السبت، أكتوبر ٠٥، ٢٠١٣

معركة رفع سقف الدين الأمريكي القادمة

ينشغل العالم حاليا بمشكلة إغلاق الكونجرس لأبواب الحكومة الأمريكية بعد رفضه الموافقة على ميزانية الولايات المتحدة لعام 2013/2014، غير أن العالم، مع الأسف الشديد، على موعد آخر في الـ 17 من الشهر الحالي لمواجهة معركة أخرى، ربما تكون أشرس من تلك التي شهدناها في مفاوضات الحيلولة دون إغلاق الحكومة، وهي معركة رفع سقف الدين الأمريكي، وذلك بعد أن تستنفد الخزانة الأمريكية السقف الحالي بحلول هذا التاريخ.
رفع سقف الدين الأمريكي يعد من المسائل الروتينية التي يفرضها الدستور الأمريكي على الحكومة، حيث ينص على ضرورة أخذ موافقة الكونجرس على عمليات الاقتراض التي ستقوم بها الخزانة، وذلك في صورة تحديد سقف أعلى للدين يسمح للحكومة الأمريكية بالاقتراض في حدوده وزيادة حجم الدين العام القائم على الولايات المتحدة حتى هذا الحد.
يفترض ألا تحتل قضية رفع السقف هذا الاهتمام من العالم طالما أن تسويتها ستتم داخل الكونجرس مثلما حدث لحالات رفع سقف الدين عبر عشرات السنوات الماضية، غير أن المشكلة هي أن رفع سقف الدين تحول أخيرا من إجراء روتيني حول الجوانب المالية للولايات المتحدة إلى قضية سياسية بالدرجة الأولى، وأصبح أحد أوراق الضغط في يد الحزب الذي يسيطر على الكونجرس يستخدمها عند تقدم الحزب الحاكم بطلب لرفع سقف الدين. فإذا كان الدستور الأمريكي يحتم على الحكومة أخذ موافقة الكونجرس في عمليات الاقتراض التي تحتاج إليها الحكومة حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية، فإن استخدام حق التصويت في رفض الموافقة على رفع سقف الدين لإيقاف قدرة الحكومة على الاقتراض أمر يعرض الحكومة للخطر والاقتصاد بشكل عام، ليس فقط الاقتصاد الأمريكي، وإنما أيضا الاقتصاد العالمي.
رفع سقف الدين الأمريكي يكتسب بعدا آخر في هذه المرة، فالعلاقة بين الحزبين متأزمة بصورة واضحة بعد أن قام الكونجرس بإغلاق أبواب الحكومة أول هذا الشهر، وهو ما يعني أن مفاوضات رفع سقف الدين لن تكون سهلة، وحتى لو قام الكونجرس بالموافقة على ميزانية 2013/2014 للسماح للحكومة بفتح أبوابها قبل 17 أكتوبر، فإن تصفية الحسابات الأساسية بين الحزبين يمكن أن تتحول نحو مفاوضات رفع الدين. فالجمهوريون الذين أغلقوا الحكومة، ربما لا يجدون أي غضاضة في رفض رفع سقف الدين والسماح للولايات المتحدة بأن تتخلف عن سداد التزاماتها لتظهر أمام العالم على أنها اقتصاد مفلس لبعض الوقت، وخصوصا أن بعض الأعضاء يرى أن تخلف الحكومة عن سداد التزاماتها لن تترتب عليه نتائج سيئة بشكل كبير.
حتى الآن الأسواق هادئة، وردة فعل أسعار الأصول لإغلاق الحكومة طبيعية، فمعظم المراقبين يتوقع أن تتم عملية رفع سقف الدين، ومن ثم فإن احتمال أن تتوقف الولايات المتحدة عن دفع التزاماتها يعد محدودا، غير أنه إذا ما استمر الإغلاق لفترة طويلة، فإن الأسواق لن تستمر هادئة، بصفة خاصة إذا ما استمر إغلاق الحكومة حتى 17 أكتوبر فإن الأثر الحقيقي للإغلاق سيأخذ في الظهور على السطح، بحيث يتحتم على الكونجرس أن يقوم بالموافقة على رفع سقف الدين إلى حد أعلى من الحد الحالي لتتمكن الحكومة الأمريكية من الاقتراض وذلك حتى تستطيع الخزانة سداد التزاماتها المالية.
ولكن ما الذي يحدث إذا لم يوافق الكونجرس على رفع سقف الدين الأمريكي؟ بالطبع مع رفض رفع سقف الدين ستصبح الحكومة الأمريكية في موقف سي، ذلك أن الحكومة لا تستطيع سوى إنفاق ما خولها به الكونجرس، كما أنها لا تستطيع جمع ضرائب سوى التي وافق عليها الكونجرس، ووفقا للتقديرات المتاحة، يقدر أنه في يوم 17 أكتوبر المقبل سيتبقى في الخزانة الأمريكية 30 مليار دولار فقط لسداد التزاماتها، وهو مبلغ يقل بشكل كبير عن الالتزامات المالية الحقيقية للولايات المتحدة، والتي تبلغ ربما أكثر من ضعف هذا الرقم، بالطبع الخزانة يدخلها يوميا أموال من إيرادات الضرائب وإيرادات الخدمات العامة وغير ذلك، وهي أموال يمكن أن تستخدمها الحكومة بشكل مؤقت، ولكنها لن تكون كافية لاستيفاء احتياجات الحكومة من الإنفاق.
أمام الحكومة الأمريكية قائمة طويلة من النفقات التي عليها أن تقوم بسدادها، واضطرار الحكومة للتوقف عن سداد بعضها يمكن أن يحدث اضطرابا كبيرا في الأسواق إذا ما استمر الاحتقان الحالي بين الحزبين ولم تتم عملية الموافقة على رفع سقف الدين، من هذه المدفوعات مدفوعات الفائدة على سندات الدين الأمريكي القائمة في الوقت الحالي، ومدفوعات معاشات العسكريين المتقاعدين، ومدفوعات الضمان الاجتماعي، وسداد قيمة السندات التي يحل موعد استحقاقها.
بصفة خاصة فإن توقف الحكومة الأمريكية عن سداد التزاماتها بالنسبة للبند الأخير سيعني الكثير للأسواق وللقطاع المالي، ومن الممكن أن يهز ثقة المستثمرين في سندات الدين الأمريكي والذي ستكون نتائجه في غاية الخطورة على الاستقرار المالي العالمي، فالتوقف عن سداد الالتزامات المالية لن يؤثر فقط على مستويات الإنفاق، وإنما يمكن أن يدمر الوضع الائتماني للولايات المتحدة بخفض الإقبال على شراء سنداتها وبزيادة مستوى الفوائد المطلوبة على تلك السندات.
وفقا للتقديرات المتاحة، إذا ما رفض الكونجرس رفع سقف الدين ستضطر الحكومة الأمريكية إلى خفض إنفاقها السنوي بنحو 600 مليار دولار، أي بنحو 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، هذه النسبة من الخفض في الإنفاق تعتبر جوهرية إلى الحد الذي يمكن أن تؤدي إلى عودة الكساد مرة أخرى إلى الاقتصاد الأمريكي وللعالم. والتاريخ الأمريكي يمدنا بالدليل العملي على الآثار التي يمكن أن تترتب على توقف الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها، ففي عام 1979 أعلنت فيها الحكومة الأمريكية توقفها عن سداد التزاماتها وهي الحالة الوحيدة التي حدث فيها ذلك عن طريق الخطأ، وعلى الرغم من أن الالتزامات المالية التي توقفت الحكومة عن دفعها في ذلك الوقت كانت محدودة، إلا أنها كلفت الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات، وهو ما يعني أن التوقف الحالي للحكومة عن سداد التزاماتها الضخمة ستكون آثاره أخطر ولا يمكن التقليل من قدرها.
لا شك أن الرئيس الأمريكي في موقف صعب في الوقت الحالي، ذلك أنه إذا لم يتم رفع سقف الدين ربما يحاول أن يتجاهل سقف الدين والاستمرار في إصدار السندات للاقتراض، غير أنه في هذه الحالة سيقترض على أساس غير دستوري، وهو ما قد لا يشجع المستثمرين على شراء السندات الأمريكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق