لم يحدث أن أقدمت البنوك المركزية في العالم على زيادة احتياطياتها من الذهب مثلما فعلت العام الماضي، فقد تزايدت الاحتياطيات المجمعة للبنوك المركزي من الذهب بحوالي 425.4 طن متري من الذهب، لترتفع احتياطيات البنوك المركزية من الذهب إلى 30116.9 طنا متريا من الذهب وهي أكبر زيادة في احتياطيات البنوك المركزية من الذهب منذ عام 1968.
من الناحية التقليدية كان ينظر إلى الذهب على أنه أهم مكونات الاحتياطيات الدولية للبنوك المركزية في العالم، والتي كانت حتى وقت قريب تتكون من الذهب النقدي (السبائك الذهبية) الذي تحتفظ به البنوك المركزية للدول، واحتياطيات الدولة من العملات الأجنبية، بصفة خاصة الدولار، وحصة الدولة في صندوق النقد الدولي. بمرور الوقت تراجعت أهمية الذهب كمكون من مكونات الاحتياطيات الدولية لدى البنوك المركزية، لدرجة دفعت بعض البنوك المركزية في العالم مثل البنك المركزي البريطاني (بنك اوف انجلاند) إلى التخلص من جانب من رصيده الذهبي لتخفيض تكلفة تخزين الذهب، حيث تمت عمليات البيع للذهب من خلال عدة مزادات بين عامي 1999 إلى 2001، تم خلالها بيع حوالي 395 طناً من الذهب بمتوسط سعر بلغ أقل قليلا من 275 دولاراً للأونصة. وفي عام 2009 أعلن صندوق النقد الدولي أنه باع إلى بنك الاحتياطي الهندي 200 طن من الذهب بمتوسط سعر بلغ 1045 دولاراً للأونصة. لم يكن بنك اوف انجلاند هو الوحيد الحريص على بيع الذهب، حيث باع بنك الاحتياطي الأسترالي ثلثي احتياطياته من الذهب عام 1997، كما قام البنك الوطني السويسري ببيع نصف احتياطياته من الذهب - 1300 طن، وهو ما يعني حدوث تهميش لدور هذا المعدن الثمين في الاحتياطيات الدولية.
ومن المعلوم أن الذهب هو معدن الأزمات، حيث يلجأ العالم إليه باعتباره المخزن الأفضل للقيمة للخصائص العديدة التي يتمتع بها ولا يتمتع بها غيره من المعادن. ارتفاع أسعار الذهب بالصورة التي حدثت جذب أنظار العالم مرة أخرى إلى الذهب وبدأت بعض البنوك المركزية، خصوصا في الدول الناشئة في التفكير في زيادة احتياطياتها منه، بعكس الاتجاه الذي ساد بين كبرى البنوك المركزية في العالم. أهم الدول التي أضافت الذهب إلى احتياطياتها هي الهند وروسيا والصين. حاليا البنوك المركزية في العالم تحتفظ بحوالي 18% من الذهب الذي تم إنتاجه في العالم، يتوقع ان تضيف البنوك المركزي ما بين 187-218 طنا من الذهب إلى احتياطياتها هذا العام. بهذا الشكل يتحول الذهب إلى ثاني أكبر المكونات الاحتياطيات الدولية في البنوك المركزية في العالم.
الشكل التالي يوضح مخزون البنوك المركزية الرئيسية من الذهب في العالم. لاحظ من الشكل أن اكبر مخزون للذهب النقدي في العالم تملكه الولايات المتحدة، حوالي 9000 طن، تليها ألمانيا، ثم صندوق النقد الدولي. مخزون صندوق النقد الدولي من الذهب تكون أساسا من حصص الدول الأعضاء فيه، حيث ان نظام الحصص (مساهمات الدول في رأس مال الصندوق) كان ينص على ان تقوم الدولة بدفع حصتها على صورة ذهب نقدي (بنسبة 25% من الحصة)، وعملتها الوطنية (بنسبة 75% من الحصة). حاليا يقوم صندوق النقد الدولي ببيع جانب من رصيده الذهبي لتكوين احتياطيات تمكنه من توسيع عمليات الائتمان التي يمنحها للدول الأعضاء فيه.
وقد شهد العام الماضي أعلى معدلات الارتفاع في سعر الذهب حيث بلغ سعرا تاريخيا يصل إلى 1226.56 دولارا في ديسمبر 2009. غير أن الأسعار المرتفعة للذهب حاليا قد تمنع البنوك المركزية في العالم من إضافة المزيد من الاحتياطيات الذهبية إلى رصيدها القائم.
تفضيل الذهب النقدي لم يعد يقتصر على البنوك المركزي فقط، وإنما دخل المضاربون على الخط، فهناك أيضا تفضيل واضح للاحتفاظ بالذهب بدلا من العملات من قبل المستثمرين بشكل عام حاليا، وهذا هو مكمن الخطورة الذي أراه على مستقبل أسعار الذهب. فمن المعروف أن الذهب كأصل ليس له أي عوائد مالية مثل باقي الأصول المالية الأخرى كالسندات مثلا، وإنما يقتصر العائد المحقق من الذهب كأصل على الارتفاعات المتوقعة في سعره. ومن ثم طالما ان هناك ضغوطا للمضاربة على سعر الذهب نحو الارتفاع، فانه سوف يواصل الارتفاع ويحقق للمستثمرين فيه معدلات للعائد تعتمد على معدل الارتفاع في السعر، وعندما يتوقف سعر الذهب عن الارتفاع، فان الاحتفاظ بالذهب النقدي سوف يكون مكلفا، ومن ثم فان تكلفة الفرصة البديلة له كأصل سترتفع بالنسبة للمستثمرين، وهو ما سيدفعهم إلى التخلص منه للحفاظ على معدلات معقولة من العوائد على محافظهم الاستثمارية، وهنا يمكن أن تنفجر فقاعة أسعار الذهب الحالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق