السبت، يوليو ٣١، ٢٠١٠

إلى أين يسير العالم حاليا؟

كافة المؤشرات المتاحة أمامنا حتى هذه اللحظة تشير إلى سيادة حالة كبيرة من عدم التأكد حول مسارات النمو الاقتصادي في العالم، فضلا عن أن احتمالات استعادة الانتعاش الاقتصادي يدور حولها كثير من الشك حاليا، وذلك في ضوء الأوضاع الاقتصادية والمالية غير المؤكدة حاليا في أوروبا، والتوقعات المتزايدة باحتمالات تراجع معدلات النمو الحقيقي في الولايات المتحدة، مركز الأزمة بعد قرب انتهاء مفعول حزم التحفيز المالي والنقدي. القلق الأساسي لدي الآن هو احتمالات ان تجهض الجهود التي بذلت لاستعادة النشاط وتحفيز الاقتصاد الأمريكي والأوروبي مع قرب انتهاء تأثير هذه الحزم المالية الضخمة، لتسود أوضاعا اقتصادية سيئة للغاية في العالم، وبالطبع نحن على رأس قائمة الدول التي ستواجه هذه النتائج السيئة.

تثور كثير من الشكوك حاليا حول قدرة العالم على الخروج من الأزمة في العام الحالي، ومن ثم من المتوقع حدوث استمرار لحالة الكساد لباقي العام العام الحالي على الأقل. للأسف في أوقات عدم التأكد تخرج علينا السيناريوهات من كل حدب وصوب، كل يخرج بنظرية ورؤية قد تستند إلى الواقع أو إلى الخيال، لدرجة تجعل الحليم حيرانا. شخصيا لا أؤمن إلا بما توحي به البيانات على الأرض، وبالنسبة لي لا أستطيع ان أجزم بصحة هذه التنبؤات أو نفيها، فليس متاحا لي حاليا من الدلائل الكافية التي من خلالها أستطيع ترجيح سيناريو محدد حول مسار النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل القريب.

يستطيع المتتبع للكتابات الاقتصادية في العالم أن يصل إلى أن السيناريوهات المرجحة في المستقبل القريب تدور حاليا تقريبا حول ثلاث سيناريوهات هي:

1. السيناريو الأول: هو استعادة النشاط الاقتصادي واستمرار عزم النمو الحالي، إلى الحد الذي يخرجنا من الأزمة نهائيا، على الرغم من برامج التقشف التي يمارسها العديد من الدول في العالم، بما يؤدي إلى تحسين معدلات التوظف وانخفاض معدلات البطالة وعودتها إلى مستوياتها الطبيعية، واستمرار معدلات النمو في الناتج عند مستويات مرتفعة بما يقلل من العجوزات الدورية في الميزانيات العامة لدول العالم، وهذا هو السيناريو الأمثل، الذي ندعو الله ان يسود العالم.

2. السيناريو الثاني: هو ان يتعمق الانكماش، بسبب خفض الإنفاق العام في الاقتصاديات الصناعية والناشئة، وهو ما يمكن ان يترتب عليه حدوث تراجع مزدوج وعودة عوارض الأزمة مرة أخرى، مع استمرار معدلات البطالة في الارتفاع وتحول معدل التضخم إلى معدلات سالبة وهو ما بدأ يحدث بالفعل في بعض الدول العالم، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة ربما إلى حد الأزمة، وسوف تستمر مستويات الدين العام في كافة دول العام في الارتفاع، ومع الانكماش سوف تواجه دول العالم صعوبات كبيرة لاستعادة النشاط، وربما، لا قدر الله، يدخل العالم في حالة ركود الذي بدأ البعض يتحدث عنه كأنه أمر واقع.

3. السيناريو الثالث هو اشتعال أزمة ديون سيادية في العالم، بصفة خاصة في أوروبا مع استمرار سوء الأوضاع المالية وارتفاع مستويات الديون العامة لهذه الدول نتيجة استمرار ضعف معدلات النمو الاقتصادي، وبدء حالات التوقف عن السداد وإعلان إفلاس بعض الدول، مما يجعل من عملية تمويل عجز ميزانيات هذه الدول مسألة شبه مستحيلة، وهو ما قد يدعم سيناريو الركود مرة أخرى.

ليس لدي حاليا ما يمكنني من ترجيح أي من هذه السيناريوهات الثلاثة سوف يسود العالم، ولا يستطيع أحد في العالم أن يتنبأ بما سوف يكون عليه مسار النمو في الاقتصاد العالمي حتى في المستقبل القريب. فما زلت في انتظار ما سوف تكشف عنه التقارير العالمية التي تصدرها الدول الصناعية عن اتجاهات النمو الاقتصادي فيها، حتى يمكن ان نرجح أي من هذه السيناريوهات الأقرب إلى أن يسود في العالم.

لست ممن يفضلون رسم صورة تشاؤمية حول مسارات النمو في المستقبل، فالمستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، وهو لطيف بعباده، وندعوه أن يخفف عنا شرور ما هو قادم. وعلى العكس من الذين يدعون على أمريكا ليل نهار بالخراب، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يقرب من أجل هذه الأزمة، حتى يخرج العالم مما هو فيه من بلاء حاليا، وألا تتطور الأمور على نحو أسوأ من ذلك، خصوصا وأن البيانات الأولية عن تطورات الأوضاع الاقتصادية لا تبشر بالخير.

إذا ساءت الأوضاع في الولايات المتحدة والعالم الغربي، وتحول الانتعاش الضعيف الحالي إلى كساد أو تراجع مزدوج في مستويات النمو، فسيستمر الكساد يعم العالم أجمع، وقد يتحول على أسوأ الفروض إلى ركود. للأسف أول من سيدفع ثمن هذا الركود ليس الأمريكان أو الأوروبيين كما يعتقد البعض، ولكننا نحن في الخليج سوف نكون أول من سيدفع ثمنا فادحا إذا تطورت الأوضاع على نحو أسوأ، فما زالت هياكلنا الاقتصادية في الخليج هشة للغاية، على عكس ما يتصور البعض.

حينما يأتي اليوم الذي ننتج فيه ما نحتاج بأنفسنا، بدءا من المسباح وسجادة الصلاة التي نتقرب الى الله عز وجل بهما، ويقل اعتمادنا على تصدير النفط الخام كمصدر رئيس لدخلنا، وتجد حكوماتنا ما تحتاج اليه من تمويل بعيدا عن ايرادات النفط، وتملأ أسواقنا منتجات مكتوب عليها منتجات خليجية تم تصميمها وتطويرها وتسجيل براءات اختراعها في الخليج، بحيث تتحول عبارة صنع في الخارج الى عبارة صنع في الخليج على المنتجات التي نشتريها، وقتها سيقل اعتمادنا على غيرنا، ويمكن ان نستقل اقتصاديا بذاتنا، وإن كان ذلك صعبا جدا في عالم اليوم، قبل هذا اليوم سوف نستمر نلف في مدار اقتصاديات امريكا وأوروبا وغيرها من الدول، كدول تابعة لا حول لها ولا قوة.

الذين يعتقدون أننا في الخليج نملك ثروات في صناديقنا الاستثمارية واحتياطيات ضخمة تكفينا أو تغنينا عن أمريكا والغرب، عليهم أن يعلموا أن هذه الصناديق جميعا بمستويات إنفاقنا الحالي، وعلى أفضل الأحوال، سوف تكفينا لمدة خمس سنوات فقط أو ربما أقل، بعدها سنواجه أزمة سيولة رهيبة، إذا اتجهت أسعار النفط على نحو أسوأ لا قدر الله، أذكر القارئ بأنه في عز الأزمة كنا نبيع النفط بثلاثين دولارا تقريبا في بداية 2009، وهو سعر اقل من السعر اللازم لتوازن ميزانيات كل دول مجلس التعاون، أي أنه وفقا لهذا السيناريو الأسوأ سوف تنضم دول مجلس التعاون إلى قائمة الدول التي تواجه عجزا في ميزانياتها، بما يحمله ذلك من آثار سلبية على الإنفاق العام في تلك الدول، ومن ثم أوضاع الاقتصاد غير النفطي وبورصات دول المجلس. ارفعوا جميعا أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى سائلين المولى عز وجل العفو والعافية، وأن يرفع عن العالم ما هو فيه.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق