لاحظت بعد قيام الجامعة بتحويل مرتب أشهر الصيف لهذا العام في حسابي أن هناك انخفاضا واضحا في رصيد الحساب في البنك الاسلامي الذي أتعامل معه، وبما أنني لم أقم بأية معاملة تقتضي إنفاق هذا المبلغ الكبير، قمت بتصفح حسابي إلكترونيا على خدمة الأون لاين للبنك، وفوجئت بأن هناك رسالة من البنك موجهة لي، وعندما فتحت الرسالة، وجدت نصها كالآتي: "السادة عملاء .... مستحقي رواتب الإجازة الصيفية، يرجى التفضل بالعلم بأنه عند إيداع رواتب شهور الإجازة الصيفية لعام 2009 سيتم العمل على حجز الأقساط الخاصة بمعاملاتكم التجارية من حسابكم، ولمزيد من الاستفسار يرجى الاتصال على خدمة البنك الهاتفية"، وللعلم فان الدولة تقوم بصرف رواتب العاملين في حقل التعليم على اختلاف مستوياتهم بصورة مجمعة عن أشهر الصيف.
من الناحية العملية فإن مضمون هذه الرسالة يعني أن البنك قد قرر الحجز على جانب من مرتبي مقدما تحت دعوى خصم الأقساط التجارية المستحقة خلال فترة زمنية قادمة هي فترة الصيف، وذلك ربما استنادا إلى انه إذا كانت الدولة قد قامت بصرف هذه الرواتب مقدما لموظفيها فإن من حق البنك بالتبعية الاستفادة من هذه الميزة بأن يقوم بخصم الأقساط المستحقة على عملاءه مقدما. وبالمناسبة فإنه حسب معلوماتي المتواضعة أثناء فترة تعاملي مع البنك، فإن هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها البنك بمثل هذا التصرف، ويبدو أن هذا التصرف هو أحد تبعات الأزمة المالية التي يعاني منها العالم حاليا، والتي لا نعرف بماذا سوف تنتهي بنا من تصرفات. المهم أن هذا التصرف الغريب قد أثار دهشتي باعتباري أستاذ جامعي أقوم دائما بتدريس طلبتي مقرر "النقود والبنوك" عبر أكثر من 30 عاما، وطوال هذه الفترة لم أجد في كافة الكتب التي درستها لطلبتي، ما يخول البنك أن يقوم بمثل هذا التصرف تحت أي ظرف من الظروف طالما أن العميل يقوم بتسديد أقساطه بشكل منتظم من رصيد حسابه في البنك. هذا التصرف الغريب من البنك يثير مجموعة من الملاحظات الواجب الإشارة إليها وهي:
- بادئ ذي بدء فإن هذا التصرف غير شرعي، فعندما راجعت عقدي المرابحة اللذان تم توقيعهما بيني وبين البنك لم أجد أي بند في عقدي المرابحة يخول البنك بأن يقوم بحجز الأقساط التجارية المستحقة على العميل مسبقا طالما أن العميل منتظم في عملية السداد وبدون تأخير. وبغض النظر عن مسميات العقود التي يعقدها البنك يفترض، للتبسيط، أن البنك قد منح التمويل للعميل (في صورة مرابحة)، على أن يتم السداد في بداية كل شهر، وبما أن العقد شريعة المتعاقدين، فليس من حق البنك حجز الأقساط المستحقة على العميل قبل حلول موعد الاستحقاق بدون موافقة العميل تحت أي ظرف من الظروف. أكرر ليس من حق البنك القيام بحجز أموال مستحقة على عملاءه قبل حلول موعد استحقاقها دون الحصول على الموافقة الشخصية للعملاء، وإلا كانت هناك شبهة إجبار للعملاء، كونهم الطرف الأضعف، بما أن أموالهم من الناحية العملية في حوزة البنك، أما أن يقوم البنك بإرسال رسالة الكترونية للعملاء فإن ذلك لا يعني، حتى من الناحية الضمنية، أن البنك قد حصل على موافقة العملاء على هذا التصرف.
- ليس من حق البنك حجز الأقساط المستحقة على عملاءه مقدما ولفترة طويلة من الزمن لأن ذلك يخالف المبدأ الأساسي في علم النقود والبنوك وهو أن "الزمن له قيمة نقدية"، وهذا المبدأ الأساسي هو جوهر عمل البنوك، ذلك أن القيمة النقدية للزمن هي الأساس الذي تقوم عليه الأرباح التي يحققها البنك من عملية تمويل الأفراد، بغض النظر عن المسمى الذي يتم تحته عملية توفير التمويل سواء أكان ذلك في صورة قرضا ربويا أو عقدا للمرابحة، ويقصد بمبدأ القيمة النقدية للزمن تغير حجم الربح الذي يحققه البنك في عملية المرابحة وذلك وفقا للفترة الزمنية للعقد، فكلما طالت الفترة الزمنية لعقد المرابحة كلما ازداد الربح الذي يحمله البنك على العميل في عملية المرابحة والعكس. إذن كل يوم في عقد المرابحة له قيمة نقدية يحصل عليها البنك من جراء عملية التمويل. وعندما يقوم البنك بحجز جانب من مودعات العملاء تحت دعوى التحصيل المسبق للأقساط، فإن البنك يستولي على القيمة النقدية التي يمكن أن تحققها هذه الأموال عبر هذه الفترة من الزمن.
- من الناحية العملية يؤدي قيام البنك بحجز الأقساط التجارية المستحقة على عملاءه في المستقبل مقدما إلى تحقيق البنك لأرباح على عقد المرابحة مرتين، الأولى على قيمة التمويل الذي تم تقديمه عن المدة الزمنية لعقد المرابحة ذاته، والثانية عن المدة الزمنية التي تم احتجاز الأقساط خلالها، وهو غبن واضح للعميل. وبما أن البنك عندما قام بتمويل العميل، تحت مسمى عقد المرابحة، قد حصل على المقابل النقدي للزمن الذي يظل فيه المال مستحقا على العميل فلا يحق له أن يحصل على أي قيمة نقدية لأي فترة زمنية أخرى خلال عقد المرابحة عن نفس التمويل، ومن ثم فانه من الناحية الشرعية يجب على البنك أن يسقط عن عملاءه أرباح هذه الأقساط التي احتجزها، أو أن يرد لهم أية أرباح حققها عن الأموال التي تم حجزها من أرصدتهم قسرا.
- قد يدعي البنك انه لم يقم باستخدام هذه الأموال، وإنما قام بحجزها، بدليل أن العميل سوف يلاحظ أن رصيده المسجل في الحساب يتضمن هذه الأقساط، وهو ادعاء غير صحيح لأن الرصيد الفعلي الذي يمكن أن يتصرف فيه العميل لا يتضمن هذه الأموال، وبمعنى آخر فان هذا الادعاء هو ادعاءا حسابيا، وليس ادعاءا فعليا، وإذا سلمنا بصحة هذا الادعاء فإن قيام البنك بحجز الأقساط المستحقة على العميل عن فترة الصيف مقدما يحمل غبنا واضحا للعميل لان البنك يكون بهذا التصرف قد حرم العميل، وبدون أي وجه حق من قبل البنك، من حرية التصرف في أمواله الخاصة المملوكة له وعلى النحو الذي يناسبه خلال هذه الفترة الزمنية باعتباره صاحب الحق الوحيد في التصرف في هذه المودعات.
- أن قيام البنك بحجز الأقساط عن فترة الصيف مقدما يحمل شبهة مخالفة البنك لنظم الائتمان المعمول بها في دولة الكويت، وبما أنه لا يوجد تحت يدي من نظم الائتمان المصرفي المعمول بها في الدولة ما يمكنني من الحكم على مدى قانونية هذا التصرف ومدى اتساقه مع العرف المصرفي في دولة الكويت، فإنني أترك الحكم على ما إذا كان هذا التصرف يعد خرقا من جانب البنك لقواعد الائتمان المعمول بها في دولة الكويت للبنك المركزي.
- على مستوى العميل الواحد قد يبدو أن المبالغ المحتجزة في صورة أقساط مقدمة مبلغا صغيرا، إلا أن تحصيل أقساط ثلاث شهور ولكافة عملاء البنك الذين ينتمون إلى هذه الفئة مرة واحدة وبصورة مقدمة، لا شك يعني تحصيل البنك لمبلغ مالي كبير، وبما أن البنوك تستثمر أموالها بشكل يومي، فإن البنك لا شك سوف يحقق نفعا إضافيا عن هذه الأموال، وهو ما قد يحمل شبهة الربا.
- إذا افترضنا أن عميلا ما قد قام بعقد عقد مرابحة مع البنك لمدة 4 أشهر، وكان ميعاد اول قسط هو الشهر الذي تم فيه تحويل مرتب الموظف مجمعا عن 4 أشهر، وقام البنك بالتبعية بحجز الأقساط التجارية مقدما، أي قام باستراد كل مبلغ التمويل الذي منحه للعميل في نفس الشهر الذي حصل فيه العميل عليه، فماذا نسمي هذه العملية. وأين هي التسهيلات المالية التي حصل عليها العميل (بغض النظر عن مسمى العقد)، وما هو الاساس الذي عليه حصل البنك على أرباح عن عملية المرابحة.
- ملاحظتي الأخيرة أوجهها لهيئة الرقابة الشرعية في البنك، إذا كان قد تم أخذ موافقة هيئة الرقابة الشرعية في البنك على مثل هذا التصرف، فما هو الأساس الشرعي الذي تم الاستناد إليه لحجز جانب من أموال المودعين تحت دعوى حجز الأقساط التجارية عن اشهر الصيف لبعض العملاء مقدما؟ وما هي القاعدة الشرعية التي تخول البنك أن يحجز على أموال المودعين قسرا بحجة أن الدولة قد صرفت لهم أموالهم الخاصة مقدما.
إن قيام الدولة بصرف المرتبات لبعض العاملين لأشهر الصيف بصورة مجمعة يتم لاعتبارات عدة وهو في مجملة يعد بمثابة ميزة تمنحها الدولة لهؤلاء الموظفين عن هذه الفترة من السنة، ومن ثم فإن الوحيد الذي من حقه التمتع بهذه الميزة هو الموظف في الدولة فقط، ولا ينبغي أن يستفيد البنك من هذه الميزة تحت أي ظرف من الظروف، فالموظف حصل على هذه الميزة بصفته يمارس نشاطا مدنيا لدى الدولة، بينما يمارس البنك نشاطا تجاريا، وشتان ما بين النشاطين.
دكتور عملياً هل في خساره مالية للعميل نتيجة هذا التصرف (مثلاً ارابح سنوية اقل؟)
ردحذفمقال جميل وفيه نقد بصورة علمية بعيدة عن العاطفة والتبرير لبعض الاخطاء الموجوده في بعض المؤسسات الاسلامية
ردحذفونتمنى من الدكتور الفاضل الاتصال مباشرة بالهيئية الشرعية للبنك واخذ الرد على التصرف الذي قام به البنك .
وشكرا يادكتور
شكرا على التعليق.
ردحذفعمليا ليس هناك ارباح سنوية أقل للعملي، ولكن هناك خسارة تلحق بالعميل جراء حرمان العميل من التصرفي في امواله بالطريقة التي تناسبة، بدون وجه حق من قبل البنك. إن كل حقوق البنك لدى العميل هي انه وقت استحقاق القسط يكون هناك في حساب العميل ما يغطي ذلك القسط. هذا هو الاساس الذي تم عليه ابرام عقد المرابحة.
شكرا حيدر على تعليقك.
للأسف لا أعرف شخصيا أي من أعضاء هيئة الرقابة الشرعية. لكن بكافة المعايير الشرعية والعملية هذا تصرف غير جائز. شخصيا قمت بالاتصال بخدمة العملاء في البنك وفي الادارة التجارية في البنك، وكانت الاجابة واحدة وهي أن البنك يريد ان يضمن حقه قبل العميل. وهي اجابة غير مقنعة وغير مبررة وتمزج العاطل في الباطل (أي بين الملتزمين بترك مبالغ كافية في حساباتهم عن غير الملتزمين). وعلى العموم هذا تصرف بكل المقاييس فريد.