قرأت هذا التقرير الهام للكاتب "شلدون فيلجر" وأحببت أن أشرك القراء فيما جاء فيه، يقول الكاتب في المقال أن الولايات المتحدة الأمريكية قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت تنظر إلى أفغانستان، تلك الدولة ذات الطبيعة الجغرافية الجبلية على أنها مكان قد عفا عليه الزمن، وكان هذا البلد قد توقف عن أن يكون مهما للولايات المتحدة من الناحية الإستراتيجية بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي منه، وإنهاء احتلاله له، خصوصا أنه قد أعقب هذا الانسحاب انهيار العدو الرئيس للولايات المتحدة بتفكك الاتحاد السوفيتي. إلا أن هذا البلد قد عاد إلى الواجهة مرة أخرى عندما تمكنت القاعدة من شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي ترتب عليها تدمير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك، ووفاة عدة آلاف من الأشخاص داخل المبني، وهي العملية التي تطلق عليها القاعدة "غزوة مانهاتن ونيويورك"، والتي، لسوء الحظ، ترتب عليها سقوط دولتين إسلاميتين، فكانت العملية بكل المقاييس كارثة على العالم الإسلامي، المهم، ترتب على هذه العملية تغير حسابات الولايات المتحدة تماما حول هذا الجزء من العالم، وبالفعل وجد الرئيس بوش المبرر الكاف لاحتلال أفغانستان بالجيش الأمريكي مع عدة دول من الأعضاء في منظمة حلف الناتو.
كان الرئيس أوباما يعارض دائما الحرب على العراق باعتبارها مغامرة عسكرية أدت إلى تشتيت جهود الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة وحلفاءها في أفغانستان. يقول الكاتب أن التاريخ يثبت صحة وجهة نظر أوباما حول الأولويات التي كان يجب أن تهتم بها القوات العسكرية الأمريكية. غير أن السؤال الأساسي الذي يواجه إدارة الرئيس اوباما اليوم هو ما هي الإستراتيجية التي يجب أن تتبعها في أفغانستان؟. حتى الآن تميل الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها في أفغانستان وملاحقة طالبان والقاعدة في باكستان.
ولكن هل سينجح المدخل الذي تبناه الرئيس أوباما في أفغانستان بصورة أفضل من ذلك النهج الذي انتهجه الرئيس السابق بوش الابن؟ يقول الكاتب إن الأحداث التاريخية تلقي ظلالا من الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على النجاح في أفغانستان، والتاريخ يقدم الكثير من الدروس التي تستحق التعليق عليها. فالولايات المتحدة ليس لديها سجل ناصع من النجاح في الحروب مع أعداء يتخذون من حرب العصابات أسلوبا لمواجهة الجيش الأمريكي، وأهم الدلائل على ذلك حرب فيتنام حيث تم استخدام مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين المدعمين بعتاد مادي وفني ضخم وكذلك قوة جوية جبارة، ومع ذلك فان كل هذه الحشود لم تضمن النصر للولايات المتحدة في فيتنام، واضطرت في النهاية إلى الانسحاب.
يقول الكاتب أن هناك صوتا خافتا من التاريخ يتردد من المنظر العسكري السويسري "انطوان هنري جوميني" والذي خدم كضابط في جيش نابليون خلال حرب شبه الجزيرة الأيبيرية، والتي بدأت باحتلال جيش نابليون لأسبانيا، والتي ترتب عليها انتفاضة السكان ضد الفرنسيين وهو ما أدى إلى بروز مصطلح حرب العصابات لأول مرة. وقد أرسل البريطانيون جيشا صغيرا منظما لمساعدة الثوار الأسبان تحت قيادك دوق وولينجتون، وفي خلال خمس سنوات تمكن المتمردون الأسبان والقوات النظامية البريطانية من هزيمة الفرنسيين والتي أدت بالإضافة إلى انسحاب الفرنسيين من روسيا إلى القضاء على نابليون بونابرت.
ضمن جوميني في كتابه "فن الحرب" الدروس التي تعلمها من حرب شبه الجزيرة الأيبيرية واستخلص مجموعة من القواعد العامة بالنسبة لحرب العصابات، ويحاول الكاتب تطبيق هذه المبادئ على الحرب الأمريكية في أفغانستان. فقد كتب جوميني انه عندما يتم تأييد الثوار بجيش منظم فان الصعوبات التي يواجهها الجيش المحتل تكون ضخمة جدا، حيث أن الغازي يملك جيشا واحدا، بينما يملك أعداءه الجيش والمقاومين الذين يحرص كل منهم على الإطاحة بالعدو المشترك، وفي أفغانستان التي عاشت حروبا لفترة طويلة من الزمن، نجد أن معظم الرجال في هذه الدولة هم من المحاربين المدربين تدريبا جيدا على تكتيكات استخدام الأسلحة الخفيفة ولديهم قدرة هائلة على الاستخدام الأمثل لطبيعة هذا البلد قاحلة التضاريس، وحيث يوجد رصيد كبير من المحاربين القدامى بما فيهم القادة القادرين على مضاعفة فعالية المقاومين من الشباب الصغار المنضمين إلى صفوف طالبان بإعداد كافية لجعل المواجهة مع الجيش الأمريكي لا نهائية.
يقول جوميني في كتابه استنادا إلى حرب شبه الجزيرة الأيبيرية، وهي الدروس التي تنطبق على الدول ذات الطبيعة الجبلية مثل أفغانستان، أنه من الصعب التغلب على مثل هذه العوائق عندما تكون الطبيعة الجغرافية للدولة صعبة، وحيث يعرف كل محارب محلي اقصر الطرق وسبل الوصول إليها ويجد في كل مكان قريبا له أو صديق لمساعدته. من ناحية أخرى فان قادة المجاهدين يعرفون البلد بشكل جيد، ويتعلمون مباشرة من أي تحركات يقوم بها الجيش المحتل، ويمكنهم بناء على ذلك تبني أفضل السبل لهزيمة تحركاته، وعندما لا توجد معلومات للجيش الأمريكي عن تحركات العدو سوى من خلال الاستطلاعات واتخاذ بعض التدابير الأمنية، فانه يصبح مثل الرجل الأعمى، كل تحركاته تفشل، فبعد أن يقوم بتخطيط معظم تحركاته بدقة والقيام بالتحركات السريعة والمرهقة لهذا الجيش الذي يعتقد انه أصبح قريبا من تحقيق أهدافه يكتشف أن العملية هي مجرد وهم كبير، حيث لا يجد أي اثر لعدوه من المقاومين سوى أثار نيرانه التي أطلقها حيث يعتقد أنهم موجودين هناك. ومن ثم فإن الجيش الأمريكي، مثل دون كيشوت، يقوم بمهاجمة طاحونة هواء، في الوقت الذي يعلم فيه عدوه بكافة اتصالاته، ويدمر التعزيزات التي تركها لحراسته، مفاجئا قوافله ومستودعاته، ويستمر هؤلاء المقاومون في حرب مدمرة للجيش الغازي.
وعلى ذلك إذا لم يستعيد الرئيس اوباما المشروع العسكري الأمريكي ويزيد جيشه بعدة مئات من الآلاف من الجنود لاحتلال وحراسة كل موقع حيوي في أفغانستان، ويقنع الشعب الأمريكي أن عليهم تحمل هذا الاحتلال الأفغاني على نطاق واسع لعقود قادمة من الزمن، وأن يقبلوا التكلفة الفادحة من الناحية البشرية والإنفاق العسكري الرهيب الناتج عن ذلك، فانه سوف يعدم الوسائل لمجابهة المجاهدين بصورة ناجحة. وعلى ذلك فإن اوباما الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو أن يحاول الحفاظ على الوضع الحالي مع بعض التعزيزات العسكرية بمزيد من الجنود، أو أن يعيد تركيز الولايات المتحدة على هدف أضيق وهو ضمان أن أفغانستان لن تسمح باستخدام حدودها كقاعدة لانطلاق الهجمات على الولايات المتحدة.
وبالنسبة للخيار الأول، فانه سوف يؤدي فقط إلى مزيد من قائمة القتلى والمعوقين الأمريكيين، وإنفاق عسكري مخيف في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة أزمة اقتصادي حادة، بينما الخيار الآخر يتيح إمكانية فتح المفاوضات حول حل للصراع يضمن تحقيق أهداف الأمن الأمريكي بدون احتلال ارض كانت من الناحية التاريخية كارثة على كل الجيوش الأجنبية التي حاولت احتلالها.
فإذا مااختار اوباما الخيار الأول فهل فعلا سيفشل أقوى جيش نظامي في العالم والمسلح بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا العسكرية أمام مجاهدي أفغانستان الذين لا يملكون سوى أسلحة خفيفة عفا الزمن على التكنولوجيا التي صنعت بها؟. من وجهة نظري، يبدو أن الإجابة هي نعم، وسوف تضطر الولايات المتحدة يوما ما إلى تدبير عملية الخروج من أفغانستان مجبرة على ذلك مثلما فعلت في فيتنام سابقا. الشواهد تشير إلى أن الولايات المتحدة ترغب في إنهاء وجودها في أفغانستان، نظرا للتكلفة الفادحة لوجودها العسكري هناك، سواء من الناحية البشرية أو المادية، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها حاليا، ولكن على ما يبدو أنها تريد خروجا يحفظ ماء وجهها هذه المرة، ولا يمس سمعة الجيش الأمريكي الذي تتفاخر به، من ناحية، ويضمن عدم استخدام أراضي أفغانستان كمكان لتحركات القاعدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى. المتابع لسير الأحداث على الأرض يصل إلى خلاصة هامة وهي أنه يبدو أن أقوى جيش في العالم سوف ينكسر أمام إرادة وعزم وتصميم مجاهدي طالبان، وأن المسألة مسألة وقت حتى ترفع الولايات المتحدة العلم الأبيض.
انظر المقال الأصلي في المصدر: http://www.huffingtonpost.com/sheldon-filger/can-the-us-win-the-war-in_b_212831.html
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق