عندما يبحث المتخصص في اقتصاديات الموارد عن حالة قائمة "للعنة وفرة الموارد الطبيعية" في العالم، فلن يجد مثالا أفضل من الكويت. فمن الناحية النظرية يفترض أن اكتشاف مورد طبيعي في بلد ما يوفر موارد مالية ضخمة مثل النفط، سوف يؤدي إلى تحرير القيود المادية التي قد تقف حجر عثرة في طريق إطلاق قوى النمو في هذا البلد والمساعدة في إرساء دعائم التنمية المستدامة فيه، غير أن التجارب العالمية أثبتت أن وفرة الموارد الطبيعية مثل النفط قد تكون نقمة، وليس نعمة، على الدول التي تتمتع بوفرة في هذه الموارد، بصفة خاصة بالنسبة للتحديات التي قد تخلقها تلك الوفرة لاستدامة النمو في تلك الدول. التجارب الدولية تشير إلى أن استدامة النمو لا تشترط وفرة في الموارد الطبيعية، وأن كانت الأخيرة تساعد عليها، على سبيل المثال تمكنت دول ما يسمى بالنمور الآسيوية من تحقيق معدلات مبهرة للنمو بدون ان يكون لديها موارد طبيعية، فعندما بدأت كوريا الجنوبية نهضتها الحديثة لم يكن يتجاوز متوسط دخل الفرد السنوي فيها 70 دولارا، كما لم ترتكز عملية التنمية على أي وفرة في الموارد، على العكس تماما فإن كوريا الجنوبية تعد دولة فقيرة جدا في الموارد الطبيعية، ومع ذلك استطاعت ان ترسي أسس رصينة للتنمية المستدامة لاقتصادها بحيث أصبح في قائمة دول العالم الصناعي، الوضع لا يختلف أيضا في سنغافورة التي أصبحت تولد دخلا للفرد من أعلى مستويات الدخل الفردي في العالم وبدون موارد طبيعية أيضا، والأمثلة عديدة في هذا الجانب.
الوضع في الدول النفطية، وبصفة خاصة في الكويت مختلف تماما، حيث أدت الوفرة النفطية بعملية التنمية إلى بلوغ طريق شبه مسدود أصبحت التنمية فيه مشلولة تقريبا. واقتصر ما يتم تحقيقه من نمو في الناتج المحلي الإجمالي على ما يتحقق من ارتفاعات في سعر النفط وحصة دولة الكويت من مستهدفات الإنتاج السنوية في منظمة الأوبك، وعبر سنوات طوال لم تر أي خطة للتنمية طريق النور، وحتى ردود الأفعال الأولية نحو الخطة الخمسية التي تم إعدادها أخيرا لا تبشر باحتمال إقرارها، مثلما حدث مع سابقاتها. معني ذلك أن الجهود التنموية في الكويت تقتصر حاليا على المبادرات الفردية للقطاع الخاص، هذا فضلا عما يتم إقراره وتنفيذه في إطار برنامج عمل الحكومة من مشروعات، والتي للأسف أصبح جانبا كبيرا منها لا ينفذ أو ينفذ بصورة جزئية، في ظاهرة تعد الفريدة من نوعها في العالم. وعلى الرغم من الأهمية الكبرى التي تلعبها الاكتشافات النفطية في الاقتصاد، إلا أن المشكلة الأساسية تتمثل في ضعف الروابط التي تخلقها هذه الصناعة، كصناعة استخراجية، مع باقي قطاعات الاقتصاد الوطني، حيث يمكن إنتاج النفط بشكل منعزل تماما على باقي صناعات الاقتصاد، مما يعني ضعف الروابط بين هذا القطاع والاقتصاد ككل. ويمكن القول بأن عملية النمو تسير حاليا بدون رؤية واضحة وبدون آليات تحقق التكامل المفترض بين ما يتم تنفيذه من مشروعات تصب في النهاية لتحقيق المستهدفات الكلية للدولة على المدى الطويل، سواء في ما يتعلق بمعدل النمو أو اتجاهات النمو أو طبيعة القطاعات الواجب تنميتها أو القطاعات التي يمكن أن تقود النمو وتحدث أكبر قدر من الروابط الأمامية والخلفية والتي تأخذ بمعدلات النمو ومن ثم التنافسية الدولية نحو الأمام. الثروة النفطية في الكويت لم تكن إذن ثروة حقيقية، فالثروة الحقيقية هي الثروة التي تؤمن استدامة النمو وليس وصول التنمية إلى طريق مسدود. من هذا المنطلق فإن الوفرة النفطية الحالية بما تخلقه من تغير حاد في الأوضاع السياسية وسوء فهم لمضمون عبارة الثروة، والانحراف الواضح في أولويات استخدامها، وسوء التوزيع البين لتلك الثروة بين الأجيال، لضعف مبدأ المحاسبة بين الأجيال، ليست نعمة وإنما ببساطة هي "لعنة". لعنة وفرة الموارد الطبيعية لا تقتصر بالطبع على الكويت، وإنما هناك العديد من الدول التي تقف وفرة الموارد الطبيعية فيها حجر عثرة أمام استدامة النمو، ويكفي الفرد أن يطلع على قائمة الدول التي تتوافر فيها ثروات طبيعية ضخمة في العالم لكي يدرك هذه الحقيقة، ولكن لماذا تمثل وفرة الموارد الطبيعية لعنة بدلا من أن تكون نعمة؟ الإجابة شبه المفصلة على هذا السؤال توجد في كتاب "الفرار من لعنة الموارد Escaping the Resource Curse"، الذي أصدرته دار جامعة كولومبيا للنشر، والذي يحرره ماكمارتان همفريز، وجيفري ساكس، وجوزيف ستيجلتز "الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد"، والذي أهداني إياه صديقي العزيز الشيخ/على جابر العلي الصباح لقراءته.
تشير الكتابات في علم الاقتصاد إلى أن التأثير السلبي لوفرة الموارد الطبيعية على النمو يأتي من 3 مصادر أساسية، الأول هو ميل قيمة عملة الدولة نحو الارتفاع مع اكتشاف مورد طبيعي ضخم كالنفط أو الغاز فيها، الأمر الذي يؤثر سلبا على درجة تنافسية هذه الدولة على المستوى العالمي، وبالتالي تراجع نمو القطاعات الإنتاجية الأخرى، وهو ما يعرف تقليديا باسم "المرض الهولندي"، فعندما اكتشفت هولندا في السبعينيات من القرن الماضي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي وأخذت في تصديره مالت قيمة العملة الهولندية نحو الارتفاع، وهو ما أثر سلبا على الصادرات الصناعية الهولندية، ومن ثم أخذ نمو القطاع الصناعي فيها نحو التراجع، الأمر الذي تم تشخيصه لاحقا تحت مسمى المرض الهولندي، وهو مرض ينطبق على أية حالة يترتب على اكتشاف موارد طبيعية فيها تراجع نمو القطاعات الإنتاجية الأخرى في الاقتصاد نتيجة لذلك. الأثر السلبي الثاني لوفرة الموارد الطبيعية ينجم عن تزايد الاعتماد على إيرادات تصدير الإنتاج من المورد الطبيعي، والتي غالبا ما تصبح عماد الإيرادات العامة للدولة، مثلما هو الحال في الكويت، ولكن أين مكمن الخطر في ذلك؟ المشكلة الأساسية تتمثل في ضعف قدرة الدولة على التخطيط ماليا بشكل دقيق نظرا لعدم القدرة على السيطرة على توقيت تدفقات الإيرادات نتيجة عدم انتظامها، الأمر الذي يجعل الاقتصاد برمته تحت رحمة تقلبات أسعار الصادرات من المورد الطبيعي، وهو ما يعرض الاقتصاد المحلي لتقلبات عنيفة نتيجة لعدم استقرار الأسعار والطلب في السوق العالمي. أما المصدر الثالث للتأثير السلبي لوفرة الموارد الطبيعية فيرجع إلى التأثير الناجم عن تغير الأوضاع السياسية المصاحبة للوفرة، والذي ينشأ عن تزايد المطالب برفع مستويات الرفاه للناس في مقابل ضمان التأييد السياسي للحكومة، وبصفة خاصة عندما يرى المراقبون أن عوائد التصدير من المورد الطبيعي لا تتحول إلى أصول رأسمالية حقيقية من خلال المشروعات المختلفة في البنى التحتية اللازمة لدفع عجلة الاستثمار وتنويع مصادر الإنتاج والدخل، وزيادة التنافسية للاقتصاد الوطني على المستوى الدولي. الأمر الأخطر هو أنه في الدول النفطية تسود أيضا ثقافة أن وفرة الثروة في باطن الأرض تعني أنه ليس على المواطنين في تلك الدول العمل بجد، أو أنه ليس هناك أساسا حاجة للعمل، حيث أن كافة الاحتياجات سوف يتم توفيرها بواسطة الدولة اعتمادا على رصيد الثروة النفطية القائم، وأصبح الشغل الشاغل للكثير ينحصر في ماركة الساعة والحقيبة والهاتف النقال ونوع السيارة وأين سيقضي أجازته، دون أن يفكر في ما إذا كان ما يبذله من جهد يؤهله لتملك تلك السلع.
ومن المثير للدهشة هو أنه يفترض أن تؤدي وفرة الموارد الطبيعية مثل النفط إلى جعل حكومات تلك الدول في موقف سياسي أقوى، غير أن تيري لين كارل في كتاب لها بعنوان "معضلة الوفرة" صدر عام 1997 ترى أن مثل هذه الثروات الطبيعية غالبا ما تجعل الحكومات في تلك الدول أضعف، وذلك بسبب اعتماد تلك الحكومات على توليد إيراداتها العامة من الخارج، وليس من جيوب المواطنين، الأمر الذي يقلل من الضغوط على تلك الحكومات لكي تعمل بصورة أفضل لكسب الدعم السياسي لدافعي الضرائب والذين يمكنهم أن يسحبوا تأييدهم لتلك الحكومات بسهولة في حال اتسم أداؤها بالضعف، ذلك أن عملية جمع الضرائب تضع الحكومات دائما تحت منظار دافعي الضرائب. أكثر من ذلك فان الحكومات التي تعتمد في توليد إيراداتها العامة على الخارج لا تجد لديها حوافز ملحة للقيام بتنفيذ ما يلزم من مشروعات لدعم الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته على توليد الدخل محليا على المدى الطويل، فحكومات الدول النفطية ليست في حاجة إلى بذل ما يجب أن تقوم به الحكومات الأخرى لتتأكد من توافر قدر كاف من الدخل، ذلك أن باطن الأرض يوفر هذا الدخل بسهولة، وبدون عناء يذكر. كذلك فقد تقوم الحكومات باستغلال هذه الوفرة المالية في تمويل عملية بناء نظام قمعي يضمن استمرار سيطرتها على الحكم، خصوصا أنها ليست في حاجة إلى تشجيع الديمقراطية من أجل تبادل السلطة في مقابل السماح لها بجمع الضرائب، مثلما حدث في عهد المقبور صدام حسين، حيث كان معظم العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، بينما تقبع الحكومة على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم. الكتابات الاقتصادية تشير أيضا إلى أن وفرة المصادر الطبيعية مثل النفط تزيد من فرص انتشار الفساد بشكل واضح، وهو ما يهدد الديمقراطيات في تلك الدول.
هناك اعتقاد خاطئ بأن الكويت دولة غنية، فهل وفرة الثروة النفطية تعني ان الدولة غنية بالفعل؟ الإجابة هي بالتأكيد لا! فالثروة الطبيعية لا تمثل ثروة حقيقية، وإنما تتمثل الثروة الحقيقية في مخزون الأصول الرأسمالية المنتجة والقادرة على توليد الدخل على نحو مستدام للجيل الحالي وللأجيال القادمة على السواء، وليس توليد الريع من الموارد الطبيعية على نحو غير متجدد. الخطورة الرئيسية التي تواجه عملية توليد الدخل من خلال استخراج النفط حاليا هي تركيز إيرادات عملية الاستخراج لخدمة الجيل الحالي دون الأخذ في الاعتبار حق الأجيال القادمة في هذه الإيرادات كما يجب، ولذلك حرصت النرويج عندما تم اكتشاف النفط فيها على أن تستثمر إيرادات صادراتها النفطية في صندوق التقاعد الحكومي لكي تمتد آثار الثروة إلى الأجيال القادمة، وذلك من خلال استخدام الأصول المتراكمة في الصندوق للمساعدة بصورة مباشرة في دعم مدفوعات التقاعد للأجيال القادمة، ولكي تبعد تلك الإيرادات النفطية عن اقتصادها المحلي حتى لا تقع فريسة المرض الهولندي. الوضع الأمثل لاستغلال الإيرادات النفطية في الكويت ينبغي إذن أن يتمثل في صورة استثمارها بهدف إرساء أسس هيكل إنتاجي يمكن الدولة من استغلال المزايا النسبية والمكتسبة لها لتعديل دورها في التقسيم الدولي للعمل، بحيث تتحول من مجرد مستخرج لمورد طبيعي من باطن الأرض إلى منتج فاعل قادر على المنافسة على المستوى العالمي، وقادر على توفير فرص التوظيف المنتج للداخلين إلى سوق العمل سواء حاليا أو في المستقبل.
منذ أن أخذت الإيرادات النفطية تشكل عماد المالية العامة للدولة في الكويت، حتى تبنت الكويت مفهوما مدمرا لتلك الثروة، وهو ما أطلق عليه مفهوم "دولة الرفاه"، وهو مبدأ قد يبدو مثاليا في ظاهره، إلا أن التطبيق العملي له كان أبعد ما يكون عن ذلك. إذا اقتصر مفهوم دولة الرفاه على توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة .. الخ، فإن تطبيق هذا المبدأ يصبح مثاليا، أما أن يتسع التطبيق ليصبح بلا حدود تقريبا، مثلما يحدث حاليا، فإن مفهوم دولة الرفاه يتحول إلى "مبدأ حرق الثروة". ذلك أنه في حال قصر الكويت استخدام الإيرادات النفطية في عملية تمويل الإنفاق الجاري للدولة بما في ذلك المدفوعات الضخمة للرفاه، فإن الكويت تدمر ثروتها الاستثنائية، والتي لن تتكرر لها فرصة توافرها في المستقبل، في تمويل أنماط استهلاكية أقل ما يمكن أن توصف به هي أنها مدمرة لهياكل الثروة. الداعين إلى حرق المال العام بشتى الصور، مثل تحميل المال العالم تكلفة إلغاء القروض عن المواطنين أو منح هبات للمواطنين بدون مقابل .. الخ، لا يدركون حقيقة أن الكويت عندما تقوم بأي إنفاق عام، فإنها في الواقع لا تقوم بالإنفاق من دخلها الجاري، فالكويت من الناحية الحقيقية لا تملك مصادر للدخل الجاري، وإنما تملك رأس مال يتمثل في ثروتها النفطية، وعندما تستخدم إيراداتها النفطية فإن ما تقوم به من الناحية الفعلية هو استهلاك لثروتها، وبما أن النفط بطبيعته مورد ناضب، فإن كل برميل يتم استخراجه من باطن الأرض يخفض مخزون المكامن النفطية بنفس المقدار والى الأبد. ما هو إذن مكمن الخطورة في ذلك؟ مكمن الخطورة يتمثل في أننا نقوم باستهلاك أصولنا الثابتة لتمويل إنفاقنا الجاري، على عكس ما يجب أن يحدث. المفترض ان يتم استخدام الثروة الكامنة في الأرض في بناء هياكل رأسمالية وبنى تحتية مادية وبشرية على السطح تمكننا في الأجل الطويل من إرساء قواعد إنتاجية ثابتة تكفل توليد دخل كاف للجيل الحالي وللأجيال القادمة في المستقبل، ما يحدث على أرض الواقع غير ذلك، حيث نستهلك قواعدنا الرأسمالية لتمويل استهلاكنا الجاري، وهنا مكمن الخطورة.
من وجهة نظري إذا كانت الكويت قد فشلت في استغلال ثروتها النفطية في بناء هياكل إنتاجية فاعلة، وبدلا من ذلك استغلت تلك الثروة في خلق أنماط استهلاكية مدمرة على المدى الطويل، وأدت إلى سقوط الكويت في ما يمكن أن نطلق عليه "مصيدة الرفاه"، وليس دولة الرفاه، وهي مصيدة يبدو أنه أصبح من المستحيل الفكاك منها، على الأقل حاليا، فإنه من المفضل في المرحلة الحالية الاحتفاظ بالنفط في باطن الأرض بدلا من استخراجه، حيث يمثل باطن الأرض حاليا أأمن مكان يمكن الاحتفاظ فيه بهذه الثروة بدلا من استخراج تلك الثروة على السطح لتتحول إلى فائض مالي في ميزانية الدولة تنفتح عليه شهية مدمري المال العام. الأفضل إذن أن يتم تخطيط عملية الاستخراج بحيث تقتصر على إنتاج القدر اللازم فقط لتمويل احتياجات الإنفاق العام الضروري. ومن وجهة نظري ربما تشكل عملية استخراج النفط وتحويل فوائض إيراداته إلى صندوق الثروة السيادي للدولة واستثمار موارد هذا الصندوق خارج الكويت خطئا تكتيكيا. وتنبغي الإشارة إلى أن التكلفة التي سوف تتحملها الكويت نتيجة هذا الخيار هي خسارة العوائد التي يمكن تحقيقها على هذه الأصول المالية في صندوق الثروة السيادي، فضلا عن خسارة ميزة استقرار الإنفاق العام، غير أن المشكلة هي أن تكلفة الفرصة البديلة لاستخراج النفط بأكثر من الحاجة الفعلية تعد مرتفعة للغاية. ببساطة شديدة إذا كان الجيل الحالي عاجز عن توجيه الثروة النفطية لضمان استدامة النمو الحقيقي على المدى الطويل، فمن الأفضل احتجاز هذه الثروة في باطن الأرض، فربما تأتي أجيال أكثر وعيا وقدرة على استخدام تلك الثروة على نحو أفضل.
ومن الأمور التي ربما تدعم اللجوء إلى هذا الخيار هو أن أحدث الدراسات المتاحة تشير إلى أن الإنتاج العالمي من النفط سوف يصل إلى ذروته ربما في عام 2012، وهو ما يعرف علميا بظاهرة الذروة النفطية Oil peak، ليتراجع بعدها الإنتاج العالمي من النفط، ومن ثم دور النفط في حياتنا، بعد أن كان المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة في العصر الحديث، والذي شكل عماد الحضارة التي نعيشها في عالم اليوم. مفهوم الذروة النفطية ببساطة شديدة هو أنه عندما يتم اكتشاف مكامن النفط فان الإنتاج منها يكون على شكل جرس، أي أن الإنتاج من تلك المكامن يبدأ بمعدلات منخفضة، ثم يأخذ الإنتاج في التزايد حتى يصل إلى قمته (قمة الجرس)، هذه النقطة يطلق عليها العالم عبارة الذروة النفطية، أي النقطة التي سيصل فيها الإنتاج العالمي من النفط إلى قمته، ثم يأخذ الإنتاج العالمي من النفط بعدها في التراجع، حتى ينفد النفط نهائيا من العالم. كافة التحاليل المتاحة عن الذروة النفطية تشير إلى احتمال صعود أسعار النفط بشكل صاروخي بعد بلوغ الذروة، حيث يعتمد إنتاج الطاقة في العالم حاليا على استخدام النفط، وللأسف، أو ربما لحسن الحظ بالنسبة لنا، لا يوجد بديل جاهز حاليا للنفط يمكن أن يغني العالم عن النفط كمصدر بديل لتوليد الطاقة، النتيجة المتوقعة إذن هي أننا مقدمون على عصر النفط المرتفع الثمن. بعض الإسقاطات الحالية تضع سعر برميل النفط الخام عند 200 دولارا في عام 2012. إذا كان الأمر كذلك فليس من الرشد الاقتصادي استخراج النفط من مكامنه الآن لبيعه بسعر رخيص، خصوصا إذا كان سيتم استغلال إيراداته على نحو سيئ.
الخلاصة هي أن الوفرة النفطية في الكويت ربما تكون قد ساعدت على إرساء مستويات مرتفعة للرفاه في الدولة، حيث ارتفعت مستويات المعيشة والدخل بصورة واضحة، غير أنها خلفت الكثير من الآثار المباشرة وغير المباشرة على كافة الأصعدة أدت بعملية النمو إلى السير نحو طريق شبه مسدود. ولذلك ليس من المستغرب في خضم هذه الأوضاع أن تنشا مجموعات مثل مجموعة الـ 26 والتي استشعرت سوء ما آلت إليه الأوضاع فتكونت لكي تشكل رأيا عاما للخروج من مأزق التنمية الحالي. نشد على يد المجموعة وننصحها بتطوير أولوياتها بصورة أوسع، بحيث تملك رؤية أشمل عن مستقبل الكويت بعد انتهاء عصر الوفرة، وخطة عمل أوضح لكيفية إطلاق قوى النمو في البلد استنادا إلى ما نملكه من قاعدة مالية ضخمة، وذلك في إطار تقييم أدق لظروف الوضع الراهن والتحديات التي تواجه الكويت إذا ما استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، وطبيعة الخطوات الواجب اتخاذها للتعامل مع تلك التحديات، وسبل الدعم اللازمة على كافة المستويات لنجاح تلك الخطوات وذلك في اطار خطة عمل متقنة لكيفية جمع التأييد الشعبي لعملية التغيير، وسبل الوصول إلى الجماهير لبناء رأي عام ضد أنصار تدمير الثروة، والذين يشنون هجوما كاسحا على أمثال تلك المجموعة حاليا.
عزيزي دكتور السقا
ردحذفليس العيب في الوفرة النفطية
بل في لعنة الادارة الفاسدة وغير المنهجية والتي لاتملك مشروعا
بل وحتى حلما صغيرا
يا حيف علينا
محبتي
شكرا،
ردحذفنعم أتفق معك ليس العيب في الوفرة، ولكن في التداعيات التي خلقتها الوفرة الناجمة عن سوء توجيه الوفرة من هذا المصدر الاستثنائي الذي أقول مرة أخرى أنه لن يتكرر في المستقبل للأسف. ومع ذلك فما زال أمامنا وقت لانقاذ الوضع لو احسنا التصرف وفق خطة منهجية كما أشرت.
استاذي الفاضل..
ردحذفمن قال ان مجموعة ال26 هدفها خلق مصدر تنمية اخر غير النفط؟
فكرتها مبنية على الترشيد ليس اكثر.. اذا ومالحل؟
القطاع النفطي ينزف.. الحل ليس بالمناشدات.. الحل باستئصال الفساد السياسي.
شكرا أستاذ حمام
ردحذفالترشيد لو تم فإنه سيعد خطوة عملاقة في الاتجاه الصحيح يتبعها خطوات إن شاء الله للخروج من مأزق التنمية الحالي.
كيف تصرفت الحكومة الامريكية بإيرادات نفطها؟
ردحذفشكرا لك دكنور