الاثنين، مارس ١٨، ٢٠١٣

هل ماتت الوصفة الكينزية؟



في عام 1965 حملت مجلة التايم الأمريكية عبارة شهيرة جدا وانتشرت على نحو واسع في ذلك الوقت وهي أن العالم كله كينزي الآن We are all Keynesians by Now. . ففي الستينيات كان هناك شبه اتفاق بين علماء الاقتصاد الكلي حول مفهوم الكساد، وإن قد كانت الاختلافات فيما بينهم كانت تنصب أساسا على مضامين عملية في معالجته وليس خلافات فلسفية عميقة حول كيفية التعامل مع الكساد.
غير أنه منذ ذلك الوقت اخذ علماء الاقتصاد الكلي في الانقسام الى مجموعتين تقريبا، هما المجموعة الأولى والذين يملكون نظرة كينزية للكساد، والمجموعة الثانية التي ترى أن هذه الرؤية للكساد غير صحيحة، وهي تلك المجموعة التي تؤمن بحرية السوق وأهمية عدم التدخل الحكومي في الاقتصاد، وهذه المجموعة ترتكز افكارها على مبدئين أساسيين هما الأول: أن الناس يتسمون بالرشد الاقتصادي في قراراتهم، والثاني: وهو أن السوق يعمل بكفاءة لا تبرر التدخل من أي نوع، وهما المبدآن اللذان يقومان على عدم الاعتراف باحتمال أن يفشل السوق بسبب نقص الطلب في أي وقت من الأوقات.

ولكن أليس الكساد هو بالفعل فترة لا يستطيع حجم الطلب الكلي في السوق ان يوفر فرص العمل لكل من يريد أن يعمل؟ الاجابة من وجهة نظر اصحاب المذهب الحر هي لا، فمن وجهة نظر اصحاب المذهب الحر مثل هذه النظرة للكساد غير صحيحة، لأن فشل الطلب على المستوى الكلي لا يمكن أن يحدث بصورة شاملة، ولكن من الناحية العملية الكساد يحدث ويتكرر، لماذا يحدث إذن الكساد؟

في السبعينيات خرج علينا روبرت لوكاس عالم الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل بتحليله بأن الكساد يحدث اساسا بسبب التشوش أو الارتباك المؤقت في الاقتصاد، وأن أي محاولة للتعامل مع الدورة الاقتصادية سوف تؤدي الى نتائج عكسية، وهو ما عرف لاحقا بنقد لوكاس Lucas Critique، على سبيل المثال باستخدام منحنى فيلبس كأداة للتحليل إذا ما حاولت الحكومة زيادة مستوى الناتج والتوظف بالتحرك يمينا على منحنى فيلبس فإن العمال وقطاع الأعمال يدركون بأن ذلك سوف يؤدي الى حدوث تضخم، ومن ثم يقومون بالتالي برفع اجورهم وأسعارهم، وهو ما يؤدي الى نقل منحنى فيلبس الى أعلى بحيث يجد الاقتصاد نفسه ينتقل على منحنى فيلبس العمودي (مستوى الناتج الطبيعي أو الكامن) مع استمرار ارتفاع الأسعار، أو ببساطة التدخل في الاقتصاد مثلما يطالب كينز يؤدي الى زيادة درجة التشويش في الاقتصاد.

غير أن نقد لوكاس، أو ما عرف بمشروع لوكاس لم يصمد كثيرا على صعيد الأدب الاقتصادي، رغم أننا ما زلنا ندرسه في الفصول الدراسية في مناهج النظرية الاقتصادية المتقدمة. من ناحية أخرى حاول بعض علماء الاقتصاد الكلي بأن يرجعوا اسس التحليل الاقتصادي الكلي الى مبادئ التحليل الجزئي بأعمال ترتكز على الاستخدام المكثف للرياضيات والتي من خلالها توصلوا إلى أن التحليل الكينزي قد مات، غير أنهم لسوء الحظ لم يقدموا تفسيرا بديلا للتفسير الكينزي، ومع ذلك فإن أعمال كينز منعت من التدريس في الجامعات وأي عمل نظري كان يرتكز على النظرة الكينزية أو يستخدم التحليل الكينزي قد تم منعه من النشر في المجلات العلمية بشكل عام.

معظم الأعمال عن الدورة الاقتصادية حديثا ارتكزت على نظرية "دورة الأعمال الحقيقية " Real Business Cycle "، والتي تشير إلى أن الكساد هو الاستجابة الكفئة والطبيعية للاقتصاد لأي صدمة تكنولوجية معاكسة، وهو الأمر الذي ترك في حد ذاته بدون شرح حقيقي لمعناه، لكن هناك ايمان كبير بهذا التفسير للكساد بين قطاع كبير من الاقتصاديين.

باختصار فإن أعداء الفكر الكينزي لم يقدموا نماذج تفسر بشكل صحيح الحقائق الأساسية للكساد، حيث تجاهلوا حقيقة أن التفسير الكينزي للكساد هو أكثر التفاسير معقولية، ولذلك ابتعدت هذه النماذج بشكل واضح عن التفسير الصحيح للكساد ومسبباته على أرض الواقع. لقد أدى فشل مشروع لوكاس ببعض الاقتصاديين الى محاولة العودة لقراءة أفكار كينز مرة أخرى، وهم من اطلق عليهم الكينزيون الجدد، وهؤلاء حاولوا الابتعاد عن مبادئ حرية السوق أو الرشد الاقتصادي، ولهذا السبب كان هؤلاء قادرون على تقديم تفسير مفيد للأزمة بعيدا المفاهيم الأساسية المسلم بها في فكر الكلاسيكيون الجدد.

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now لبول كروجمان
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق