الاثنين، يناير ٠٤، ٢٠١٠

هل يكون عام 2011 عنق الزجاجة لدبي

استطاعت دبي أن تمر من الاختبار الأول لنقص السيولة الذي تعرضت له في نوفمبر الماضي وكاد أن يؤدي إلى أزمة ثقة في الأسواق الإقليمية وبعض الأسواق العالمية، خصوصا بالنسبة لتلك التي تضم مؤسسات مالية ذات تعرض مرتفع لديون شركات دبي. حيث أدى العرض السخي الذي تلقته دبي من جارتها أبو ظبي والذي يقضي بتوفير 10 مليار دولار للإمارة لمساعدتها في مواجهة التزاماتها المالية، إلى إعادة الأمور إلى نصابها، ومن ثم تراجع القلق حول القدرة الائتمانية لدبي وطاقتها على مواجهة التزاماتها قصيرة الأجل، على الأقل في الوقت الحالي، لتتفرغ دبي لعمليات إعادة الهيكلة اللازمة وضبط إيقاع النمو بخطى أكثر تحفظا وحيطة وأقل جرأة.



التقرير الأخير الذي أصدرته Thomson Reuters Loan Pricing Corporation في ديسمبر الماضي بعنوان Dubai loan market stats، والذي تناول بالتحليل ديون شركات دبي، ما زال يثير القلق حول مستقبل ديون شركات دبي، والتي يبدو من تحليل التقرير أن النار ليست خامدة كما يظن البعض، وإنما مازالت مشتعلة وإن كان ذلك تحت الرماد، لتنتظر الوقت المناسب حتى تطل علينا في الوقت المناسب من جديد. من خلال قراءتي للتقرير أصل إلى خلاصة مؤداها أن أزمة شركات دبي ربما لم تنته بعد، أو أنه ربما تم تأجيل الأزمة، وأنه إذا لم تتغير الأمور على ارض الواقع، ويتحسن أداء سوق العقار في دبي بصورة جوهرية، فإن الأزمة مرشحة للتكرار مرة أخرى في عام 2011، أو ربما قبل ذلك.

من قراءتي للتقرير ألاحظ بأن سياسة شركات دبي في الاقتراض حتى وقت قريب كانت متحفظة للغاية، فحتى عام 2005، كانت ديون شركات دبي منخفضة للغاية ولا تزيد عن 3 مليار دولار، غير أنه بدءا من 2006 أخذت سياسات شركات دبي في الاقتراض في التحول بصورة هيكلية مدفوعة بحمى النمو السريع، وأخذت بالتالي الديون في النمو على نحو غير مسبوق في تاريخها، حتى بلغت أقصى مستوياتها في 2008، حيث بلغت الديون الجديدة لشركات دبي أكثر من 45 مليار دولارا، وذلك في ظل تهافت المقرضين على إقراض شركات دبي للاعتقاد السائد في ذلك العام بأن الشرق الأوسط محصن ضد مخاطر الأزمة المالية العالمية. وبحلول عام 2008، بلغت ديون شركة دبي العالمية حوالي 42.2 مليار دولارا، أي حوالي 71% من ديون شركات دبي في ذلك الوقت. وعلى مدى الفترة من 2006 حتى 2009 بلغت ديون شركات دبي حوالي 100 مليار دولار، وهو حجم يفوق المديونية الخارجية للكثير من دول العالم النامي.

في نوفمبر الماضي فاجأت دبي العالم بإعلان شركة دبي العالمية عجزها عن تسديد التزاماتها المالية لسداد الصكوك المستحقة في الشهر الماضي، الأمر الذي نظر إليه على أنه بمثابة إعلان إفلاس لشركات دبي، وتعرضت الأسواق الإقليمية والعالمية لصدمة مؤقتة، تلاشت آثارها عندما أرخت أبو ظبي الضغوط على دبي وعلى الأسواق بإعلانها في 4 ديسمبر الماضي، وكما توقعت الأوساط العالمية، مد دبي بمساندة مالية سخية قدرها 10 مليار دولار لإنقاذ شركات دبي من إعلان الإفلاس، المساعدة المقدمة من أبو ظبي هي بالفعل اكبر من احتياجات دبي في ذلك الوقت لسداد المستحق عليها من الصكوك المصدرة بواسطة شركة نخيل التابعة لدبي العالمية والمستحقة في ذات اليوم، وهو 4.1 مليار دولار، السيولة المالية التي قدمتها أبو ظبي تعد بمثابة دماء الحياة التي تم ضخها في شرايين شركات دبي، قبل أن تتطور الأوضاع على نحو أسوأ، لإتاحة الفرصة لشركات دبي بإعادة ترتيب أوراقها مع الدائنين.

ولكن هل يعني ذلك انتهاء أزمة شركات دبي؟ الشكل رقم 1 يوضح توزيع الديون المستحقة على شركات دبي خلال الأربع سنوات القادمة وذلك بافتراض توقف شركات دبي عن الاقتراض، ومن الشكل يتضح أن شركات دبي مطالبة بسداد 7.3 مليار دولارا في عام 2010، و17.6 مليار دولارا في عام 2011، وهي أكبر دفعات الاقساط المستحقة على شركات دبي والمفترض ان تقوم بسدادها في هذا العام، وفي عام 2012 يستحق على شركات دبي 10.3 مليار دولار، لتنحسر بعد ذلك التزامات شركات دبي إلى 4 مليار دولارا فقط في 2013. من الواضح ان السنوات الثلاث القادمة تحمل تحديا ضخما لشركات دبي، بصفة خاصة فإن عام 2011 قد يمثل عنق زجاجة لشركات دبي حيث تصل مدفوعات الدين إلى أعلى مستوياتها كما يتضح من الشكل.

الشكل رقم 1: استحقاق ديون شركات دبي 2010-2013

المصدر: Thomson Reuters Loan Pricing Corporation “Dubai loan market stats” Thomson Reuters LPC, Dec. 2009


ولكن هل ستتمكن شركات دبي من تدبير حوالي 35 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة؟ إنه سؤال هام جدا، يبدو أن الإجابة علية سوف تعتمد على 3 عناصر أساسية مرتبة حسب الأهمية كالآتي:

الأول: تحسن أوضاع سوق العقار في دبي واستعادة الثقة بمباني دبي من قبل المستثمرين العالميين، وبالشكل الذي يمكن شركات دبي من تحقيق حصيلة مبيعات مناسبة لعقاراتها بأسعار مناسبة تمكنها من تدبير السيولة المطلوبة واللازمة لسداد استحقاقات المديونية عليها، وهو شرط أساسي يرتبط للأسف الشديد بضرورة تحول التوقعات التشاؤمية السائدة حاليا حول مستقبل النمو في أسعار عقارات دبي.

الثاني: درجة التزام إمارة أبو ظبي، الشقيقة الكبرى، بأن تمد جسور المساعدة بالمليارات اللازمة لضخها في شركات دبي، وذلك إذا لم تتحسن أوضاع سوق العقار على النحو التفاؤلي الذي قامت عليه دراسات الجدوى للمشروعات الضخمة التي أنشأتها، حتى لا تضطر هذه الشركات أن تعلن عن إفلاسها. وحتى هذه اللحظة يبدو ان التزام أبو ظبي واستعدادها للمساعدة بتقديم المعونة اللازمة وفي الوقت المناسب يعد قويا، ولكن هل ستستمر قوة هذا الالتزام مع تصاعد حجم التزامات السداد لشركات دبي في المستقبل؟.

الثالث: اتجاهات النمو العالمي ومدى تحسن أوضاع الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاث القادمة، وتراجع التوقعات التشاؤمية السائدة حاليا بين المستثمرين في كافة أنحاء العالم، والذي يتوقع أن يتحسن بشكل سريع بدءا من 2010، حيث يستعد العالم حاليا للخروج من الأزمة الحالية.

إن السؤال المثير للاهتمام حاليا هو هل انتهت أزمة دبي أم تأجلت إلى 2011؟ هذا ما سوف تخبرنا عنه الأيام القادمة، ولكن المؤكد أنه إذا استطاعت شركات دبي ان تمر من عنق الزجاجة في 2011، فإن مشكلة ديون شركات دبي سوف تنحسر بشكل واضح نظرا لتراجع استحقاقات المديونية بصورة كبيرة بعد ذلك، وأغلب الظن عندي أن شركات دبي سوف تجتاز عنق الزجاجة في 2011 وتستكمل الإمارة مسيرتها، ولكن بثوب جديد، وبنمو اقل طموحا وأكثر أمانا من الناحية المالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق