مع تعزز التوقعات بانتهاء الأزمة المالية العالمية، وعودة مستويات النشاط الاقتصادي إلى مستوياتها قبل الأزمة، فإن الاحتمال الأول هو أن تقوم البنوك المركزية في دول العالم برفع معدلات الفائدة بعد ان بلغت مستوياتها دنيا نتيجة للأزمة، غير أن رفع معدل الفائدة له آثار سلبية عديدة، أهمها أثره على البورصة، إذ غالبا ما ينظر إلى ارتفاع معدل الفائدة على أنه خبر سيئ بالنسبة لبورصة الأوراق المالية، ولحملة الأسهم عموما، ولكن ما هو معدل الفائدة وما هي آثار تغيره، ولماذا يعد ارتفاع معدل الفائدة سيئا بالنسبة لبورصة الأوراق المالية؟
غالبا ما يطلق على معدل الفائدة عبارة تكلفة النقود، أو بصورة أدق تكلفة الفرصة البديلة للنقود. فإذا فرضنا أنك تحتفظ في المتوسط شهريا بحوالي 500 دينارا، نقودا سائلة لأغراض إجراء المعاملات المختلفة، وكان معدل الفائدة في البنوك 5%، فان تكلفة الاحتفاظ بهذا القدر من النقود تتمثل في الفرصة البديلة التي يمكن الحصول عليها من إيداع جزء من هذه النقود في البنك، وإذا ما ارتفع معدل الفائدة، فان تكلفة الفرصة البديلة لهذه النقود تزداد، ولذلك يميل الأفراد في أوقات ارتفاع معدلات الفائدة إلى تقليل ما يحتفظون به من نقود سائلة إلى أدنى حد بسبب ارتفاع تكلفة النقود السائلة (ضياع فرصة الحصول على معدل الفائدة الممكن الحصول عليه منها). من ناحية أخرى فان معدل الفائدة يمثل تكلفة اقتراض النقود، وعندما يرتفع معدل الفائدة فان تكلفة الاقتراض تزداد، فيميل الأفراد بشكل عام إلى اقتراض قدر اقل من القروض، والعكس في حالة انخفاض معدل الفائدة.
وعند تعريف معدل الفائدة لا بد وأن نميز بين ما يطلق عليه معدل الفائدة الاسمي (ببساطة معدل الفائدة المعلن في البنوك)، ومعدل الفائدة الحقيقي، وهو معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم، فإذا كان معدل الفائدة الاسمي في البنوك 10%، مثلا وكان معدل التضخم 8%، فان ذلك يعني أن ما تحصل عليه من الناحية الحقيقية على مودعاتك في البنك هو 2% فقط. أكثر من ذلك فإن معدل الفائدة الحقيقي يمكن أن يكون سالبا، وذلك إذا كان معدل التضخم أعلى من معدل الفائدة الاسمي، وهو ما يعني تآكل القوة الشرائية للمودعات في البنوك على الرغم من حصولها على فوائد تضاف إلى قيمتها الاسمية، والآن ما هي آثار تغير معدل الفائدة؟
تتعدد آثار تغير معدل الفائدة، وباختصار يمكن ذكر الآثار التالية:
• انخفاض مستوى الاستهلاك، نتيجة ارتفاع مستوى الادخار. وهذا ما يطلق عليه أثر الإحلال substitution effect، أي الإحلال بين الاستهلاك والادخار، حيث يميل الأفراد إلى تقليل استهلاكهم وزيادة مستويات ادخارهم، كما يترتب على ارتفاع تكلفة الاقتراض من البنوك، قيام المستهلكين باقتراض قدر اقل من القروض، الأمر الذي يقلل من مستويات الإنفاق الاستهلاكي، أو ربما يزيد ولكن بمعدلات أقل مما سبق.
• ارتفاع مستوى الدخول، نتيجة ارتفاع مستويات العائد على المدخرات في البنوك، وهو ما يطلق عليه أثر الدخل income effect، وبشكل عام يعتمد الأثر الصافي على الاستهلاك في المجتمع على أيهما أكبر في الأثر؛ أي أثر الإحلال أم أثر الدخل.
• انخفاض مستوى الاستثمار، نتيجة ارتفاع تكلفة الأموال المقترضة لأغراض الاستثمار، ويؤدي ارتفاع تكلفة الاقتراض من البنوك بالمستثمرين إلى اقتراض كميات اقل من القروض، ومن ثم يقل الإنفاق الاستثماري، أو ربما يقل معدل نمو الإنفاق الاستثماري.
• ارتفاع تكلفة الأقساط العقارية وأقساط القروض بشكل عام، وهو ما يقلل ما يطلق عليه الدخل المتاح للمستهلك (الدخل بعد خصم أقساط القروض)، ومن ثم يقل الإنفاق الاستهلاكي تبعا لذلك.
• ارتفاع قيمة العملة المحلية، نظرا لتزايد الطلب عليها لأغراض التحكيم في أسعار الفائدة، وهو ما يترتب عليه انخفاض الصادرات وزيادة الواردات، أو انخفاض صافي الصادرات إلى الخارج.
• عندما يقل مستوى الطلب الكلي ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بقدر أكبر (نتيجة وجود ما يسمي بمضاعف الإنفاق)، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى النمو الاقتصادي.
• مع انخفاض مستوى النمو الاقتصادي ترتفع معدلات البطالة، حيث يقل طلب قطاع الأعمال على العمال نتيجة انخفاض الاستثمار من جانب، وانخفاض مستوى الطلب الكلي من جانب آخر.
• مع انخفاض مستوى الطلب الكلي، وانخفاض مستوى النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، تميل معدلات الارتفاع في الأسعار (التضخم) نحو الانخفاض، فينخفض معدل التضخم، أو ربما يحدث انخفاض في الأسعار. وعموما فان الأثر سوف يعتمد على مدى توقعات الجمهور حول حالة الاقتصاد في المستقبل، فإذا كانت تلك التوقعات تفاؤلية، فان أثر رفع معدل الفائدة على الطلب الكلي سوف يكون محدودا، أما إذا كانت توقعات الجمهور تشاؤمية، فان رفع معدل الفائدة سوف يكون له آثارا جوهرية على مستويات الطلب الكلي ومن ثم النمو. كما يعتمد الأثر أيضا على المرحلة التي تمر بها الدولة في دورتها الاقتصادية بشكل عام، فإذا كانت الدولة في حالة توظف كامل، فان رفع معدل الفائدة يقلل أساسا من معدل التضخم، أما إذا كانت الدول في حالة توظف غير كامل، فان رفع معدل الفائدة سوف يؤدي إلى رفع مستويات البطالة، ومن ثم تعميق مستويات الكساد.
وبشكل عام فإن الأثر النهائي لرفع معدل الفائدة على الاقتصاد يعتمد على طول فترات التأخير (أي تأخير الأثر) بين توقيت رفع معدل الفائدة، وحدوث الأثر النهائي على الاقتصاد، ومن المعلوم أن هناك فترات تأخير طويلة في تأثير معدل الفائدة على الاقتصاد، تزيد عن سنة في معظم الدول، والآن ما هو أثر ارتفاع معدل الفائدة على بورصة الأوراق المالية.
يختلف تأثير ارتفاع معدل الفائدة بين الطلب الأسهم والطلب على السندات، ومن ثم فان أثر تغيير معدل الفائدة يختلف بين حملة الأسهم والسندات.
فبالنسبة لحملة الأسهم يؤدي ارتفاع معدل الفائدة إلى ميل معدلات النمو الاقتصادي نحو التراجع، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، على النحو السابق ذكره، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الطلب الكلي، وعندما ينخفض مستوى الطلب الكلي، ومن ثم معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، تنخفض أرباح الشركات، وهو ما يدفع الشركات إلى توزيع أرباح اقل أو ربما تحقق خسائر، وهو ما يؤثر سلبا على أسعار الأسهم في بورصة الأوراق المالية.
من ناحية أخرى، فان ارتفاع أسعار الفائدة يجعل من المودعات في البنوك بديلا أكثر جاذبية من الاستثمار في الأسهم وتحمل قدر اكبر من المخاطرة نتيجة لذلك، فيقل الطلب على الأسهم في بورصة الأوراق المالية، بسبب تفضيل المودعات كوسيلة لاستثمار المدخرات عن الأسهم.
أما بالنسبة لحملة السندات، فعندما يتم إصدار السندات بمعدل فائدة معين، فان هذا المعدل غالبا ما يتم تثبته، بصفة خاصة بالنسبة للسندات قصيرة ومتوسطة الأجل، وعندما يرتفع معدل الفائدة، فان السندات المصدرة قبل ارتفاع معدل الفائدة تصبح أقل جاذبية للمستثمرين. على سبيل المثال إذا أصدر سند بقيمة 1000 دينارا، وبمعدل فائدة 5%، فان هذا السند يحقق عائدا يساوي 50 دينارا سنويا، فإذا فرض وارتفع معدل الفائدة إلى 7%، فان السندات الجديدة التي تصدر بنفس القيمة سوف تحقق عائد سنوي 70 دينارا، مقارنة بـ 50 دينارا بالنسبة للسندات القديمة من نفس الفئة، الأمر الذي يدفع أصحاب السندات القديمة إلى بيع سنداتهم لشراء سندات جديدة، أو تفضيل إيداع مدخراتهم في البنوك على أساس معدل الفائدة الجديد، ويترتب على ذلك انخفاض القيمة السوقية للسندات، وعلى ذلك فان هناك علاقة عكسية بين معدل الفائدة وسعر السندات. من ناحية أخرى فان ارتفاع معدل الفائدة على السندات يجعل شراء السندات الجديدة أكثر جاذبية من شراء الأسهم، وقد يدفع حملة محافظ الأسهم إلى التخلص من الأسهم لشراء السندات الجديدة.
السلام عليكم ..
ردحذفاشكر الدكتور محمد على هذا الايضاح واتمنى مقابلته عاجلا لمحاولة ايجاد حلّ ازمه ماليه تربط الافراد المقترضين بالبنوك .
و أود ان يبدي لنا وجهة نظره في استخدام البنوك المحليه لسعر فائدة متغيـّر وغير ثابت ؟ هل هذا اسلوب اقتصادي متعارف عليه وما تفسيره لعمل البنوك بهذا ؟
وانا احتفظ بوجهة نظر حيال هذه القضيه سوف اشرحها له عند مقابلته
حيث ان ربط سعر الفائدة على القروض بأي تغيـر قد يطرأ على سعر الخصم المعلن من البنك المركزي (بالنسبه للقروض السابقه) فيه تفريغ للهدف الرئيسي من استخدام سياسة سعر الخصم كـ سياسه نقديه للتحكم في معدلات التضخم والانكماش ومثال على ذلك:
اقترضت 10000 د.ك وكان سعر الفائده مع سعر الخصم وقتها بـ 7% .. ومدة القرض 10 سنوات
وبعد مرور سنتين ارتفع سعر الخصم على الفائده بالنسبه للقروض الجديده .. لكن مع ذلك قام البنك برفع سعر الفائدة على قرضي هذا تماشيا مع ارتفاع سعر الخصم .. اي ان البنك قام بتغيير سعر الفائده ؟ فهل هذا من وجهة نظرك كـ دكتور في الاقتصاد هو تصرف اقتصادي سليم او مخالف للسياسه النقديه المعمول بها عالميا والتي من اجلها تم العمل بسعر الخصم كأداة من ادوات السياسه النقديه ؟ علما بان هذا العمل هو مخالف للقانون لكونه يخالف النظام العام حيث ان من شأن الاعمال به ان يخلّ بالمراكز القانونيه للمقترضين .. فسوف يقوم بتحميلي فائده اكبر وبالتالي سوف تتأثر امـّا مدة القرض بالاطاله لاستيفاء الفائده او بقيمة قسط القرض ايضا لاستيفاء الزياده في الفائده وبالتالي سوف يخل بمركزي القانوني وبزيادة الاعباء الماليه التي لم احسب لها اي حساب .
ويهمـّني رأيك يا دكتور
ولك كل تقدير واحترام .
اخوك (الخبير الحسابي في ادارة الخبراء)