نشر في جريدة القبس بتاريخ الاثنين 27/7/2009
عندما وقع الكساد العالمي الكبير تحول الملايين من عمال العالم إلى عاطلين عن العمل، وأدركت بعض الدول الصناعية أهمية الحاجة إلى حماية العاملين من انقطاع مصادر دخولهم لأسباب خارجة عن إرادتهم، ومن هنا تقريبا أخذت بعض الدول في إدخال نظم التأمين ضد البطالة. وتحدث البطالة في أغلب الأحوال نتيجة لصدمة يتعرض لها الاقتصاد المحلي أما بسبب عوامل داخلية مثل تراجع مستويات الطلب الكلي نتيجة لانحسار النشاط الاقتصادي، أو في صورة صدمة خارجية مثل الأزمة المالية العالمية، وفي كافة الأحوال يفترض أن تتدخل الحكومات لحماية عمالها ضد النتائج المترتبة على هذه الصدمات من خلال مكافحة انتشار الفقر والبطالة الناجمة عن تسريح العمال. التأمين ضد البطالة هو نظام يهدف إلى تقديم مدفوعات (بغض النظر عن اسمها) للعاطلين عن العمل، إما من خلال الحكومة أو أي جهة مصرح لها بذلك مثل نقابات العمال كما هو الحال في السويد، يتم دفعها للأشخاص العاطلين عن العمل. ومن هذا المنطلق يعد التأمين ضد البطالة جزءا من نظام الضمان الاجتماعي ونظم الرفاه بشكلها الموسع.
ومن الناحية الاقتصادية تعمل مدفوعات إعانة البطالة على المساعدة في مواجهة التقلبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، ولذلك ينظر إليها على أنها احد أدوات سياسة المثبت الأوتوماتيكي Automatic stabilizer مثل الضرائب، فعندما ينمو الاقتصاد المحلي فان الإيرادات لأغراض التأمين على البطالة تزداد من خلال المدفوعات المختلفة سواء من قبل الحكومة أو العمال أو أرباب العمل، ويقل في ذات الوقت الإنفاق من هذه الصناديق حيث تقل أعداد العاطلين، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين فوائض لصناديق التأمين ضد البطالة، وهو ما يحد من نمو الإنفاق والطلب الكلي في أوقات الرواج. وفي خلال فترات الكساد تقل الإيرادات لأغراض التأمين ضد البطالة وتزداد مدفوعات تلك الصناديق بسبب تزايد أعداد العاطلين عن العمل، الأمر الذي يساعد على تحفيز مستويات الإنفاق والطلب الكلي في أوقات الكساد.
وقد يكون نظام التأمين ضد البطالة إجباريا وذلك بمقتضى نظام الضمان الاجتماعي الإجباري، وقد يكون الاشتراك في التأمين ضد البطالة اختياريا. كما قد تكون المدفوعات للعاطلين في إطار التأمين ضد البطالة صغيرة، أي تغطي الحد الأدنى من الحاجات الأساسية للعامل، وربما تغطي خسارة الفرد لمرتبه السابق على تعطله بالكامل. وبشكل عام تدفع هذه الإعانات للأشخاص المسجلين على أنهم في حالة بطالة، وذلك في ظل شرط أنهم يبحثون بشكل جدي عن وظيفة أخرى، وليسوا في حالة توظف عند استحقاق الإعانة.
النظم الدولية للتأمين ضد البطالة متنوعة، وبمراجعة هذه النظم يمكن بشكل عام التوصل إلى الخصائص الآتية للتأمين على البطالة في دول العالم:
- أن كافة دول العالم تشترط لكي يحصل العامل على التأمين ضد البطالة أن يكون التوقف عن العمل ليس بسبب خطأ من العامل مثل تقصيره أو إهماله الجسيم.. الخ، وإنما ينبغي أن يكون التسريح من العمل لظروف خارجة عن إرادته، إما خاصة بحالة الاقتصاد أو الأوضاع الخاصة بالشركة التي يعمل بها.
- أن تمويل صندوق التأمين ضد البطالة يختلف بشكل عام من دولة لأخرى، ففي بعض الدول يتم التمويل أساسا من خلال إيرادات الضرائب مثل استراليا، أو قد يتم تمويل مثل هذا الصندوق بالكامل من خلال مساهمات العمال مثلما هو الحال في كندا. أو قد يتم التمويل من خلال مساهمات العامل ورب العمل والدولة مثلما هو الحال في السويد أو الولايات المتحدة.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة تختلف حسب الحالة الاجتماعية للعاطل عن العمل، فالمدفوعات للأعزب دائما ما تكون اقل من المتزوج، وهكذا.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة تعتمد بشكل عام على مرتب العامل السابق على تسريحه وعلى المدة الزمنية التي اشترك فيها العامل في تأمين البطالة، فكلما ازدادت هذه المدة كلما كانت قيمة مدفوعات التأمين ضد البطالة أكبر وهكذا، وان كان هناك بعض الدول التي تسمح للعامل في أن يشترك في تأمين إضافي إذا ما رغب في الحصول على مدفوعات تتجاوز الحد الأقصى للتأمين ضد البطالة كما هو الحال في السويد.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة غالبا ما تكون لمدة زمنية محددة (ستة أشهر في أغلب دول العالم) وان كان النظام الاسترالي يسمح بتقديم إعانة البطالة للعاطل عن العمل بغض النظر عن المدة الزمنية التي يقضيها في حالة بطالة.
- أن المدفوعات التي يحصل عليها العاطل قد تقتصر فقط على المدفوعات النقدية مثلما هو الحال في ايطاليا، وفي البعض الآخر لا تقتصر فقط على التأمين ضد البطالة وإنما يحصل العاطل على مدفوعات الرعاية الاجتماعية الأخرى في اغلب الأحوال، مثل إعانة الإيجار في استراليا وايرلندا والمملكة المتحدة، وإعانة أقساط قرض المسكن وإعانة الوقود وكارت صحي للرعاية الصحية المجانية في ايرلندا.
- أن معظم دول العالم تشترط أن يوقع العاطل على اتفاقية بمقتضاها يتعهد العاطل عن العمل بأن يبحث عن العمل ويستعد له وأن يكون جاهزا للانخراط في العمل في أي وقت، كما أن بعض دول العالم تشترط على العامل أن يدخل في أنشطة ترفع من قدرته على الحصول على وظيفة جديدة مثل استراليا.
- أن بعض دول العالم مثل ايطاليا تقدم حوافز مختلفة لشركات الأعمال لمساعدتها على إعادة توظيف العمال العاطلين.
- أن بعض الدول مثل استراليا تقوم بتعديل مدفوعات التأمين ضد البطالة التي تقدمها للعمال وفقا لاتجاهات المستوى العام للأسعار خلال السنة لضمان عدم تأثر قيمتها الحقيقية نتيجة للتضخم.
الكويت تفكر حاليا في أعداد مشروع قانون للتأمين ضد البطالة وذلك لمعالجة أوضاع العمال الكويتيين الذين يتم تسريحهم من العمل، بالطبع من القطاع غير الحكومي. مشكلة المسرحين من العمل في القطاع غير الحكومي هي مشكلة مستحدثة في دولة الكويت، بعد أن أجبرت ظروف الأزمة المالية بعض أرباب العمل في القطاع غير الحكومي على التخلص من جانب من العمالة لديهم، لتقليل التكاليف والتعامل مع ظروف الكساد الذي فرضته الأزمة، للأسف كان أول من تم الاستغناء عنهم من قبل القطاع غير الحكومي هم العمالة الوطنية نظرا لتكاليفها المرتفعة. ويمكن النظر إلى عملية التسريح على أنها إهدار لجهود الحكومة المختلفة لرفع قدرة القطاع غير الحكومي على توظيف العمالة الوطنية، وإحلال تلك العمالة محل العمالة الوافدة.
في وجهة نظري أن مشكلة تسريح العمالة الوطنية نابعة أساسا من مشكلة جوهرية أكبر يعاني منها سوق العمل في دولة الكويت، وهي أن الحكومة لا تساند عمالتها الوطنية في القطاع غير الحكومي، وليس لديها رغبة أصيلة أو استعداد لأن تتحمل مسئوليتها في ذلك. باختصار شديد الكويت لا ترغب في أن تفتح أبواب قطاعها غير الحكومي أمام العمالة الوطنية، ولو كان لديها الرغبة الصادقة في ذلك لفعلت، ولكان القطاع غير الحكومي هو اكبر مستوعب للعمالة الوطنية في الكويت. فقدان الرغبة الأصيلة في فتح أبواب القطاع الخاص أمام العمالة الوطنية أدى إلى نشوء وتجذر نوع من الكراهية المتبادلة بين القطاع غير الحكومي والعمالة الوطنية. فلا العمالة الوطنية ترغب في العمل في هذا القطاع، ولا هذا القطاع يرغب في أن يكون هيكل العمالة لديه من المواطنين، هذا الكره المتبادل بين العمالة الوطنية والقطاع الخاص لا يوفر مناخا مناسبا أمام العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
لو أرادت الكويت فتح القطاع غير الحكومي على مصراعيه أمام العمالة الوطنية لفعلت، ولكنها ليست جادة في ذلك. نعم للقطاع غير الحكومي الحق في اختيار ما يشاء من عمال، ولكن الأصل أن يكون الوعاء الأول للاختيار هو رصيد العمالة الوطنية وليس الأرخص من العمال، كما يفعل القطاع غير الحكومي حاليا، يساعده في ذلك سياسات هجرة اقل ما يمكن أن توصف به هو أنها متسيبة حيال العمالة غير الوطنية.
العمالة الوطنية لا تفضل القطاع غير الحكومي لأن سياسات التوظيف الحكومي غير مناسبة، إلى الحد الذي جعلت فيه من القطاع الحكومي والعام المسعى الأول للعمالة الوطنية. فالوظيفة الحكومية وظيفة ذات دخل مضمون، ولا يمكن التسريح منها إلا في ظروف شبه مستحلية، وفرص الترقي فيها شبه أوتوماتيكية، وعبئ العمل، أن وجد، خفيف حيث تنخفض إنتاجية العمال بصورة كبيرة، وتوفر دخلا مناسبا عند التقاعد وتوفر للبعض مكانة اجتماعيا متميزة، فضلا عن ذلك فان البعض قد يحقق منها دخولا ريعية إضافية نتيجة لتعقد روتين العمل وإجراءات تخليص معاملات المواطنين، مثل هذه المزايا لا يوفرها القطاع غير الحكومي.
من ناحية أخرى فان القطاع غير الحكومي لا يفضل العمالة الوطنية لأنها أكثر تكلفة من العمالة الوافدة، ولأن درجة التزام بعض العمالة الوطنية في القطاع غير الحكومي اقل لأنهم يدركون أن هذه الوظيفة يمكن استبدالها بسهولة بوظيفة حكومية، أو أن العمل في القطاع غير الحكومي هو مجرد مرحلة انتقالية لحين الحصول على وظيفة مناسبة في الحكومة. ولكن عندما تغلق الحكومة حنفية الهجرة، وتوقف توظيف المواطنين في القطاع الحكومي، وتفرض حدودا دنيا للأجور في القطاع الخاص، سواء أكان ذلك لتوظيف العمالة الوطنية أو الوافدة، وتفرض سقفا على المرتبات والمزايا في القطاعين الحكومي والعام، وتتخلص من أصولها الإنتاجية بتحويلها إلى القطاع الخاص، فان أبوبا العمل في القطاع الخاص سوف تنفتح على العمالة الوطنية.
مشكلة المسرحين من العمل لن تكون مشكلة هذا الوقت فقط، وإنما هي مشكلة كل وقت يفصل فيه عامل من عمله في القطاع غير الحكومي بدون ذنب اقترفه، مثل هذا العامل من حقه أن يحصل على دخل يمكنه من أن يستوفي التزاماته المعيشية حتى يجد عملا جديدا، وإلا ماذا سيفعل مثل هذا العامل في التزاماته نحو أسرته أو من يعولهم أيا كانوا. في رأيي أن الكويت قد تأخرت كثيرا في سن مثل هذا التشريع، وهو ما يعكس حقيقة أن الجانب الأكبر من العمالة يعمل في الحكومة أو القطاع العام، ذات التوظيف المضمون.
حسب ما نشرت القبس يوم الأربعاء 22/7 فان مشروع القانون حدد راس مال التأمين ضد البطالة من خلال مساهمة الحكومة والمواطن العامل في القطاع وأصحاب العمل وتبرعات الجهات الخيرية وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. كيف يمكن أن يكون رأس مال صندوق التأمين ضد البطالة من بعض هذه الموارد. صندوق التأمين ضد البطالة يجب أن يمول بشكل أساسي من قبل الحكومة ومساهمات العامل ومساهمات رب العمل مثلما تفعل دول العالم. كيف يمكن أن يسمح بأن تكون موارد الصندوق من تبرعات الجهات الخيرية، هذه إهانة للعاطلين وتصورهم على أنهم متلقين للإعانات التي تمنح للمعوزين. في كندا تم تغيير تسمية التأمين ضد البطالة إلى صندوق التأمين للتوظيف، حرصا على مشاعر العاطلين مما تعنيه عبارة بطالة.
إعانة البطالة حق يحصل عليه العاطلون في كافة الدول التي تهتم بمستوى الرفاه لعمالها، وهو حق أصيل في القانون المدني لتلك الدول وهو أيضا حق أصيل للمواطن في دستور دولة الكويت حيث تنص المادة 11 من الدستور على "تكفل الدول المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل. كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية"، كذلك تنص في المادة 41 من الدستور على "لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه". التأمين ضد البطالة إذن يجب أن يكون حقا أصيلا للعامل تماما مثلما هو الحق في معاش التقاعد.
صندوق التأمين ضد البطالة المزمع إنشاؤه في دولة الكويت يواجه اعتراضات البعض من منطلق الحرص على المال العام خوفا من احتمالات التلاعب أو التحايل، كأن يقدم خريج يعمل أصلا في شركة تملكها أسرته أو قريب له ما يثبت انه فصل من العمل لكي يحصل على إعانة البطالة. مثل هذه الحالات الشاذة لا يجب أن تقف عائقا أمام إصدار مثل هذا القانون، فمن المؤكد أن هناك العديد من السبل للتعامل مع مثل هذه الحالات من خلال صرامة العقوبات التي تمنع التلاعب أو تجعل تكلفته كبيرة جدا على كل من تسول نفسه له بذلك. التأمين ضد البطالة هو خطوة أساسية نحو تحفيز المواطنين على العمل في القطاع غير الحكومي والحد من جيش العاملين ظاهريا في الحكومة في وظائف غير منتجة، العاطلين من الناحية الفعلية وذلك في صورة بطالة مقنعة. ما الفرق بين المتعطل عن العمل بصورة خارجة عن إرادته لأنه سرح من وظيفته، والعامل ظاهريا في الحكومة، بينما هو في واقع الأمر عاطل في صورة بطالة مقنعة. لماذا نعطي الأخير أجرا، بينما نترك الأول بدون أي مساعدة.
يجب أذن سن قانون للتأمين ضد البطالة وإنشاء صندوق للتأمين ضد البطالة في دولة الكويت يجب أن تتكون موارده من الآتي:
- مساهمة شهرية تدفعها الدولة عن كل عامل يعمل في القطاع غير الحكومي وتمثل النسبة الأكبر من موارد الصندوق.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها كل عامل في القطاع غير الحكومي.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها رب العمل في القطاع غير الحكومي عن كل عامل وافد، ويمكن أن تضاف هذه المساهمة إلى ضريبة دعم العمالة الوطنية.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها رب العمل في القطاع غير الحكومي عن كل عامل وطني، ويمكن في المرحلة الحالية إعفاء أرباب العمل من تلك المساهمة الشهرية الإجبارية لصندوق تأمين البطالة وذلك للمساعدة على تشجيع توظف العمالة الوطنية في القطاع غير الحكومي، وتخفيض تكلفة تلك العمالة بالنسبة لهذا القطاع.
يجب أيضا أن يتم تخصيص هيئة محددة للتعامل مع المسرحين من العمل في القطاع غير الحكومي، ويناط بهذه مسئولية متابعة العاطلين عن العمل من لحظة فصلهم إلى لحظة إعادتهم مرة أخرى إما إلى نفس العمل أو عمل آخر، بما في ذلك الإشراف على مدفوعات التأمين ضد البطالة والمدفوعات الاجتماعية الأخرى لهم، ويمكن أن تكون هذه الهيئة برنامج إعادة هيكلة القوة العاملة.
وأخيرا يجب أن ينص على نسبة دنيا لتلك المدفوعات من مرتب العامل قبل تسريحه من العمل لأسباب خارجة عن إرادته، على أن تختلف تلك النسبة حسب الحالة الاجتماعية للعامل، فضلا عن ذلك ينبغي أن تستمر المدفوعات المختلفة التي كانت تدفعها الدولة للعامل قبل تسريحه مثل مساهمة الدولة في التأمينات الاجتماعية ... الخ.
ومن الناحية الاقتصادية تعمل مدفوعات إعانة البطالة على المساعدة في مواجهة التقلبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، ولذلك ينظر إليها على أنها احد أدوات سياسة المثبت الأوتوماتيكي Automatic stabilizer مثل الضرائب، فعندما ينمو الاقتصاد المحلي فان الإيرادات لأغراض التأمين على البطالة تزداد من خلال المدفوعات المختلفة سواء من قبل الحكومة أو العمال أو أرباب العمل، ويقل في ذات الوقت الإنفاق من هذه الصناديق حيث تقل أعداد العاطلين، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين فوائض لصناديق التأمين ضد البطالة، وهو ما يحد من نمو الإنفاق والطلب الكلي في أوقات الرواج. وفي خلال فترات الكساد تقل الإيرادات لأغراض التأمين ضد البطالة وتزداد مدفوعات تلك الصناديق بسبب تزايد أعداد العاطلين عن العمل، الأمر الذي يساعد على تحفيز مستويات الإنفاق والطلب الكلي في أوقات الكساد.
وقد يكون نظام التأمين ضد البطالة إجباريا وذلك بمقتضى نظام الضمان الاجتماعي الإجباري، وقد يكون الاشتراك في التأمين ضد البطالة اختياريا. كما قد تكون المدفوعات للعاطلين في إطار التأمين ضد البطالة صغيرة، أي تغطي الحد الأدنى من الحاجات الأساسية للعامل، وربما تغطي خسارة الفرد لمرتبه السابق على تعطله بالكامل. وبشكل عام تدفع هذه الإعانات للأشخاص المسجلين على أنهم في حالة بطالة، وذلك في ظل شرط أنهم يبحثون بشكل جدي عن وظيفة أخرى، وليسوا في حالة توظف عند استحقاق الإعانة.
النظم الدولية للتأمين ضد البطالة متنوعة، وبمراجعة هذه النظم يمكن بشكل عام التوصل إلى الخصائص الآتية للتأمين على البطالة في دول العالم:
- أن كافة دول العالم تشترط لكي يحصل العامل على التأمين ضد البطالة أن يكون التوقف عن العمل ليس بسبب خطأ من العامل مثل تقصيره أو إهماله الجسيم.. الخ، وإنما ينبغي أن يكون التسريح من العمل لظروف خارجة عن إرادته، إما خاصة بحالة الاقتصاد أو الأوضاع الخاصة بالشركة التي يعمل بها.
- أن تمويل صندوق التأمين ضد البطالة يختلف بشكل عام من دولة لأخرى، ففي بعض الدول يتم التمويل أساسا من خلال إيرادات الضرائب مثل استراليا، أو قد يتم تمويل مثل هذا الصندوق بالكامل من خلال مساهمات العمال مثلما هو الحال في كندا. أو قد يتم التمويل من خلال مساهمات العامل ورب العمل والدولة مثلما هو الحال في السويد أو الولايات المتحدة.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة تختلف حسب الحالة الاجتماعية للعاطل عن العمل، فالمدفوعات للأعزب دائما ما تكون اقل من المتزوج، وهكذا.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة تعتمد بشكل عام على مرتب العامل السابق على تسريحه وعلى المدة الزمنية التي اشترك فيها العامل في تأمين البطالة، فكلما ازدادت هذه المدة كلما كانت قيمة مدفوعات التأمين ضد البطالة أكبر وهكذا، وان كان هناك بعض الدول التي تسمح للعامل في أن يشترك في تأمين إضافي إذا ما رغب في الحصول على مدفوعات تتجاوز الحد الأقصى للتأمين ضد البطالة كما هو الحال في السويد.
- أن مدفوعات التأمين ضد البطالة غالبا ما تكون لمدة زمنية محددة (ستة أشهر في أغلب دول العالم) وان كان النظام الاسترالي يسمح بتقديم إعانة البطالة للعاطل عن العمل بغض النظر عن المدة الزمنية التي يقضيها في حالة بطالة.
- أن المدفوعات التي يحصل عليها العاطل قد تقتصر فقط على المدفوعات النقدية مثلما هو الحال في ايطاليا، وفي البعض الآخر لا تقتصر فقط على التأمين ضد البطالة وإنما يحصل العاطل على مدفوعات الرعاية الاجتماعية الأخرى في اغلب الأحوال، مثل إعانة الإيجار في استراليا وايرلندا والمملكة المتحدة، وإعانة أقساط قرض المسكن وإعانة الوقود وكارت صحي للرعاية الصحية المجانية في ايرلندا.
- أن معظم دول العالم تشترط أن يوقع العاطل على اتفاقية بمقتضاها يتعهد العاطل عن العمل بأن يبحث عن العمل ويستعد له وأن يكون جاهزا للانخراط في العمل في أي وقت، كما أن بعض دول العالم تشترط على العامل أن يدخل في أنشطة ترفع من قدرته على الحصول على وظيفة جديدة مثل استراليا.
- أن بعض دول العالم مثل ايطاليا تقدم حوافز مختلفة لشركات الأعمال لمساعدتها على إعادة توظيف العمال العاطلين.
- أن بعض الدول مثل استراليا تقوم بتعديل مدفوعات التأمين ضد البطالة التي تقدمها للعمال وفقا لاتجاهات المستوى العام للأسعار خلال السنة لضمان عدم تأثر قيمتها الحقيقية نتيجة للتضخم.
الكويت تفكر حاليا في أعداد مشروع قانون للتأمين ضد البطالة وذلك لمعالجة أوضاع العمال الكويتيين الذين يتم تسريحهم من العمل، بالطبع من القطاع غير الحكومي. مشكلة المسرحين من العمل في القطاع غير الحكومي هي مشكلة مستحدثة في دولة الكويت، بعد أن أجبرت ظروف الأزمة المالية بعض أرباب العمل في القطاع غير الحكومي على التخلص من جانب من العمالة لديهم، لتقليل التكاليف والتعامل مع ظروف الكساد الذي فرضته الأزمة، للأسف كان أول من تم الاستغناء عنهم من قبل القطاع غير الحكومي هم العمالة الوطنية نظرا لتكاليفها المرتفعة. ويمكن النظر إلى عملية التسريح على أنها إهدار لجهود الحكومة المختلفة لرفع قدرة القطاع غير الحكومي على توظيف العمالة الوطنية، وإحلال تلك العمالة محل العمالة الوافدة.
في وجهة نظري أن مشكلة تسريح العمالة الوطنية نابعة أساسا من مشكلة جوهرية أكبر يعاني منها سوق العمل في دولة الكويت، وهي أن الحكومة لا تساند عمالتها الوطنية في القطاع غير الحكومي، وليس لديها رغبة أصيلة أو استعداد لأن تتحمل مسئوليتها في ذلك. باختصار شديد الكويت لا ترغب في أن تفتح أبواب قطاعها غير الحكومي أمام العمالة الوطنية، ولو كان لديها الرغبة الصادقة في ذلك لفعلت، ولكان القطاع غير الحكومي هو اكبر مستوعب للعمالة الوطنية في الكويت. فقدان الرغبة الأصيلة في فتح أبواب القطاع الخاص أمام العمالة الوطنية أدى إلى نشوء وتجذر نوع من الكراهية المتبادلة بين القطاع غير الحكومي والعمالة الوطنية. فلا العمالة الوطنية ترغب في العمل في هذا القطاع، ولا هذا القطاع يرغب في أن يكون هيكل العمالة لديه من المواطنين، هذا الكره المتبادل بين العمالة الوطنية والقطاع الخاص لا يوفر مناخا مناسبا أمام العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
لو أرادت الكويت فتح القطاع غير الحكومي على مصراعيه أمام العمالة الوطنية لفعلت، ولكنها ليست جادة في ذلك. نعم للقطاع غير الحكومي الحق في اختيار ما يشاء من عمال، ولكن الأصل أن يكون الوعاء الأول للاختيار هو رصيد العمالة الوطنية وليس الأرخص من العمال، كما يفعل القطاع غير الحكومي حاليا، يساعده في ذلك سياسات هجرة اقل ما يمكن أن توصف به هو أنها متسيبة حيال العمالة غير الوطنية.
العمالة الوطنية لا تفضل القطاع غير الحكومي لأن سياسات التوظيف الحكومي غير مناسبة، إلى الحد الذي جعلت فيه من القطاع الحكومي والعام المسعى الأول للعمالة الوطنية. فالوظيفة الحكومية وظيفة ذات دخل مضمون، ولا يمكن التسريح منها إلا في ظروف شبه مستحلية، وفرص الترقي فيها شبه أوتوماتيكية، وعبئ العمل، أن وجد، خفيف حيث تنخفض إنتاجية العمال بصورة كبيرة، وتوفر دخلا مناسبا عند التقاعد وتوفر للبعض مكانة اجتماعيا متميزة، فضلا عن ذلك فان البعض قد يحقق منها دخولا ريعية إضافية نتيجة لتعقد روتين العمل وإجراءات تخليص معاملات المواطنين، مثل هذه المزايا لا يوفرها القطاع غير الحكومي.
من ناحية أخرى فان القطاع غير الحكومي لا يفضل العمالة الوطنية لأنها أكثر تكلفة من العمالة الوافدة، ولأن درجة التزام بعض العمالة الوطنية في القطاع غير الحكومي اقل لأنهم يدركون أن هذه الوظيفة يمكن استبدالها بسهولة بوظيفة حكومية، أو أن العمل في القطاع غير الحكومي هو مجرد مرحلة انتقالية لحين الحصول على وظيفة مناسبة في الحكومة. ولكن عندما تغلق الحكومة حنفية الهجرة، وتوقف توظيف المواطنين في القطاع الحكومي، وتفرض حدودا دنيا للأجور في القطاع الخاص، سواء أكان ذلك لتوظيف العمالة الوطنية أو الوافدة، وتفرض سقفا على المرتبات والمزايا في القطاعين الحكومي والعام، وتتخلص من أصولها الإنتاجية بتحويلها إلى القطاع الخاص، فان أبوبا العمل في القطاع الخاص سوف تنفتح على العمالة الوطنية.
مشكلة المسرحين من العمل لن تكون مشكلة هذا الوقت فقط، وإنما هي مشكلة كل وقت يفصل فيه عامل من عمله في القطاع غير الحكومي بدون ذنب اقترفه، مثل هذا العامل من حقه أن يحصل على دخل يمكنه من أن يستوفي التزاماته المعيشية حتى يجد عملا جديدا، وإلا ماذا سيفعل مثل هذا العامل في التزاماته نحو أسرته أو من يعولهم أيا كانوا. في رأيي أن الكويت قد تأخرت كثيرا في سن مثل هذا التشريع، وهو ما يعكس حقيقة أن الجانب الأكبر من العمالة يعمل في الحكومة أو القطاع العام، ذات التوظيف المضمون.
حسب ما نشرت القبس يوم الأربعاء 22/7 فان مشروع القانون حدد راس مال التأمين ضد البطالة من خلال مساهمة الحكومة والمواطن العامل في القطاع وأصحاب العمل وتبرعات الجهات الخيرية وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. كيف يمكن أن يكون رأس مال صندوق التأمين ضد البطالة من بعض هذه الموارد. صندوق التأمين ضد البطالة يجب أن يمول بشكل أساسي من قبل الحكومة ومساهمات العامل ومساهمات رب العمل مثلما تفعل دول العالم. كيف يمكن أن يسمح بأن تكون موارد الصندوق من تبرعات الجهات الخيرية، هذه إهانة للعاطلين وتصورهم على أنهم متلقين للإعانات التي تمنح للمعوزين. في كندا تم تغيير تسمية التأمين ضد البطالة إلى صندوق التأمين للتوظيف، حرصا على مشاعر العاطلين مما تعنيه عبارة بطالة.
إعانة البطالة حق يحصل عليه العاطلون في كافة الدول التي تهتم بمستوى الرفاه لعمالها، وهو حق أصيل في القانون المدني لتلك الدول وهو أيضا حق أصيل للمواطن في دستور دولة الكويت حيث تنص المادة 11 من الدستور على "تكفل الدول المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل. كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية"، كذلك تنص في المادة 41 من الدستور على "لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه". التأمين ضد البطالة إذن يجب أن يكون حقا أصيلا للعامل تماما مثلما هو الحق في معاش التقاعد.
صندوق التأمين ضد البطالة المزمع إنشاؤه في دولة الكويت يواجه اعتراضات البعض من منطلق الحرص على المال العام خوفا من احتمالات التلاعب أو التحايل، كأن يقدم خريج يعمل أصلا في شركة تملكها أسرته أو قريب له ما يثبت انه فصل من العمل لكي يحصل على إعانة البطالة. مثل هذه الحالات الشاذة لا يجب أن تقف عائقا أمام إصدار مثل هذا القانون، فمن المؤكد أن هناك العديد من السبل للتعامل مع مثل هذه الحالات من خلال صرامة العقوبات التي تمنع التلاعب أو تجعل تكلفته كبيرة جدا على كل من تسول نفسه له بذلك. التأمين ضد البطالة هو خطوة أساسية نحو تحفيز المواطنين على العمل في القطاع غير الحكومي والحد من جيش العاملين ظاهريا في الحكومة في وظائف غير منتجة، العاطلين من الناحية الفعلية وذلك في صورة بطالة مقنعة. ما الفرق بين المتعطل عن العمل بصورة خارجة عن إرادته لأنه سرح من وظيفته، والعامل ظاهريا في الحكومة، بينما هو في واقع الأمر عاطل في صورة بطالة مقنعة. لماذا نعطي الأخير أجرا، بينما نترك الأول بدون أي مساعدة.
يجب أذن سن قانون للتأمين ضد البطالة وإنشاء صندوق للتأمين ضد البطالة في دولة الكويت يجب أن تتكون موارده من الآتي:
- مساهمة شهرية تدفعها الدولة عن كل عامل يعمل في القطاع غير الحكومي وتمثل النسبة الأكبر من موارد الصندوق.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها كل عامل في القطاع غير الحكومي.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها رب العمل في القطاع غير الحكومي عن كل عامل وافد، ويمكن أن تضاف هذه المساهمة إلى ضريبة دعم العمالة الوطنية.
- مساهمة شهرية إجبارية يدفعها رب العمل في القطاع غير الحكومي عن كل عامل وطني، ويمكن في المرحلة الحالية إعفاء أرباب العمل من تلك المساهمة الشهرية الإجبارية لصندوق تأمين البطالة وذلك للمساعدة على تشجيع توظف العمالة الوطنية في القطاع غير الحكومي، وتخفيض تكلفة تلك العمالة بالنسبة لهذا القطاع.
يجب أيضا أن يتم تخصيص هيئة محددة للتعامل مع المسرحين من العمل في القطاع غير الحكومي، ويناط بهذه مسئولية متابعة العاطلين عن العمل من لحظة فصلهم إلى لحظة إعادتهم مرة أخرى إما إلى نفس العمل أو عمل آخر، بما في ذلك الإشراف على مدفوعات التأمين ضد البطالة والمدفوعات الاجتماعية الأخرى لهم، ويمكن أن تكون هذه الهيئة برنامج إعادة هيكلة القوة العاملة.
وأخيرا يجب أن ينص على نسبة دنيا لتلك المدفوعات من مرتب العامل قبل تسريحه من العمل لأسباب خارجة عن إرادته، على أن تختلف تلك النسبة حسب الحالة الاجتماعية للعامل، فضلا عن ذلك ينبغي أن تستمر المدفوعات المختلفة التي كانت تدفعها الدولة للعامل قبل تسريحه مثل مساهمة الدولة في التأمينات الاجتماعية ... الخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق