الجمعة، نوفمبر ١٣، ٢٠١٥

الآثار الكارثية للتحكم في نوع المولود

معدل الذكور للإناث هو عدد الذكور لكل مئة من الإناث في المراحل العمرية المختلفة. القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى لهذا الكون تضمن له التوازن الرشيق في كل جوانبه. من تلك القوانين أن أعداد الذكور تكون أكثر من أعداد الإناث عند الولادة بشكل عام، غير أن حالات الوفيات بين الذكور تأخذ في التزايد بعد ذلك لعوامل عديدة بحيث يكون معدل الذكور للإناث في المتوسط مئة لكل مئة تقريبا، ويعود التوازن بين النوعين.
يرجع العلماء اختلال معدل الذكور إلى الإناث إلى عوامل عديدة منها العوامل الطبيعية، أو كثرة التعرض للحشرات وغيرها من العوامل البيئية الملوثة، وبالطبع الحروب، وعمليات الإجهاض والوأد لنوع معين من المواليد، والذي غالبا ما يكون الإناث، عن الآثار الكارثية لهذا السبب الأخير أتحدث اليوم.
صناعة تحديد نوع المولود ليست جديدة في عالم الطب. ففي بعض الدول تنتشر عيادات الخصوبة التي تهدف إلى منح الأسر النوع الذي ترغب فيه من الأطفال. حيث تشير الدراسات في الدول الصناعية إلى أن الآباء الذين لديهم طفلان أو ثلاث من نفس النوع غالبا ما يرغبون إنجاب طفل من النوع الآخر، بهدف تحقيق التوازن بين النوعين في الأسرة. حيث تجرى عمليات التخصيب المختبرية لاختيار جنين بالنوع المطلوب قبل أن تتم زراعته في رحم الأم، وهي عملية مكلفة نسبيا ولكنها محدودة من حيث العدد بشكل عام.
في الدول النامية او منخفضة الدخل أو حينما يكون اختيار نوع الجنين محظورا، مثل الصين، تتم عملية الانتقاء من خلال إجهاض الجنين غير المرغوب. منذ السبعينيات انتهجت الصين سياسة قاسية للحد من النسل بحظر إنجاب الأسر لأكثر من طفل، وفي ظل هذه الظروف فإن تفضيلات الزوجان تتجه نحو اختيار الطفل الوحيد من النوع الذي ترغب في أن يصاحبهما طوال حياتهما، والذي غالبا مرة أخرى ما يكون ذكرا.
على المستوى الجزئي تقوم الأسر بانتقاء نوع الجنين وهي لا تعتقد أن مثل هذا السلوك ضار على المستوى الكلي، حيث ترى الأسرة أن ذلك ربما يكون من حقها، حتى لو اضطرت الى تحدي القوانين الإلهية في هذا المجال. غير أنه عندما يتم هذا الأمر على مستوى جماعي فإن مشكلات خطيرة تترتب على ذلك، وهذا ما يحدث حاليا في الصين.
التحيز نحو الذكور أكثر انتشارا في الدول النامية، ومنها آسيا، وتفضيل الذكور يرتفع بين الأسر في الصين، لذلك يلجأ الكثير منها إلى اجهاض الجنين إذا اكتشفت أنه أنثى. النتيجة الطبيعة لهذا السلوك هي تزايد أعداد الذكور بالنسبة للإناث. وفقا للبيانات المتاحة فإن الأمهات في الصين ينجبن 118 ذكرا في مقابل كل مئة أنثى، على خلاف الحال في باقي دول العالم حيث يتراوح هذا المعدل ما بين 103-107. نتائج هذا الخلل النوعي هي انتشار ندرة الإناث بالنسبة للذكور.
في عام 2010 كان هناك حوالي 51 مليون ذكر أكثر عن الإناث في الصين، وهؤلاء يطلقون عليهم في الصين عبارة "الأغصان العارية، وتشير التوقعات إلى أنه في عام 2030 سوف يكون هناك حوالي 100 مليون أنثى في الفئات العمرية 30-50 سنة، أقل من العدد اللازم لإحداث التوازن بين الذكور والإناث، وقد وصف المسئولون في وزارة الصحة الصينية هذا الاختلال بين الذكور والإناث على أنه الأخطر والأطول أثرا في العالم، باعتباره أحد الآثار المباشرة لسياسة الطفل الواحد، ووفقا لمعظم المراقبين فإن فجوة الذكور تمثل أزمة سكانية خطيرة للصين.
على الرغم من تخفيف الصين للقيود على الإنجاب والسماح مؤخرا بإنجاب طفلين لكل أسرة، فإن المشكلة أصبحت قائمة وأن على الصين أن تبدأ من الآن التعامل مع قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية في غاية الخطورة. من جانب آخر فإن عملية تعديل هذا معدل الذكور للإناث سوف تتطلب وقتا طويلا وزيادة كبيرة في معدلات الخصوبة حتى يتعدل المعدل الى المستويات الطبيعية. فالأسر القائمة حاليا يجب أن تكون معدلات الخصوبة لديها أعلى حتى من تلك المسموح بها في ظل سياسة الطفلين لكل أسرة لكي تتمكن الصين من موازنة النمو في سكانها وتعديل العلاقة بين النوعين.
ولكن ما هي الآثار التي تترتب على اختلال العلاقة بين أعداد الذكور والإناث؟ لا شك أن كوارث الانتقاء النوعي ليست هينة، وستدفع الصين ثمنا لا نستطيع التعرف على أبعاده اليوم، ولكن بالتأكيد سوف نتعرف عليه في المستقبل. إذ كيف أن توفر الصين 100 مليون أنثى في 2030 حتى يمكن إحداث التوازن بين النوعين؟
من المتصور مثلا أن تسمح الصين للذكور بالزواج من الدول المجاورة ومن ثم تجنيس الأبناء من أم غير صينية، ولا شك أن هذا الحل له تعقيدات كثيرة. فهل ستسمح سياسات الهجرة باستيعاب 100 مليون مهاجرة من الإناث؟ والأهم من ذلك هل تستطيع الدول المجاورة أن تستوفي هذا الطلب دون أن تحدث لديها ذات المشكلة؟
أو ربما تنتشر تؤدي ندرة الإناث إلى انتشار أنشطة الاتجار في البشر من خلال تهريب الإناث الى الصين، وما يصاحبها من انتشار بعض اشكال الأنشطة غير الأخلاقية الأخرى المرتبطة بالاتجار في البشر. ولكن هل يمكن تهريب 100 مليون أنثى في ذلك الوقت: مرة أخرى فإن هذه عملية غير متوقعة، ناهيك عن أبعادها السياسية والسكانية والأمنية. أو ربما قد تنجرف الصين انجرافات شاذة نتيجة ارتفاع أعداد الذكور.
ولكن إذا كان تعديل الاختلال النوعي غير ممكن بهذه الأساليب، فلا شك أن الصين ينتظرها قدر هائل من المشكلات المرتبطة بهذه الظاهرة، فالدراسات حول الموضوع في الصين توصلت الى ارتفاع درجة عدم الاستقرار الاجتماعي مع تزايد أعداد الذكور حيث تزايدت جرائم خطف الاناث والاتجار في الإناث عبر الحدود وارتفاع جرائم الاغتصاب، كذلك وجدت الدراسات أن الذكور في سن 24-35 غير المتزوجين تصل معدلات جرائم القتل بينهم ثلاثة أضعاف من هم في ذات السن من المتزوجين. فعندما تتزايد فجوة الذكور فإن ذلك يعني أن عدد كبيرا منهم سوف يبقى بدون زواج وهو ما يرفع من احتمالات انتشار الجرائم أو السلوك العنيف أو غير الملائم اجتماعيا.
اقتصاديا سوف يكون الزواج مقصورا على مرتفعي الدخول الذين سيتمكنون من استيفاء متطلبات المنافسة على العدد الأقل من الإناث، بمعنى آخر سوف يتحول الزواج إلى منافسة سوف يكون الذكور الفقراء خارج نطاقها، وبالتالي تتعقد الأبعاد الاجتماعية للظاهرة. من جانب آخر فإن نقص الإناث يعني انخفاض عمليات تكوين الأسر، الأمر الذي يتوقع معه أن تنخفض معدلات الادخار الأسري. كذلك يترتب على ارتفاع معدلات الجريمة التأثير السلبي على الإنتاجية ومستوى المهارات للذكور، ومن المعلوم ان ارتفاع معدلات الجريمة يصاحبه انخفاض في الإنتاجية.
من جانب آخر فإن أحد أخطر التحديات التي تواجه الصين حاليا هي مشكلة الشيخوخة، والتي ستعني أنه في المستقبل سوف يصبح عدد العمال منخفض جدا بالنسبة لعدد المعالين من الشيوخ، وهو الأمر الذي يقتضي ضرورة رفع معدلات الانجاب، لرفع القدرة على الإعالة. غير أن ارتفاع معدل الذكور يقلل من احتمالات النمو السكاني في الوقت الذي سوف تكون فيه الصين أحوج ما تكون الى النمو السكاني لمواجهة ظاهرة شيخوخة السكان، ولا شك أن هذه كلها مشكلات نشأت أساسا من التدخل البشري في أحد القوانين الإلهية المرتبطة بالنمو السكاني. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق