في عام 1933 كتب الاقتصادي الأمريكي إرفنج
فيشر أحد أهم أعماله بعنوان The
debt deflation theory of great depressions،
يقول فيشر لو تصورنا الانحسار في النشاط الاقتصادي دفع بالمدينين في الاقتصاد إلى محاولة
التخلص من ديونهم من خلال بيع أية أصول يملكونها أو تسييل تلك الأصول أو تخفيض
مستويات إنفاقهم لكي يدخروا جانبا أكبر من دخولهم لسداد الديون التي عليهم. هذه الإجراءات
قد تكون محدودة التأثير في الاقتصاد إذا لم يكن الاقتصاد في حالة أزمة، وأن
الأفراد او مؤسسات الأعمال لا يحاولون بيع أصولهم في ذات الوقت.
غير أنه عندما يجد عدد كبير من الأفراد أو
مؤسسات الأعمال انفسهم في ورطة في ذات الوقت، فإن سلوكهم الكلي لتحسين وضع الديون
التي عليهم سوف يترتب عليه نتيجة عكسية، أي ارتفاع مستويات الديون التي على عاتقهم.
تخيل هذا الوضع، أن المقترضين للقروض العقارية حاولوا بيع مساكنهم لسداد الديون
التي عليهم، أو استولت البنوك على المساكن من مالكيها لسداد الديون التي عليهم، ثم
قامت ببيعها في ذات الوقت لتحصيل قيمة القروض التي منحتها لشراء هذه المساكن،
النتيجة الطبيعية لذلك سوف تكون حدوث انخفاض كبير في أسعار المساكن، وهو ما يؤدي إلى
وضع الكثير من مالكي المساكن في وضع أسوأ ودفعهم أيضا إلى بيع المزيد من الأصول
التي يملكونها.
وعندما تجد البنوك انفسها في حالة نقص في
السيولة فتحاول بيع السندات التي تملكها، النتيجة التي ستترتب على ذلك هي تراجع أسعار
السندات فتكتشف البنوك أن ما حصلت عليه من سيولة نتيجة بيع السندات اقل مما كانت
تتوقع، وهو ما يدفع البنوك إلى بيع المزيد من السندات للحصول على مقدار السيولة
الذي يحتاجون إليه، وهو ما يدفع بأسعار السندات نحو الحضيض.
كذلك عندما يحاول المستهلكون خفض إنفاقهم الاستهلاكي
لسداد ما عليهم من ديون الكروت الائتمانية فإن النتيجة هي تراجع مستويات الإنفاق
الكلي في الاقتصاد، وهو ما يؤدي إلى زيادة مستويات البطالة والدخول، وتحدث نتيجة
غريبة هي زيادة بالتالي عبء الديون على المدينين، وعندما تسوء الأوضاع الاقتصادية فإن
الاقتصاد يدخل في حالة كساد وتسوء الأوضاع بصورة اكبر.
ولكن لماذا يزداد عبء الديون على المدينين؟ الإجابة
هي أنه مع دخول الاقتصاد في حالة كساد، يحدث انكماش سعري، وبالتالي ترتفع القوة
الشرائية للدولار، أي ببساطة يرتفع عبء الديون على المدينين على الرغم من تراجع
قيمة الدين من الناحية الإسمية، إلا أن ما يتبقى من الدين على كاهل المدينين ترتفع
قيمته الحقيقية نتيجة ارتفاع قيمة الدولار.
من هذا التحليل يخلص ارفنج فيشر إلى نتيجة في
غاية الأهمية، وهي أنه في ظل ظروف الانكماش السعري، كلما حاول المدينين سداد جانب
من الديون التي عليهم، كلما ارتفعت أعباء الدين على عاتقهم (نتيجة ارتفاع القوة
الشرائية للدين بسبب تراجع الأسعار).
استخدم ارفنج فيشر هذه النظرية في تفسير
الكساد العظيم الذي لحق بالولايات المتحدة في نهاية العشرينيات، حيث يقول بأن هذه
هي القصة الحقيقية وراء الركود الذي حدث، هي دخول الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت حالة
الركود بقدر هائل من الديون، وهو ما جعله اكثر عرضة لتراجع أسعار الأصول والانكماش
السعري، وهذا ما يتشابه إلى حد كبير مع حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد
الأمريكي الآن.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now
للاقتصادي بول كروجمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق