اليونان هي الدولة الأكثر عرضة للإفلاس من بين الدول الأوروبية الخمس المضطربة ماليا، وهي بالإضافة إلى اليونان، البرتغال وأسبانيا وأيرلندا وربما إيطاليا. إجمالي الديون المستحقة على هذه الدول الخمس يصل إلى أقل بقليل من 3 تريليون دولارا، وتفصيل الديون القائمة على الدول الأوروبية الخمس هو:
- ايطاليا 1.4 تريليون دولارا، منها 511 مليار دولارا مستحقة لفرنسا، و190 مليار دولارا مستحقة لألمانيا، و77 مليار دولارا مستحقة لبريطانيا.
- أسبانيا 1.1 تريليون دولارا، منها 238 مليار دولارا مستحقة لألمانيا، و220 مليار دولارا مستحقة لفرنسا، و114 مليار دولارا مستحقة لبريطانيا.
- أيرلندا 867 مليار دولارا، منها 188 مليار دولارا مستحقة لبريطانيا، و184 مليار دولارا مستحقة لألمانيا، و60 مليار دولارا مستحقة لفرنسا.
- البرتغال 286 مليار دولارا، منها 86 مليار دولارا مستحقة لأسبانيا، و47 مليار دولارا مستحقة لألمانيا، و45 مليار دولارا مستحقة لفرنسا، و24 مليار دولارا مستحقة لبريطانيا.
- الدين اليوناني يبلغ 236 مليار دولارا، منها 75 مليار دولارا مستحقة لفرنسا، و45 مليار دولارا مستحقة لألمانيا، و15 مليار دولارا مستحقة لبريطانيا.
الأرقام كما نرى مرعبة، لدرجة أن أي انتشار محتمل لمخاطر أزمة ديون سيادية لهذه الدول سوف يطيح ببنوك فرنسا وألمانيا وبريطانيا، على وجه الخصوص نظرا لارتفاع درجة تعرض هذه البنوك للديون السيادية للدول المضطربة ماليا، وهو على أسوأ الظروف ما سوف يمهد لاستمرار الأزمة المالية الحالية.
انتهى صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بعد سلسلة طويلة من المفاوضات من إقرار حزمة الإنقاذ لليونان والتي تقدر بحوالي 145 مليار دولار على مدى 3 سنوات بمعدل فائدة 5%، منها 45 مليار يورو تدفع هذا العام قبل حلول 20 مايو القادم وهو موعد استحقاق ديون اليونان لهذا العام، والباقي في السنتين القادمتين، لتجنب التعثر المحتمل لليونان في خدمة ديونها، والتي صنفتها وكالة ستاندرد أند بور على أنها سندات خردة Junk bonds. حزمة الإنقاذ المقترحة كانت مربوطة ببرنامج قاس جدا للتقشف الاقتصادي سوف تطبقه اليونان كشرط لحصولها على المساعدات اللازمة لإنقاذها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى وقف انتشار عدوى الذعر المالي إلى الدول الأوروبية الأخرى المضطربة ماليا، وإن كانت الشواهد تشير إلى أن برنامج الإنقاذ ربما لن يوقف احتمال انتشار عدوى الاضطراب المالي إلى الدول الأخرى contagion، ليس بسبب ارتفاع حجم ديون هذه الدول، ولكن بسبب اضطراب أوضاعها الاقتصادية التي قد لا تمكن تلك الدول من وقف تراكم ديونها ناهيك عن خدمة هذه الديون. الحزمة المالية المقترحة ربما لا تكون كافية لطمأنة الأسواق حول احتمالات استقرار أوضاع اليونان والدول الأوروبية الأخرى المضطربة ماليا.
حزمة التقشف القاسية ستتم مراقبتها عن كثب من قبل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لضمان عدم انحراف التطبيق عن المستهدفات المتوقعة للاتفاق، حيث سيقوم الصندوق بزيارة اليونان بصورة دورية لمتابعة التزام الحكومة بتنفيذ الحزمة وعدم الانحراف في تطبيقها، أو بمعنى آخر للتأكد من أن الحكومة لن تختبئ في حصان طروادة عصري. من بين إجراءات عديدة شملت حزمة التقشف رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 23%، وتخفيض أجور موظفي الخدمة المدنية والحد من الحوافز المالية التي تدفع لهم والتي تصل إلى شهرين في السنة، بما في ذلك الحوافز التي تدفع لأعضاء البرلمان، وتجميد المعاشات فضلا عن التضييق على حالات التقاعد المبكر للموظفين، ورفع الضرائب على الوقود والدخان والمشروبات الكحولية بـ 10% والتخفيف من القواعد التي تسمح بالاستغناء عن جزء من العاملين في القطاع العام. يتوقع أن يترتب على هذه الإجراءات تراجع العجز المالي لليونان بحوالي 30 مليار يورو خلال السنوات الثلاث القادمة. غير أن السيطرة على العجز المالي ربما لا تحد من احتمال ان تتم عملية إعادة جدولة ديون اليونان في المستقبل، وربما يتحمل المقرضون لليونان جانبا من التكلفة نتيجة لذلك، وإن كان الحديث عن ذلك الاحتمال قد يبدو مبكرا في الوقت الحالي، ناهيك عن خطورة آثاره على فرص وصول اليونان لأسواق الائتمان. حزمة التقشف القاسية تواجه تهديدا أكثر خطورة من احتمالات تراجع النمو الاقتصادي وهو السخط الشعبي الذي سيصاحب مثل هذه الإجراءات، خصوصا من جانب نقابات العمال، والذي بدأ بالفعل مبكرا في الأسابيع القليلة الماضية، ومن ثم فإن قدرة اليونان على الالتزام بالإجراءات التقشفية سوف تعتمد إلى حد كبير على مدى القبول الشعبي لها ومدى قدرة الحكومة على إقناع السكان بهذه الإجراءات. مما لا شك أن الثمن الذي ستدفعه اليونان كبيرا، ولكن عليها أن تدفع الآن ثمن إسرافها في الاقتراض وتزييفها لإحصاءاتها حول أوضاعها المالية أمام الاتحاد الأوروبي.
لسوء حظ اليونان أن الخيارات الأخرى المتاحة تعد محدودة جدا، ومن بين هذه الخيارات التي طرحت بشدة هو أن تقوم اليونان بترك منطقة اليورو، وتعود مرة أخرى إلى الدراخمة اليونانية لكي تتمكن من تخفيض الدراخمة لمساعدة مستويات الإنفاق الكلي بها مستفيدة من سياسة تخفيض قيمة العملة في اقتصاد ينفتح بدرجة كبيرة على العالم الخارجي، لكن مخاطر هذا الخيار عالية جدا، نظرا لأن الدين اليوناني مقوم أساسا باليورو، ومن ثم فان تبني عملة أخرى غير اليورو ربما يدفع بالدين اليوناني بالانفجار على نحو أسوأ.
المشكلة الأساسية مع حزمة التقشف هي أنه على الرغم من أنها قد تساعد على تخفيف العجز المالي، فإنها سوف تتسبب في تراجع في معدلات النمو الاقتصادي لليونان، حيث من المتوقع ان يشهد الاقتصاد اليوناني فترة زمنية تنحسر خلالها معدلات النمو وترتفع معدلات البطالة ومن ثم يدخل الاقتصاد اليوناني في حالة كساد، حيث يتوقع انخفاض معدلات النمو بنسبة 4% هذا العام و 2.6% في العام القادم، قبل أن يستعيد النمو الاقتصادي مستوياته الموجبة مرة أخرى عند معدل 1.1% في عام 2012، وهو الأمر الذي قد يهدد بالفعل قدرة اليونان على التغلب على مشكلة ديونها السيادية الحادة، فالكساد الاقتصادي ليس الوصفة المثالية لمواجهة أعباء الدين العام، بالعكس إنه قد يؤدي إلى تعميق مشكلة الدين العام وليس حلها.
والآن هل ستساعد حزمة إنقاذ اليونان على تهدئة القلق لدى الأسواق المالية الدولية، على الأقل بشكل مرحلي، عن مشكلة الديون السيادية الأوروبية، أو هل ستؤدي إلى تحويل أنظار المستثمرين بصورة أكبر على مجموعة الدول الأخرى المضطربة ماليا في أوروبا، هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق