الخميس، مايو ١٣، ٢٠١٠

لماذا يعيش الناس أعمارا أطول

يعد الانخفاض المستمر في معدلات الوفيات السبب الرئيسي في النمو الحالي للسكان في العالم، فقد ارتفعت توقعات الحياة في كافة أنحاء العالم بشكل واضح هذه الأيام نتيجة السيطرة التي تمت على معدلات الوفيات، حيث نجح الإنسان في السيطرة على معظم الأمراض الفتاكة بجنسه، وكذلك على مسببات الوفيات المبكرة بين الأطفال وهو ما يعد أهم أوجه التحسن في ظروف المعيشة التي تمت في الحياة الإنسانية بشكل عام. وقد اعتقد الباحثون قديما ان الفروق في معدلات الوفيات هي مسألة بيولوجية في طبيعتها، ومن ثم يصعب تغييرها أو التحكم فيها، إلا أننا نعلم الآن أن معظم الفروق في معدلات الوفيات في العالم ترجع إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وليس لأسباب بيولوجية، ولظاهرة الوفاة مكونان أساسيان الأول يتصل بالمدى العمري، والثاني يتصل بطول فترة البقاء.

ويقصد بالمدى العمري lifespan المدة التي يمكن أن يحياها الإنسان ولما كان من المستحيل - بالطبع - أن نتنبأ بدقة لإنسان محدد بالمدى الزمني الذي يمكن أن يعيشه (فهذه مسألة بيد الله سبحانه وتعالي)، فإننا يمكننا افتراض أن أطول عمر عاشه الإنسان على الأرض (وهو بالطبع رقم يتغير من وقت لآخر) هو أقصى ما يمكن أن نتوقعه لحياة أي فرد. وبالرغم من وجود ادعاءات كثيرة حول طول عمر العديد من الأفراد في مناطق العالم المختلفة، إلا أن التأكد من صحة تلك الادعاءات يعد مسألة صعبة، بسبب عدم وجود (أو فقدان) الوثائق الخاصة بتاريخ الميلاد. ويعد الياباني "شيجيشيو ايزومي" هو صاحب أطول عمر مسجل بالوثائق في التاريخ الحديث حيث عاش لمدة 120 سنة. إذن يمكننا القول بناءا على ما سبق أن الإنسان يمكنه أن يعيش حتى عمر 120 سنة، وربما أكثر من ذلك، ولكن من الناحية الواقعية فان عددا قليلا جدا من الناس هم الذين يصلون إلى هذا العمر، بينما نتوقع ان يعيش معظم الناس في العالم حوالي نصف هذا العمر تقريبا.

أما بالنسبة لطول فترة البقاء على قيد الحياة فيقاس غالبا باستخدام توقع الحياة، حيث يعتمد متوسط العمر للفرد بشكل كبير على الخصائص الجينية التي ولد بها، فقوة الأعضاء الحيوية مثل القلب والكبد والكلى .... والأمراض الوراثية، وغيرها تعد عوامل بيولوجية ليس للإنسان سيطرة كبيرة عليها، ومعظم هذه العوامل يبدو أثرها بشكل واضح في السنة الأولى من العمر، وباقي سنوات الطفولة وما إن يتجاوز الطفل السنة الأولى من حياته، فان توقعات الوفاة بالنسبة له تقل حتى يصل إلى نصف عمرة تقريبا، بعد هذا الحد ترتفع احتمالات الوفاة بشكل كبير.

 

وبالرغم من نقاط القوة والضعف للأفراد من الناحية البيولوجية، فان معدلات الوفيات لكل نوع (ذكور وإناث) عند كل عمر تبدو أنها تتأثر بالعوامل الاجتماعية. حيث يؤثر المحيط الاجتماعي على مخاطر الوفاة من جوانب عديدة والتي يمكن أن نقسمها إلى قسمان: الأول هو البنية الاقتصادية والاجتماعية، ويقصد بالبنية الاقتصادية والاجتماعية الطريقة التي يتم بها توليد الثروة في المجتمع وتوزيعها على أفراده، كما تعكس أيضا حقيقة أن الغذاء المناسب، والمسكن، والكساء المناسب، فضلا عن توافر وسائل الرعاية الصحية كلها عوامل تؤثر على احتمالات الوفاة. أما الثاني فهو نمط الحياة حيث تتأثر معدلات الوفاة بالنمط الذي يعيش الأفراد عليه، مثال ذلك الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة، أو الملح، أو الكحوليات، التدخين، أو عدم ممارسة الرياضة وغيرها من العوامل المتصلة بنمط الحياة والتي قد تقلل من احتمالات بقاء الإنسان على قيد الحياة.

 

وهناك ارتباط وثيق كما أثبتت الدراسات بين الدخل ومعدلات الوفاة، إذ كلما ارتفع مستوى الدخل، انخفضت معدلات الوفيات، وكذلك الحال فيما يتعلق بمستوى التعليم. وبالنسبة للنقطة الأخيرة فإن تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ينشر مجموعة من المؤشرات عن مستوى التنمية البشرية في دول العالم. ومن بين هذه المؤشرات توقع الحياة Life expectancy، أو متوسط العمر المتوقع أن يعيشه الإنسان عند ولادته مقرونة بمتوسط نصيب الفرد من الناتج والرقم القياسي للتعليم. الجدول التالي يوضح أكثر عشر دول في العالم من حيث توقع العمر عند الولادة، وكذلك اقل دول العالم من حيث توقع العمر عند الولادة، ومن الجدول يتضح أن الشخص الياباني هو أكثر شخص يبقى على قيد الحياة في المتوسط في العالم، فكل طفل ياباني يولد اليوم يتوقع أن يبقى على قيد الحياة لمدة 82.7 سنة في المتوسط، هذا طبعا لا يعني أن كل شخص في اليابان سوف يعيش هذا العمر، فهناك من سيموت قبل هذا العمر، وهناك من سيموت بعده بكثير، ولكن هذا هو المتوسط. قارن ذلك مع نفس الطفل الذي يولد في أفغانستان في اليوم، حيث يتوقع أن يعيش الطفل الأفغاني 43.6 عاما في المتوسط قبل أن يموت، أي نصف عمر نطيره الياباني تقريبا. من الواضح من الجدول أن فروق مستويات الدخول والتعليم تلعب دورا واضحا في التأثير على متوسط العمر المتوقع أن يعيشه الفرد في مختلف دول العالم. وبشكل عام يتراوح متوسط أعلى توقع للحياة بين 82.7 سنة في اليابان الى 80.7 عاما في إسرائيل. بينما يتراوح ادنى توقع للعمر بين 43.6 عاما في افغانستان الى 47.7 عاما في نيجيريا. لاحظ أن هناك فروقا كبيرة بين متوسط العمر المتوقع في المجموعة الثانية عن  المجموعة الاولى.
الخلاصة هي أنه بشكل عام يتوقع أن يعيش الفقراء مدة أقل من تلك التي سيعيشها الأغنياء في المتوسط، ومن المتوقع أيضا أن يعيش المتعلمون مدة أطول من تلك التي يعيشها غير المتعلمين في المتوسط، هذا بالطبع لا يعني أن كل غني سوف يعيش أطول من كل فقير، أو أن كل فقير سوف يعيش أقل من كل غني، ولكننا نتحدث عن المتوسط العام في العالم. هذا ما تثبته مؤشرات التنمية البشرية ونظريات النمو السكاني في علم اقتصاديات السكان.


هناك تعليق واحد:

  1. إذاً هذه الدراسة تنسف بيت الشعر القائل :

    ما أطال النوم عمراً ::: و لا قصر في اللأعمار طول السهر

    أستاذنا العزيز ، أنا على يقين تام بأنك أيضا تؤمن بأن الله سبحانه كتب للناس الأرزاق و الآجال فلذلك تعليقي على هذه الدراسة هو أن العمر لا يطول من كثرة النوم ، إنما عمر صحة الإنسان قد يطول من النوم .

    و بما أن الدراسة مثبته بأرقام .. لا أستطيع إلا أن أقول بأن الله جعل العلم سبب في بقاء من كتب لهم الحياة أحياء. فالفقير لا يملك المال الكافي كي يستفيد من العلم، بعكس الأغنياء الذين ينفقون ما رزقهم الله لكي يعيشوا بالقدر الذي حدده الله.

    هذا ما جال بخاطري. 

    ردحذف