الخصخصة هي أحد أدوات السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة والتي تنبع اساسا من طبيعة الفلسفة الاقتصادية التي تتبناها الدولة، ويقصد بالخصخصة تحويل ملكية الأصول العامة التي تقوم بإنتاج وتوفير السلع والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص. غير أن الكتابات الاقتصادية توسع هذا التعريف الضيق للخصخصة لتشمل خصخصة الإدارة والتوريد وإلغاء القيود أمام القطاع الخاص في توفير السلع والخدمات، بما في ذلك إعطاء القطاع الخاص تراخيص إنتاج وتقديم السلع والخدمات العامة، وغالبا ما يهدف برنامج الخصخصة في دول العالم إلى تحقيق الأهداف الآتية:
· تشجيع النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص
· فتح الآفاق أمام تدفقات الاستثمار الأجنبي
· القضاء على مصادر الهدر في الإنفاق العام
· الحد من الفساد الإداري المصاحب لقطاع حكومي كبير الحجم
· توسيع نطاق سوق المال وتعميق نطاقه وتنويع الأدوات الاستثمارية فيه
والخصخصة التي نقصدها هنا هي تحويل الأصول العامة إلى القطاع الخاص في قطاعات الإنتاج والخدمات، ونقصد بالأصول العامة هنا الشركات العامة لإنتاج السلع مثل وزارة الكهرباء والماء أو المواصلات والاتصالات، ووحدات تقديم الخدمات مثل البريد والمستشفيات والمدارس والجامعات.. الخ، ولقد أثبتت التجارب الدولية في الخصخصة أن عملية تحويل الأصول العامة إلى القطاع الخاص لها آثار إيجابية عديدة على كافة القطاعات سواء الصناعية أو الخدمية، حيث تزداد عمليات المشروعات بصورة مباشرة بعد عملية الخصخصة، كذلك تزداد الاستثمارات الخاصة كما ترتفع مستويات الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية للمشروعات المحولة للقطاع الخاص.
وتعد الخصخصة أحد أهم السياسات الفعالة التي يمكن أن تستخدمها الحكومات لجذب الاستثمار الأجنبي. وتأتي العلاقة بين الخصخصة والاستثمار الأجنبي من ثلاث قنوات هي:
الأولى الأثر المباشر: بصفة خاصة عندما يصاحب الخصخصة عملية تحرير اقتصادي وفتح المجال أمام المزيد من المنافسة، وهو ما يؤدي إلى جذب المستثمرين الأجانب ليس فقط لشراء الشركات التي يتم خصخصتها وإنما للمشاركة في المشروعات الجديدة مثل مشروعات البنى التحتية في مجالات مثل الكهرباء والاتصالات.
الثانية الأثر غير المباشر: حيث تؤدي الخصخصة إلى تطوير أسواق المال والذي عندما تكون مصحوبة بالهيكل الإجرائي المناسب حيث تؤدي إلى جذب محافظ الاستثمار الأجنبي، أكثر من ذلك فان تنمية أسواق المال تشجع الاستثمار الأجنبي المباشر حيث توفر للمستثمرين إستراتيجية سيولة من خلال إمكانية الخروج من السوق.
الثالثة وهي أن قيام الدول بالخصخصة يعطي التزاما واضحا من قبل الحكومة للمستثمرين بتخفيض المخاطر السياسية والتنظيمية، والتي تحول في الغالب دون تدفقات الاستثمار المباشر.
كذلك تعد الخصخصة العامل الرئيس وراء تنمية أسواق المال، حيث تساعد على زيادة حجم السوق من خلال ارتفاع حجم رؤوس الأموال المتداولة في السوق، وتعمق نطاق السوق، من خلال زيادة أعداد حملة الأسهم، وزياد مستويات السيولة فيه، وغالبا ما تكون أسهم الشركات التي يتم خصخصتها هي أهم الأسهم المتداولة في البورصة بعد عمليات الخصخصة، وهناك اتفاق بين الدراسات التي أجريت في مجال الخصخصة على أن خصخصة المشروعات العامة يؤدي إلى تحسين أداء الشركات، سواء من الناحية المالية أو من ناحية العمليات الإنتاجية، حيث وجدت تلك الدراسات أن الملكية الخاصة تتفوق عن الملكية العامة، لأنها توفر حوافز للكفاءة ومن ثم أداء أفضل للشركات، فقد توصلت أكثر من 50 دراسة على آلاف الشركات التي تم خصخصتها في معظم الدول أن أداء الشركات قد تحسن بعد عملية الخصخصة، حيث أصبحت الشركات أكثر كفاءة وأكثر ربحية وتقوم بالمزيد من الإنفاق الاستثماري، وأفضل من حيث أوضاعها المالية العامة.
الخصخصة إذن هي بشكل عام إجراء جيد من الناحية الاقتصادية، وفي رأيي أنه ليس هناك أي تصور يمكن أن يحدث في الكويت، ودول مجلس التعاون، لمرحلة ما بعد انتهاء عصر النفط سوى بتحويل كل قطاعات إنتاج السلع والخدمات في الدولة إلى القطاع الخاص، وإلا فمن أين يمكن أن توفر الدولة مدفوعات الرواتب لهذا الجيش الضخم من الموظفين. مطلوب من الكويت، ودول مجلس التعاون، الآن التخلص من أجهزتها الإنتاجية والخدمية العامة وتحويلها شيئا فشيئا إلى القطاع الخاص استعدادا لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، حيث أن أفضل عمليات الإنتاج وأكفئها هي تلك التي تتم عن طريق القطاع الخاص، وليس عن طريق الحكومة. مشروعات القطاع العام هي مشروعات ليس لها مالك محدد (إنه الدولة)، ليهتم بقضايا التكاليف والأرباح ومستويات الخسائر والكفاءة ومعدلات التوظف المثالية... الخ، ومن ثم فإن الأوضاع تكون أكثر احتمالا بأن تسير على نحو أسوأ في ظل الملكية العامة. باختصار الدولة مدير سيئ للموارد، ولم يحدث أن تحقق في ظل ملكيتها كفاءة استخدام للموارد على النحو الأمثل، ولكن من المؤكد أن عملية الخصخصة لها ضحايا، أهمها جيش الموظفين الذين نشأوا وترعرعوا في ظل مناخ إداري شبه متسيب، والذين يضمنون فرص ترقيتهم فقط استنادا إلى المعيار الزمني، وربما البعض منهم يضمن وصوله إلى أعلى المستويات بسبب الواسطة التي يملكها، أو العائلة التي ينتمي إليها، ناهيك عن ان احتمالات انتشار الفساد الإداري غالبا ما تكون على نطاق أوسع في المشروعات الحكومية. لأسباب كثيرة يفضل التخلص من القطاع العام وتحويله إلى القطاع الخاص، مع محاولة تدنية التكاليف التي سيواجهها المجتمع من جراء هذه العملية، بصفة خاصة على العاملين.
وقد تبنت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2010-2011/2013-2014 الخصخصة كأحد أهدافها الأساسية بالتأكيد في الهدف الثاني للخطة على أن: "القطاع
الخاص هو الذي يقود التنمية وفق آليات محفزة" وقد اكدت الخطة على سعي المخطط إلى تهيئة الظروف والبيئة المواتية والآليات المحفزة ليمارس هذا القطاع دوره المرتقب، وأهمية تنويع هيكل الملكية في الأنشطة الاقتصادية بتقليص هيمنة القطاع العام تدريجيا وزيادة مساهمة القطاع الخاص وتأكيد أهمية الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص ومنها التخصيص كركن أساسي من إستراتيجية الحكومة لدعم مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وقد اكدت الخطة على:
· أهمية توفير احتياجات القطاع الخاص من الأراضي اللازمة للقيام بأنشطته.
· تطوير الأطر التشريعية التجارية والاقتصادية وتشريعات العمل في القطاع الأهلي، بما يواكب التطورات والمعايير العالمية .
· حصر وإزالة كافة المعوقات الإدارية والتنظيمية في بيئة الأعمال وتسهيل وتبسيط إجراءات الاستثمار أمام القطاع الخاص.
· استكمال مشروعات البنية التحتية الأساسية مع تحقيق التكامل والتنسيق فيما بينها، وبما يضمن سهولة استخدامها من جانب المستثمرين.
· إتاحة فرص تطوير أو إقامة بعض مشروعات البنية التحتية للقطاع الخاص.
ولدعم وتوسيع دور القطاع لخاص تبنت الخطة السياسات الآتية:
1. إعادة هيكلة الدور الذي تقوم به الدولة بحيث يفسح المجال بشكل اكبر للقطاع الخاص ليقوم بالدور الأساسي في عمليات الإنتاج والتوظيف والإدارة وتوليد الدخل، وتهدف هذه السياسة إلى نمو استثمارات القطاع الخاص بمعدلات تفوق نظيرتها في القطاع العام.
2. اقتصار دور الدولة على ضمان حسن أداء النظام الاقتصادي من خلال الاضطلاع بمهام التنظيم والرقابة والمتابعة والحفاظ على سيادة القانون والنظام والأمن وتوفير شبكة الأمان الاجتماعي اللازم وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي.
3. تحفيز وتشجيع نمو القطاع الخاص ليمارس دورا أكبر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتهدف هذه السياسة إلى أن ينمو الناتج الإجمالي للقطاع الخاص بمعدل حقيقي يبلغ ( 8.8 %) سنويا مقابل ( 2.7 %) للقطاع العام، وتستهدف خطة التنمية تخصيص استثمارات للقطاع الخاص تمثل 54 % من إجمالي الاستثمارات في السنة الأخيرة من خطة التنمية مقارنة بحوالي 26 % فقط من إجمالي الاستثمارات في سنة الأساس، وتسعى خطة التنمية بذلك إلى فتح المجال واسعاً أمام القطاع الخاص لتنفيذ العديد من المشاريع التي كان يعهد بها إلى القطاع العام.
4. تبنى منهج الإصلاح الاقتصادي القائم بشكل رئيسي على شراكة القطاع الخاص والقطاع العام ومبدأ تخصيص العديد من الأجهزة والمؤسسات الحكومية.
5. إسناد تنفيذ بعض المشاريع الكبرى كاملة أو بالمشاركة مع القطاع الخاص، ومن ابرز هذه المشاريع مشروع مدينة الحرير. ويقترح أن تؤسس شركة لإدارة هذا المشروع تكون مهمتها الأساسية توفير البنى التحتية وإتاحتها للقطاع الخاص، مثله مثل بقية المشاريع الكبرى الواردة في خطة التنمية
6. تبني الأشكال المختلفة لأوجه التعاون بين القطاعين العام والخاص وبصفة خاصة مع إدخال التعديلات اللازمة على القانون (B.O.T) نظام البناء والتشغيل والتحويل ليصبح أكثر تشجيعا للمواطنين وبما يحقق الرؤية والأهداف الإستراتيجية.
7. تحفيز القطاع الخاص لتنفيذ عدد من المشاريع الحكومية عبر طرح النسبة الأكبر من المشروعات الكبرى في 4 مجالات رئيسية (مدينة الحرير- الموانئ الجديدة - محطات الكهرباء والماء - المدن الرياضية) مع وضع الضوابط بما يضمن الشفافية الكاملة وتكافؤ الفرص للجميع.
8. السعي إلى إصدار التشريعات اللازمة لخلق بيئة أعمال أفضل لقطاع الأعمال الخاص والمبادرات الفردية بما في ذلك مناخ الأعمال للاستثمار الأجنبي المباشر. وذلك من خلال معالجة القيود والعوائق الإدارية في مجال الأعمال، والقضاء على الإجراءات البيروقراطية المطولة عند التعامل مع الإدارات الحكومية، وخفض تلك القيود إلى حدها الأدنى إجرائيا وزمنيا. وتستهدف هذه السياسة تخفيض إجراءات بدء الأعمال من 13 خطوة حالياً إلى 4 خطوات من خلال منفذ واحد، واختصار المدة الزمنية لها من 35 يوماً إلى 6 أيام فقط.