حققت المملكة مركزا متقدما في مجال التنافسية العالمية لهذا العام، حيث حصلت على الترتيب الثامن عشر دوليا من بين 144 دولة وفقا لتقرير التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والواقع أنه منذ أن دخلت المملكة تقرير التنافسية العالمية وهي تحقق تقدما واضحا في هذا المجال، ففي عام 2007/2008 حققت المملكة المركز 35 دوليا من بين 135 دولة، ثم أخذت تتقدم على نحو مستمر حتى حققت هذه المكانة المتقدمة في العام الماضي، ووفقا لتصنيف التقرير العالمي للتنافسية تقع المملكة في المرحلة الانتقالية بين الاقتصاد الذي يعتمد على المواد الأولية والاقتصاد الموجه بالكفاءة.
في الاستبانة التي يجريها المنتدى الاقتصادي العالمي لإعداد تقرير التنافسية العالمية يطلب من المديرين التنفيذيين في الشركات القيام بترتيب 14 عاملا ترتيبا تنازليا من حيث مدى إعاقتها ممارسة الأعمال، حيث يمثل الرقم 1 العامل الأكثر تعقيدا، بينما يشير الرقم 14 إلى العامل الأقل تعقيدا.
وفقا لنتائج التقرير يرى قطاع الأعمال أن أكثر القواعد المقيدة لأداء الأعمال في المملكة هي نظم العمالة المقيدة، ويقصد بهذا الجانب قدرة رجال الأعمال على تعيين والتخلص من العمالة والقوانين التي تحمي قوة العمل، إلى آخر هذه القائمة، بالطبع يقصد رجال الأعمال هنا القواعد الخاصة بسعودة سوق العمل التي قد تضع قيودا على عمليات توظيف العمالة سواء الوطنية أو الوافدة داخل المنشآت من حيث فرض نسب محددة على رجال الأعمال من العمالة الوطنية، والقيود التي تصاحب عمليات التخلص من هذه العمالة مقارنة بالعمالة الوافدة.
غير أنه تجب الإشارة إلى أنه من الطبيعي أن نجد بالنسبة لهذا البند تضاربا بين المصلحتين العامة والخاصة، فما قد ينظر إليه رجال الأعمال على أنه من العوامل المقيدة لممارسة نشاط الأعمال الخاص هو في الوقت ذاته أحد المتطلبات الأساسية لتخفيف الضغوط في سوق العمل وخفض معدلات البطالة بين المواطنين، ومن ثم ضمان مناخ اجتماعي وسياسي أكثر هدوءا، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على نشاط الأعمال، وليس كما يظن رجال الأعمال، وما يجب أن يفهمه رجال الأعمال أن استقرار سوق العمل هو من المتطلبات الأساسية لبيئة أعمال مساندة لأنشطتهم المختلفة.
ثاني العوامل التي تعوق ممارسة الأعمال في المملكة هو المستوى التعليمي غير المناسب لقوة العمل، حيث يرى رجال الأعمال أنهم لا يستطيعون الحصول على قوة العمل بالمستوى التعليمي المناسب لاحتياجاتهم، سواء بالنسبة للعمالة الوطنية أو العمالة الوافدة، الأمر الأهم بالنسبة لنا هو مستوى الإعداد التعليمي لقوة العمل الوطنية، فوفقا لهذه النتائج فإن النظام التعليمي في المملكة لا يمد سوق العمل بالمهارات المناسبة والأكثر احتياجا من جانب قطاع الأعمال.
هذا الانفصال بين النظام التعليمي وسوق العمل سمة مشتركة تقريبا بين دول مجلس التعاون، حيث يتم إعداد خريجين لا تحتاج إليهم سوق العمل، أو تخريج خريجين مستوى تأهيلهم التعليمي غير مناسب لمتطلبات سوق العمل، وهو ما يقتضي ضرورة أن يقوم قطاع التعليم بدراسة متطلبات سوق العمل من وجهة نظر قطاع الأعمال، بحيث يتم تعديل البرامج التعليمية لتصب في تأهيل قوة العمل على نحو يتناسب مع متطلبات مؤسسات الأعمال في المملكة، وذلك كي تضمن التوظيف السلس للخريجين من مؤسسات التعليم في مؤسسات الأعمال الخاصة.
العامل الثالث هو صعوبة الحصول على التمويل اللازم لقطاع الأعمال، والواقع أن المتابع لتقارير التنافسية العالمية يلاحظ أن هذا العامل لم يكن من العوامل التي ينظر إليها على أنها من معوقات أداء الأعمال في دول مجلس التعاون بشكل عام، غير أنه مع انطلاق الأزمة المالية العالمية وإحجام البنوك عن تمويل القطاع الخاص بصورة خاصة أخذ هذا العامل في الظهور كأحد العوامل الأساسية التي تعوق ممارسة أنشطة الأعمال للقطاع الخاص، ويمكن القول إن هذا العامل لا يخص المملكة على نحو خاص، إنما تشترك فيه دول مجلس التعاون عموما.
العامل الرابع هو من العوامل التي دائما ما ينظر إليها على أنها من معوقات ممارسة أنشطة الأعمال في المملكة وهو البيروقراطية الحكومية غير الكفؤة، ذلك أن البيروقراطية الحكومية وتعقد الإجراءات وطولها من العوامل التقليدية التي لا تساعد على ممارسة الأعمال على نحو كفء، فغالبا ما يشتكي رجال الأعمال من طول الإجراءات وتعقدها والتكلفة المرتفعة التي يتحملها القطاع من جراء ذلك. لذلك فإن إعادة دراسة هذه الإجراءات وبحث سبل التخفيف من حدتها يعد خطوة أساسية في تسهيل مناخ الأعمال وخلق بيئة أعمال صديقة للقطاع الخاص.
العامل الخامس هو ضعف أخلاقيات العمل لدى قوة العمل الوطنية، وهي شكوى تعكس ضعف البرامج التعليمية التي ينبغي أن تركز على غرس أخلاقيات العمل لدى الطلاب وأهميتها في بيئة العمل من الناحية العملية، وكيف يمكن أن تؤثر بشكل سلبي في أداء الأعمال، تنبغي الإشارة إلى أن معظم البرامج التعليمية الجامعية في الدول المتقدمة تتضمن مقررا مستقلا حول أخلاقيات العمل، وعلى ذلك ينبغي أن يتم تعديل المناهج الدراسية في الجامعات السعودية كي تأخذ هذا الجانب من جوانب النقص في الاعتبار.
العامل السادس هو ضعف القدرة على الابتكار، وهو نقطة في غاية الأهمية بالنسبة لتنافسية الاقتصاد السعودي ككل، حيث تعتمد التنافسية في عالم اليوم على القدرة على الإبداع والابتكار، وهذه أيضا نتاج ضعف القطاع التعليمي، فغالبا ما يتم تفضيل دراسة التخصصات الأدبية، بينما ينخفض الإقبال على دراسة العلوم والرياضيات التي تمثل الأساس الذي ينبني عليه الابتكار بصورة أساسية، ولا شك أن رفع القدرة الابتكارية للاقتصاد الوطني ستتطلب إعادة تهيئة قطاع التعليم بحيث يخرج مخرجات قادرة على تطبيق مبادئ العلوم الأساسية في الحياة العملية.
العامل السابع هو ضعف البنية التحتية، غير أنه بأخذ عدد النقاط التي حصل عليها هذا العامل في تقدير رجال الأعمال للعوامل التي تعوق ممارسة الأعمال في المملكة يتضح أنه على الرغم من أن قطاع الأعمال ينظر إلى البنية التحتية في المملكة على أنها غير مناسبة، إلا أنه من الواضح أن تأثيرها ليس حاسما في ممارسة الأعمال في المملكة، وربما يعكس ذلك الجهود التي تبذل حاليا في ترقية البنى التحتية في المملكة والميزانيات الضخمة التي ترصد سنويا لهذا الجانب.
العامل الثامن هو الفساد. دائما ما ينظر إلى الفساد على أنه عدو الأعمال، وما من دولة ينتشر فيها الفساد حتى يجهض ذلك المبادرات الخاصة للارتقاء بقطاع الأعمال، ومرة أخرى فإن النقاط المسجلة لتأثير هذا العامل ليست جوهرية، ما يعني أن الفساد وإن كان موجودا، إلا أنه لا يلعب دورا حاسما في التأثير بشكل سلبي في ممارسة الأعمال في المملكة.
أما بالنسبة لباقي العوامل الـ 14 في قائمة العوامل المقيدة لممارسة الأعمال فيعتبر تأثيرها هامشيا، بصفة أساسية معدل الضريبة، حيث لا تفرض المملكة ضرائب على قطاع الأعمال، والتضخم، حيث تتمتع المملكة، خصوصا في السنوات الأخيرة، بمعدلات معقولة لتضخم الأسعار، وعدم استقرار السياسات، حيث تبدو السياسات مستقرة على نحو كبير، وقواعد الصرف الأجنبي، حيث إن نظام الصرف الأجنبي واضح ومحدد من خلال الربط الجامد للريال السعودي بالدولار، بغض النظر عن الآثار السلبية لهذا الربط الجامد في فترات تراجع قيمة الدولار، غير أن السياسة ذاتها مستقرة بصفة أساسية. كذلك تشمل هذه العوامل القواعد الضريبية، حيث لا توجد ضرائب، كما سبقت الإشارة، وانتشار الجريمة والسرقات، حيث تخلو المملكة بشكل عام من الجريمة والسرقات، وضعف الصحة العامة، حيث يتم تقديم الخدمات الصحية على نحو مناسب، أما العامل الأخير فلم يحظ بأي تقييم من جانب قطاع الأعمال الخاص لتأثيره في أداء الأعمال في المملكة، وهو عدم الاستقرار السياسي، حيث تتمتع المملكة بنظام سياسي من أكثر النظم استقرارا في العالم.
هذه هي العوامل التي ينظر إليها قطاع الأعمال الخاص في المملكة على أنها العوامل المعوقة لممارسة أنشطة الأعمال في الوقت الحالي، ومن ثم فإن جهود تهيئة بيئة الأعمال في المملكة ينبغي أن تتناول على نحو جاد معالجة تلك العوامل، وبصفة خاصة العوامل الخمسة الأولى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق