النمو متوقع أيضا في هذه المرة، الأمر الذي يعظم من تأثير
المخاطر المحتملة لإغلاق الحكومة حاليا في هذه المرحلة الحرجة من عمر الاقتصاد
الأمريكي، فمن الممكن أن تتعثر جهود استعادة النشاط ويواجه الاقتصاد الأمريكي
كسادا مزدوجا، بعد أن كان قد تهيأ للخروج من الأزمة وبدأ الاحتياطي الفدرالي يلمح
بأنه سوف بخفض من عمليات شراء السندات الأمريكية وإنهاء سياسات التوسع النقدي
المعروفة بسياسات التيسير الكمي.
إذا تحققت هذه المخاوف فإن الأثر على الكويت سوف يكون ثلاثي الأبعاد،
حيث سيستمر الدولار الأمريكي في التراجع في سوق الصرف الأجنبي، ومعه تتراجع القيمة
الحقيقية لإيرادات الكويت من تصدير النفط الخام، فحتى اليوم انخفض معدل صرف
الدولار بالنسبة للدينار الى 282 فلسا للدولار من حوالي 287 فلسا، ومعه تفقد
الحكومة الكويتية حوالي 2% من إيراداتها النفطية بالدينار الكويتي يوميا، بالطبع
مع تراجع قيمة الدينار سوف تزداد خسارة ميزانية الدولة من الإيرادات النفطية
بالدينار.
البعد الثاني سوف يتمثل في تراجع الطلب على النفط مع تراجع نمو
الاقتصاد الأمريكي، وما يحدثه ذلك من آثار ارتدادية على النمو العالمي خصوصا في
أوروبا والدول الناشئة مثل الصين التي تعتمد تجارتها الخارجية على التصدير إلى
الولايات المتحدة، هذا التراجع في النمو سوف يؤدي الى خفض الطلب العالمي على النفط
الخام، ومن ثم تتأثر الكويت من خلال انخفاض صادراتها من النفط من ناحية، وتراجع
أسعار النفط الخام من ناحية أخرى، وهو ما يضاعف من الأثر على الميزانية الناجم عن
تراجع قيمة الدولار الأمريكي.
أما البعد الثالث فيتمثل في التأثير على الاستثمارات المالية للكويت
في الدين العام الأمريكي، فمن المتوقع أنه مع اطالة مدة الإغلاق وعدم رفع سقف
الدين الأمريكي والمفترض أن يتم قبل 17 أكتوبر القادم بحد أقصى، فإن ذلك لا محالة
سوف يعني إعلان الولايات المتحدة عن التوقف عن سداد التزاماتها نحو ديونها، سواء
بالنسبة لسداد الفوائد المستحقة على الدين أو اقساط الدين التي يحل موعد سدادها، وهو
ما سينعكس بصورة سلبية على المخاطر المحيطة باستثمارات الكويت في السندات
الأمريكية.
بصفة خاصة فإن توقف الحكومة الأمريكية عن سداد التزاماتها بالنسبة لدينها
العام سيعني الكثير بالنسبة للأسواق العالمية وللقطاع المالي، ومن الممكن أن يهز
ثقة المستثمرين في سندات الدين الأمريكي والذي ستكون نتائجه في غاية الخطورة على
الاستقرار المالي العالمي، ومن المتوقع معه أن تتراجع مؤشرات الأسهم في بورصة
الأوراق المالية في الكويت، فالتوقف عن سداد الالتزامات المالية لن يؤثر فقط على
مستويات الإنفاق، وإنما يمكن أن يدمر الوضع الائتماني للولايات المتحدة بخفض
الإقبال على شراء سنداتها وبزيادة مستوى الفوائد المطلوبة على تلك السندات، أكثر
من ذلك فإنه وفقا للتقديرات المتاحة، إذا ما رفض الكونجرس رفع سقف الدين ستضطر
الحكومة الأمريكية إلى خفض إنفاقها السنوي بنحو 600 مليار دولار، أي بنحو 4 في
المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، هذه النسبة من الخفض في الإنفاق تعتبر
جوهرية إلى الحد الذي يمكن أن تؤدي إلى عودة الكساد مرة أخرى إلى الاقتصاد
الأمريكي وللعالم. والتاريخ الأمريكي يمدنا بالدليل العملي على الآثار التي يمكن
أن تترتب على توقف الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها، ففي عام 1979 أعلنت فيها
الحكومة الأمريكية توقفها عن سداد التزاماتها وهي الحالة الوحيدة التي حدث فيها
ذلك عن طريق الخطأ، وعلى الرغم من أن الالتزامات المالية التي توقفت الحكومة عن
دفعها في ذلك الوقت كانت محدودة، إلا أنها كلفت الحكومة الأمريكية مليارات
الدولارات، وهو ما يعني أن التوقف الحالي للحكومة عن سداد التزاماتها الضخمة ستكون
آثاره أخطر ولا يمكن التقليل من قدرها.
ولكن هل هذه المخاطر حقيقية، أو حتمية الحدوث، من وجهة نظري لا ينبغي التهويل
من حدة الآثار المتوقعة لإغلاق الحكومة الأمريكية ولرفع سقف الدين الأمريكي، ذلك
أن احتمال استمرار اغلاق الحكومة الأمريكية لفتة طويلة هو احتمال لا أتوقعه، فمن
المؤكد أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي سوف يتوصلان لاتفاق ما حول الميزانية
لإيذان البدء بفتح اعتمادات الانفاق أمام الحكومة، كما أن مسألة رفع سقف الدين
الأمريكي أعتقد أيضا أنها من الخطورة بمكان وبدرجة لا تجعل أي حزب يجرؤ على المساس
به. قناعتي هي أن الحزبان سوف يتوصلان الى اتفاق حول هاتين القضيتين الخطيرتين،
فلا يمكن للحزبين أن يخاطرا بالريادة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية بسبب
خلاف يمكن التوصل الى حل وسط حوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق