كروجمان أنه من الصعب بالفعل إقناع معارضي الاتجاه الكينزي في تفسير
الكساد بصحة وجهة نظره، سواء تم ذلك من خلال النقاش أو من خلال الإثبات العلمي
بالنماذج الرياضية، والتي ربما تقنع اقتصاديا من خلالها أو ربما قد تلقى معارضة
أيضا لكنها بالتأكيد لن تعمل عملها في إقناع غير الاقتصاديين. الأفضل إذن أن تقص
قصة تقرب بها ما تحاول أن تصل اليه.
كروجمان يقول أن قصته الاقتصادية المفضلة هي قصة حقيقية وهي المؤسسة التعاونية للجلوس بالأطفال Baby sitting co-op.، وهي منشورة في Journal of Money Credit and Banking في عام 1977، وهي قصة 150 شخصا الأزواج من صغار السن الذين قرروا أن يوفروا في الإنفاق على العناية بالأطفال من خلال التعاون فيما بينهم للجلوس بالأطفال. هذا التعاون فيما بين الأزواج من خلال المؤسسة التعاونية يخلق ميزة أساسية، حيث يساعد العدد الكبير من المشاركين في المؤسسة على رفع احتمال أن يجد الأعضاء شخصا يجلس بأطفالهم عندما يحتاجون إلى ذلك، لكن المشكلة الأساسية هنا هي كيف يمكن التأكد من أن كل شخص في المؤسسة سوف يؤدي دوره المنوط به وبصورة عادلة وبحيث يتوزع العمل بصورة عادلة بين الأعضاء؟
للتعامل مع هذه المشكلة قام مؤسسو المؤسسة بابتكار نظام للتأكد من تحقق ذلك، وبمقتضى هذا النظام يتم تسليم كل عضو 20 كوبونا، كل كوبون يكفي لدفع قيمة خدمة ما يقابل نصف ساعة من خدمة العناية بالأطفال، على أنه يفرض على الأعضاء عندما يغادرون المؤسسة بضرورة أن يقوموا بتسليم نفس العدد من الكوبونات التي استلموها. الهدف الأساسي من ذلك بالطبع هو التأكد من أن كل عضو من الأعضاء سوف يحرص على أن يقدم نفس العدد من ساعات العناية بالأطفال التي قدمت له، حتى يتمكن من تسليم نفس العدد من الكوبونات التي سلمت له، وإلا يواجه عجزا في عدد الكوبونات التي يحملها.
غير أن المؤسسة وقعت في مشكلة كبيرة وهي أن الأزواج حرصوا على أن يحتفظوا بأكبر كمية من الكوبونات خشية احتياجهم لها لاحقا عندما يضطرون إلى الخروج مثلا، فكانت النتيجة هي أن عدد الكوبونات التي تستخدم داخل المؤسسة أصبحت اقل بكثير مما هو متوقع، وفقدت المؤسسة بالتالي هدفها الأساسي الذي أنشئت من أجله. فما الذي حدث؟
ما حدث هو أن الأزواج حرصوا على ألا يخرجوا ويتركوا أطفالهم في المؤسسة قبل أن يقدموا خدمة الجلوس للأخرين وزيادة ما يحتفظون به من كربونات كاحتياطي، ولكن هذا السلوك أدى إلى تناقص فرص حصول الآخرين على كربونات للخدمة داخل المؤسسة بشكل عام، من ناحية أخرى حرص الأزواج على ألا يخرجوا حتى لا يضطروا إلى استخدام ما لديهم من رصيد من الكوبونات، وهو ما أدى إلى تناقص كمية الكوبونات المستخدمة بصورة اكبر، وبالتالي أدى انخفاض عدد الكوبونات المتداولة إلى توقف تقديم خدمة الجلوس بالأطفال في المؤسسة، أي أن المؤسسة وقعت في حالة ركود إلى أن تمكن الاقتصاديون في المؤسسة من إقناع المؤسسة بزيادة عرض الكوبونات للجميع.
ماذا يستفاد من هذه القصة؟ المؤسسة هنا هي الاقتصاد، والقصة تعبر عن حقيقة مهمة وهي أن انفاق شخص من الأشخاص في هذا الاقتصاد هو دخل شخص آخر فيه. وبالتالي عندما يحدث الكساد ويقوم الأفراد بتخفيض إنفاقهم وتقوم الحكومة بتخفيض إنفاقها في ذات الوقت، إذن لمن سيباع الإنتاج الذي يتم في الاقتصاد. كذلك الحال في اطار الاقتصاد العالمي، فإن واردات دولة ما هي صادرات دولة أخرى، أي أن انفاق دولة ما هو دخل أيضا للدول الأخرى، وبالتالي فإنه في حالة الكساد لا يمكن لكل الدول أن تبيع اكثر مما تشتري في ذات الوقت.
ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من هذه القصة كما يشير كروجمان، أنها ببساطة هي:
1 – أن نقص الطلب الكلي في الاقتصاد هو احتمال حقيقي في حالة الكساد، فعندما قرر بعض أعضاء الجمعية خفض استخدام الكوبونات لادخارها لم يؤد ذلك إلى زيادة استخدام الكوبونات بواسطة الأعضاء الآخرين، على العكس قام الآخرون أيضا بخفض استخدامهم للكوبونات، وهو ما أثر على حجم الخدمة المقدمة من خلال الجمعية (أي خفض الإنتاج).
2 – أن الجمعية وقعت في هذه المشكلة لا لسبب جوهري، وإنما لسبب بسيط للغاية، وهو انخفاض عرض الكوبونات، وهو نفس فكرة كينز، أي أنه من الممكن أن يقوم شخص واحد أو مجموعة أشخاص بخفض إنفاقهم، لكن من غير الممكن أن يقوم العالم ككل بخفض إنفاقه، فالنتيجة التي ستعقب ذلك هي ركود مثل الذي يعانيه العالم اليوم. معنى ذلك أنه عندما تقدم البنوك على خفض إقراضها، فإن الإنفاق في الاقتصاد سوف يقل بالتبعية، وأن الأمر يقتضي أن يتقدم طرف لتعويض هذا الإنفاق.
3 – أن المشكلات الاقتصادية الكبرى يمكن أن تكون حلولها سهلة للغاية، فالجمعية خرجت من مشكلتها من خلال طبع المزيد من الكوبونات، وهو ما يقود إلى تساؤل أساسي، هل يمكن حل مشكلة العالم من خلال نفس السلوك، أي هل طبع مزيد من النقود هو كل ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي للخروج من الكساد؟ ولكن الاحتياطي الفدرالي قام بطبع كميات هائلة من النقود، على سبيل المثال قام بمضاعفة كميات النقود إلى ثلاثة أضعاف مستواها، ومع ذلك ظل الاقتصاد كما هو، فما الحل؟ الحل هو التدخل الحكومي وزيادة الإنفاق العام.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now.
كروجمان يقول أن قصته الاقتصادية المفضلة هي قصة حقيقية وهي المؤسسة التعاونية للجلوس بالأطفال Baby sitting co-op.، وهي منشورة في Journal of Money Credit and Banking في عام 1977، وهي قصة 150 شخصا الأزواج من صغار السن الذين قرروا أن يوفروا في الإنفاق على العناية بالأطفال من خلال التعاون فيما بينهم للجلوس بالأطفال. هذا التعاون فيما بين الأزواج من خلال المؤسسة التعاونية يخلق ميزة أساسية، حيث يساعد العدد الكبير من المشاركين في المؤسسة على رفع احتمال أن يجد الأعضاء شخصا يجلس بأطفالهم عندما يحتاجون إلى ذلك، لكن المشكلة الأساسية هنا هي كيف يمكن التأكد من أن كل شخص في المؤسسة سوف يؤدي دوره المنوط به وبصورة عادلة وبحيث يتوزع العمل بصورة عادلة بين الأعضاء؟
للتعامل مع هذه المشكلة قام مؤسسو المؤسسة بابتكار نظام للتأكد من تحقق ذلك، وبمقتضى هذا النظام يتم تسليم كل عضو 20 كوبونا، كل كوبون يكفي لدفع قيمة خدمة ما يقابل نصف ساعة من خدمة العناية بالأطفال، على أنه يفرض على الأعضاء عندما يغادرون المؤسسة بضرورة أن يقوموا بتسليم نفس العدد من الكوبونات التي استلموها. الهدف الأساسي من ذلك بالطبع هو التأكد من أن كل عضو من الأعضاء سوف يحرص على أن يقدم نفس العدد من ساعات العناية بالأطفال التي قدمت له، حتى يتمكن من تسليم نفس العدد من الكوبونات التي سلمت له، وإلا يواجه عجزا في عدد الكوبونات التي يحملها.
غير أن المؤسسة وقعت في مشكلة كبيرة وهي أن الأزواج حرصوا على أن يحتفظوا بأكبر كمية من الكوبونات خشية احتياجهم لها لاحقا عندما يضطرون إلى الخروج مثلا، فكانت النتيجة هي أن عدد الكوبونات التي تستخدم داخل المؤسسة أصبحت اقل بكثير مما هو متوقع، وفقدت المؤسسة بالتالي هدفها الأساسي الذي أنشئت من أجله. فما الذي حدث؟
ما حدث هو أن الأزواج حرصوا على ألا يخرجوا ويتركوا أطفالهم في المؤسسة قبل أن يقدموا خدمة الجلوس للأخرين وزيادة ما يحتفظون به من كربونات كاحتياطي، ولكن هذا السلوك أدى إلى تناقص فرص حصول الآخرين على كربونات للخدمة داخل المؤسسة بشكل عام، من ناحية أخرى حرص الأزواج على ألا يخرجوا حتى لا يضطروا إلى استخدام ما لديهم من رصيد من الكوبونات، وهو ما أدى إلى تناقص كمية الكوبونات المستخدمة بصورة اكبر، وبالتالي أدى انخفاض عدد الكوبونات المتداولة إلى توقف تقديم خدمة الجلوس بالأطفال في المؤسسة، أي أن المؤسسة وقعت في حالة ركود إلى أن تمكن الاقتصاديون في المؤسسة من إقناع المؤسسة بزيادة عرض الكوبونات للجميع.
ماذا يستفاد من هذه القصة؟ المؤسسة هنا هي الاقتصاد، والقصة تعبر عن حقيقة مهمة وهي أن انفاق شخص من الأشخاص في هذا الاقتصاد هو دخل شخص آخر فيه. وبالتالي عندما يحدث الكساد ويقوم الأفراد بتخفيض إنفاقهم وتقوم الحكومة بتخفيض إنفاقها في ذات الوقت، إذن لمن سيباع الإنتاج الذي يتم في الاقتصاد. كذلك الحال في اطار الاقتصاد العالمي، فإن واردات دولة ما هي صادرات دولة أخرى، أي أن انفاق دولة ما هو دخل أيضا للدول الأخرى، وبالتالي فإنه في حالة الكساد لا يمكن لكل الدول أن تبيع اكثر مما تشتري في ذات الوقت.
ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من هذه القصة كما يشير كروجمان، أنها ببساطة هي:
1 – أن نقص الطلب الكلي في الاقتصاد هو احتمال حقيقي في حالة الكساد، فعندما قرر بعض أعضاء الجمعية خفض استخدام الكوبونات لادخارها لم يؤد ذلك إلى زيادة استخدام الكوبونات بواسطة الأعضاء الآخرين، على العكس قام الآخرون أيضا بخفض استخدامهم للكوبونات، وهو ما أثر على حجم الخدمة المقدمة من خلال الجمعية (أي خفض الإنتاج).
2 – أن الجمعية وقعت في هذه المشكلة لا لسبب جوهري، وإنما لسبب بسيط للغاية، وهو انخفاض عرض الكوبونات، وهو نفس فكرة كينز، أي أنه من الممكن أن يقوم شخص واحد أو مجموعة أشخاص بخفض إنفاقهم، لكن من غير الممكن أن يقوم العالم ككل بخفض إنفاقه، فالنتيجة التي ستعقب ذلك هي ركود مثل الذي يعانيه العالم اليوم. معنى ذلك أنه عندما تقدم البنوك على خفض إقراضها، فإن الإنفاق في الاقتصاد سوف يقل بالتبعية، وأن الأمر يقتضي أن يتقدم طرف لتعويض هذا الإنفاق.
3 – أن المشكلات الاقتصادية الكبرى يمكن أن تكون حلولها سهلة للغاية، فالجمعية خرجت من مشكلتها من خلال طبع المزيد من الكوبونات، وهو ما يقود إلى تساؤل أساسي، هل يمكن حل مشكلة العالم من خلال نفس السلوك، أي هل طبع مزيد من النقود هو كل ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي للخروج من الكساد؟ ولكن الاحتياطي الفدرالي قام بطبع كميات هائلة من النقود، على سبيل المثال قام بمضاعفة كميات النقود إلى ثلاثة أضعاف مستواها، ومع ذلك ظل الاقتصاد كما هو، فما الحل؟ الحل هو التدخل الحكومي وزيادة الإنفاق العام.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق