نشر في جريدة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 30/7/2010.
كانت أزمة 1929 أهم تجربة تخوضها الولايات المتحدة في الانهيار المفاجئ لمؤشرات سوق الأسهم، والذي ترتب عليه محو جانب كبير من ثروة الجيل الذي عايش الأزمة، غير ان الأحداث أثبتت بعد ذلك أن أسعار الأسهم في الأسواق تميل نحو الارتفاع مع نمو الشركات التي تصدر هذه الأسهم، وأنه عندما يحدث تراجع في الأسعار، فان السوق يعدل من نفسه لاحقا، بحيث يصبح الأمر مسألة وقت قبل أن تسترد المحافظ قيمتها بعد ذلك، ومن ثم تصبح أفضل استراتيجيات الاستثمار في أسواق الأسهم هي انتقاء الأسهم بعناية والاحتفاظ بها على المدى الطويل، وعدم الاستجابة لم يحدث للمؤشر. بيد أن كافة الأزمات التي مرت بها أسواق المال في العالم تشير إلى انه يصعب على المستثمرين مقاومة نداء عدم البيع في ظل تزايد الضغوط على المؤشر، فتكون النتيجة ان تكالب المستثمرين على البيع لتدنية خسائرهم، نتيجة تراجع الأسعار، هو الذي يؤدي إلى انهيارها ومن ثم تعرضهم لخسارة استثماراتهم.
عندما حل توقيت انهيار 1987 كان قد مر على انهيار 1929 حوالي ستة عقود من الزمن، وكانت أساليب الاتجار في السوق قد تغيرت بصورة جوهرية، لتعكس تطورين هامين، الأول هو التطور التكنولوجي، والثاني وهو الابتكارات المالية، ويتفق المحللون على ان انهيار السوق يرجع أساسا إلى برامج الاتجار التي انتشرت في هذا الوقت كسبيل للتعامل في الأسواق. كان هناك نوعان من برامج الاتجار؛ الأول هو التأمين على المحافظ المالية من خلال استخدام المشتقات، والثاني هو التحكيم في المؤشرات Index arbitrage بين السوق الحاضر وسوق المستقبليات Futrues، ويقصد ببرنامج الاتجار تبادل حزم من الأسهم تضم 15 سهما أو أكثر قيمتها أكثر من مليون دولارا، بما يساعد على تخفيض تكاليف المعاملات، وكذلك تمكين صغار المدخرين من الوصول إلى مثل هذه الاستثمارات، كما تمكن المتعاملين من مقارنة مقتنياتهم من الأسهم مع مؤشر محدد للسوق.
وينشأ التحكيم في المؤشرات عندما يقوم المستثمر بشراء مجموعة من الأسهم (في السوق الحاضر)، ثم يقوم ببيعها في ذات الوقت بعقد مستقبلي، أي عقد يلزم المشتري بأن يقوم بشراء سهم محدد في تاريخ محدد في المستقبل عند سعر محدد مسبقا، وبينما كان كبار المستثمرين مثل بنوك الاستثمار وبيوت السمسرة يقومون بالاتجار لحسابهم، فإنهم اعتمدوا على برامج "التأمين على المحافظ"، وهو أسلوب يمزج بين استخدام المستقبليات والخيارات Options، للحماية أو للتحوط ضد الانخفاض الكبير في الأسعار.
مع تطور استخدامات الحاسوب بدأت صناديق المعاشات وصناديق الاستثمار وصناديق التحوط والمتعاملين الرئيسيين يعتمدون عليه في شراء وبيع كميات هائلة من الاستثمارات، حيث تم برمجة الحواسيب لإجراء صفقات ضخمة عندما تسود أوضاعا معينة في السوق، وقد ثبت لاحقا ان مثل هذه الأسلوب يؤدي إلى التسريع بانهيار الأسواق، فالانخفاض السريع في أسعار الأسهم يترتب عليه عمليات بيع اتوماتيكية ضخمة من خلال برامج الحاسوب، وهو ما يؤدي إلى تعميق اثر الانخفاض في الأسعار، ومن ثم فان تقنيات التحوط التي تم ابتكارها أدت إلى تضخيم أثر الانهيار، وليس إلى حماية المستثمرين من تقلبات السوق. بيد أن الدراسات المتاحة تشير إلى أن الأسواق الأخرى في العالم والتي لم تكن تستخدم برامج الحاسوب وقت انهيار 1987، قد شهدت هي الأخرى أيضا انخفاضا في مؤشراتها، وبأكثر من السوق الأمريكي في بعض الأحيان.
كان الديمقراطيون يهاجمون إدارة الرئيس ريجان بأنها السبب في الأزمة من خلال سماحها لعجز الميزانية وعجز ميزان المدفوعات بالتزايد. من ناحية أخرى انتشرت في هذا الوقت عمليات شراء الأسهم بدون النظر إلى نوعيتها أو أداء الشركات المصدرة لها، وبدلا من ذلك تم استخدام صيغ رياضية قائمة على برامج للحاسوب تقوم بمقارنة أسعار الأسهم المختلفة ثم إجراء عمليات البيع والشراء لأسهم محددة أو لقطاعات محددة إذا أظهرت المقارنات أنها قيمتها اقل مما يجب أو أن قيمتها اكبر مما يجب، مقارنة بالاتجاه العام التاريخي لها وبشكل اوتوماتيكي، ويرى العديد من المحللين أن أسعار الأسهم كانت مغالى فيها، فقد كان معدل سعر السهم إلى توزيعات الأرباح من الناحية التاريخية حوالي 15 في المتوسط، وبحلول أكتوبر 1987 بلغ هذا المعدل حوالي 20، وبما أن برامج الحاسوب تكون أكثر نشاطا عندما تكون الأسواق نشطة، فإن استخدام مثل هذه البرامج يمكن أن يسرع أو يضخم الارتفاع أو الانخفاض الذي يمكن أن يحدث في الأسعار السوقية.
كما هو الحال في كل الأزمات، سبق الانهيار انتعاش كبير في سوق الأوراق المالية، فخلال العام الذي سبق الانهيار كانت أسعار الأسهم تحقق عوائد قوية، فقد كان داو جونز قد تزايد من 776 نقطة في 1982 إلى 2722.42 نقطة في أغسطس 1987، كما كانت الزيادات في أسعار الأسهم تتجاوز نمو العوائد الموزعة، لدرجة دعت البعض إلى الاعتقاد بأن السوق فيه مغالاة في أسعار الأسهم، كذلك كان هناك تدفقا كبيرا في المستثمرين نحو السوق، مثل صناديق المعاشات إلى السوق، كما ارتفعت أسعار الأسهم بسبب المعاملة الضريبية التفضيلية لعمليات الاستحواذ على الشركات، مثل السماح للشركات بخصم تكاليف الفوائد المصاحبة للقروض التي يتم إصدارها لأغراض الاستحواذ، وهو ما كثف من هذه العمليات ورفع أسعار الأسهم. غير ان المناخ الاقتصادي في الأسابيع السابقة على الأزمة كان يتسم بدرجة كبيرة من عدم التأكد، حيث كانت معدلات الفائدة ترتفع في كافة أنحاء العالم، كما ساعد انخفاض عجز الميزان التجاري وانخفاض قيمة الدولار إلى تصاعد القلق حول معدلات التضخم، والحاجة إلى مزيد من معدلات الفائدة في الولايات المتحدة.
على صعيد البيئة الاقتصادية الكلية من الأسباب التي يذكر أنها أدت إلى الأزمة، هو الإعلان عن العجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي في يوم الأربعاء 14 أكتوبر1987، حيث كان العجز أكثر من المتوقع، في الوقت الذي كانت فيه الميزانية الأمريكية تواجه عجزا أيضا، الأمر الذي أدى بوزير المالية الأمريكي إلى الإعلان عن ان هناك حاجة لخفض قيمة الدولار في أسواق الصرف الأجنبي، في ظل هذه الأخبار مال الدولار نحو الانخفاض وهو ما أدى إلى تدعيم التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي سوف يقوم بتقييد سياسته النقدية، ومن ثم أخذت معدلات الفائدة في الارتفاع وهو ما أدى إلى زيادة الضغوط على أسعار الأسهم. وخوفا من انخفاض قيمة الدولار قام المستثمرون الأجانب بتسييل أصولهم المقومة بالدولار.
في يوم الخميس 15 أكتوبر استمرت أسعار الأسهم في التراجع، وقد تم إرجاع هذا الانخفاض إلى القلق حول أوضاع المؤسسات المالية، بصفة خاصة صناديق المعاشات، الأمر الذي أدى إلى تحول جزئي للأموال من الاستثمار في الأسهم إلى الاستثمار في السندات، وكانت معدلات العائد على السندات الأمريكية قد ارتفعت من 7% في أوائل 1987 إلى 10% قبل الانهيار، وهو ما قدم بديلا مربحا للأسهم بالنسبة للمستثمرين. كما كان هناك أيضا عمليات بيع مكثفة للأسهم خلال النصف ساعة الأول من اليوم.
في يوم الجمعة 16 أكتوبر واصلت الأسواق التراجع حيث تضاعف القلق نتيجة عدد من العوامل، أهمها إقبال المستثمرين على تكثيف بيع عقود المستقبليات في شيكاغو كوسيلة للتحوط ضد انخفاض أسعار الأسهم في وول ستريت، وهو ما أدى إلى وجود فجوة بين قيم مؤشر الأسهم في سوق المستقبليات وقيمة المؤشر في السوق في وول ستريت. الأم الذي دفع بالمحكمين في المؤشرات إلى محاولة الاستفادة من الفروق السعرية هذه من خلال شراء عقود مستقبليات وبيع الأسهم في السوق الحاضر في وول ستريت. أدى هذا السلوك إلى نقل الضغوط السعرية إلى المؤشر في وول ستريت، وبنهاية يوم الجمعة 15 أكتوبر انخفضت الأسواق بصورة كبيرة، حيث انخفض مؤشر ستاندارد اند بور 500 بأكثر من 9% خلال الأسبوع. وكان هذا الانخفاض هو اكبر انخفاض خلال أسبوع واحد منذ عقدين من الزمان، الأمر الذي هيأ المسرح للانهيار في الأسبوع التالي.
واجهت صناديق الاستثمار تزايدا في عمليات الاسترداد للحصص، ومن ثم احتاجت إلى ان تبيع بعض الأسهم لتدبير السيولة اللازمة، في الوقت الذي كانت تتوقع فيه بعض المؤسسات المالية ذات الطبيعة الهجومية عمليات البيع المكثفة وتحركات صناديق الاستثمار، ومن ثم أرادت ان تأخذ خطوات استباقية للسوق من خلال البيع أولا، من ناحية أخرى كانت هناك بعض الإشارات بأن أسواق المستقبليات بدأت تشعر بأثر عمليات البيع غير العادي في سوق نيويورك.
بحلول يوم الاثنين الأسود في 19 أكتوبر كان هناك ضغوط بيع كبيرة جدا في سوق نيويورك عند الافتتاح فقد كانت استجابة مئات المتعاملين في وول ستريب للتضخم وارتفاع معدلات الفائدة من خلال استخدام برامج الحاسوب المركبة حديثا في السوق، والتي قامت اتوماتيكيا بإصدار عددا كبيرا من أوامر البيع، وهو ما أدى إلى وجود فجوة كبيرة بين طلبات البيع وطلبات الشراء، ونتيجة لهذا الوضع تأخرت عمليات بدء التعامل في السوق، ومن ثم لم تنخفض قيم المؤشرات في سوق نيويورك، وعلى العكس من ذلك، بدأت أسواق المستقبليات في الوقت المحدد بعمليات بيع مكثفة، وهو ما أدى إلى فجوة بين مؤشرات سوق نيويورك ومؤشرات سوق المستقبليات، ونتيجة لذلك بدأت عمليات المحكمين في المؤشرات للاستفادة من هذه الفجوة من خلال تكثيف طلبات البيع في سوق نيويورك. عندما افتتح التعامل في سوق نيويورك اكتشف المحكمون ان الفجوة بين السوقين انخفضت وأنهم قاموا ببيع الأسهم أقل بكثير مما توقعوا، ومن ثم حاولوا تغطية أنفسهم من خلال تكثيف الشراء في أسواق المستقبليات.
أدى هذا الأمر إلى انتعاش مؤقت في الأسعار في سوق المستقبليات، ولكنه أضاف المزيد من الارتباك الحادث في الأسواق، وعندما أعلن بدأ التعامل على الأسهم في سوق نيويورك، كانت نماذج الحاسوب الخاصة بالتأمين على المحافظ تشير إلى ضرورة بدء عمليات البيع، ومن ثم بدأت عمليات البيع في السوقين الحاضر وسوق المستقبليات في وقت واحد، بدلا من سوق المستقبليات فقط، كما هو الحال في مثل هذه المواقف، واستمرت عمليات البيع في الزيادة لباقي اليوم. مع تراجع أسعار الأسهم قبل انتهاء التعامل بساعة ونصف كان مؤشر ستاندارد اند بور قد تراجع بنسبة 18%، بينما تراجع مؤشر ستاندارد أند بور للمستقبليات بنسبة 29%. سرت الأخبار في السوق، بين المتعاملين في سوق المستقبليات ان سوق نيويورك سوف يغلق نتيجة الانهيار، وهو ما قد يتركهم عالقين مع أوضاعهم الحالية، وحاول الكثير من المتخصصين تقديم الدعم لأسهمهم، من خلال القيام بعمليات شراء مكثف للأسهم في يوم الاثنين، غير أنه مع استمرار تراجع الأسعار وتدهور مواقفهم المالية فقدوا القدرة على الاستمرار في الدفاع عن أسهمهم.
في يوم الاثنين الأسود فقدت معظم الأسهم في السوق جانبا كبيرا من قيمتها، حيث فقد مؤشر داو جونز الصناعي والذي يضم 32 سهما من الأسهم الممتازة Blue-chip، المدرجة في سوق نيويورك، 508 نقطة، ليغلق على انخفاض بنسبة 22.6% من قيمته، وهو ما أدى إلى إحداث اكبر خفض في داو جونز في عدد نقاط المؤشر في التاريخ، وثاني اكبر نسبة خفض في يوم واحد للمؤشر، بينما انخفض مؤشر ستاندارد ان بور 500 بنسبة 20.4%، والذي انخفض من 282.7 نقطة إلى 225.06 نقطة، لدرجة ان لجنة رئيس لجنة الأوراق المالية والأسواق هدد بإغلاق الأسواق لوقف نزيف الأسعار، بينما صرح الرئيس ريجان أن ما يحدث في السوق يدعو إلى الغرابة حيث انه لا يوجد في الاقتصاد ما يبرر مثل هذا الانهيار، ودعا الأمريكيين إلى الهدوء وعدم الاستسلام للذعر، غير ان التشابه بين انهيار 1987 و الأحداث التي سادت في 1929 والتي أدت إلى الكساد الكبير، جعلت من الصعب على الكثير من الأمريكيين أن يلتزموا الهدوء.
أدى انهيار 1987 إلى صدمة في النظام المالي ليس فقط بسبب حجم الانخفاض في الأسعار، ولكن بسبب تأثيره على إضعاف طريقة عمل السوق. فقد كان حجم الطلبيات في بعض الأوقات كبيرا لدرجة ان المتخصصين في سوق نيويورك اضطروا إلى إيقاف التعامل على بعض الأسهم بصورة مؤقتة، وهو ما انتقل أثره إلى سوق المستقبليات كما سبقت الإشارة، وقدرت الخسائر في قيمة الأسهم في هذا اليوم بنصف تريليون دولارا محيت من ثروة المتعاملين في السوق. وهكذا أصبح من الواضح ان استمرار الأوضاع على ما هي عليه سوف يكرر لا محالة سيناريو انهيار 1929، ولذلك في صبيحة يوم الثلاثاء 20 أكتوبر وقبل بدء عمليات التداول في أسواق المال أصدر الاحتياطي الفدرالي بيانا قصيرا جاء فيه "ان الاحتياطي الفدرالي انطلاقا من التزاماته كبنك مركزي للدولة يؤكد اليوم انه مستعد لتوفير السيولة اللازمة لدعم النظامين الاقتصادي والمالي"، كان لهذا البيان مفعول السحر في الأسواق، حيث كان البيان أفضل العوامل التي ساعدت على تهدئة قلق المستثمرين في السوق، إذ أدى إلى المساعدة على تهدئة ودعم الأسواق، ومن ثم اخذ السوق في الانتعاش عند الافتتاح، وبعد منتصف الظهر، كان هناك استمرارا في الارتفاع في مؤشرات الأسواق وذلك عندما قامت الشركات أيضا بالإعلان عن أنها لديها برامج لشراء أسهمها لدعم الطلب على هذه الأسهم.
في محاولة لتطويق الانخفاض في أسواق المال ووقف أي انتشار للأثر من سوق المال إلى الاقتصاد الحقيقي مثلما حدث في 1929، قام الاحتياطي الفدرالي بتوفير السيولة بالصورة التي تساعد على جلب الثقة في السوق، وكان أهم الإجراءات التي اتخذها تكثيف عمليات السوق المفتوح والتي استهدفت خفض معدلات الفائدة على الأموال الفدرالية (معدل الفائدة بين البنوك) من 7.5% إلى 7%، لدعم سيولة النظام المصرفي، كما استهدفت العملية تحرير القواعد المتعلقة بقروض الأوراق المالية لتوفير أكبر قدر من السيولة وتخفيض الضغوط التي أدت إلى فوران السوق. من ناحية أخرى أخذت باقي معدلات الفائدة قصيرة الأجل الأخرى في التراجع مما خفض من تكلفة الاقتراض من قبل المقترضين. وعلى مدى الأسابيع التي تلت هذا الأسبوع استمر الاحتياطي الفدرالي في ضخ الاحتياطيات النقدية في أسواق المال. كذلك قام الاحتياطي الفدرالي بالتعاون مع البنوك وشركات الأوراق المالية بالعمل على توفير الائتمان لدعم السيولة وتوفير احتياجات التمويل للسماسرة والمتعاملين في الأسواق، والتعاون بصورة أكثر مرونة مع عملائهم، وهو ما ساعد المتعاملين على تسوية التزاماتهم واستمرار العمل في الأسواق بشكل طبيعي بعد ذلك، وهو ما أسهم بصورة هامة في تحسن أداء الأسواق في الأسابيع التالية.
أدى يوم الاثنين الأسود إلى التأثير سلبيا على عدد كبير من الشركات التي كانت ترغب في التحول إلى شركات مساهمة، وكذلك على كمية السيولة المتاحة للشركات الأخرى التي كانت تنوي طرح أسهما في السوق، ففي يوم الاثنين الأسود كان هناك 229 شركة كانت قد تقدمت بطلبات إلى لجنة الأوراق والأسواق المالية لإصدار أسهم للاكتتاب للمرة الأولى، وترتب على الانهيار قيام 45% من هذه الشركات بتأجيل هذه الخطط، وبلغت عمليات إلغاء إصدارات الأسهم مستويات تاريخية. كان نتيجة الانهيار ان قام السوق بتبني قواعد جديدة لكي تحكم برامج الاتجار، حيث تم إعادة تصميم برامج الحاسوب بحيث توقف عمليات التعامل لتجنب الخسائر الضخمة.
من ناحية أخرى كان هناك تخوفا من ان يؤدي الانهيار إلى كساد يعم العالم، غير ان ذلك لم يتحقق بسبب الإجراءات الحاسمة التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي، ولذلك لم يتحول انهيار 1987 إلى كساد اقتصادي مثلما حدث في 1929، ومن ثم لم تفلس الشركات التجارية كما لم ترتفع معدلات البطالة، وعلى الرغم من توقع العاملين في سوق المال ان يتجنب الأفراد السوق لسنوات، غير ان ذلك مرة أخرى لم يحدث، وعلى العكس مما حدث في انهيار 1929 حيث احتاج السوق إلى عدة عقود لكي يستعيد المؤشر مستوياته قبل الأزمة، فإن الأمر استغرق سنتان فقط قبل ان تعود المؤشرات إلى قيمتها قبل الاثنين الأسود.
في الحلقة القادمة نخرج مرة أخرى من دائرة الأزمات المالية للولايات المتحدة، حيث سنذهب هذه المرة إلى الشرق لنتناول الأزمة الآسيوية إن أحيانا الله سبحانه وتعالى.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.