الاثنين، مارس ١٨، ٢٠١٣

الانهيار الآسيوي 1



تايلاند دولة عدد سكانها كبير، يزيد عن عدد سكان بريطانيا وكذلك فرنسا، وبانكوك عاصمة مشهورة بازدحامها، وبالنسبة للاقتصاد العالمي، تعد تايلاند اقتصادا هامشيا، وتايلاند بشكل عام دولة فقيرة، ومع ذلك فإن قطاع الأعمال في تايلاند لم يقتصر الاهتمام به على التايلانديين، وانما أيضا تزايد الاهتمام بتايلاند من دول مثل اليابان والدول الأوروبية.
في عام 1997 انهارت عملة تايلاند "البات" مسببة انهيارا في آسيا ترتب عليه دفن معظم اقتصاديات آسيا في هذا الوقت، فما الذي حدث مع انهيار البات وبدء الأزمة في تايلاند، ثم انتشار الأزمة من تايلاند الى باقي أجزاء آسيا؟
من الناحية التقليدية ظلت تايلاند اقتصادا زراعيا، حتى الثمانينيات حينما بدء القطاع الصناعي في النمو، عندما بدأت الشركات الصناعية الأجنبية، خصوصا اليابانية، في الاهتمام بالقطاع الصناعي التايلاندي. في ذلك الوقت كانت تايلاند تحقق معدل نمو اعلى من 8%، عندما بدأت تدفقات رؤوس الأموال في التوجه الى تايلاند كان معظم التمويل لقطاع الأعمال التايلاندي يتم من خلال التمويل الذاتي، لدرجة أنه في عام 1991 كان الدين الخارجي لتايلاند اقل من صادراتها السنوية، وهو معدل يعتبر معقولا جدا من الناحية المالية، في الوقت الذي بلغ فيه الدين الخارجي على امريكا اللاتينية حوالي 2.7 ضعف صادراتها.
ترتب على أزمة الديون الخارجية في امريكا اللاتينية جعل الدول النامية منخفضة الدين الخارجي جذابة للاستثمار مرة أخرى، وجعل الاستثمار خارج الدول الصناعية مرتفع المخاطرة كذلك، فقد كانت معدلات الفائدة في الدول الصناعية منخفضة بسبب محاولات تلك الدول الخروج من الكساد الذي ضربها في تلك الفترة، وهو ما دفع الكثير من المستثمرين في تلك الدول الى البحث عن أسواق اخرى تعطي معدلات عائد أعلى، في الوقت الذي أخذت فيه تسمية بعض الدول النامية تتحول الى تسمية جديدة اكثر جاذبية تعطي صورة أكثر نصوعا لتك الدول وهي "الدول الناشئة".
بلغت تدفقات الاستثمار الخاص الى الدول الناشئة في 1990 حوالي 42 مليار دولارا، في الوقت الذي مول فيه البنك الدولي وصندوق النقد الدول استثمارات في هذه الدول اكثر من استثمارات رأس المال الخاص، في عام 1997 تضاعفت هذه التدفقات أكثر من خمس مرات الى 256 مليار دولارا. في البداية توجهت هذه الاستثمارات الى امريكا اللاتينية مثل المكسيك، غير انه بعد 1994 أخذت رؤوس الأموال في التوجه نحو الدول الأكثر امانا في جنوب شرق آسيا. معظم الاقراض الذي ذهب لدول آسيا كان من اليابان واوروبا، والقليل منه أتى من الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت عملية الاقراض تتم من بنك ياباني الى صندوق استثمار تايلاندي على سبيل المثال والذي يقوم بدوره بإعادة ضخ هذه الأموال الى المستثمرين المحليين في تايلاند الذي يعملون بصورة أساسية في التطوير العقاري، ولكن هذا المقترض المحلي لا يحتاج الى ينات لكي يطور عقاره، وانما الى بات أي العملة المحلية لتايلاند لكي يدفع بها قيمة استثماراته، بالطبع كان الصندوق الاستثماري يتجه بهذا القرض الياباني الى سوق النقد الأجنبي لبيعه وتحويله الى بات حتى يكون قابلا للإقراض الى المستثمرين المحليين.
في سوق النقد الأجنبي، كأي سوق آخر، بالطبع تعمل عوامل العرض والطلب في التأثير على أسعار السوق. في ظل هذه الظروف كان البات يميل نحو الارتفاع في القيمة نتيجة زيادة الطلب عليه مع كل عملية اقراض تتم في تايلاند. وقد كان البنك المركزي لتايلاند ملتزما بالحفاظ على معدلات صرف ثابتة بين البات والعملات الاخرى، وهو ما اضطره الى زيادة عرض البات مع زيادة الطلب عليه حتى يحافظ على معدل الصرف، الأمر الذي أدى الى زيادة عرض النقود وزيادة احتياطيات البنك المركزي من العملات الاجنبية في ذات الوقت.
بالطبع مع كل زيادة تحدث في عرض النقود يعقبها زيادة في حجم الاقراض المحلي، وهو ما يعرف بمضاعف عرض الودائع، نظرا لأن معظم النقود الجديدة التي يتم اصدارها سوف تذهب الى البنوك في صورة مودعات جديدة تخلق المزيد من المودعات وهكذا، كل زيادة تحدث في الاقتراض من الخارج يزداد الائتمان المحلي معها على نحو كبير، وبالتالي استثمارات جديدة نتيجة لذلك، بعض هذه الاستثمارات الجديدة اخذت صورة انشاءات جديدة من العقار، والبعض الآخر آخذ صورة مضاربات في سوق العقار، وكذلك في الأسهم، وهو ما أدى الى تكون فقاعة اسعار للأصول في تايلاند مشابهة لتلك التي حدثت في اليابان في اثناء الثمانينيات.
حاولت البنوك المركزي في دول جنوب شرق آسيا تعقيم اثر تدفقات القروض الخارجية من خلال اعادة شراء عملاتها المحلية مثل البات من خلال اصدار سندات حكومية لسحب السيولة من سوق النقود، غير أن هذا التعقيم قد ترتب عليه ارتفاع معدل الفائدة في سوق النقود، وهو ما أدى الى جذب المزيد من تدفقات الاستثمار الاجنبي الى هذه الدول، الأمر الذي زاد الطين بلة، وازداد الائتمان المحلي بصورة أكبر.
كان الحل الطبيعي في مثل هذه الظروف هو وقف التدخل لتثبيت معدل الصرف، وترك العملة المحلية ترتفع في مواجهة الطلب المتزايد عليها، غير أن هذه الفكرة لم تكن محبذة من جانب البنوك المركزية لهذه الدول، ذلك أن ترك قيمة العملة المحلية ترتفع سوف يترتب عليه ارتفاع اسعار الصادرات المحلية في الخارج وانخفاض الطلب عليها من جانب المستوردين في الدول الأخرى وبالتالي انخفاض تنافسية الدول الآسيوية. كذلك نظرت البنوك المركزي الآسيوية لثبات معدل الصرف على أنه امر مهم لثقة قطاع الأعمال، وهو ما أدى الى تضخم حجم الائتمان وزيادة اسعار الأصول على نحو واضح، غير أن ذلك تبعه أيضا عجز في الميزان التجاري لهذه الدول، والذي بلغ في بعض الأحوال بالنسبة لتايلاند ما بين 6-7%، وهو معدل مرتفع، اي ان تدفقات رؤوس الأموال من الخارج ترتب عليها أيضا عجزا في الحسابات الجارية لهذه الدول.
من خلاصة قراءتي في كتاب The Return of Depression Economics لبول كروجمان
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق