نشرت الاكونوميست في يوم 6/7/2010 الشكل البياني التالي عن أسعار الذهب المعدلة بالتضخم، على مدى زمني أكثر من مائتي عام تقريبا، أي عن الفترة من 1800 حتى عام 2010. ثم قامت الاكونوميست بعقد مقارنة بين سعر الذهب اليوم وسعر الذهب في 1980 عندما بلغ مستويات قياسية (800 دولارا للأوقية وهي الفترة التي شهدت صدمة ارتفاع اسعار النفط الخام الى مستويات تاريخية في هذا الوقت).
ما إن بلغ الذهب هذه المستويات القياسية كان من الواضح ان عزم الضغط داخل فقاعة الذهب قد بلغ المستويات الحرجة اللازمة لبدء انفجار فقاعة الذهب حيث انخفض الذهب بعدها بنسبة 55% في العامين التاليين، مخلفا خسائر فادحة للمضاربين الذين وثقوا في المعدن النفيس.
ما إن بلغ الذهب هذه المستويات القياسية كان من الواضح ان عزم الضغط داخل فقاعة الذهب قد بلغ المستويات الحرجة اللازمة لبدء انفجار فقاعة الذهب حيث انخفض الذهب بعدها بنسبة 55% في العامين التاليين، مخلفا خسائر فادحة للمضاربين الذين وثقوا في المعدن النفيس.
المصدر: http://www.economist.com/research/articlesBySubject/displaystory.cfm?subjectid=7933596&story_id=16531196
اليوم تتكرر نفس القصة حيث تكونت فقاعة ضخمة للذهب نتيجة للازمة الاقتصادية العالمية، واستمرار ارتفاع مخاطر عدم خروج العالم من الأزمة الحالية في القريب العاجل، ولذلك يستمر الذهب عند مستويات مرتفعة مدفوعا بما يردده القطيع عن ان الذهب سوف يرتفع ليبلغ آلاف الدولارات للأوقية، وهو حلم لا يؤمن به أغبى العاملين في حقل الذهب. فأمثال هؤلاء يتناسون حقيقتين في غاية الأهمية عن الذهب؛ الحقيقة الأولى أن اسعار الذهب ترتفع عندما تميل معدلات الفائدة نحو التراجع، وفي الوقت الحالي تصل معدلات الفائدة في اغلب دول العالم الى مستويات دنيا، قريبة من الصفر، بالشكل الذي يبرر تزايد الطلب على الذهب كأصل، الحقيقة الثانية هي أن من يثقون في الذهب كأصل استثماري يتناسون حقيقة هامة وهي أن الذهب سلعة تجارية، مثله مثل أي سلعة أخرى في أي سوق من اسواق السلع في العالم، وأي سلعة تجارية عرضة للتقلب في سعرها مع تغير معطيات السوق المحددة للطلب والعرض على تلك السلعة. ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني أنه مثلما ارتفع سعر الذهب بفعل القوى التي دفعت بالطلب عليه نحو الارتفاع، فإن انعكاس تلك القوى في المستقبل سوف يعكس اتجاه سعر الذهب نحو الانخفاض.
الذين يروجون لفكرة أن أسعار الذهب سوف ترتفع الى الأبد هم واحد من اثنين، إما مستثمر بكثافة في الذهب ويرغب في أن يحقق عائدا مناسبا على استثماراته، ولذلك يروج لهذه الخرافات ليقتنع بها الناس، وإما شخص لا يفهم الفرق بين السعر الغير عادي للذهب، أي الراجع لظروف استثنائية، وسعر الاتجاه العام للذهب الذي يسود في الظروف الطبيعية، التحليل المقدم لاستمرار ارتفاع اسعار الذهب في المستقبل لا يصمد أمام أقل انتقاد من الناحية الفنية.
الذين ينفخون في فقاعة الذهب يرددون نفس الاسباب، وهي باختصار أن الوضع العالمي مختلف هذه المرة، عن أي مرة سابقة. ولا أدري مختلف في ماذا؟ نحن نعيش ازمة، وحالما تنتهي هذه الازمة سوف تعود الاوضاع الاقتصادية في العالم مرة أخرى الى أوضاع ما قبل الازمة، ومعها تعود معدلات الفائدة مرة اخرى الى مستوياتها الطبيعية، ونظرا لأن الذهب (كمعدن) لا يدر أي عوائد فإن عمليات البيع سوف تتكثف لتسييل المعدن وتحويله الى مودعات مرة أخرى. أنها نفس العبارة التي كان يرددها القطيع في كل الازمات المالية التي مرت على العالم مسبقا، "الوضع مختلف هذه المرة".
الذين ينفخون في فقاعة الذهب يعتقدون أيضا أنهم على قدر من الذكاء يمكنهم من أن ينسحبوا بأمان قبل انفجار الفقاعة بقليل قبل أن يخسروا من انخفاض سعر الذهب، لهؤلاء بالذات أحذر، استنادا الى قراءاتي للأزمات التي مرت على العالم، بأن هذا هو نفس الاعتقاد الذي ساد لدى كل المضاربين حول الفقاعات السعرية السابقة، حيث تطورات الاوضاع على النحو الاسوأ ومن حيث لا يتوقع أحد، وبصورة مباغتة. إن هؤلاء ينسون أو يتناسون أن انفجار الفقاعة يحدث في غضون فترة قصيرة جدا لا تمكن أي أحد من ان يتخذ احتياطياته لانقاذ نفسه، وأن التطور السريع في الاسواق لا يعطي أي فرصة لأحد بأن يتجنب آثار ما يحدث فتكون النتيجة هو أن الجميع يدفع الثمن غاليا.
الدليل التاريخي لا يكذب، والشكل البياني يقدم دليلا تاريخيا في غاية الأهمية، وهو أن كل ارتفاع غير طبيعي في سعر الذهب لا بد وان يليه تصحيحا يجذب هذا السعر الى سعر الاتجاه العام. الشكل البياني يوضح حقيقة اخرى في غاية الأهمية وهي أن السعر الطبيعي، أو سعر الاتجاه العام للذهب يتراوح بين 300 - 600 دولارا للأوقية، هذه الملاحظة اقدمها لمن يشتري الذهب بأكثر من الف دولارا اليوم.
لهؤلاء أنقل الخلاصة التي توصلت إليها الاكونوميست في الاسبوع الماضي. تقول الاكونوميست أنه بعد تعديل أسعار الذهب بالتضخم فإن أسعار اليوم للذهب تعد اقل من تلك التي كانت سائدة في فترة هوس الذهب في الثمانينيات Gold mania، حيث تحقق أعلى سعر لأوقية الذهب الذي تم تسجيله في 1980 وهو 800 دولارا، وبتعديل هذا السعر بالتضخم فان سعر الأوقية من الذهب في عام 1980 بأسعار اليوم هو 1623 دولارا. وهو ما يعني أن متوسط السعر الحالي للذهب هذا العام حتى الشهر الماضي والذي يبلغ 1154 دولارا، ما زال اقل بنسبة 29% من أعلى سعر بلغه الذهب (معدلا بالتضخم) في 1980.
بالنسبة للاكونوميست فإن هذه المقارنة تعني انه ربما يكون الوقت الحالي هو الوقت المناسب لبيع الذهب والتخلص منه، وهي خلاصة ربما تتنافى مع ما توصلت إليه من تحليل، حيث أنه إذا كان سعر الذهب اليوم، على الرغم من ارتفاعه، ما زال اقل من أعلى سعر بلغه الذهب (معدلا بالتضخم) في فترة الهوس بالذهب، فإن ذلك معناه أنه ما زال هناك مجال أمام سعر الذهب للارتفاع أكثر وأكثر حتى يبلغ هذه القمة السابقة التي بلغها قبل ان تنفجر فقاعته، وهذا تحليل غير دقيق.
بالنسبة لي هذه المقارنة غير دقيقة، لأنه للحكم على ما إذا كان سعر الذهب اليوم منخفض أو مرتفع، فإننا لا ينبغي أن نقارن سعر الذهب الحالي، بأعلى سعر بلغه الذهب في التاريخ، وإنما يجب ان نقارن سعر الذهب اليوم بالاتجاه العام لسعر الذهب في السنوات الماضية، وليس بالقمم السعرية للذهب، حتى يمكننا الحكم بدقة عما إذا كان سعر الذهب ينحرف عن اتجاهه العام أم لا. وبالطبع فان الشكل يوضح أن سعر الذهب اليوم ينحرف بصورة واضحة عن اتجاهه العام، وهو ما يعني أن هناك بالفعل فقاعة خطيرة لسعر الذهب قائمة بالفعل، وأن القطيع الذين وثقوا في المعدن اليوم، سوف يدفعون ثمنا غاليا عند انفجار فقاعة الذهب في المستقبل.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق