الاثنين، يوليو ١٨، ٢٠١١

تكاليف الربيع العربي


منذ ان اندلعت الثورات العربية بعد إقدام محمد بوعزيزي على إحراق نفسه نتيجة لقيام شرطية بصفعه على وجهة لإجباره على الخروج من سوق الخضار لعدم حصوله على الترخيص الذي يؤهله لبيع الخضراوات، وهي الصفعة التي زلزلت العالم العربي في خمس دول حتى الآن والبقية أخذت تعالج أوضاعها حتى لا تتعرض لما تعرضت إليه هذه الدول الخمس. الأمر المثير للاستغراب ان المواطن العربي في كافة أنحاء العالم العربي كان وما زال يتعرض لملايين الصفعات يوميا، إلا ان هذه الصفعة كان لها تأثير خاص، ربما لأنها أتت من امرأة.
انتحار بو عزيزي أشعل نار الثورة بين الجماهير المقهورة في تونس على الطاغية بن علي الذي نشر الفساد في أنحاء تونس، وانتهت الثورة بهروبه أو ربما بإجباره على الهروب لا أحد يعلم الحقيقة الكاملة حتى الآن، لكن سقوط النظام التونسي كلف الثوار في تونس 219 شهيدا، أو بمعدل 20.9 شهيدا لكل مليون من السكان، كما يتضح من الجدول التالي الذي اعدته الاكونوميست عن تكاليف الربيع العربي.

بعد سقوط النظام في تونس كانت الثورة تستعد لخلع الديكتاتور الثاني في العالم العربي والذي تطلب أمر خلعه 18 يوما فقط، وقد تكلف خلع مبارك 846 شهيدا، أو بمعدل 10.4 شهيدا لكل مليون من السكان.
في ثورتي الشعب التونسي والمصري وقف الجيش في هاتين الدولتين بجانب الشعب ورفض إطاعة أوامر الرئيسين بإطلاق النار على جموع المتظاهرين لفض التظاهرات، وقد كان لوقفة الجيشين الوطنية في هاتين الدولتين أبلغ الأثر في سرعة التخلص من الديكتاتورين وبأقل التكاليف المادية.
ما ان انتهى الشعب المصري من خلع مبارك حتى اندلعت الثورة الليبية واليمنية والسورية، والتي ما زالت مشتعلة حتى هذا اليوم دون تحقيق تقدم يذكر في خلع ديكتاتوري هذه الدول. وما زالت هذه الدول تدفع تكاليف ضخمة لعدم الإنهاء السريع للنظم الرئاسية في هذه الدول، ولعل أهم العوامل التي ساعدت على ذلك هي عدم وجود جيش وطني في هذه الدول الثلاث، وإنما جيوش تعمل لحساب الحاكم وليس لحساب الشعب، بصفة خاصة الجيش الليبي، والذي هو في الأساس عبارة عن كتائب خاصة شكلها أبناء القذافي للدفاع عن النظام، ولذلك سوف تستمر الأوضاع على حالها حتى تقف جيوش هذه الدول وقفة وطنية لأول مرة في حياتها وتقف بجانب شعبها، وتدرك ان مهمتها الأساسية هي حماية الشعب وليس حماية كرسي الحاكم.
أكثر الثورات العربية دموية هي ثورة الشعب الليبي، والذي على أثرها قام الرئيس المعتوه بإصدار الأوامر إلى كتائبة بإبادة الثوار، ولكن العالم كان له بالمرصاد، فتم تمرير قرار سريع في مجلس الأمن لوقف الاعتداء على الشعب الليبي وتمكين هذا الشعب المسكين من تقرير مصيره. حتى هذه اللحظة لا نعرف ما هي تكلفة الثورة الليبية البشرية، ولكن لدينا علم بمدى الخراب الذي خلفه معتوه ليبيا في بلاده، لأنه فيما يبدو اقسم إلا يتركها إلا وهي خاوية على عروشها، وكأن ليبيا كانت عزبة تركها له والد هذا المعتوه.
ثاني أكثر الثورات العربية دموية هي الثورة السورية، والتي حصد نتيجتها جيش النظام حتى الآن حوالي 1300 قتيل، أو بمعدل 63.7 قتيلا لكل مليون من السكان، وما زال العداد يعد المزيد من القتلى كل يوم، حتى يفيق الجيش السوري ويقف بجانب الشعب، وهي في رأيي مسألة وقت، وأنه ربما لا يطلع العام القادم على سوريا والأسد يجلس على كرسيه.
الثورة في اليمن لم تنته بعد، وان كانت قد أصابت الرئيس اليمني إصابات سوف تترك آثارها عليه حتى نهاية عمره، هذا إذا لم يتم اغتياله عند عودته إلى اليمن. ثورة اليمن تسببت في قتل حوالي 200 شخص، بمعدل 8.3 لكل مليون، وهو أقل معدل للخسائر البشرية في ثورات الربيع العربي.
وأخيرا، فإن الأوضاع في البحرين تختلف إلى حد ما عن الحال في باقي الدول العربية، وان كلفت الاضطرابات التي حدثت في البحرين حوالي 29 قتيلا، أي بمعدل 23 لكل مليون من السكان.
التقديرات التي تنشرها الاكونومست في هذا الجدول تقوم على الإحصاءات التي تنشرها جمعية حقوق الإنسان الدولية، غير أن الإحصاءات الفعلية لحالات القتل قد تكون اكبر من ذلك بكثير.
الربيع العربي مستمر، وأعتقد ان الأمة العربية التي عاشت فترة مظلمة من تاريخها الحديث في ظل قيادات ديكتاتورية، تعيش حاليا ظروفا استثنائية، ومن المؤكد ان هذا القرن سوف يشهد تاريخا مختلفا للعرب في ظل نظم تحترم وتنطلق من الشعب وتعمل لحساب وصالح الشعب وهمها الاساسي هو رفع مستوى الانسان العربي ودفع قدراته وامكانياته على الانتاج والابداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق