السبت، نوفمبر ٢١، ٢٠٠٩

كرة القدم: عدو العروبة القادم

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية يوم الخميس 26 نوفمبر 2009.

سبق أن تناولت موضوع الصعود المثير للعبة كرة القدم على المستوى العالمي، حيث أصبحت اللعبة بعد انتشار الفضائيات والقنوات الرياضية المتخصصة، محط الاهتمام الأول لجماهير العالم، وبسبب أن اللعبة أصبحت مربحة للنوادي المختلفة، فقد تحولت إلى صناعة شبه عالمية، ترصد لها الميزانيات الضخمة لجذب أفضل العناصر إلى صفوف النوادي سعيا وراء التوزيع الأكبر للسلعة (خدمة مشاهدة اللعبة من قبل مستهلكيها من المشتركين في القنوات المتخصصة)، أو السلع المكملة لها (خدمات الإعلان المختلفة، سواء عند إذاعة المباريات، أو في فناء الملاعب، أو حتى على ملابس اللاعبين). وقد بلغت أسعار اللاعبين مستويات غير معقولة، سبق أن أطلقت عليها عبارة بالون أسعار لاعبي كرة القدم. حيث يتجاوز حاليا سعر بعض اللاعبين المائة مليون دولار.

نحن أمام صناعة لا يمكن وصفها بأنها هينة، بل بالعكس، أعتقد أننا أمام صناعة عولمية، حيث أصبح مشجعو النوادي لا يقتصرون على النوادي المحلية، وإنما امتد تشجيعهم أيضا للنوادي الدولية، مثل الأرسنال، وبرشلونة، مانشستر يونايتد... الخ. هذه النوادي قبل انتشار الفضائيات الرياضية، كنا نقرأ عنها فقط في الصحف، أما الآن فقد انتشر مشجعوها في كافة أنحاء العالم، وهم، بفضل التكنولوجيا، يحرصون على متابعة مبارياتها بصورة أسبوعية. أكثر من ذلك أصبحت الفيفا منظمة ذات أهمية عالمية، ورئيس الفيفا شخص مهم للغاية، يستقبل استقبالا رسميا مثلما يتم استقبال رؤساء الدول. والمسابقات التي تنظمها الفيفا هي أهم المسابقات الرياضية في العالم.

لم أكن أعلم أن لعبة كرة القدم خطيرة إلى هذا الحد حتى بدأ الإعداد لنهائيات كأس العالم بين مصر والجزائر الشقيقتين العربيتين، والأحداث المؤسفة التي تبعت اللقاءات في الجزائر والقاهرة والخرطوم. حيث تحولت المباريات إلى شبه موقعة حربية بين البلدين، يتم تجييش الجيوش، واستخدام الطائرات الحربية لنقل المشجعين لحضور الموقعة. بل لقد تطور الأمر بأن أصبح الاستعداد للمباراة يقتضي، ليس فقط حجز تذكرة لحضور المباراة، وإنما ضرورة التسلح بكل ما يمكن للفرد حمله من أسلحة بيضاء، حتى هذه اللحظة، وربما بالأسلحة الآلية لاحقا، لإرهاب الطرف الآخر.

ما ان انتهت الأحداث المؤسفة، حتى انبرى إعلام البلدين في حملات منظمة ضد الآخر، ووصف الآخر بأقذع الصفات، خارج حدود ما اعتاد عليه الخطاب الاعلامي بين البلدين، وبالشكل الذي قضى تماما على أي أواصر للأخوة أو المحبة بين 140 مليون شخص، هم النسبة الأكبر من السكان العرب، بحيث انتهى الامر باستداعاء سفيري البلدين، في أخطر أزمة سياسية بين البلدين. ولا أعتقد أن البلدين من الآن فصاعدا يصلحان لأن يتباريا في أي مسابقة قادمة لكرة القدم بينهما. كرة القدم، والإعلام الرخيص، والغوغاء، قضيا في أيام معدودة على أواصر عميقة تكونت عبر مئات السنوات للأخوة والمحبة والنسب بين بلدين شقيقين. ولا أعتقد، بالنظر إلى حجم الحملات الإعلامية في البلدين، ومدى الكره العميق الذي أصبح سكان البلدين يحملونه لبعضهم البعض، على الأقل بين العامة من سكانهما، أن الأمور سوف تعود إلى ما كانت عليه قبل التصفيات اللعينة لكأس العالم بين البلدين، في الأجل القصير أو ربما في المدى المتوسط.

من الواضح أن التعصب الشديد للعبة كرة القدم، أصبح يشكل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة بين بلدين شقيقين من العرب، لكي تأتي على الأخضر واليابس من علاقات المحبة والأخوة والصداقة بينهما. في رأيي بعد ما شاهدت هذا الصراع الكريه على هذه اللعبة التي أصبحت أكرهها، أن كرة القدم مرشحة وبجدارة لأن تصبح العدو الأول القادم للعروبة والانتماء إليها، وهي مصدر كامن من الدرجة الأولى للفتنة. بل إنها أصبحت تمثل تهديدا يفوق ما تمثله إسرائيل من تهديد حاليا بالنسبة للعرب، بل ومن الممكن أن تفعل بنا، ما لم تستطع أن تفعله إسرائيل منذ نشأتها حتى الآن. ولا أستبعد أن توجه اسرائيل من الآن فصاعدا هذا السلاح الفتاك الى صدورنا. ففي مصر مشجعين كثيرين للعبة وفي المملكة العربية السعودية كذلك، وفي الكويت هناك مشجعون للعبة، وفي البحرين كذلك، وفي قطر، وفي عمان كذلك، شعوب هذه الدول يمكن ان تخسر علاقاتها الأخوية، في لحظة ضعف أمام نتيجة مباراة للعبة خائبة.

أعتقد أنه أصبح من الضروري الإسراع بضرورة مواجهة ظاهرة التعصب الكروي المقيت، وعلى أعلى المستويات وبكافة السبل الممكنة، من جانب عقلاء العرب كي يحافظوا على وحدتهم، قبل أن تسلبهم إياها لعبة رخيصة.

هناك تعليقان (٢):

  1. ارى ان ما حدثة بين مصر والجزائر هو امر طبيعي يحدث منذ زمن بالاحداث الرياضية على مستوى العالم
    ولكنه غريب على مستوى العربي في الوقت الذي نحتاج ان توحد نحن العرب نتفرق من اجل كره
    اتمنى ان تتوقف هذه الاحداث
    ونقف بجانب الجزائر لانها الدولة العربية الوحيدة التي تمثلنا.

    ردحذف
  2. أختلف معك في أن ما يحدث أم طبيعي، لا يمكن وصف ما حدث بأنه شئ طبيعي، ربما لو كنت مقيما في الجزائر أو في مصر، سوف تدرك ان الامور ليست طبيعية أبدا. خوفي هو في تبعات هذا التعصب الذي يمكن ان يفعل بنا الافاعيل، خصوصا وأن الكثير منا لا يتعامل مع الامور بشئ من العقلانية.

    ردحذف