الجمعة، مايو ٠٧، ٢٠١٠

هل تشتعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين5/5: ملاحظات ختامية

من مراجعة سلسلة الحلقات التي تم عرضها في هذا المقال، أعتقد أن أهم الخلاصات التي يمكن التوصل إليها تتمثل في الآتي:

1. أن المطلوب من البلدين والكونجرس الأمريكي بالذات التعامل مع الموضوع بدرجة اكبر من المسئولية التي يتطلبها استقرار النظام التجاري الدولي، وان يتم تقييم الموضوع بعيدا عن ضغوط السياسة والرغبة في الانتقام نتيجة مواقف غير مواتية قد يتخذها الطرف الآخر.

2. ربما يكون من الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة ان تدرس أسباب تدهور أوضاعها الاقتصادية وتراجع تنافسيتها بقدر اكبر من الموضوعية دون إلقاء اللوم على الآخرين، وان تتبنى السياسات المناسبة لكي ترفع من مستوى تنافسية صناعاتها التي خسرت الأرض تماما أمام صناعات الدول الناشئة، وان تعترف أن النظام الدولي الحر يقوم على المنافسة وان المنافسة يمكن أن يترتب عليها أي نتائج، وان الاقتصاد غير القادر على المنافسة في مجال السلع الاستهلاكية، مثل الاقتصاد الأمريكي، عليه ان يتقبل هذه النتائج، أو أن يعيد تقييم أوضاعه ويعدل من هيكله إذا كان يرغب في تجنب الآثار السلبية لتراجع التنافسية. إن تحسين تنافسية الصادرات الأمريكية للعالم لن يأتي من خلال اليوان، فالتجارب الأمريكية السابقة تشير إلى ان تعديل معدلات صرف الدول الأخرى مثل اليابان في منتصف الثمانينيات والصين في 2005، لم تحل دون استمرار تدهور الأداء التصديري للاقتصاد الأمريكي، بل على العكس استمر تدهور الميزان التجاري للولايات المتحدة بعد ذلك، مما يشير إلى ان ضعف تنافسية الصادرات الأمريكية هي مشكلة هيكلية تتطلب التعامل معها داخليا.

3. من متابعة ردود الأفعال الحالية يلاحظ أن الصين عازمة على ان تتخذ موقفا متشددا من الضغوط الأمريكية هذه المرة، وأن التهديد ربما لن يزيد الصين إلا تصلبا في موقفها، وأنها جادة هذه المرة في عدم الانصياع للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، وأن السبيل الوحيد أمام تصفية هذه الأمور هو الحوار الهادئ وليس الانفعال المتشنج. ذلك أن تحول الصين إلى قوة اقتصادية عظمى في عالم اليوم قد أعطى الصين المزيد من الثقة في النفس ووضع أفضل على خريطة الاقتصاد العالمي، وان على الجميع ان يتعامل معها من هذا المنطلق، ومن ثم ينبغي ان تدرك الولايات المتحدة وأن يعي أعضاء الكونجرس بصورة أفضل حقيقة ان العالم قد تغير الآن، وأن الوقت الذي كان فيه العالم يصاب بالأنفلونزا عندما تعطس أمريكا قد أخذ في الأفول، وأن أمريكا، صحيح أنها اقتصاد ضخم، لكنها لم تعد الاقتصاد الضخم الوحيد في العالم، وأنه ينبغي أن تتعامل مع العالم بقدر اكبر من التواضع.

4. أن الصين في أحلك فترات الأزمة في 2009 حققت معدل نمو 8.7%، وهو أعلى معدلات النمو على الإطلاق، بل وحققت ذك بدون حزمة تحفيز ضخمة على شاكلة تلك التي تبنتها الولايات المتحدة، وهي تخشى مثل غيرها من المجموعات الاقتصادية الرئيسية في العالم، ومنها الولايات المتحدة من احتمال حدوث تراجع مزدوج Double dip، إذا لم يتعافى النشاط الاقتصادي في العالم ولم ترتفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وان الدعاوى الأمريكية تفتح الباب لمثل هذه الاحتمالات. فالادعاء الأمريكي بأن تعديل قيمة اليوان هي سبيل لتحسين استعادة العالم لنشاطه الاقتصادي هو دعوة لا تخلو من الشبهة، ومن الممكن ان يترتب عليها تراجع مستويات النشاط وليس تحسينه إذا ما سارت الأمور نحو السيناريو الأسوأ.

5. ربما تكون مشكلة صانع السياسة الأمريكي أنه لا يريد أن يلوم نفسه، لأنه دائما هناك شخص آخر مسئول عن ما يحدث، ولا بد أن يكون هذا الآخر هو كبش الفداء، أي الذي يدفع الثمن، كما لو أن مشكلة البطالة في أمريكا لم تكن بسبب الأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية بعد ذلك، ومن ثم تدهور معها أداء سوق العمل، ولم تكن بسبب ضعف برامج التحفيز عن إيجاد قوة الدفع اللازمة لخفض معدلات البطالة الحالية، ولم تكن بسبب قصور جهود خلق وظائف جديدة عن المستوى المطلوب للتخلص من طابور العاطلين في سوق العمل.

6. أن رفع قيمة اليوان، حتى ولو تمت لن يترتب عليها أي تحسن في معدلات البطالة لسبب بسيط هو أن رفع قيمة السلع الصينية سوف يؤدي إلى نتيجتين لا ثالث لهما، وهو إما أن تستمر الولايات المتحدة في الاستيراد من الصين، ولكن بأسعار أعلى، ومن ثم ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة، أو أن تلجأ الشركات المستوردة إلى البحث عن بديل ارخص من الصين مثل فيتنام أو الهند، ومن ثم مرة أخرى لن تتحسن مستويات التشغيل في الولايات المتحدة.

7. إن آخر ما ينتظره العالم في الظروف الحالية هو ان تشتعل حربا تجارية بين الولايات المتحدة والصين، أو بين الولايات المتحدة وأي دولة أخرى في العالم، حيث ان الحرب التجارية، بصفة خاصة بين أكبر عملاقين اقتصاديين في العالم يمكن ان تحدث تراجعا في مستويات النشاط الاقتصادي في الدولتين، بما يحمله ذلك من آثار ارتدادية على مستويات النشاط الاقتصادي في باقي دول العالم، الأمر الذي يعمق من آثار الكساد الحالي. إن الحديث عن إمكانية قيام حرب تجارية يعيد إلى الأذهان شبح فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث تسابقت دول العالم في تخفيض قيمة عملاتها في محاولة لزيادة صادراتها إلى الخارج، وحرصت على فرض القيود الجمركية وغير الجمركية للحد من تدفقات الواردات إليها، وهو ما اسمي بسياسات "إفقار الجار Beggar thy neighbor"، متناسية أن وارداتها هي صادرات دول أخرى، ومن ثم فان الحد من وارداتها سوف يعني بالضرورة الحد من صادرات، ومن ثم النشاط الاقتصادي، في دول أخرى، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى انخفاض الإنفاق الكلي في هذه الدول، ومن ثم انخفاض صادرات الدولة التي تقوم بفرض القيود التجارية. ينبغي على الجميع ان يعلم أننا نتحدث عن إجراءات يمكن ان تحدث اضطرابا عظيما في تدفقات السلع والخدمات عبر العالم حيث قد تفتح الباب لأي دولتين أو مجموعات مختلفة من دول العالم بأن تنتهج نفس النهج، بحيث يمكن ان يترتب عليه خروج الأمور عن نطاق السيطرة وضياع المكاسب التي حققها العالم من خلال تبني النظم متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية. دعونا نستخدم نفس الكلمات التي استخدمها الاقتصادي الشهير جوزيف ستجلتز في مقال له عن الموضوع "لا أحد قد يخرج من الحرب التجارية منتصراً. لذا فيتعين على أمريكا أن تحذر أشد الحذر من إشعال حرب تجارية في وقت يشهد فيه العالم انتعاشاً غير مؤكد ـ رغم ما يتمتع به هذا الميل من شعبية بين الساسة الذين أصبح شغلهم الشاغل هو البطالة، ورغم سهولة إلقاء اللوم على آخرين. ولكن من المؤسف أن هذه الأزمة العالمية صنعت في أمريكا، ويتعين على أمريكا أن تنظر إلى الداخل، ليس فقط لإنعاش اقتصادها، بل أيضاً لمنع تكرار الأزمة".

8. وأخيرا عندما يتحول الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد دوره الأساسي هو الابتكار وليس التصنيع، وعندما تهجر المصانع الأمريكية الولايات المتحدة إلى باقي دول العالم بحثا عن التكلفة الأرخص، فانه من الطبيعي في ظل هذه الأوضاع ان تأتي السلع الأمريكية من المصانع في الدول الأخرى، ومن الطبيعي أن يحدث تدهورا في الميزان التجاري الأمريكي، طالما استمرت الولايات المتحدة في الاعتماد على باقي دول العالم بأن تقوم بالتصنيع لها، بينما يقتصر دورها على الاختراع أو الابتكار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق