الجمعة، يوليو ٢٣، ٢٠١٠

عالم لا يتعلم من أزماته 8/12: أزمة سوق المناخ

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية يوم الجمعة 23/7/2010
دائما ما كنت أتناول هذه الأزمة في فصول مادة النقود والبنوك، في جامعة الكويت، للتدليل على حالة الجنون التي يمكن ان تصيب السوق والمتعاملين فيه من الساعين نحو الثروة بأي ثمن، واضعين عقولهم في كوكب آخر، ولقد قرأت في كل الأزمات التي مرت على العالم، ولكني لم أر مثل هذا الجنون الذي شهده سوق المناخ، فقد كان صناعة من نوع خاص، وغالبا ما أطلق على هذه الأزمة فقاعة الورق، حيث أن ما كان يحدث هو إلى حد كبير مضاربة على أسهم لا تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه، في مقابل شيكات ليس لها رصيد، والاثنان يشتركان في خاصية واحدة، هي أنهما بلا قيمة.



تبدأ هذه القصة العجيبة بالحرب بين العرب وإسرائيل في عام 1973 حيث قررت الدول العربية النفطية بزعامة الملك فيصل رحمه الله، وللمرة الثانية، مقاطعة الدول الغربية المساندة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بوقف شحنات النفط إلى تلك الدول، مما أدى إلى تضاعف أسعار النفط عدة مرات، وأخذت دخول الدول النفطية بالصعود على نحو غير مسبوق، وبالطبع منهم، إن لم يكن على رأسهم الكويت، تلك الدولة الصغيرة التي أصبحت مضرب المثل بعد ذلك في الثروة والغنى، نظرا لضخامة إيراداتها النفطية مقارنة بحجم سكانها الصغير، الأمر الذي أدى إلى تراكم ثروات الأفراد بصورة كبيرة. نتيجة لذلك أخذت عمليات المضاربة من جانب المستثمرين في التصاعد لدرجة أدت إلى تعرض سوق الأوراق المالية لهزات في 1976 و 1977، واضطرت الحكومة إلى التدخل بعمليات شراء للأسهم إنقاذا للموقف، كما قامت في ذلك الوقت بإيقاف تأسيس الشركات المساهمة للحد من عمليات المضاربة على الأسهم.



أدى هذا التصرف من قبل الحكومة إلى رفع ميل المواطنين نحو المضاربة في سوق الأوراق المالية، طالما ان الحكومة مستعدة أو يمكن إجبارها على إبداء الاستعداد اللازم للتدخل باستخدام المال العام لإنقاذ الجميع في حال سقط السوق. كان قرار وقف إنشاء الشركات المساهمة في غاية الغرابة، إذ يفترض ان الشركات المساهمة تنشأ أساسا لكي تمارس نشاطا اقتصاديا، لا لكي تتداول أوراقها لأغراض المضاربة في السوق، ومن ثم فانه يفترض أن يتم إنشاء الشركات في أي وقت طالما سنحت الفرصة لممارسة نشاط إنتاجي معين، أو لتوسيع نطاق شركات قائمة على شكل شركات مساهمة. المهم أنه في الوقت الذي أخذت فيه الثروات تتدفق إلى جيوب المواطنين صدر قرار إيقاف إنشاء الشركات المساهمة، وهو ما أدى إلى ندرة في الأصول المعروضة للاستثمار، أو بالأحرى المضاربة.



كان هوس الذهب الذي بلغ قمته عام 1980 قد انتهي، وفي ظل هذه الظروف أصبح من الضروري البحث عن أدوات لاستثمار هذه المدخرات المتراكمة لدى الأفراد، وتفتقت أذهان فرسان المناخ عن حل شيطاني لهذه المشكلة، وهو أنه إذا كانت كميات أسهم الشركات الكويتية المطروحة للاستثمار غير كافية، فلماذا لا يتم استيراد هذه الأسهم من الخارج؟ وإذا كانت الحكومة قد أوقفت إنشاء الشركات المساهمة في الكويت، فلماذا لا يتم إنشاء هذه الشركات في الخارج ثم جلب أسهمها إلى الكويت للمضاربة عليها في الداخل؟ وإذا كانت الحكومة قد أوقفت إنشاء الشركات المساهمة، فلماذا لا يتم إنشاء شركات مقفلة وتداول أسهمها أيضا في السوق، ونتيجة لذلك انتشرت عمليات إنشاء الشركات المقفلة بقائمة أسماء تتكرر في كل مرة تقريبا بهدف توفير المزيد من الورق الذي يتحول إلى ملايين في أرصدة فرسان المناخ، أدت أمثال هذه الحلول إلى توفير الأوراق اللازمة للمضاربة، بغض النظر عن مدى قانونية عملية تداولها، من جانب، وتمكين فرسان المناخ من تحقيق ثروات خيالية من جانب آخر. باختصار تكثفت عمليات جلب الأسهم من البحرين والإمارات العربية المتحدة فضلا عن إنشاء شركات في الإمارات الفقيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وجلب أسهمها للمضاربين في الكويت وتكثفت عملية إنشاء الشركات المقفلة والتي كانت في معظم الأحيان لا تزال حبرا على ورق عند تداول أسهمها في السوق، وللمفارقة كانت القرارات الحكومية بوقف تكوين الشركات المساهمة خوفا من استخدامها في المضاربة، فكان العلاج الذي قدمه المضاربون أسوأ من المرض ذاته.



كانت عمليات تداول هذه الأسهم في البورصة الرسمية للأوراق المالية تقتضى تسجيل هذه الشركات فيها، وقد كان ذلك الأمر غير ممكن من الناحية القانونية في ذلك الوقت، فجاء الحل أكثر غرابة، وهو قيام الوسطاء بتداول هذه الأسهم في سوق موازي للسوق الرسمي في مبنى سوق المناخ، وهو سوق صغير يقع في وسط العاصمة، الأمر الذي عني أن السوق منذ البداية لم يكن سوقا قانونيا، فقد كان يتكون من مجموعة من الوسطاء الذين يعملون في تبادل العقار أساسا، ثم تحولت مكاتب سماسرة العقار إلى مكاتب تداول للأسهم للشركات الخليجية والشركات المقفلة بنظام Over the counter، وهي أسهم لا يجوز تداولها أصلا إلا بشروط لم تكن تستوفيها هذه المكاتب، وذلك في فوضى لا مثيل لها، وبدلا من أن تقوم الحكومة بإغلاق السوق لأنه مخالف للقانون، تم غض الطرف عنه، ولأن السوق هو سوق موازي فقد تمكن من جلب أكثر المستثمرين ميلا نحو المضاربة.



كسوق غير منظم لم يكن هناك اشتراطات حول طبيعة الأسهم التي يتم تداولها فيه، أو حول خصائص من لهم أهلية العمل كوسطاء في السوق، بل ان الكثير من صفقات البيع والشراء لم تكن تتم في السوق أصلا، بل في الديوانيات أو عبر التليفون أو حتى في الخارج. بناءا على ما سبق يمكننا تعريف سوق المناخ إذن على أنه سوق غير منظم لتداول أسهم الشركات الخليجية التي كان يتم جلبها أو إنشاؤها في الخارج والشركات المقفلة، ويقال ان تسمية سوق المناخ هي نسبة إلى المكان الذي كانت تنوخ فيه الإبل في الكويت، ويقال أيضا ان مبنى سوق المناخ (سوق الذهب المركزي حاليا)، كان قد تكلف بناؤه 5 ملايين دينار، غير انه عندما تحول السوق إلى ماكينة هائلة لصنع النقود ارتفعت أسعار المتر المربع في السوق إلى مليون دينارا، أي حوالي 3.5 مليون دولارا للمتر المربع، وهو ما جعله أغلى مكان على سطح الكوكب في ذلك الوقت، وإذا كان الوضع كذلك لم يكن من المستغرب ان يكسر سوق المناخ الكثير من الأرقام القياسية.



لتوفير الوقود اللازم للمضاربة استخدم السوق نوع غريب من التمويل الشخصي يقوم على استخدام ما يسمى بالشيكات الآجلة، والتي شاع قبولها في العرف الكويتي، وذلك لسداد قيمة الأسهم التي يتم شراؤها. لم تكن هذه الشيكات تتطلب إثباتا من كاتب الشيك بأن لديه رصيدا كافيا في البنك يكفي لسداد قيمة الشيك، وهو ما يمكن أن يعد من الناحية القانونية جريمة تزوير شيكات، إذا لم يكن هناك رصيد كاف في حساب محرر الشيك عند تقديمه للصرف، فكيف كان إذن يسمح بالتمويل في ظل هذا الوضع؟ كان الموضوع كله يقوم على التوقعات بأنه مع استحقاق موعد سداد الشيك سوف تكون قيمة الأسهم قد ارتفعت عدة مرات، وهو ما يمكن المضارب من بيعها نقدا أو بشيكات مرة أخرى، والتي يمكن خصمها في البنوك أو خارجها للحصول على قيمتها، ومن ثم لن يكون هناك مشكلة في توفير رصيد كاف في حساب محرر الشيك طالما ان الأمور تسير بشكل طبيعي، ونظرا لأن هذا النوع من التمويل غير مكلف للمضارب فلم يكن هناك ما يمنع أي شخص من دفع أي ثمن للأسهم طالما ان السداد سوف يتم لاحقا.



لم يكن المتعاملون بهذه الشيكات يعلمون، أو ربما يعلمون ولكنهم يتجاهلون، حقيقة أن القانون الكويتي يسمح بصرف هذه الشيكات المؤجلة في أي وقت، وهي ثغرة في القانون التجاري الكويتي سوف تؤدي لاحقا إلى الانهيار المفاجئ للسوق. نحن إذن أمام نظام للدفع يسمح للمشتري بأن يؤجل تاريخ التزاماته، بينما يعطي للبائع ميزة تسييل هذه الالتزامات في أي لحظة يشاء، وهو ما يعني أن نظام التمويل في السوق يعتمد على عنصر واحد، هو مدى ثقة حامل الشيك في محرره، ومن ثم كانت الخيارات أمام حامل الشيك الآجل هي أما الانتظار حتى تاريخ استحقاقه، أو صرفه في ذات اللحظة التي تمت كتابة الشيك فيها، حتى وان كان مؤجلا لعشر سنوات تالية.



جذب هذا النوع من التمويل الطامعين في تكوين الثروة، حيث كان كل المطلوب من المشتري هو مجرد توقيع على شيك بثمن الأسهم، ثم متابعة الأسعار ترتفع في البورصة حتى يحين الوقت المناسب للبيع، ومع سهولة توفير وقود المضاربة أخذت أسعار الأسهم في الارتفاع إلى مستويات خيالية، مما جذب المزيد من المضاربين إلى السوق الذين لديهم خبرة قليلة في التعامل بالأسهم ولا يفهمون في التحليل الأساسي للأسواق، والراغبين فقط في وضع أيديهم على أي أسهم يجدونها في السوق.



في ظل هذا الهوس لم يكن احد يدقق في أوضاع الشركات المتداولة، أي فيما إذا كانت هذه الشركات لديها أصول أم لا، أو ما إذا كانت توزيعات اربحاها تبرر مثل هذه الأسعار التي يتم على أساسها تداول الأسهم في السوق، أم لا، إلى آخر هذه القائمة من المؤشرات التي يفترض ان تستند إليها قرارات الشراء، وتشير الكتابات المتاحة عن الأزمة أنه إذا ما تم التدقيق في طبيعة الشركات التي كان يتم تداول أسهمها من حيث حجم عملياتها، أو توزيعات اربحاها، أو القيمة المضافة لها .. الخ، سوف نكتشف أنه لا شيء يمكن ان يبرر هذا الارتفاع الهائل في القيمة السوقية لهذه الأسهم، ولكنه جنون المضاربة. دخل النظام المصرفي على الخط حيث أخذت البنوك في تقديم التسهيلات الائتمانية في صورة سحب على المكشوف، أو تقديم قروض بضمانات شخصية، أو بلا ضمانات، أو بضمان الشيكات الآجلة، وكذلك قبول عمليات خصم الشيكات لشراء الأسهم، وهو ما أدى إلى توفير السيولة اللازمة للمضاربين في السوق، أكثر من ذلك فقد قامت شركات الصرافة بتمويل عمليات الشراء والمساهمة في خصم الشيكات، وفي بعض الأحيان كانت السيولة تأتي من الخارج.



مقارنة مع السوق الرسمي اكتسب سوق المناخ شعبية طاغية حيث يمكن ان يضاعف المرء أمواله في غضون اشهر قليلة، مع تحول السوق إلى ما يشبه كازينو للقمار منه إلى سوق لتداول الأوراق المالية، وكان الجميع يردد أنه لا خاسر في هذه السوق"، لدرجة أنه لم يكن هناك أسرة كويتية إلا وتعاملت في السوق أو ارتبطت به. كانت القصص التي ترد من السوق أشبه بقصص ألف ليلة وليلة، حيث تحول السوق إلى السبيل الوحيد نحو الثراء السريع والتحول إلى شخص يحمل لقب مليونير بدون أي جهد يذكر، سوى متابعة الذهاب إلى السوق والتوقيع على الشيكات الآجلة، في ظل هذه المضاربة الجنونية تحول الكثير ممن لم يكونوا يملكون شيئا إلى مليونيرات وأحيانا مليارديرات، وتحول الفارس الرئيسي من مجرد موظف في الجوازات إلى ملياردير يملك أصولا تفوق ميزانيات الكثير من دول العالم.



ترتب على الكميات الضخمة جدا من النقود التي تم ضخها في السوق خلق توسع جنوني في عمليات التمويل غير المنظم وبالتالي في نفخ بالون ضخم جدا لأسعار الأسهم، ففي عام 1982 ارتفعت القيمة الرأسمالية للأسهم في السوق الكويتي من 5 مليار إلى 100 مليار دولارا في غضون عدة أشهر، وهو ما أدى إلى تحول سوق الأوراق المالية في الكويت في أوائل الثمانينيات، إلى ثالث اكبر سوق أسهم في العالم من حيث القيمة الرأسمالية أو عدد الأسهم التي يتم تداولها فيه. حيث تجاوزت القيمة الرأسمالية للأسهم المتداولة في سوق المناخ وسوق الكويت للأوراق المالية القيمة الرأسمالية لمعظم الأسواق المالية في أقوى اقتصادات العالم، عدا سوقي وول ستريت في الولايات المتحدة وطوكيو في اليابان، أي كان اكبر من أسواق المملكة المتحدة وكافة الأسواق المسجلة في هذا الوقت على إنها أسواق دولية. كيف يتحول سوق الأسهم في اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الكويتي إلى سوق أكبر من سوق اقتصاد ضخم مثل الاقتصاد البريطاني؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي في نمط الهستريا الائتمانية الذي استخدمه السوق.



مع الارتفاع الخرافي في الأسعار ازداد استعداد عدد اكبر من المضاربين لتحرير شيكات آجلة، وكلهم ثقة بأنه مع حلول أجل السداد سوف تكون أسعار الأسهم قد ارتفعت عدة مرات، ومع تراكم الشيكات الآجلة في يد المضاربين بدأت تظهر الابتكارات المالية، وذلك باستخدام هذه الأسهم كرهن في مقابل الاقتراض الإضافي للمضاربة على الأسهم، كما قام البعض الآخر بخصم هذه الشيكات للحصول على الكاش لاستخدامه في المضاربة، وارتفعت معدلات الفائدة على المارجن في السوق إلى نسبة 100% سنويا وأكثر من ذلك في بعض الحالات، ولم لا! فالسوق يحقق أرباحا أكثر ويوما عن يوم تنتفخ الفقاعة بشكل اكبر، الأمر الذي يجعل دفع مثل هذه التكلفة الفادحة أمرا يسيرا. لم يكن أحدا ينظر إلى سعر أي سهم، مهما بلغ، على أنه سعر مبالغ فيه، كما لم يكن احد ينظر إلى السوق على أنه قابل للسقوط، "فالوضع مختلف هنا في الكويت" حسب ما كان شائعا، في ذلك الوقت والحكومة لن تسمح بمثل هذا الانهيار، بمثل هذه الخرافات كان الجميع يعمل في السوق، ومثلما هو الحال في كل أزمة كانت نفس العبارة تتكرر "الوضع هنا مختلف". شهد سوق المناخ أعظم هوس للمضاربة في تاريخ الإنسانية حتى اليوم، وأخذ الجميع يتساءل عن مستقبل هذا السوق واستدامته، فقبل انفجار الفقاعة كان الأسعار تتضاعف بسرعة قياسية حيث كانت أسعار الأسهم ترتفع ما بين 20% إلى 50% شهريا في المتوسط، وفي بعض الأحيان بنسبة 100% يوميا في بعض الحالات.



جاء انهيار السوق بدون أي إنذار ولأسباب أخرى غير ارتفاع الأسعار، ففي أغسطس 1982 تم تقديم شيك مؤجل مسحوب على الفارس الرئيس في السوق، فلم تجد صاحبة الشيك رصيدا في حسابه، وتم اكتشاف أنه غير قادر على دفع قيمة ديونه الضخمة جدا، وسرت الأخبار في السوق بسرعة البرق، وفي لحظات بدأت تنهار قواعد السوق القائم على نظام التمويل الهش. الغريب في هذه الأزمة ان انطفاء السوق كان دراميا، حيث كان هبوط الأسعار كاسحا لثروات المضاربين فيه، وتحول مئات المضاربين من مليونيرات إلى مفلسين بانفجار فقاعة الورق، وعاد الجميع إلى حجمه الطبيعي، وأغلق السوق في هدوء، لتبدأ معاناة الكويت مع إفرازات السوق، وهي إفرازات تطلب التعامل معها تكلفة ما زالت تتحملها الكويت حتى اليوم. فقاعة المناخ هي بكل المقاييس اكبر فقاعة تنفجر في التاريخ قياسا بحجم الاقتصاد وعدد سكانه.



عندما طلبت وزارة المالية تحويل الشيكات الآجلة لكي تتم تسويتها، كان هناك 29000 شيكا آجلا، بقيمة تصل إلى 94 مليار دولارا، على أكثر من 6000 مضارب، وهو رقم يفوق العجز المالي للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا في هذه السنة. كان حجم الائتمان الممنوح للفارس الرئيسي في السوق 14 مليار دولارا، وهو رقم يتجاوز ميزانية مصر في هذا العام. بل ان الشيكات المحررة بواسطة 8 من اكبر فرسان المناخ بلغت قيمتها 55 مليار دولارا، وهو رقم يساوي ضعفي احتياطيات المملكة العربية السعودية في عام 1980. اهتز القطاع المالي وكذلك الاقتصاد الكويتي لوقع الأزمة، وكانت كل البنوك تقريبا على حافة الانهيار بسبب عمليات الإقراض الكبيرة التي تمت للمتعاملين الذين أصبحوا جميعا غير قادرين على سداد قروضهم، وكان لا بد من إنقاذ القطاع المصرفي وهي خطة كلفت الدولة مليارات الدولارات.



لم يحدث ان انغمست حكومة في إنقاذ سوقها على النحو الذي انغمست فيه حكومة دولة الكويت، حيث تعاملت الحكومة مع الأزمة بصورة مغايرة تماما لما يجب أن يحدث، فبدلا من تحميل المتسببين في الأزمة نتائج مضارباتهم، تمت مكافأة المضاربين على هذا العبث، ورضخت الحكومة لهذا الحل تجنبا للأضرار التي كان يمكن ان تلحق بالمجتمع إذا ما تم تطبيق القانون على الجميع، بصفة خاصة صغار المتعاملين، بل إن عملية تطبيق القانون كانت ستصبح مسألة مستحيلة من الناحية العملية فكيف يمكن للنظام القضائي في هذه الدولة الصغيرة محاكمة هذا العدد الهائل من المتهمين مرة واحدة. قامت الحكومة بإنشاء صندوق لصغار المستثمرين بحد أقصى 2 مليون دينار للمستثمر الواحد والذي تكلف 1.2 مليار دينار (4.2 مليار دولارا)، يقوم بسداد قيمة الشيكات للدائنين في مقابل سندات تستحق في آجال مستقبلية حسب قيمة الشيك، كما تم منح قروض لإنقاذ المتعاملين الرئيسيين في السوق والتي تكلفت 900 مليون دينارا (3.15 مليار دولارا)، ثم أخذت الحكومة منحى آخر لرفع أسعار الأصول المالية في السوق الرسمي من خلال شراء أسهم الشركات الكويتية بأسعار مدعمة. بلغ إجمالي التكاليف المباشرة للازمة 4 مليار دينارا (14 مليار دولارا)، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، فبعد 3 سنوات تم إطلاق برنامج الديون الصعبة، وهو ما تبلور في أعقاب حرب تحرير الكويت حيث دفعت الحكومة 5 مليار دينارا (17.5 مليار دولارا).



أثرت الأزمة على مسار الاقتصاد الكويتي بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، خصوصا في عملية صناعة السياسة الاقتصادية، حيث أصبحت القوانين الاقتصادية في البلاد اشد تقييدا مقارنة بجيرانها. انتهت قصة أزمة المناخ، ولكن أحدا لم يتعلم من القصة في الكويت، فقد تكررت أزمات سوق الكويت للأوراق المالية لاحقا لأننا نملك ذاكرة قصيرة جدا، ولأن العالم الذي نعيش فيه لا يتعلم من أزماته فقد تكرر انهيار 1929 في عام 1987، وهو موضوع المقال القادم إن شاء الله تعالى.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

هناك ٤ تعليقات:

  1. يعطيك العافية دكتور

    أنا -و لله الحمد- ما أفهم بالاقتصاد لكن من زمان عندي اهتمام بالجانب الاجتماعي و الثقافي المترتب على أزمة المناخ ، شرحك المبسط و المختصر هذا وضحلي نسبة لا بأس فيها من أسباب هذه الأزمة و تاريخها ، و بانتظار المقال القادم.

    ردحذف
  2. شكرا مؤيد على تعليقك، إذا أحيانا الله

    ردحذف
  3. Thank you Dr. Mohammed for the comprehensive analysis. Is there any book you recommend about the crisis, please? either Arabic or English

    ردحذف
  4. شكرا سيف
    هناك على الاقل 3 كتب باللغة العربية الأول بعنوان أزمة المناخ أو مناخ الازمة للاستاذ جاسم السعدون، وآخر بعنوان أزمة المناخ، لا أذكر المؤلف ولكنه موجود في مكتبة الجامعة (فرع الشويخ)، والتالث للدكتور علي عبد الرحيم وآخرين، فضلا عن عشرات الروابط على الانترنت عن الموضوع.
    تحياتي

    ردحذف