الجمعة، فبراير ١٥، ٢٠١٣

المراجعة الـ 15 لحصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي


يقوم صندوق النقد الدولي حاليا بإجراء المراجعة رقم 15 لحصص الدول الأعضاء في الصندوق بما في ذلك مراجعة الصيغة التي يتم على أساسها تحديد حصة الدولة في رأسمال الصندوق. تنبغي الإشارة إلى أنه منذ إنشاء الصندوق بعد الحرب العالمية الثانية قام الصندوق بعمل 14 مراجعة لنسب مساهمة الدول الأعضاء في رأسمال الصندوق، ترتب عليها تغيرات جوهرية في حجم رأسمال الصندوق، ولكن ذلك لم يصاحبه تطور مماثل في نسب حصص الدول الأعضاء في رأسمال الصندوق، وعلى الرغم من كل هذه المراجعات ظلت حصص الدول النامية والناشئة منخفضة بصورة تجعل استفادة هذه الدول من موارد الصندوق هامشية، وطلت قوتها التصويتية في إدارة الصندوق وتوجيه سياساته محدودة، كما انخفضت مستويات تمثيل هذه الدول في الصندوق بصورة كبيرة منذ إنشاء الصندوق حتى اليوم.
بمقتضى مقترح إصلاح النظام المالي الدولي بعد الأزمة المالية العالمية طلب مجلس المحافظين في الصندوق من المجلس التنفيذي أن يقوم بعمل مراجعة شاملة لنظام الحصص في رأسمال الصندوق بما في ذلك مراجعة آلية تحديد هذه الحصص من خلال النظر في تعديل الصيغة التي تحسب على أساسها حصص الدول الأعضاء في رأسمال الصندوق. ولكن لماذا هذا الاهتمام من جانب الدول الأعضاء في الصندوق بقضية تعديل الحصص؟ الإجابة تتمثل في أن حصة الدولة في رأسمال الصندوق تحدد عدد الأصوات التي تملكها الدولة ومن ثم قوتها التصويتية في قرارات الصندوق. من ناحية أخرى فإن حصة الدولة في رأسمال الصندوق تحدد حصة الدولة في أي عمليات لتوزيع إصدارات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها الصندوق، والتي تمثل أحد مكونات السيولة الدولية التي يمكن استخدامها في سداد التزامات الدول لباقي الأعضاء في الصندوق.
كان مجلس المحافظين في صندوق النقد الدولي قد طلب من المجلس التنفيذي للصندوق بأن يقوم بمراجعة شاملة لنظام الحصص وذلك في اطار مقترحات إصلاح حوكمة الصندوق التي تمت الموافقة عليها في 2010، وتعد هذه هي المراجعة رقم 15 لنظام الحصص في الصندوق، والتي يتوقع أن يترتب عليها زيادة في حصص الاقتصاديات الأكثر ديناميكية في العالم بما يتماشى مع وضعها النسبي في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تتم عملية رفع حصص الدول الناشئة والنامية بشكل عام. الجديد في هذه المراجعة هي أن مجلس المحافظين قد أكد على ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية أصوات ومستويات تمثيل الدول الفقيرة الأعضاء في الصندوق، وهي إحدى القضايا التي طالما تم طرحها مرارا عند كل مراجعة لآليات احتساب الحصص في رأسمال الصندوق، دون أن يسفر ذلك عن تطور جوهري في مستويات تمثيل هذه الدول.
كانت عمليات تعديل نظام الحصص رقم 14 خلال الفترة من 2005 إلى 2010 قد ترتب عليها زيادة الحصة المحسوبة للدول النامية والناشئة بنحو 7.7 في المائة، وتتم عملية تحديد حصة الدولة بموجب صيغة خاصة يستخدمها الصندوق لهذا الغرض تتكون من أربعة متغيرات أساسية، ولكل متغير من هذه المتغيرات وزن، ومن خلال حسب المجموع المرجع بالأوزان لكل دولة يتم تحديد حصتها وقوتها التصويتية، وتتمثل المتغيرات في الصيغة الحالية من الناتج المحلي الإجمالي للدولة والذي يحسب بطريقتين الأولى باستخدام أسعار السوق ويعطى وزن 30 في المائة وباستخدام تعادل القوة الشرائية ويعطي وزن 20 في المائة، أما المتغير الثاني فيتمثل في درجة انفتاح الدولة على الاقتصاد العالمي مقاسا بإجمالي التدفقات التجارية والمالية إلى الناتج، ويعطي وزن 30 في المائة، أما المتغير الثالث فيتمثل في درجة تقلب مستويات النشاط الاقتصادي ويعطي وزن 15 في المائة، وأخيرا احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، وتعطى وزن 5 في المائة، وبعد أن يتم حساب القيمة المرجحة لحصة الدولة يستخدم مخفض يساوي 95 في المائة لتخفيض القيمة المرجحة المحسوبة للدول الكبرى.
المناقشات التي دارت هذه المرة حول آلية حساب الحصص تنظر إلى الناتج على أنه أهم متغير يستخدم في حساب حصة الدولة، كما أن هناك اتفاقا على الاستمرار في إعطاءه أكبر الأوزان في عمليات حساب الإجمالي المرجح، وقد تمت مناقشة إمكانية تعديل الأوزان المعطاة لمزيج الناتج بسعر السوق وكذلك الناتج المحلي الإجمالي للدولة باستخدام مدخل تعادل القوة الشرائية، بينما يرى البعض ضرورة منح وزن أعلى للناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس تعادل القوة الشرائية في صيغة حساب الحصص، على أساس أن هذا المقياس من المتغيرات واسعة الاستخدام في الوقت الحالي، كما تتمثل الميزة الأساسية في استخدام مقياس الناتج على أساس تعادل القوة الشرائية أنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة حصص الدول الناشئة والنامية بما في ذلك الدول منخفضة الدخل، حتى تمكن الدول الفقيرة والمحدودة الدخل من أن تطفو على السطح نسبيا.
أما فيما يخص متغير درجة انفتاح الدولة على الاقتصاد العالمي فإن هناك خلافا في وجهات النظر حول الوزن الذي يجب أن يعطى لهذا المتغير والذي يفترض أنه يعكس درجة اندماج الدولة في الاقتصاد العالمي، فمن ناحية توجد وجهة نظر ترى أن هناك مشكلات في عملية قياس هذا المتغير على نحو دقيق، بصفة خاصة فيما يتعلق بمفهوم الانفتاح وأسلوب قياسه، وهناك مقترح بأن يتم وضع حد أقصى على نسبة انفتاح الدولة إلى الناتج المحلي الإجمالي، بينما ترى وجهة نظر ثالثة ضرورة وضع وزن أكبر لدرجة الانفتاح الدولة المالي على الخارج مقارنة بانفتاحها التجاري.
أما فيما يتعلق بدرجة تقلب النشاط الاقتصادي للدولة فإن هناك تأييدا كبيرا لمقترح إلغاء هذا المتغير من الصيغة، حيث يهدف هذا المتغير إلى تحديد احتمالات لجوء الدولة إلى الصندوق للحصول على المساعدة من موارده المالية، غير أنه ليس هناك ما يدل على وجود علاقة وثيقة بين درجة التقلب في النشاط الاقتصادي للدولة واللجوء إلى الصندوق للحصول على الموارد المالية له، إلا أن المشكلة الأساسية في إلغاء هذا المتغير تتمثل في أنه سيكون في غير صالح الدول النامية بما في ذلك الدول النفطية التي تتسم اقتصاداتها بدرجة أكبر من التقلب من الدول الأخرى.
أما فيما يتعلق بالمتغير الأخير والمتمثل في احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، فإن هناك شبه اتفاق على دعم استمرار استخدام الاحتياطيات في صيغة تحديد حصة الدولة بما في ذلك وزنها الحالي، حيث ينظر إلى الاحتياطيات على أنها تعطي مؤشرا عن القدرة المالية للدولة وقدرتها على المساهمة في الموارد المالية للصندوق، كذلك ارتأى البعض زيادة الوزن المعطى لهذا المتغير ِعلى أساس أن مثل هذا المتغير يعطي صورة عن قدرة الدولة على المساهمة في شبكات الأمان العالمي ضد الأزمات العالمية، بينما يري البعض الآخر بضرورة تخفيض وزن هذا المتغير أو حتى إزالته من الصيغة بشكل نهائي على أساس أن استمراره سيشجع الدول على تراكم هذه الاحتياطيات واحتفاظ الدول بقدر أكبر منها، مع ما لذلك من آثار اقتصادية سلبية على المستوى الدولي.
هناك على الجانب الآخر مطالبات أن يتم الاستمرار في تطبيق معامل الضغط والذي يستخدم لتقليل تأثير حجم الدول الكبيرة على الحصص الموزعة على الدول الأعضاء التي لا تتسم اقتصاداتها بكبر الحجم، وإن كان هناك من يطالب بضرورة زيادة النسبة المئوية لعنصر الضغط وذلك لتقليل الانحياز في عمليات تخصيص الحصص وفقا للحجم، للمساعدة على زيادة مساهمات وأصوات الدول الصغيرة والناشئة في العالم.
على أي حال وأيا كانت المعايير التي سوف يتم الاتفاق عليها بصورة نهائية فإن تمثيل الدول النامية والأصوات التي تملكها لا يتناسب أبدا مع أعدادها ولا مع الاحتياجات الحقيقية لها لأغراض المساندة المالية من جانب صندوق النقد الدولي، وأن هناك حاجة ملحة لتعديل نظام الحصص والتصويت بحيث لا يتحيز إلى الحجم أو المساهمة في الناتج الإجمالي العالمي، لأن ذلك يعطي قوة لمن هو ليس في حاجة إليها من الناحية الحقيقية، كما أنه في الوقت ذاته يخصص لها من الموارد المالية، في صورة حقوق السحب الخاصة، ما هي ليست في حاجة ماسة أو ملحة إليها. وأعتقد أن أي تعديل لنظام الحصص لا بد أن يأخذ في الاعتبار أن مجموعة الدول الناشئة والنامية لا بد وأن يتم تمثيلها على النحو الذي يخدم مصالح هذه الدول من ناحية ويساعد هذه الدول على مواجهة احتياجاتها المالية وأن تشارك بصورة أكثر فاعلية في صناعة سياسات الاستقرار على المستوى الدولي بما يسمح بتوجيه النظام إلى خدمتها إلى الحد الذي يتماشى مع احتياجاتها باعتبارها ما زالت في طور التقدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق