منذ فترة طويلة وأنا أتابع معدل التضخم في الولايات المتحدة مدفوعا بالتقارير والكتابات التي تملأ الانترنت عن مخاطر التضخم في الولايات المتحدة، وأن ويلات ارتفاع الأسعار سوف تلاحق المستهلك الأمريكي أينما ذهب، لدرجة ان بعض الكتابات تنبأت باحتمال حدوث تضخم جامح Hyperinflation في الولايات المتحدة على نمط التضخم الذي حدث في زيمبابوي نتيجة للسياسات النقدية التوسعية التي تتبعها، وهو ما أصابني بالصدمة عندما قرأت مثل هذه الخزعبلات، فلا عرض النقود ولا نسبة النقود إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ولا نسبة النمو في القاعدة النقدية الأمريكية، كما لم يحدث هناك أي تغير في مستهدفات الاحتياطي الفدرالي فيما يتعلق بمعدل التضخم المستهدف بما يوحي باحتمال تعرض الولايات المتحدة لمعدل تضخم من رقمين، ناهيك عن تعرضها لتضخم جامح. وفقا لهذه التقارير بدأنا نقرأ عن احتمال انهيار الدولار بسبب التضخم المتوقع حدوثه في أمريكا، والذي سيقضي على القيمة الحقيقية للعملة الخضراء ويطيح بها من قائمة عملات الاحتياط الدولية للعالم، وشهرا بعد شهرا تأتيني البيانات التي تنشر من مصادرها الأصلية في الولايات المتحدة بدون أي إشارة إلى احتمال حدوث مثل هذا التضخم الموعود، على الأقل حتى هذه اللحظة. وغني عن البيان أن التضخم لا يحدث بين يوم وليلة، وانما يسبقه سياسات تحدث تأثيرها على الطلب الكلي، ومن ثم على المستوى العام للأسعار.
اليوم أصدر الاحتياطي الفدرالي لولاية كليفيلاند تقريره الشهري عن معدل التضخم في شهر ابريل 2010 في الولايات المتحدة. التقرير يشير بكل وضوح إلى ان معدل التضخم في الولايات المتحدة في ابريل الماضي كان سالبا!!، بمعنى آخر، أن الأسعار انخفضت في ابريل الماضي بمعدل 0.1%. أكثر من ذلك فان معدل التضخم (محسوبا بالمنوال) خلال الأشهر من يناير حتى ابريل الماضي كان صفرا، أي ليس هناك أي تغير على الإطلاق في الأسعار، ارتفاعا أو انخفاضا. أكثر من ذلك وفقا للتقرير فانه خلال السنة الماضية التي تنتهي في ابريل من هذا العام كان معدل التضخم المحسوب على أساس سنوي يساوي 2.2% وهو معدل تضخم منخفض جدا. هذا الأداء للأسعار سواء خلال الشهر الماضي، أو في الثلث الأول من هذه السنة، أو في السنة الماضية بأكملها لا ينبئ عن وجود أي ضغوط تضخمية في الولايات المتحدة، ناهيك عن كونه يمكن أن تطيح بالدولار. الجدول التالي يلخص اتجاهات معدل التضخم محسوبة على أساس شهري (CPI) (الجزء الأعلى من الجدول)، وكذلك محسوبة على أساس سنوي (الجزء الأسفل من الجدول) هناك بعض التعريفات الفنية للتضخم في الجدول، آثرت ألا أشرحها حتى لا أشتت انتباه القارئ، ويمكن أن اشرحها بشكل مستقل للمهتمين.
فهل فعلا سيقضي التضخم في الولايات المتحدة على الدولار، ما زلت أنتظر المزيد من تدفق البيانات من مصادرها الأصلية في الولايات المتحدة حتى أحكم على هذه القضية بصورة علمية بعيدا عن المبالغة والمغالاة التي يعشق البعض أن ينتهجها أسلوبا في الكتابة، وهو أمر يصيبني بالسقم. المهم هو أنني من المؤكد إذا ما توصلت إلى شيء ذو مغزى أو أهمية بالنسبة لهذا الموضوع، فإنني بالطبع سوف اعلم القارئ أولا بأول، ولكن إلى أن يجد جديد، اطمئن القارئ بأن معدل التضخم في الولايات المتحدة منخفض جدا حاليا، وما زال تحت السيطرة ولا يهدد القيمة الحقيقية للدولار أو القوة الشرائية له، بصورة أكثر دقة أنا أتحدث عن تأثير التضخم على الدولار.
بقي أن أقدم للمتخصصين وللمهتمين بمكونات الرقم القياسي للأسعار في الولايات المتحدة (سلة مجموعات السلع والخدمات المكونة للرقم القياسي للأسعار) وأوزان كل مجموعة سلعية (الأهمية النسبية لكل مجموعة داخل السلة)، الجدول التالي.
شكراً دكتور محمد، الله يجازيك بالخير
ردحذفمشكلة اغلب مواطني دول الخليج، انهم يعتمدون على ما يكتب في الصحف، والصحفيين ليسوا متخصصين، ودائماً ما يسألون أناس ليس لهم فهم كبير في الاقتصاد.
ولهذا مواطني الخليج وانا واحد منهم، ضحية للتظليل والاخطاء والتطرف في الاحكام.
لكن الحمد لله، تعرفنا على مدونتك، وهذا شيء جميل ان احصل على معلومات صحيحة ماخوذة عن مصادرها الاصلية.
السئوال دكتور محمد:
الاحتياطي الفيدرالي اتخذ سياسات نقدية توسعية، وقال ان لديه خطة جاهزة لسحب السيولة. وأنت كتب موضوع كامل هذا الخصوص. هل الاحتياطي الفيدرالي بدأ في اتخاذ اجراءات بسحب السيولة.
وما هي الاسباب التي أدت إلى انخفاض الأسعار بالسالب، إذا كان من المتوقع ان تشكل السياسية النقدية التوسعية ضغوط تدفع إلى التضخم، لكن ما رأيناه الآن معاكس، ويعطي رسالة بأن الامور تحت السيطرة؟.
شكرا أخي عباس،
ردحذفذكرتني بما حدث اليوم على ألفا بيتا، حيث هناك شخص لا يعرف ماذا يكتب ولا عما يكتب، وهو يكتب سلسلة مقالات عن بريتون وودز والذهب والدولار... الخ، والمقالات عك في عك، فلما نبهته بخطأ عنوان المقال الذي ينشره، أخذته العزة بالاثم، وأخذ يخلط الحابل بالنابل وهو لا يعرف عما يتحدث أصلا. المهم معك كل الحق، لن أعود الى مجتمع الفا بيتا مرة أخرى لأنه يبدو أنك هناك تؤذن في مالطه طالما أن هذه النوعيات هي التي تكتب للقراء المساكين في وجهة نظري اذا كان هؤلاء هم الوعاء الذي يحصلون منه على المعرفة. هذه والله مصيبة.
أعود ال تعليقك.
أولا اشكرك على هذا الشعور النبيل، وهذه هي غايتي من هذه المدونة، أن انشر التحليل العلمي الصحيح والقائم على الحقائق وليس الاهواء أو الأماني وأدعو الله ان يوفقني في ذلك لأنني جعلتها رسالة لي.
نعم الاحتياطي الفدرالي وضع استراتيجية للخروج من السياسات التوسعية التي يتبعها أثناء الازمة، وقد أعلن برنانكي أكثر من مرة جاهزية الاحتياطي الفدرالي لتطبيق الاستراتيجية متى ما تتطلب الامر ذلك. ولكن لم يعلن الاحتياطي الفدرالي، ولا توجد هناك أي دلائل حتى الآن عن بدء تطبيق استراتيجية الخروج. على العكس الاوضاع في الولايات المتحدة ما زالت تتطلب استمرار اتباع السياسات التوسعية.
في أوقات الكساد عباس تميل الاسعار نحو الانخفاض، وليس نحو الارتفاع، أو على الاقل تميل معدلات الزيادة في الاسعار نحو التراجع بسبب انخفاض مستويات الطلب الكلي المصاحب لتراجع مستويات النشاط الاقتصادي.
نعم مازال التضخم حتى هذه اللحظة اقل مما هو متوقع بشكل كبير وهي أخبار جيدة.
تحياتي