جاءني هذا السؤال مرة أخرى عن مفهوم الحصص الكمية في التجارة الخارجية Quotas، ولماذا تلجأ إليه دول العالم.
نظام الحصص هو نظام تقوم الدولة بمقتضاه بفرض حصص كمية على الواردات التي يتم استيرادها من الخارج، أي حد أقصى على الكمية المستوردة من الواردات من سلعة محددة. على سبيل المثال يمكن أن تفرض الدولة حصة كمية على الواردات من السجائر من الخارج بحد أقصى مليار سيجارة سنويا، وعندما يصل رقم الواردات من السجائر إلى هذا الحد، تغلق جميع منافذ الدولة البرية والبحرية والجوية أمام أي واردات من الخارج من السجائر، وعلى مستوردي السجائر الانتظار للعام القادم إذا رغبوا في الاستيراد مرة أخرى، ويعد نظام الحصص من أشكال التدخل في التجارة الخارجية للدول، وينظر إليه على انه من الممارسات غير العادلة، لأنه يؤثر في أسواق السلع التي يتم الاتجار فيها بقرارات إدارية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تلجأ الدول إلى نظام الحصص الكمية؟ الإجابة هي لأسباب عديدة من هذه الأسباب هو رغبة الدولة في السيطرة على الواردات من سلعة محددة لكن الطلب على هذه السلعة "عديم المرونة السعرية"، أي أنه مهما فرضت الدولة من رسوم جمركية على السلعة لن يترتب على ذلك تخفيض الطلب عليها من الخارج، وتظل الواردات تأتي من الخارج حتى مع الرسوم الجمركية المرتفعة، مثال ذلك الواردات من السجائر، والتي مهما ازدادت أسعارها يظل الطلب عليها مرتفعا لأن الطلب عليها عديم المرونة بالنسبة للسعر، ولذلك لا تجد الدولة بدا من فرض نظام الحصص عليها، أي من خلال القيام بفرض حد أقصى على الكمية التي يمكن أن يتم استيرادها من الخارج من أمثال هذه السلعة.
كذلك قد تلجأ الدولة لفرض نظام الحصص الكمية على سلع من الخارج يتم إنتاجها في الداخل، ولكن المنتجين في الداخل يواجهون مشكلة في المنافسة مع الواردات من الخارج، بصفة خاصة بسبب انخفاض تكلفة المنتج الأجنبي الأمر الذي يضر بالمنتجين المحليين ومن ثم مستويات الإنتاج والتوظف في الدولة. لذلك يمكن أن تلجأ الدولة إلى فرض قيود كمية على الواردات من الخارج لهذه السلع لكي تعطي فرصة لصناعاتها الوطنية في أن تتوسع في السوق المحلي وترفع من كفاءتها الإنتاجية، على حساب انخفاض الواردات من الخارج، ثم تقوم لاحقا برفع هذه القيود الكمية.
كما يمكن أن تلجأ الدولة إلى نظام الحصص الكمية في حال قيام دولة أخرى بإغراق أسواقها بالسلع، ويقصد بالإغراق قيام المنتج الأجنبي ببيع السلعة في الخارج بأسعار تقل عن سعر بيعها في سوقه المحلى وذلك لأسباب لا تتعلق بتكلفة الإنتاج لهذه السلعة. على سبيل المثال قد يلجأ المصدرون إلى ممارسة الإغراق بهدف التخلص من فائض الإنتاج لديهم بأي ثمن، أو قد يقوم المنتج الأجنبي بالإغراق بهدف السيطرة على السوق المحلي من المنافسين سواء من المصنعين الوطنيين أو الأجانب، ثم عندما يسيطر على السوق المحلي فإنه يقوم في هذه الحالة برفع الأسعار مرة أخرى لتعويض الخسائر التي لحقت به نتيجة لممارسته سياسة الإغراق. وبما أن الإغراق يعد من الممارسات التجارية غير العادلة، فانه يعد إجراءا غير قانوني في قانون منظمة التجارة العالمية، وفي حال ثبوت ممارسات الإغراق يصبح من حق الدولة التي أغرقت اسواقها أن تتخذ إجراءات انتقامية من المصدر أو الدولة التي تمارس الإغراق، إما بفرض رسوم جمركية مرتفعة على هذه السلع التي يتم إغراق السوق المحلي بها، لمنع تحقيق الهدف من الإغراق ومعادلة الأسعار بين السوق المحلي والأسواق الأجنبية، أو من خلال فرض حصص كمية على السلعة التي يتم إغراق السوق المحلي بها.
وقد تلجأ الدولة إلى فرض نظام الحصص الكمية من خلال فرض حد أقصى على كمية الصادرات من سلعة معينة بغرض استبقاء هذه السلعة في الداخل لأغراض الاستهلاك المحلي، سواء من قبل المستهلكين أو من خلال استخدامها في عمليات التصنع محليا، مثال ذلك أن تقوم الصين بفرض حد أقصى على الكمية المصدرة من مادة الليثيوم بهدف تمكين مصانع البطاريات في الصين من إنتاج اكبر كمية ممكنة من هذه البطاريات وحرمان المنتجين في الخارج من التمتع بميزة وفرة المادة الخام اللازمة لهذا المنتج. أو كمثال آخر ما قامت به الدول المنتجة للأرز في أعقاب أزمة الغذاء العالمية التي نشبت من سنتين تقريبا حيث قامت بتقييد الكميات التي يتم تصديرها إلى الخارج من الأرز بهدف استيفاء حاجة الأسواق المحلية أولا، ولمنع المنتجين من تصدير الكميات التي يتم إنتاجها محليا للاستفادة من ارتفاع الأسعار في الخارج بما يخلق أزمة في الكميات المتاحة من الأرز لأغراض الاستهلاك المحلي.
مشكلة نظام الحصص أنه لابد وأن يصاحبه نظام لمنح التراخيص، سواء لأغراض الاستيراد أو التصدير، حيث دائما ما تفرض الدول على من يرغب في استيراد السلع التي تفرض عليها حصصا كمية ضرورة التقدم للحصول على ترخيص استيراد، ثم تقوم الدولة بتجميع هذه التراخيص ثم إعادة توزيع الحصة الكمية على الراغبين في الحصول على إذن استيراد من الخارج، ونفس العملية بالنسبة لتراخيص التصدير إلى الخارج، وهنا ينشأ نوع من الفساد الإداري سواء في إدارة الاستيراد والتصدير التي تقوم بمنح هذه التراخيص وذلك برشوة القائمين على منح هذه التراخيص بغرض زيادة نصيب المستورد أو المصدر من الحصة الكمية، أو في الجمارك، وذلك لتمرير كمية من الواردات أكبر من تلك التي يتم تخصيصها للمستورد وفقا للترخيص، أو تصدير كمية أكبر من المصرح بها في الترخيص دون إثبات ذلك في الدفاتر.
كذلك يصاحب نظام الحصص نشوء سوق سوداء لبيع التراخيص والاتجار فيها، بدون أن يقوم حامل الترخيص الأصلي باستيراد أو تصدير شيء، ويتولى الشخص الذي يشتري الترخيص من السوق السوداء القيام بهذه المهمة في نظير مقابل يدفعه لحامل الترخيص الأصلي، وكانت تجارة التراخيص من المصادر المهمة للدخل لمكاتب التصدير والاستيراد في مصر في وقت من الاوقات. كذلك هناك مشكلة أخرى خطيرة مصاحبة لنظام الحصص وهي تزايد حالات التهريب السلعي، أي تهريب السلع بطرق غير مشروعة عبر الحدود لتجاوز القيود التي يفرضها نظام الحصص حول الحد الأقصى من الكميات التي يمكن استيرادها من السلعة من الخارج السلعة من الخارج والتخلص منها مرة أخرى في السوق السوداء.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون
بارك الله فيكم موقع جميل و معلومات مفيدة نتمنى لكم الاستمرار في تطويره .
ردحذفالسلام عليكم اتمنى ان تضيفوا صندوق الاشتراك بالرسائل الالكترونية وشكرا مسبقا
ردحذفياعيني
ردحذفايه الحلاوة ده والفكر الاقتصادي الجميل جدا
ردحذف