السبت، فبراير ١٦، ٢٠١٣

هل يمكن الخروج من الكساد الحالي؟


 
في منتصف الثلاثينيات، كان الاقتصاد الأمريكي قد تخطى أسوأ آثار الكساد الكبير، غير أن الكساد لم يكن قد انتهى بالفعل، في هذا الوقت لم تكن الحكومة الأمريكية تجمع بيانات دقيقة عن معدلات البطالة، ولكن التقديرات التي تمت بعد ذلك تشير إلى أن معدل البطالة في هذا الوقت كان أعلى من 11%، أي أن استعادة النشاط الاقتصادي كانت ضعيفة، غير أن الأوضاع بدأت في الانعكاس في 1937، عندما تعرض الاقتصاد الأمريكي لكساد حاد جديد (تراجع مزدوج). غير انه بعد سنتين من عودة الكساد كان الاقتصاد الأمريكي ينتعش وأخذت معدلات البطالة في التراجع على نحو كبير، فما الذي حدث؟
يقول بول كروجمان، أخيرا أصبح هناك من يقوم بالإنفاق بصورة تكفي لعودة الاقتصاد الأمريكي إلى طاقاته الكامنة مرة أخرى، هذا الذي قام بالإنفاق هو بالطبع الحكومة. جانب كبير من هذا الإنفاق كان في الجانب العسكري، وليس في الجانب الاقتصادي، فقبل هجوم بيرل هاربور ارتفع الإنفاق العسكري بصورة كبيرة عندما بدأت الحكومة الأمريكية في إنشاء المزيد من السفن والمدمرات البحرية لاستبدال القديم منها، فضلا عن إنشاء القواعد العسكرية لكي تسع ملايين الجنود الأمريكيين. مع تزايد الإنفاق العسكري تم فتح ملايين الوظائف وتزايدت الدخول، وأخذت دخول الأسر الأمريكية في التزايد، وأخذ الاستهلاك الخاص في التصاعد. بالطبع عندما رأى قطاع الأعمال الخاص مبيعاته تتزايد، بدأ هو الآخر في انفاق المزيد نحو الاستثمار، وبالتالي انتهى الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة من 1929، وعاد ملايين الأمريكيين إلى وظائفهم.
ولكن هل يفرق نوع الإنفاق الذي تقوم به الحكومة في التأثير على الاقتصاد، الإجابة على المستوى الكلي لا، فزيادة الإنفاق تؤدي إلى خلق الطلب، أيا كان مصدره. إذا لماذا لم تقم الحكومة الأمريكية بنفس الإجراء على نحو مماثل لكي تخرج من الكساد الحالي؟ لماذا لم تتم زيادة الإنفاق الحكومي أثناء هذا الكساد؟ يقول كروجمان أن الإجابة تكمن في السياسيين والسياسة، حيث تصاعدت أصوات السياسيين محذرة من مخاطر الإفراط في الإنفاق بعد تبني برنامج الإنفاذ المالي لأوباما الذي تضمن انفاق حوالي 900 مليار دولارا (سوف آتي على مكونات هذا الإنفاق لاحقا)، والنتيجة هي أن حجم الإنفاق الذي قامت به الحكومة لم يكن كافيا لدفع الطلب الكلي إلى المستويات الكفيلة بفتح الوظائف الكافية الاستيعاب ملايين العاطلين من الأمريكيين.
يرى كروجمان أن التهديد العسكري الذي تعرضت له الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كان كفيلا بإسكات أصوات المعارضين لزيادة الإنفاق الحكومي، وهو ما فتح الباب لاستعادة النشاط الاقتصادين وتمكن الاقتصاد الأمريكي من الخروج بهذا الإنفاق من حالة الكساد، لذلك يقول كروجمان أنه في قدم نكتة في صيف 2011 بأن أمريكا في حاجة اليوم تهديد زائف عن غزو كائنات من الفضاء للولايات المتحدة، حتى تبدأ الولايات المتحدة في الإنفاق على الدفاعات المناسبة لمواجهة تهديد هذه الكائنات الفضائية، حتى يمكن للإنفاق الحكومي أن يجد مبررا قويا لإسكات الأصوات المعارضة له، بمعنى آخر ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي من وجهة نظر كروجمان هو موجة جديدة من الإنفاق الحكومي الضخم حتى يبدأ الاقتصاد الأمريكي في استعادة نشاطه مرة أخرى.
ولكن هل سيكون هذا الأمر سهلا وسلسا، يقول كروجمان ببساطة شديدة نعم، وقبل الإجابة عن ذلك يرى كروجمان أنه قد يحتاج إلى مناقشة السياسة النقدية، واثر ذلك على الدين العام، وسبل التأكد من أن الاقتصاد لن يعود إلى الكساد مرة أخرى عندما يتوقف الإنفاق الحكومي، وأيضا مناقشة قضية إلغاء الديون على الأسر الأمريكية وكذلك البعد الاقتصادي الدولي والمصيدة التي وضعت أوروبا نفسها فيها، وهو ما يناقشه كروجمان بامتياز في باقي أجزاء الكتاب (سوف أدون ملاحظاتي لاحقا). ولكن يعود كروجمان يؤكد أن ما يحتاج إليه العالم اليوم هو أن تقف الحكومات وتبدأ في تبني برامج ضخمة للإنفاق للخروج من حالة الكساد العظيم الذي يغطي العالم حاليا. فالخروج من هذا الكساد الحالي يمكن أن يكون سهلا للغاية لو اضطلعت الحكومات بمسئولياتها نحو الاقتصاد وأخذت الإجراءات الجادة في هذا الاتجاه.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now، لبول كروجمان.

 
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now، لبول كروجمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق