صدر تقرير التقارب Convergence report للاتحاد النقدي الأوروبي عن البنك المركزي الأوروبي، وهو تقرير يصدره البنك المركيز الأوروبي سنويات عن الأوضاع الاقتصادية للدول التي ترغب في الانضمام إلى اليورو. ويقوم التقرير الحالي بتحليل معايير التقارب (شروط الالتحاق باليورو وفقا لاتفاقية ماسترخت) لتسع دول هي بلغاريا وجمهورية التشيك واستونيا ولاتفيا وليثوانيا والمجر وبولندا ورومانيا. جوهر التقرير يعطي الضوء الأخضر لأستو نيا للالتحاق باليورو في يناير 2011. التقرير الحالي يقدم مزيدا من التحليل الأكثر عن استونيا مقارنة بالدول الثماني الأخرى، نظرا لإعلان الحكومة الاستونية أنها سوف تتبنى اليورو اعتبارا من أول يناير 2011.
التحاق استونيا باليورو سوف يتطلب موافقة وزراء المالية للدول 16 الأعضاء الحاليين في اليورو. غير ان إصدار التقرير في هذا الوقت بالذات يحمل معان كثيرة لمن يقرأه. فمن المؤكد أن المتابع للأوضاع الحالية في منطقة اليورو سوف يصل إلى خلاصة مؤداها أن دول الاتحاد النقدي غارقة الآن في معالجة أزمتها ومراقبة تطورات الأوضاع في المنطقة وفي الأسواق المالية، وأن الوقت الحالي ربما ليس هو التوقيت المناسب للنظر في توسع اليورو الذي يواجه ضغوطا حادة على ارض الواقع.
في تصوري أن الإعلان في هذا التوقيت بالذات يهدف إلى توجيه رسالة للعالم وللأسواق، وهي ان خطط توسع اليورو كما هي لم تتغير ولم تتأجل، وأن العملة الموحدة مستعدة، رغم كل ما حدث للتوسع بصورة أكبر لتضم كل الدول التي تستوفي شروط الالتحاق، وأن اليورو قوي بما فيه الكفاية في مواجهة موجات الضغوط التي وضعتها أزمة اليونان، وأن تهديدات الديون السيادية للدولة الأخرى ليس لها أي تأثير مطلقا على الاتحاد النقدي بدليل أنه يتوسع وكأن شيئا لم يحدث.
تقرير التقارب الأخير ينظر إلى استونيا بأنها استوفت معايير التقارب اللازمة للالتحاق باليورو حاليا، على الرغم من أن الاتجاهات العامة لمعدل التضخم بها تعد مرتفعة (إذا تجاهلنا السنتين الماضيتين) ومن ثم سيادة شكوك بعدم قدرة الدولة على السيطرة على التضخم حسب نص التقرير نفسه، ربما يكون ضم استونيا باعتبارها دولة شبه هامشية للاتحاد (لن يضر انضمامها اليورو تحت أي وضع)، هو رسالة يوجهها الاتحاد الأوروبي لتأكيد قوة اليورو وسلامته، رغم كل ما يحدث. تجدر الإشارة إلى أن بانضمام استونيا إلى اليورو في 2011 سوف تكون الدولة الخامسة التي انضمت إلى اليورو منذ 2007 حيث انضمت سلوفانيا، وقبرص ومالطا في 2008، وسلوفاكيا في 2009.
يبدو أن البنك المركزي الأوروبي لا يتعلم من أخطاءه، فلقد اطلعت على التقرير الذي أعده البنك المركزي الأوروبي عن معايير التقارب بمناسبة انضمام اليونان إلى الاتحاد النقدي الأوروبي (انظر: http://www.ecb.int/pub/pdf/conrep/cr2000en.pdf) والذي كان من الواضح فيه للعيان أن هناك شكوك حول استيفاء لشروط الالتحاق باليورو، وقد ذكر التقرير عدة تحذيرات لليونان مرتبطة بإبداء القلق حول الأوضاع المالية لليونان، وقد أكد التقرير الحاجة إلى تحسين معدل العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحذر من أن النسب المرتفعة للدين إلى الناتج يمكن ان تشكل ضغوطا دائمة على السياسة المالية في اليونان وعلى الاقتصاد ككل. بل الأدهى من ذلك أن البنك المركزي الأوروبي قد أشار إلى المشكلات الخطيرة التي تعاني منها الأرقام الاقتصادية لليونان، طالبا منها المزيد من الشفافية وتحسين نوعية البيانات الإحصائية، وعلى الرغم من كل هذه الملاحظات تم قبول اليونان في اليورو، ان استعادة هذا الشريط الذي يتضمنه التقرير في عام 2000، يوضح لنا ان أزمة الديون السيادية لليونان كانت تدق على الأبواب بعنف، ولكن لم يرد أحد أن يستمع إليها، حتى اشتعل فتيل الأزمة هذا العام.
الموافقة على انضمام استونيا تضيف دولا على شاكلة اليونان للاتحاد النقدي، وهو ما قد يصعب مشكلة إدارة العملة الموحدة في ظل هذا الخليط غير المتجانس من الدول الأعضاء. هل سيؤدي انضمام استونيا إلى دعم اليورو، أم أنها سيكون انضمامها عبئا عليه. ربما نعرف الإجابة على هذا السؤال في المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق