تعد صناعة الطيران من أكثر صناعات العالم نموا، حيث يزداد الطلب عليها بشكل مستمر نتيجة لعدة عوامل منها ما هو اقتصادي أو ديموغرافي أو جغرافي أو غير ذلك. على سبيل المثال يعد تزايد مستويات التحضر داخل الدول وتحول عدد كبير من السكان نحو المدن، وكذلك ارتفاع مستويات الثروة، وارتفاع مستويات الدخل المتاح الذي يؤدي إلى زيادة نسبة الطبقة المتوسطة من بين الطبقات الداخلية المختلفة في الدولة من العوامل التي تؤثر بشكل جوهري في الطلب على النقل الجوي، وتتعدد أغراض السفر عن طريق الجو على سبيل المثال لأداء الأعمال، أو زيارة الأهل أو الأصدقاء، أو لقضاء عطلة إلى آخر هذه القائمة الطويلة، ونظرا لتأثير هذه العوامل يتضاعف الطلب على السفر بالطيران كل 15 عاما تقريبا، الذي يضمن تحقق تلك التوقعات هي الزيادة المستمرة في سكان العالم، وكذلك النمو في الدخول وتحول السكان بشكل مستمر نحو المناطق الحضرية واتساع حجم المدن ونمو أعداد السكان فيها.
أصدرت هذا الأسبوع شركة إيرباص لصناعة الطائرات في أوروبا تقريرها لهذا العام بعنوان رحلات المستقبل Future Journeys عن الفترة من 2013-2032 والذي ضمنت فيه توقعاتها لنمو الطلب على النقل الجوي وتأثير ذلك في الطلب على الطائرات الجديدة في مختلف مناطق العالم، ومع أن هذه التقديرات تتم لمدة عشرين عاما في المستقبل، إلا أنها بالنسبة لصناعة الطيران ليست مدة طويلة لعدة أسباب أهمها أن الطائرات من المنتجات المعمرة جدا، وأن عمليات بيع وتسليم الطائرات تستلزم وقتا طويلا، قد يصل في بعض الأحيان إلى ثماني سنوات من وقت التعاقد حتى تتم عملية تسليم الطائرة.
تتوقع إيرباص أنه بحلول 2032 سيتضاعف عدد الطائرات في أساطيل الطيران في العالم لتتجاوز 36 ألف طائرة، وأن العالم سينفق نحو 4.5 تريليون دولار تقريبا على شراء طائرات جديدة، وذلك بالأسعار الحالية لهذه الطائرات، بالطبع أسعار المستقبل ستكون مختلفة.
بنيت هذه التنبؤات على توقع الشركة بأن النمو الاقتصادي في الدول الناشئة سيتجاوز النمو في الدول المتقدمة، وأنه بفعل استمرار قوى النمو سيتحول جانب كبير من سكان العالم في غضون سنوات قليلة قادمة إلى فئات متوسطة الدخول، والذين تقدرهم إيرباص بنحو 62 في المائة من السكان في العالم، كذلك من المتوقع أن يحدث ارتفاعا في درجة التحضر في الاقتصادات الريفية، فمع استمرار الهجرة من الريف إلى المدن سوف تتضاعف أعداد المدن الضخمة سكانيا، أي التي يزيد عدد سكانها على عشرة ملايين نسمة، إلى نحو 92 مدينة في العالم، مما سيزيد من الحاجة إلى ربط هذه المدن من خلال الطيران العالمي، كل ذلك سيعمل على زيادة الطلب على خدمات الطيران.
حاليا تتوقع الشركة أن الطلب على النقل الجوي سيستمر في الزيادة بمعدل 4.7 في المائة في المتوسط في المستقبل خلال العشرين عاما القادمة، أكثر من نصفها سيأتي من الاقتصادات الناشئة، حيث يتوقع أن ينمو النقل الجوي بين الدول المتقدمة والدول الناشئة بمعدل 4.9 في المائة، أما أكبر معدلات النمو المتوقعة خلال العقدين الآتيين هو النقل الجوي من منطقة الشرق الأوسط والمتوقع بأن ينمو بمعدل 7.1 في المائة متفوقا على جميع مناطق العالم.
بالنسبة لاتجاهات الطلب على الطائرات فإن الشركة تتوقع أن يأتي النمو في الطلب بصورة أساسية من جانب الدول الآسيوية، ومن أوروبا. وبسبب نمو الطلب في منطقة آسيا والباسفيك، يتوقع أن يأتي نحو 47 في المائة من الطلب العالمي على الطائرات الضخمة من هذا الإقليم، وإن كانت الشركة تتوقع أن يكون إجمالي طلبات شركات الطيران الأوروبية بنحو 20 في المائة والشركات الأمريكية بنحو 19 في المائة. هذا لا يعني بالطبع تراجع أهمية الدول الصناعية، بالعكس ستظل هذه الدول تحتل مكانة مهمة في صناعة النقل الجوي، على العكس ربما ستمثل الرحلات من وإلى الدول المتقدمة تمثل نحو 60 في المائة من حركة النقل الجوي في العالم بحلول 2032.
يتوقع أن يتركز طلب الشركات الأمريكية على الطائرات طويلة المدى مثل بوينج 737 ودريم لاينرA320، والتي تقدر طلباتها بنحو 5500 طائرة لأغراض إحلال الأساطيل القديمة وزيادة حجم أسطولها لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على النقل الجوي، كما أن الطلب العالمي على النقل الجوي سيتركز في أربع مناطق في العالم تقريبا، ستمثل ثلث عمليات النقل بالطيران العالمي، وهي الولايات المتحدة والصين وغرب أوروبا والهند. بصفة خاصة ستصبح الصين أكبر منطقة للطيران المدني في العالم متجاوزة الولايات المتحدة.
بحلول 2032 تتوقع إيرباص أن يتم تسليم سيارة 20242 طائرة ذات سطح واحد والتي تمثل الجانب الأكبر من عمليات تسليم طائرات النقل الجوي خلال العقدين القادمين، بينما يتوقع أن يصل الطلب على الطائرات مزدوجة الأسطح إلى 6779 طائرة جديدة، في الوقت الذي يتوقع فيه أن يتم تسليم 1711 طائرة عملاقة مثل دريم لاينر، بينما سيبلغ الطلب على طائرات الشحن 494 طائرة. في مقابل هذا النمو في الطلب على الطائرات استجابت الصناعة بصورة ديناميكية من خلال بناء طائرات أكبر وأوسع وأكثر من حيث عدد كراسي الركاب وأطول من حيث المدى، والتي يمكن أن تعبر العالم من شرقه إلى غربه أو من شماله إلى جنوبه دون توقف، ويفكر مصنعو الطائرات في الوقت الحالي في بناء طائرات أوسع بعدد أكبر من كراسي الركاب لمواجهة النمو في الطلب على رحلات النقل بعدد أقل من الطائرات.
من المعلوم أن هذه الصناعة العالمية تتسم بالتركز الشديد، حيث تسيطر شركتان فقط على مجريات هذه الصناعة في احتكار مزدوج، جعلت هاتان الشركتان تعدلان من استراتيجياتهما المستقبلية بالتركيز على التطوير والتوسع للاستعداد لمثل هذه التطورات في المستقبل، من خلال التأكد من تحقيق التفوق على الطرف الآخر، برصد ميزانيات كافية للبحوث والتطوير والتوسع في الطاقات الإنتاجية لمواجهة هذا التوسع المتوقع في الطلب.
هذه هي الصورة المتوقعة لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد العالمي في المستقبل، حيث سينمو الطلب على رحلات النقل الجوي في بلادنا بأعلى نسبة نمو في العالم، حتى 2032، فهل استعدت شركات الطيران لدينا لمثل هذا اليوم؟. الدولتان الوحيدتان اللتان تهتمان بآفاق هذا النمو هما الإمارات وقطر.
باقي دول الخليج، على الرغم من ارتفاع فرص النمو في هذه الصناعة فإنها لا تلقي لها بال، خصوصا في الكويت والسعودية، وهو ما يؤدي إلى ضياع فرصة كامنة للتوسع خارج نطاق قطاع النفط التقليدي واقتناص جانب من هذه الصناعة على المستوى الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق