الثلاثاء، يونيو ٠٨، ٢٠١٠

إعادة التفكير في العملة الخليجية الموحدة 2: هل دول مجلس التعاون منطقة عملة مثلى

نشر في جريدة الوطن البحرينية يوم الثلاثاء 8/6/2010
في الأسبوع الماضي تناولنا الخصائص الهيكلية لدول مجلس التعاون كشرط لتبني اتحاد نقدي ناجح، وتوصلنا إلى أنه بسبب الطبيعة الهيكلية لدول المجلس فإن تبني مشروع الاتحاد النقدي ومن ثم تنفيذ سياسة نقدية موحدة لن يحقق أي فائدة لدول المجلس لإحداث الاستقرار الاقتصادي المطلوب، أو لتمكين السياسة النقدية الموحدة من تحقيق مستهدفاتها المتوقعة في اتحاد نقدي. اليوم نحاول الإجابة على سؤال مهم وهو "هل دول مجلس التعاون تمثل منطقة عملة مثلى"، حتى يمكنها بالفعل أن تتبنى مشروع الاتحاد النقدي ومن ثم إصدار عملة موحدة لكي تحقق الفوائد المرجوة من وراء هذا الاتحاد؟.

منطقة العملة المثلى هي مجموعة من الدول التي تشترك في مجموعة من الخصائص وتستوفي مجموعة من الشروط التي تجعل هذه الدول مؤهلة لكي تتبنى اتحادا نقديا فيما بينها وتطلق عملة موحدة ناجحة، وتحقق بالتالي الفوائد المتوقعة من مثل هذا الاتحاد النقدي ومثل هذه العملة الموحدة. وتشير الكتابات النظرية في هذا المجال إلى مجموعة من الشروط الواجب توافرها في دول الاتحاد النقدي حتى تصبح منطقة عملة مثلى، وهذه الشروط هي كالآتي:

1. تماثل الدورات الاقتصادية للدول الأعضاء. يجب أن تتسم دول منطقة العملة المثلي بتماثل الصدمات الاقتصادية الكلية التي تتعرض لها تلك الدول، حتى تصبح تكلفة التعديل في مواجهة تلك الصدمات والتكيف معها اقل عندما تواجه الدول الأعضاء نفس الصدمات، وذلك بالمقارنة مع حالة مواجهة تلك الدول لصدمات لا متماثلة، خاصة وان الدول الأعضاء بموجب الاتحاد النقدي لن يكون لديها استقلالية في إدارة سياساتها الاقتصادية، وبصفة خاصة السياسة النقدية، وبالتالي فعندما تتعرض المنطقة لضغوط انكماشية فإن جميع الدول في فيها ستعاني من هذه الضغوط، وحينما تتعرض المنطقة لضغوط تضخمية فإن كافة الدول الأعضاء في المنطقة ستواجه نفس الضغوط وهكذا، حتى لا تكون هناك دولة تواجه كسادا بينما هناك انتعاشا اقتصاديا في باقي الدول الأعضاء والعكس.

هذا التماثل في الدورات الاقتصادية يعد شرط هاما جدا لتمكين الاتحاد النقدي من أن يتبع سياسة نقدية موحدة بسهولة، بحيث يسهل إحداث الاستقرار الاقتصادي المطلوب في كافة الدول، أما عدم تماثل الدورات الاقتصادية فسوف يجعل من السياسة النقدية الموحدة مشكلة بالنسبة لبعض الدول الأعضاء، حيث ستساعد بعض الدول بينما ستعقد الأوضاع بالنسبة للبعض الآخر. على سبيل المثال إذا كانت دولة ما تواجه ضغوطا تضخمية بينما يواجه باقي الدول الأعضاء ضغوطا انكماشية، فان إتباع سياسة نقدية توسعية لمساعدة الجانب الأكبر من الأعضاء في الاتحاد النقدي سوف يترتب عليه الإضرار بالدولة التي تواجه ضغوطا تضخمية وسيرفع درجة سخونة اقتصادها، أما إذا كانت دولة ما تعاني من ضغوطا انكماشية بينما تواجه باقي الدول الأعضاء ضغوطا تضخمية، فإن تقييد السياسة النقدية سوف يساعد الدول التي تواجه ضغوطا تضخمية، بينما يعقد الأوضاع في الدولة التي تواجه ضغوطا انكماشية، وهكذا.

وعلى الرغم من تتمتع دول مجلس التعاون بتشابه كبير في هياكلها الاقتصادية، ومن هذا المنطلق فإنها جميعا عرضة لصدمات اقتصادية متماثلة، إلا أن المشكلة الأساسية تتمثل في أن هذه الصدمات في معظمها صدمات خارجية، حيث يعتمد الأمر على أوضاع السوق العالمي للطاقة، وحيث لا تفلح إجراءات السياسة النقدية الموحدة في التخفيف من أثر هذه الصدمات على الدول الأعضاء.

2. مرونة عملية تحديد الأجور والأسعار. تعد مرونة عملية تحديد الأجور لعنصر العمل وكذلك أسعار السلع والخدمات شرطا ضروريا لمنطقة العملة المثلى، حتى تتمكن الدول الأعضاء من تعديل الأسعار، بصفة خاصة الأجور في حالات الكساد أو الرواج بما يساعد على امتصاص اثر الصدمات الاقتصادية التي يمكن ان يتعرض لها الأعضاء بسهولة. على سبيل المثال في حالة تعرض دولة ما لضغوط انكماشية، فان مرونة تحديد الأجور (نحو الانخفاض) سوف تساعد على رفع مستويات التشغيل ومعالجة مشكلة البطالة، على الأقل بشكل جزئي، كما أن مرونة تحديد الأسعار سوف تدفع بها نحو الانخفاض مما يرفع من القدرة التنافسية للدولة، وهو ما يزيد من مستويات الطلب الكلي.

وبالنسبة لدول المجلس يلاحظ أن مرونة عملية تحديد الأجور تختلف بصورة واضحة بين كل من العمالة الوطنية والعمالة الوافدة في أسواق العمل بدول مجلس التعاون، حيث تتسم أسواق العمل في تلك الدول بالتجزئة الشديدة، في ظل وجود سوقين منفصلين إلى حد كبير للعمل. حيث نجد أن العمالة الوطنية، وبصفة خاصة العمالة مرتفعة التأهيل تفضل العمل في القطاعين الحكومي والعام، بسبب العديد من المزايا أهمها ارتفاع مستويات الأجور وعبئ العمل المنخفض وضمان الترقي بصورة شبه أوتوماتيكية.. الخ. وعلى ذلك نجد أن أجور العمالة الوطنية إلى حد كبير لا تتحدد وفقا لقوى العرض والطلب في سوق العمل، وإنما تعد احد متغيرات السياسة الحكومية في توظيف قوة العمل الوطنية. وفي ظل هذه الأوضاع لا يتوقع أن تتغير مستويات الأجور للعمالة الوطنية وفقا لاتجاهات العرض والطلب في سوق العمل، حيث أن مرونة عرض العمل بالنسبة للأجور تعد محدودة جدا.

على الجانب الآخر يمكن القول بأن عملية تحديد الاسعار تتسم بقدر كبير من المرونة، غير أن هذه الدول لا تجد ما تصدره غير النفط تقريبا حتى تستفيد من المرونة المفترضة لعملية تحديد الاسعار في اوقات الضغوط الانكماشية، والعكس في حالة الضغوط التضخمية.

3. سهولة انتقال عناصر الإنتاج. تعد حرية انتقال عناصر الإنتاج، بصفة خاصة رأس المال والعمل من المتطلبات الأساسية لقيام اتحاد نقدي ناجح، حيث تساعد حرية الانتقال في تسهيل عملية التعديل والتكيف مع الصدمات الاقتصادية الكلية التي تواجهها دول الاتحاد. على سبيل المثال، تساعد حرية انتقال عنصر العمل على معالجة مشكلة ارتفاع مستويات البطالة في بعض دول الاتحاد، حيث تؤدي حرية انتقال العمال من الدولة التي ترتفع فيها مستويات البطالة إلى الدول الأخرى في الاتحاد إلى التخفيف من حدة مشكلة البطالة على مستوى الاتحاد، كذلك الحال في حالة وجود فائض أو عجز في رأس المال في احد دول الاتحاد، تعمل حرية انتقال رأس المال على التغلب على مشكلات سوق رأس المال. وإذا ما استعرضنا حرية انتقال عنصر العمل بين دول المجلس نلاحظ أن احد الخصائص الأساسية لدول مجلس التعاون هو ارتفاع نسبة العمالة الوافدة إلى إجمالي العمالة في أسواق العمل بتلك الدول، حيث تسيطر العمالة الوافدة على أسواق العمل الوطنية، بصفة خاصة سوق العمل الخاص. وتتمتع العمالة الوافدة بدرجة ما من الحرية في الحراك عبر حدود دول المجلس، أما بالنسبة للعمالة الوطنية فلا تتمتع بتلك الدرجة بسبب التفضيل العام للعمالة الوطنية للعمل في القطاع الحكومي في دولهم، على الرغم من الجهود الكثيرة التي بذلتها دول المجلس في تسهيل عملية انتقال المواطنين وإقامتهم بين الدول الأعضاء في المجلس. أما بالنسبة لحرية تنقل عنصر رأس المال فان معظم دول مجلس التعاون تتمتع بحرية كبيرة في انتقال هذا العنصر من عناصر الإنتاج فيما بينها، على الرغم من أن جهود تكامل أسواق المال بين تلك الدول ليست مثالية.

4. تنوع الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء. يعد تنوع الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي شرطا هاما لقيام اتحاد نقدي ناجح، بحيث لا تكون الدول الأعضاء متشابهه في هياكلها الاقتصادية بصفة خاصة هياكل الإنتاج، بما يساعد منطقة الاتحاد النقدي على التكيف مع الصدمات التي تواجهها بسهولة. وتتسم هياكل الإنتاج في دول مجلس التعاون بالمحدودية الكبيرة وهو ما لا يساعد على اتساع درجة التكامل الاقتصادي فيما بين دول المجلس بشكل واضح، وذلك على الرغم من وجود اتفاقية للتعاون فيما بينها، وأكثر الأدلة على ذلك هو ضعف مستويات التجارة البينية بين هذه الدول وبعضها البعض.

إن فحص هيكل الصادرات لدول المجلس يشير إلى انخفاض درجة التنويع الاقتصادي بشكل واضح، حيث ترتفع نسبة الصادرات النفطية إلى إجمالي الصادرات، بينما تنخفض نسبة الصادرات غير النفطية بشكل ملفت للنظر، ويعنى التركز الشديد لصادرات دول المجلس أن هذه الدول أكثر عرضة للصدمات الخارجية، وبشكل عام كلما تنوعت اقتصاديات دول الاتحاد كلما ازدادت قدرتها على امتصاص الصدمات اللا متماثلة، واستنادا إلى انخفاض درجة تنوع اقتصاديات دول المجلس فان دول المجلس لا تمثل مرة أخرى حالة جيدة لإنشاء اتحاد نقدي.

5. ضرورة وجود نظام للتحويلات المالية بين الدول الأعضاء، خصوصا في أوقات الأزمات، بما يساعد الاتحاد النقدي على التخفيف من أثر أي أزمة تلحق بالدول الأعضاء وتمكين هذه الدول من التكيف مع الأزمة من خلال التحويلات المالية التي تقدم إليها. وبفحص الهيكل المؤسساتي لدول المجلس يتبين لنا عدم وجود سلطة مالية مركزية في كيان المجلس، والتي يمكنها من أن تقوم بإعادة توزيع الإيرادات العامة بين الدول الأعضاء في صورة تحويلات مالية يمكن أن تقدم المساعدات المالية للدول التي تواجه اضطرابا ماليا، باعتبارها شرطا أساسيا لمنطقة العملة المثلى، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث تقوم السلطات المالية المركزية بتقديم الدعم للولايات في أمريكا عند تعرضها لضغوط مالية حادة.

الخلاصة التي يمكن التوصل إليها هنا هي أنه بتطبيق شروط نظرية منطقة العملة المثلى على حالة دول مجلس التعاون، نجد أن معظم الشروط لا تستوفيها دول المجلس، ومن ثم فإن هذه الشروط ليست في صالح إنشاء اتحاد نقدي، وبما أن دول المجلس لا تستوفي شروط إنشاء منطقة العملة المثلى، وبناءا على ما سبق فان دول مجلس التعاون لا تشكل حالة منطقة عملة مثلى، ومن ثم فهي ليست جاهزة لتكوين اتحاد نقدي أو إطلاق عملة موحدة، لذلك فانه يفضل عدم المضي في الوقت الحالي في إطلاق العملة الموحدة، حيث أن احتمال تحقق فوائد من إطلاق العملة الموحدة لتلك الدول يظل ضعيفا، بالقياس الى المخاطر المصاحبة لاطلاق هذه العملة الموحدة.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.













هناك تعليقان (٢):

  1. شكراً دكتور
    اتذكر في 2007 و800 كانت جمعية الاقتصاديين البحرينية تقيم ندوات ومحاضرات، عن العملة الخليجية الموحدة.
    ودائماً ما يقولون أن العملة الخليجية الموحدة لها فوائد كبيرة جداً. ويقارنون النمو الاقتصادية في دول اليورور، قبل العملة وبعد العملة.
    ويقولون ان دول الخليج ستشهد ازدهار مثل دول اليورو.
    وهذا الكلام، تجده مزدهر في الصحافة البحرينية، التي تنقل آلارء الاقتصاديين. ولم اجد اقتصادي واحد ينقد الفكرة.

    وطرح رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية بحث علمي كامل. واقترح لاطلاق العملة الخليجية الموحدة، ان تقوم البحرين وقطر وعمان والامارات والكويت بالغاء عملتها المحلية واعتماد الريال السعودي لانه الاقوى قبولا في العالم خصوصا الاسلامي. وبالتالي تكون هناك عملة واحدة لدول الخليج. ومن ثم الاتفاق على طباعة عملة جديدة تعكس الهوية الخليجية.

    الحمد الله، الذي عرفنا بكم يا دكتور، حتى نعرف الحقيقة بدلا من التطبيل الذي غسل عقولنا طوال تلك السنوات.

    ردحذف
  2. شكرا استاذ عباس
    نعم العملة الخليجية الموحدة لها الكثير من الفوائد، هذا اذا كانت الأرضية مهيئة لذلك، أما اذا كانت غير ذلك مثلما هو الوضع حاليا، فانها تمثل تهديدا للمجلس ذاته.
    المقال الذي قرأته نشر أساسا في البحرين، جريدة الوطن في الملحق الاقتصادي تحت باب وجهة نظر اقتصادية، والتي اكتب فيها كل ثلاثاء، الاسبوع الماضي أيضا كان حول الخصائص الهيكلية، والثلاثاء القادم سوف يكون حول معايير التقارب، هذا أذا أحيانا الله سبحانه وتعالى.
    أنا صاحب فكرة تبني الريال السعودي بدلا من العملة الخليجية الموحدة وعندما طرحت الفكرة هنا منذ سنوات في الكويت، ووجهت بهجوم شديد على الصحف. وبالمناسبة سوف أعيد نشر المقترح في الاسبوع بعد القادم في جريدة الوطن البحرينية مرة أخرى
    تحياتي

    ردحذف