الثلاثاء، يوليو ٢٧، ٢٠١٠

ما هي اختبارات الضغط للبنوك الأوروبية

نشر في جريدة الوطن البحرينية بتاريخ الثلاثاء 27/7/2010
انتشرت في العالم في الأسبوع الماضي موجة من القلق تخوفا مما يمكن أن ينتج عن اختبارات الضغط المصرفي التي تقوم بها اللجنة الأوروبية للمراقبين المصرفيين والبنك المركزي الأوروبي من نتائج. يوم الجمع الماضي، تم الإعلان عن نتائج اختبارات الضغط المصرفي التي أجريت للبنوك الأوروبية، والتي أسفرت نتائجها عن أن سبعة بنوك أوروبية فشلت في اجتياز هذه الاختبارات. المهم في الأمر انه عقب إعلان النتائج مالت الأسواق إلى الهدوء، وازدادت مستويات الثقة في القطاع المصرفي الأوروبي، حيث زالت حالة القلق التي كانت سائدة قبل الإعلان عن النتائج. بعض الكتاب الذي لا يفهمون طبيعة هذه الاختبارات غالوا في تفسير النتائج، والبعض الآخر ينظر إلى البنوك التي فشلت في الاختبار على أنها بنوك مفلسة.. الخ، وهو ما يعكس سوء فهم لطبيعة مثل هذه الاختبارات، فما هي اختبارات الضغط المصرفي؟ وما هو الهدف منها، ولماذا يتم إجراؤها. سوف أحاول في هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تحليل اختبارات الضغط المصرفي للبنوك الأوروبية.



اختبارات الضغط المصرفي هي اختبارات تجرى على البنوك بهدف التعرف على قدرتها على تحمل الخسائر المستقبلية التي يمكن أن تتعرض لها في ظل سيناريوهات محددة حول الأوضاع الاقتصادية في المستقبل، وهذه السيناريوهات تبدأ بما يسمى بالسيناريو الأساسي، أو سيناريو استمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه، وعدة سيناريوهات بديلة تختلف في درجة حدة الفروض القائمة عليها. بصفة خاصة تحاول هذه الاختبارات التأكد من أن البنوك سوف يكون لديها موارد رأسمالية كافية لمواجهة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها في حال تحقق السيناريو الأسوأ من بين هذه السيناريوهات. ولذلك يفترض أن يترتب على اختبارات الضغط بناء تصور عن مدى قدرة المؤسسات المالية والنظام المصرفي بشكل عام على مواجهة الصدمات المحتمل حدوثها في الاقتصاد، إذا ما تطورات الأوضاع الاقتصادية على النحو الأسوأ، وتقييم قدرتها على استيعاب الصدمات المختلفة الناجمة عن مخاطر الائتمان والأسواق، وتجرى هذه الاختبارات على كل بنك على حدة، استنادا إلى البيانات المتاحة عن البنك، والمعلومات الناجمة من عمليات الرقابة على البنك.



تأتي أهمية نتائج اختبارات الضغط المصرفي في أنها تساعد على اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال المؤسسات المالية التي تظهر النتائج سوء أوضاعها، أي فيما إذا كانت الحكومة ستضع خطة لتقديم الدعم المالي لها في حال تحقق السيناريو الأسوأ لكي تستمر في أعمالها، أو ستسمح لها بالإفلاس، وعلى ذلك فان نتائج تلك الاختبارات سوف تحدد البنوك ذات الأوضاع المتينة، وهي البنوك التي تكفي أصولها لتمويل التزاماتها وتغطية خسائرها المستقبلية، ومن ثم يمكنها أن تستمر في دورها كوسيط مالي، وبدون مساعدة حكومية، وكذلك تحديد تلك البنوك التي سوف تحتاج إلى مساعدة من الحكومة لكي تستمر في العمل، وهي تلك البنوك المحتمل أن تكون مليئة ماليا عند تحسن أوضاع الاقتصاد، غير أنها تحتاج في أوقات تحول السيناريو الأسوأ إلى واقع إلى المساعدة الحكومية من خلال تقديم أموال لمساندة وإنقاذ تلك البنوك، أو أن يطلب من البنوك أن تبحث عن مصادر للتمويل في سوق التمويل الخاص، بما في ذلك دفع أو إجبار البنك نحو الاندماج.



كان الرئيس باراك أوباما عند بدء رئاسته قد أعلن بأنه سوف يخضع البنوك الرئيسية في الولايات المتحدة لاختبارات للضغط المصرفي للتعرف على الأوضاع الحقيقية لتلك البنوك، وبالفعل تم إجراء تلك الاختبارات بواسطة الاحتياطي الفدرالي على 19 بنكا، وتم إعلان نتائجها للجمهور بكل شفافية، فكانت النتيجة هي بث الاطمئنان في الأسواق عن أوضاع البنوك الأمريكية في الأسواق العالمية، واخذ مؤشر أسعار الأسهم في الارتفاع بعد ذلك.



وكان البنك المركزي الأوروبي قد سبق أن قام بإجراء اختبارات الضغط المصرفي في 2009، ولكن على عينة من 26 بنكا فقط. اختبارات الضغط اتسعت هذه المرة لتشمل 91 بنكا أوروبيا والتي تمثل 65% من إجمالي السوق الأوروبي بالنسبة لإجمالي حجم الأصول في النظام المصرفي الأوروبي، وبالتعاون مع 20 مؤسسة رقابية. معنى ذلك ان اختبارات الضغط المصرفي لا تشمل كافة البنوك الأوروبية، حيث تم التركيز على البنوك الرئيسية خصوصا تلك التي يتسع نطاق أعمالها عبر دول أوروبا، ومجموعة أخرى من البنوك الضخمة من حيث حجم الائتمان الذي تمنحه في أوروبا. وعندما تم اختيار العينة تم ترتيب البنوك في كل دولة تنازليا بحيث يتم ضمان ان تغطي العينة 50% على الأقل من النظام المصرفي المحلي في كل دولة. شملت الاختبارات التي أجريت للبنوك الأوروبية مدى زمني طوله سنتين قادمتين، أي حتى نهاية 2011، وذلك وفقا لفروض قاسية حول مسار السيناريو الأسوأ، وتركز اختبارات الضغط على المخاطر الائتمانية والسوقية بما في ذلك التعرض للديون السيادية الأوروبية.



ولكن ما هي ملامح هذا السيناريو الأسوأ الذي أجريت على أساسه اختبارات الضغط المصرفي؟ باختصار، فروض السيناريو الأسوأ هي حدوث صدمة في معدلات النمو يترتب عليها تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% خلال عامي 2010-2011، عما هو متوقعا في السيناريو الأساسي، وفي حال حدوث ذلك فان الكساد سوف يعم أوروبا. بينما يقوم السيناريو الأساسي على افتراض أن دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) سوف تبدأ استعادة النشاط الاقتصادي في 2010، بمعدل نمو 1%، ويتحسن هذا المعدل في 2011 إلى 1.7%. معنى ذلك أنه يتوقع في حال تحقق السيناريو الأسوأ، أن ينخفض معدل النمو في عام 2011 في الاتحاد الأوروبي إلى سالب 0.4% تقريبا، ونتيجة لذلك سوف ترتفع معدلات البطالة من 9.8% في 2010 إلى 11% في 2011، وفي منطقة اليورو (16 دولة) إلى 11.5%. ومن الواضح أن صدمة النمو في السيناريو الأسوأ سوف يترتب عليها تراجع في مستويات الثقة في الاقتصاد الأوروبي، ومن ثم تراجع في مستويات التوظف وتوقعات الأرباح للشركات في العالم، وهو ما يؤثر سلبا على الاستثمار والاستهلاك الخاص. ويوضح الشكل التالي معدلات النمو الحقيقي في الاتحاد الاوروبي وفقا للسيناريوهات المختلفة لاختبارات الضغط المصرفي.


أكثر من ذلك يفترض السيناريو الأسوأ تعرض البنوك الأوروبية لصدمة في الديون السيادية، من خلال تدهور أوضاع السوق إلى مستويات مشابهة لتلك التي سادت في عز أزمة الديون اليونانية في مايو 2010، ولكن كيف يتم أخذ مخاطر الديون السيادية في الاعتبار؟ إن ذلك يشمل الانخفاض المتوقع في قيمة هذه السندات عند حدوث الصدمة، وأي انخفاض يحدث في الأصول الأخرى غير الديون السيادية، ومن ثم تحدث الخسائر التي يمكن ان تمنى بها البنوك نتيجة التعرض للديون السيادية، كما تشمل هذه المخاطر ارتفاع معدل العائد على هذه السندات، بحيث يصل إلى حوالي 14% في 2011، وهو ما يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة على قروض القطاع الخاص، مما قد يرفع من معدلات التوقف عن السداد بين الشركات الخاصة، والجمهور والذين سيجدون صعوبة في خدمة هذه القروض، ومن ثم مواجهة البنوك لخسائر إضافية من التعرض لقروض القطاع الخاص. كذلك يتوقع أن يترتب على ذلك ارتفاع معدلات الفائدة ليس فقط الفائدة قصيرة الأجل، ولكن أيضا معدلات الفائدة طويلة الأجل، وهو ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الماليات العامة لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.



لبدء إجراء اختبارات الضغط يجب على البنوك المعنية ان تقوم بحساب نسبة رأسمالها إلى إجمالي الأصول في 2010 و 2011، وفقا للسيناريو الأساسي، ثم يتم بعد ذلك حساب نسبة رؤوس الأموال بالنسبة للأصول وفقا للسيناريو الأسوأ والذي يتضمن صدمتي النمو والديون السيادية. ثم تتم مقارنة نسبة رأس المال الجوهري إلى الأصول، فإذا كانت النسبة هي 6% أو أكثر فان البنك يكون قد اجتاز الاختبار بنجاح، وإذا ما كانت النسبة اقل من 6% فإن البنك يكون قد فشل في الاختبار ويجب على البنك تدبير موارد مالية لرفع نسبة رأس ماله إلى الأصول التي يملكها. وقد تم استخدام حد الـ 6% كمعيار وحيد لأغراض هذه الاختبارات، حيث تخضع البنوك الأوروبية إلى قيود حول الحد الأدنى لنسبة رأس المال الجوهري إلى إجمالي الأصول عند 4%.



أهم النتائج التي تم التوصل إليها هي أن القطاع المصرفي الأوروبي قطاع متين بشكل عام، عدا بعض البنوك التي فشلت في اجتياز الاختبار، وأن البنوك الأوروبية سوف يكون لديها قدرة عالية على تحمل نتائج السيناريو الأسوأ، غير ان التقرير يشير إلى جانبا من هذه النتائج تعكس الدعم الحكومي لحوالي 38 بنكا من هذه البنوك، وانه في حال تعقد أوضاع الأزمة واتساع حالة عدم التأكد المصاحبة لاستعادة النشاط الاقتصادي العالمي، فإن هذه النتائج لا بد وأن تؤخذ بقدر أكبر من الحيطة والحذر، خصوصا لو قامت الحكومات بالخروج من استراتيجيات الدعم لتلك البنوك.



أظهرت نتائج الاختبارات بأن إجمالي نسبة راس المال الجوهري (رأس المال من الأسهم والاحتياطيات المعلنة) إلى إجمالي الأصول للبنوك الأوروبية سوف ينخفض في ظل السيناريو الأسوأ من 10.3% في عام 2009 إلى 9.2% في عام 2011، وهو ما يرتفع بشكل كبير عن الحد الأدنى المطلوب من الأجهزة الرقابية في ظل هذا الاختبار، والذي يقع بين 4%-6%. عدد البنوك الأوروبية التي فشلت في اجتياز اختبارات الضغط هو 7 بنوك بلغت نسبة رؤوس أموالها إلى أصولها عند نسب اقل من 6% في حال سيادة السيناريو الأسوأ. أما بالنسبة لحجم الخسائر المتوقع حدوثها للبنوك الأوروبية في حال تحقق السيناريو الأسوأ، فقد توصلت نتائج الاختبارات ان إجمالي الخسائر التي يمكن ان تلحق بالقطاع المصرفي الأوروبي (العينة المدرجة في الاختبارات) ربما تصل إلى حوالي 566 مليار يورو، ويوضح الشكل التالي اتجاهات نسبة رأس المال الى اصول البنوك الاوروبية وفقا للسيناريو الاسوأ لاختبارات الضغط المصرفي للبنوك الاوروبية.


ولكن ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة للبنوك التي فشلت في اختبار الضغط؟ البنوك التي فشلت في أن تستوفي هذا الحد لنسبة رأس المال الجوهري إلى أصولها سوف تكون على اتصال وثيق بالسلطات الرقابية في أوروبا لتقييم نتائج الاختبار ومضامين هذه النتائج بالنسبة لتلك البنوك، وبحث الحاجة إلى إعادة رسملة هذه البنوك لكي تصل إلى الحد الأدنى من الرسملة الذي تفرضه الجهات الرقابية. الأمر الذي يجب التركيز عليه هو ان البنوك التي لم تجتاز الاختبار ليست بنوكا معرضة للإفلاس، كما أن النتائج التي تم التوصل إليها ليس معناها أنها سوف تحدث على وجه الدقة في حال تحقق السيناريو، معنى ذلك ان هذه البنوك التي أعلن عن أنها فشلت في الاختبار سوف تظل نسبة رؤوس أموالها إلى أصولها في أمان طالما لم تتحول الفروض التي قام عليها السيناريو الأسوأ إلى واقع عملي.



بقي أن أشير إلى أن الاختبارات التي أجرتها اللجنة الأوروبية للمراقبين المصرفيين كانت أكثف من تلك التي أجراها الاحتياطي الفدرالي في العام الماضي، سواء من حيث عدد المصارف أو نطاق انتشارها. الجديد في هذه المرة ان البنك المركزي الأوروبي حرص على نشر نتائج الاختبار بشفافية أعلى، وهو من المسائل الحيوية، خصوصا بالنسبة للأسواق، حيث يساعد في تهدئة مخاوف الأسواق حول مدى سلامة النظام المصرفي الأوروبي في ظل المخاوف من أزمة الديون السيادية الأوروبية، لأن هذه النتائج أتت أفضل مما كان يخشاه المستثمرون حول الأوضاع الحقيقية لتلك البنوك.
المصدر: Aggregate outcome of the 2010 EU wide stress test exercise coordinated by CEBS in cooperation with the ECB,
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق