الاثنين، يونيو ٢١، ٢٠١٠

العالم مقدم على أزمة في الغذاء

شهد العامين الماضيين انخفاضا غير مسبوق في أسعار الغذاء بعد ان ازدادت أسعار السلع الغذائية إلى مستويات تاريخية في عامي 2007-2008. ومما لا شك فيه أن أهم الآثار الايجابية للازمة المالية العالمية هي تراجع أسعار الغذاء وانخفاض أعباء فاتورة الغذاء على الدول الفقيرة التي كانت تواجه أزمة حقيقية في هذا الوقت، حيث ارتفعت أعداد الجوعى في العالم بصورة واضحة. الشكل التالي يوضح اتجاهات أسعار أهم الحبوب الغذائية في العالم وهي الارز والقمح والذرة وفول الصويا، لاحظ الارتفاع الكبير الذي حدث في اسعار الارز بالذات.




صدر الأسبوع الماضي التقرير المشترك لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن عام 2010، والذي يتوقع ارتفاع أسعار القمح في العشر سنوات القادمة بما بين 15-40% (ارتفاع في الأسعار الحقيقية بعد التعديل بمعدل التضخم)، مقارنة بأسعاره خلال الفترة من 1997-2006. بينما يتوقع التقرير ارتفاع أسعار الألبان ما بين 16-45%. كذلك يتوقع أن ترتفع أسعار المواشي بصورة أقل بشكل عام، على الرغم من أن الطلب العالمي على اللحوم يتزايد بصورة أسرع من باقي المنتجات الزراعية الأخرى.



العوامل المسئولة عن الأزمة المتوقعة متعددة ولكن أهم هذه العوامل هي:



ارتفاع مستويات الدخول لقطاعات عريضة من السكان في الدول الناشئة، وهو ما يؤدي إلى تعديل العادات الغذائية للسكان، والتحول السريع من الاعتماد على تناول الحبوب بصورة أساسية إلى اللحوم والألبان والبيض، بصفة خاصة في الصين والهند، حيث يوجد حوالي ثلث سكان العالم. تغير العادات الغذائية لسكان هاتين الدولتين هو من أكثر العوامل التي تهدد أسعار الغذاء في العالم، بصفة خاصة الطلب على اللحوم والألبان، فاليوم بدأ اللحم يقدم كطبق رئيسي على الموائد الصينية والهندية، ومن المعلوم ان إنتاج اللحوم يتكلف قدرا كبيرا من إنتاج الحبوب. فكل كيلو من اللحوم والحليب يحتاج إلى عدة كيلوات من الحبوب للحصول عليه، وعلى ذلك فإن تزايد تفضيل أكل اللحوم سوف يخلق أزمة في العرض العالمي من الحبوب الغذائية. مثل هذه الاتجاهات في العرض العالمي من الحبوب الغذائية تهدد بصورة أساسية الدول التي لا تنتج غذاءها من الحبوب الغذائية مثل منطقة الخليج ومصر، والكثير من الدول الفقيرة.



السبب الثاني هو تزايد الاتجاه في الدول الصناعية نحو إنتاج الوقود البيولوجي، وذلك من خلال استخدام المنتجات الزراعية مثل الذرة وفول الصويا وقصب السكر لإنتاج وقود لتسيير السيارات، والتي تتم أساسا لتحقيق مستهدفات تلك الحكومات فيما يتعلق بمستويات وارداتها النفطية، كافة الدول المتقدمة، بصفة خاصة الولايات المتحدة وأوروبا ومنها ألمانيا على وجه الخصوص، لديها خططا طموحة للتوسع في إنتاج الوقود البيولوجي، وهو ما يشكل طلبا إضافيا على المنتجات التي يصنع منها الوقود الحيوي، الأمر الذي سيضيف ضغوطا إضافية على أسعار تلك السلع بصفة خاصة أسعار القمح والزيوت الغذائية والسكر. إسقاطات إنتاج الوقود البيولوجي تشير إلى تزايد الاتجاه نحو إنتاج هذا النوع من الوقود، يساعد على ذلك استمرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، الشكل التالي يوضح إسقاطات إنتاج وقود الايثانول حتى عام 2019، حسب مصادره المختلفة بصفة خاصة من الحبوب وقصب السكر.



أهم السلع التي يتوقع ان يتزايد استخدمها لإنتاج الايثانون هي قصب السكر حيث يتوقع ان يتم استخراج 40% من الزيادة في إنتاج هذا الوقود منه، بصفة خاصة في البرازيل لمواجهة الطلب المتزايد محليا وفي الولايات المتحدة، كذلك يتزايد الاقبال على استخدام دبس السكر، وكذلك بنجر السكر والزيوت الزراعية نحو انتاج هذا الوقود، كما يتضح من الشكل التالي، ولعل ذلك يفسر اسباب ارتفاع اسعار زيوت الطعام والسكر هذه الايام.




السبب الثالث هو تزايد الإنتاج الزراعي خلال العقود القادمة بمعدلات نمو اقل من تلك التي شهدها العالم في العشر سنوات الماضية، مما يعكس تراجع معدلات نمو الإنتاج الزراعي، وهو ما يشكل تهديدا للعرض العالمي من الغذاء. أما أهم الدول التي سينمو فيها إنتاج الغذاء فهي البرازيل حيث يتوقع أن يرتفع إنتاج الغذاء فيها بنسبة 40% حتى عام 2019، كذلك يتوقع ان يرتفع إنتاج الغذاء بمعدل 20% في الصين والهند وروسيا الاتحادية وأوكرانيا.



السبب الرابع هو أنه على الرغم من تزايد إنتاج الغذاء في العالم فإن الارتفاع في أسعار الغذاء سوف يترك أعدادا متزايدة من سكان العالم تعاني من سوء التغذية، على سبيل المثال ترتب على الارتفاع الأخير في أسعار الغذاء إلى وجود حوالي مليار شخص في العالم يعانون حاليا من سوء التغذية، وهو ما يعني ان العالم ليس فقط في حاجة إلى المزيد من إنتاج الغذاء، ولكنه أيضا في حاجة إلى إعادة توزيع الغذاء بصورة أكثر عدالة بين سكان العالم من الدول ذات الفائض إلى المناطق التي تعاني من نقص حاد في عرض الغذاء، حني يمكن التغلب على مشكلة سوء التغذية بين هذه الأعداد الضخمة من سكان العالم ومواجهة الأمراض التي تنشأ عنها.



السبب الخامس هو استمرار أسعار الغذاء مرتفعة في الكثير من دول العالم، بصفة خاصة تلك التي تواجه نقصا شديدا في عرض الغذاء حتى على الرغم من ميل أسعار السلع الغذائية نحو التراجع في العامين الماضيين. على سبيل المثال على الرغم من تراجع أسعار الغذاء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أن أسعار الغذاء في الدول النامية والناشئة ظلت مرتفعة، وإذا ما استمرت أسعار الغذاء مرتفعة فإن ذلك سوف يهدد الأمن الغذائي، بصفة خاصة في الدول الفقيرة حيث ينفق الناس جانبا كبرا من ميزانياتهم على الغذاء.



إنها بالفعل صورة تدعو إلى القلق وتشكل تهديدا واضحا للدول التي لا تنتج غذاءها، وبالطبع نحن في الخليج من أكثر دول تلك المجموعة عرضة لمخاطر الأزمة، لأننا ببساطة لا نقع في حزام انتاج الغذاء العالمي، حيث لا يوجد لدينا تربة صالحة لانتاج الغذاء على نحو واسع، ولا تتوافر لدينا المياه اللازمة لإنتاج زراعي على نحو مناسب وبكميات كافية لاستهلاكنا من كافة المحاصيل، حيث نقع في أحد أكثر مناطق العالم جفافا. لهذه الاسباب فإنني أدعو المسئولين في الدول الخليجية إلى أن يوجهوا جانبا متزايدا من استثمارات صناديقهم السيادية نحو الإنتاج الزراعي في الدول التي توجد بها أراضي صالحة للإنتاج الزراعي في إفريقيا، بصفة خاصة في السودان، وآسيا في باكستان والهند وفيتنام واندونيسيا، وفي امريكا اللاتينية واستراليا، حيث توجد مساحات شاسعة من الأراضي صالحة لانتاج الغذاء. أزمة الغذاء المنتظرة تعني شيئا واحدا، أن اسعار الاراضي الزراعية تستعد للانطلاق نحو الأعلى، طالما أن اسعار المحاصيل الزراعية آخذة في التزايد، ومن ثم من المتوقع أن يكون الاستثمار الزراعي أحد أكثر أوجه الاستثمار من حيث معدلات العوائد في المستقبل.

محفظة الاستثمار في أصول الإنتاج الزراعي ينبغي أن تضاف إلى محافظ صناديق الأصول السيادية للدول الخليجية، وينبغي أن ينظر الى تلك المحافظ على أنها تشكل خيارا استراتيجيا من الدرجة الأولى، تتمكن دول الخليج من خلاله من أن تؤمن لنفسها العرض اللازم من الغذاء لأسواقها المحلية وللاحتياجات المتزايدة للسكان فيها، وحتى يمكنها أن تتحكم في اسعار الارز والقمح والسكر وزيت الطعام واللحوم والدواجن التي تباع في اسواقها، أو تتمكن من بيع الغذاء بأسعار قريبة من تكلفة انتاجه، بدلا من أن يدفع المستهلك في هذه الدول الاسعار العالمية للغذاء، والتي لن تعكس في المستقبل مستويات التكلفة، وانما سوف تعكس بالأساس مستويات الندرة، وأن توجه دعم الغذاء لأصولها الانتاجية الزراعية التي تملكها بدلا من أن تدفع اسعارا عالية لمنتجات يملك اصول انتاجها الغير، وحتى لا يصبح الغذاء سلاحا يمكن أن توجهه الدول المنتجة لتهديد هذه الدول، مثلما تفعل الولايات المتحدة مع مصر. 

في رأيي أنه أصبح من الواضح أن من سيسيطر على الغذاء في المستقبل، سوف يملك قوة إستراتيجية جبارة في هذا العالم. وأعتقد جازما أن تملك دول الخليج لمزارع لانتاج الارز والقمح والذره وقصب السكر وغيرها من المحاصيل الاساسية في الخارج، ومراعي للأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات، أفضل من أن تتملك تلك الدول اسهما في مصانع مثل ديلمر بنز أو دايو، وإذا كانت جهود انتاج القمح ذاتيا في المملكة العربية السعودية قد فشلت إما بسبب ارتفاع تكاليفه، أو بسبب نقص المياه، فلا أقل من أن تتملك المملكة مزارع لإنتاج المحصول في الخارج كخيار أمثل من الدرجة الثانية، حتى تتمكن من أن تؤمن غذاءها لنفسها من خلال اصول انتاجية تملكها أو تسيطر عليها، فهل يستمع صانع السياسة في الدول الخليجية لهذا النداء؟.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق