الخميس، يونيو ٠٣، ٢٠١٠

نصيحة لليونان بالخروج من اليورو وإعلان إفلاسها

قرأت هذا التقرير في صحيفة الـ Sunday times التي صدرت يوم الأحد الماضي 30/5/2010. التقرير يتضمن مقترحا من بعض الاقتصاديين في بريطانيا ينصحون اليونان بترك اليورو وإعلان إفلاسها وتوقفها عن سداد ديونها التي تصل حوالي 300 مليون يورو بهدف حماية اقتصادها. فقد حذر مركز بحوث الاقتصاد والأعمال The Centre for Economics and Business Research (CEBR) في لندن الحكومة اليونانية بأنها لن تستطيع أن تخرج من مصيدة ديونها بدون أن تلجأ إلى تخفيض عملتها بهدف زيادة صادراتها، وأن السبيل الوحيد أمام اليونان لذلك هو أن تقوم بالعودة إلى عملتها السابقة "الدراخمة" مرة أخرى، أي بخروجها من اليورو وإعادة تبني الدراخمة مرة أخرى.

شخصيا أعتقد أن هناك مبالغة في النصيحة المقدمة من المركز فضلا عن خطورتها، لأنه حتى لو عادت اليونان إلى عملتها السابقة، فان هيكل صادرات اليونان والذي يعتمد على الخدمات أساسا (السياحة والنقل) لن يستجيب لتخفيض الدراخمة كما يعتقد مقدمو النصيحة، طالما ان هناك أزمة عالمية بصفة خاصة في أوروبا. من ناحية أخرى فان خروج اليونان من اليورو وتبني الدراخمة وتخفيضها ربما بنسبة 15%، فإن ذلك سوف يتسبب في رفع من قيمة الدين اليوناني (مقوما باليورو)، حيث أن الدين اليوناني ليس مقوما بالدراخمة، حتى تنخفض قيمته مع تخفيض قيمة العملة اليوناني، وإنما مقوم باليورو، ومن ثم فان المقترح سوف يعقد من وضع الدين السيادي اليوناني. على سبيل المثال فإن تخفيض الدراخمة اليونانية بنسبة 15% سوف يرفع نسبة الدين السيادي اليوناني إلى الناتج المحلي الإجمالي من 120% إلى 140% في يوم واحد.

المقترح يقدم أيضا نصيحة في غاية الغرابة لليونان وهي أنه بما ان تخفيض قيمة العملة اليونانية سوف يرفع من نسبة الدين السيادي اليوناني الى ناتجها المحلي، فإن اليونان يمكنها ان تلجأ إلى تحويل ديونها (من طرف واحد – بدون موافقة الدائنين) من اليورو إلى الدراخمة، وهو مقترح سخيف جدا وينم عن مدى الضحالة الفكرية لمقدميه، حيث سوف يترتب على ذلك انهيار الثقة في الدين السيادي اليوناني، بل وأيضا التسبب في موجة اضطرابات عنيفة سوف تجتاح الأسواق الأوروبية كلها بسبب المخاوف التي يمكن أن تنشأ عن توقع قيام الدول المضطربة ماليا بنفس الاجراء. الأسوأ من ذلك هو ان ترك اليونان لليورو واتباعها للروشتة السخيفة المقترحة سوف يقوض الأساس الذي تقوم عليه العملة الأوروبية وربما يشجع أيضا الدول الأخرى الأعضاء في اليورو والتي تواجه اضطرابات مالية لتركه لنفس الغرض، مما يرفع احتمال انهيار اليورو. باختصار المقترح المقدم من المركز يثير الشفقة بالفعل، ولا أدري ما هي الخلفية الاقتصادية لمقدم المقترح.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.


هناك تعليقان (٢):

  1. شكراً دكتور محمد.
    الشيء الذي يعجبني فيك، أنك صاحب رأي علمي، وتقدم انتقاد علمي. بحيث يحصل القارئ على حصة أكبر من الفهم.

    نحن الناس العاديين، نأخذ الفكرة التي يطرحها المختصون دون تدقيق، لأننا لا نتملك علم حتى نقارن الحجة بالحجة. ولهذا نردد كالببغاوات ما يقوله المختصون. كهذا المركزي البريطاني.

    للأسف الشديد، لدينا كثير من حملة الشهادات العليا ومن من يطلق عليها خبراء اقتصاديين يرددون كالببغاوات ما تقوله المعاهد الغربية، دون أن يكون لهم راي علمي لماذا أيدوا هذه المقتراحات، ولماذا عارضوها.

    أنا أعمل صحافي في البحرين، ولكن للأسف، كل يوم أكتشف أن الدكتور (....)، والخبير الاقتصادي (....)، لا يمتلك فكر وانما يردد تقارير المعاهد فقط. وكانه في (مدرسة تلقين لا فهم وفكر).

    بصراحة هذه المدونة، صححت لنا الكثير من المفاهيم الخاطئة. وساعدتنا على أن يكون لنا رأي, ولا نسلم بكل شيء يردنا على أنه حقيقة مطلقة.(وهذا يحتاج منا مزيد من العلم، حتى نقارع الحجة بالحجة).

    ردحذف
  2. شكرا استاذ عباس على تعليقك الرقيق،
    هذا شيء يسعدني جدا، لأن هذا هدفي الاساسي من هذه المدونة، وأنا أشعر بالفخر أن ما أبذله من جهد يجد صدى لدى القراء.
    تحياتي

    ردحذف