التقلبات في أسعار النفط الخام خلال العام الماضي بلغت مستويات غير مسبوقة تاريخيا، منذ الصدمة النفطية الأولى في عام 1973. ويوضح الشكل التالي السعر الحقيقي للنفط الخام خلال الفترة من 1983-2009، وكذلك معدل التغيرات اليومية خلال تلك الفترة والتي تعبر عن مستويات التقلبات الحادة في الأسعار. ومن الشكل يتضح الآثار العنيفة للازمات الاقتصادية والسياسية التي تعرض لها العالم خلال تلك الفترة على سعر النفط الخام. وهو ما يرجح اعتقادنا بأن أسعار النفط سوف تنطلق كالصاروخ عند تعزز مستويات النشاط الاقتصادي العالمي وخروج العالم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها حاليا.
البعض يرجع هذه التقلبات العنيفة في أسعار النفط الخام إلى سلوك المستثمرين في سوق النفط الخام، أو بالأحرى المضاربين في السوق والذي يحققون أرباحا من خلال شراء النفط الخام وتخزينا ثم إعادة بيعه في الأسواق الآجلة للنفط. وهو ما يعكس الاعتقاد السائد حاليا بأن العوامل الجوهرية مثل ارتفاع مستويات المخزون من النفط الخام أو ارتفاع مستويات الطاقات الإنتاجية الفائضة لدى الدول الأعضاء في منظمة أوبك قد لا تعلب دورا حيويا اليوم في تحديد أسعار النفط كما يعتقد. وإلا لكانت مستويات أسعار النفط الخام اليوم في أدنى مستوى لها أخذا في الاعتبار مستويات الطلب الضعيف في ظل ظروف الأزمة.
التقلبات الحادة التي تتعرض لها أسعار النفط الخام، بصفة خاصة في الفترة الأخيرة تجعل من عملية التنبؤ بالمستويات المستقبلية لأسعار النفط الخام مسألة في غاية الصعوبة. فمن وقت لآخر نجد أن هناك اتجاها تصاعديا في أسعار النفط تتصاعد معه الآمال باتجاه الأسعار نحو الارتفاع ومن ثم تتزايد التنبؤات حول المستويات المستقبلية لتلك الأسعار وتحليل انعكاساتها على اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون. غير أننا نفاجأ وعلى نحو غير متوقع وبدون مقدمات بميل الأسعار مرة أخرى نحو التراجع ولأسباب عديدة بعضها مفهوم من الناحية الاقتصادية والآخر يصعب تحليل آثاره، بصفة خاصة على المدى الطويل.
التقلبات الشديدة في أسعار النفط الخام لها آثار عنيفة على مستويات النشاط الاقتصادي برمته في الكويت ودول مجلس التعاون، باعتبار أن النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون تحت رحمة اتجاهات أسعار النفط الخام، وهو ما يجعل من قضية الاستقرار الاقتصادي مسألة في غاية التعقيد، خصوصا وأن المتغيرات الاقتصادية الكلية في المنطقة تتأثر بشكل شديد باتجاهات أسعار النفط الخام. ففي أوقات ارتفاع الأسعار تزاد الإيرادات ومن ثم الدخل والطلب الكلي والأسعار، والعكس في حال تراجع أسعار النفط الخام.
تقلبات أسعار النفط الخام في وجهة نظري تمثل معضلة الاستقرار الاقتصادي في دول مجلس التعاون. فكيف لصانع السياسة المالية بالذات أن يحدد اتجاهات الإنفاق العام وحدوده وخطط نموه بدون أن يكون لديه سيطرة على اتجاهات سعر النفط الخام وآثاره على الإيرادات العامة، ومن ثم مستويات الإنفاق العام. أنها قضية في غاية التعقيد.
أقترح على دول مجلس التعاون إنشاء صناديق احتياط لضمان استقرار مستويات الإنفاق الحكومي عبر الزمن وبعيدا عن تقلبات أسعار النفط الخام. بمعنى أن يتم إنشاء صناديق خاصة يحول إليها فوائض الإيرادات العامة للدولة في أوقات ارتفاع مستويات أسعار النفط الخام، حتى يتم تجنيب الاقتصاد المحلي للآثار التضخمية التي يمكن أن تنتج عن ارتفاع أسعار النفط الخام ومن ثم مستويات الإنفاق الحكومي. على أن تستغل هذه الفوائض في الأوقات التي تتأثر فيها الإيرادات العامة سلبا بفعل تراجع أسعار النفط الخام، ومن ثم مرة أخرى تجنيب الاقتصاد الوطني للآثار الانكماشية لتراجع أسعار النفط الخام. بهذا الشكل تضمن دول مجلس التعاون استقرارا اكبر في مستويات الإنفاق الحكومي ومن ثم مستويات النشاط الاقتصادي وتحمي اقتصادياتها من الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط الخام.
السلام عليكم استاذ محمد
ردحذفتحية طيبة و بعد
بودي ان أستفسر عن رأيك بخصوص التضخم بالكويت ...
ففي بداية الأزمة كان معدل التضخم فوق ال 10% و الأن هناك تداول على أن المعدل بدأ ينخفض و لكن لم لنتمس ذلك الى الأن فالسلع الأستهلاكية بنفس أسعارها القديمة بل و هناك من السلع زاد سعرها مثل السيارات
فماذا يعني لك هذا ؟ هل الكويت في أزمة سيولة وهمية ؟
و هل هذا يدل على ان القطاع الخاص ليس له تأثير مباشر على سيولة الناس ؟
شكرا على تعليفك،
ردحذفليس هناك أي تناقض فيما تلاحظه عن الاسعار في الكويت. نعم كان معدل التضخم قبل بداية الازمة المالية أكثر من 10%، والآن تراجع معدل التضخم حتى بلغ حوالي 5.5%، ويتوقع ان يتراجع معدل التضخم الى حوالي 4.5% العام القادم.
لكي نفهم ما يحدث لا بد وأن نفهم أولا ما المقصود بمعدل التضخم؟ معدل التضخم هو معدل الارتفاع في المستوى العام للأسعار، بمعنى آخر اذا كان معدل التضخم 10%، فان ذلك يعني ان اسعار السلع ارتفعت هذه السنة بحوالي 10% في المتوسط. انخفاض معدل التضخم ليس معناه ان اسعار السلع انخفضت، ولكن معدل الارتفاع في الاسعار انخفض، فبدلا من ان تزيد اسعار السلع بـ 10%، تزيد اسعار السلع بـ 5%. وهكذا. اذن ما تلاحظه بأن اسعار السلع الاستهلاكية بنفس اسعارها القديمة يعني ان معدل التضخم على هذه السلع هو صفر%.. وهكذا، تراجع معدل التضخم لا يعني انخفاض الاسعار وانما انخفاض معدل الزيادة في الاسعار، ومن ثم تظل الاسعار ترتفع ولكن بنسب اقل. أما انخفاض الاسعار فيطلق عليه انكماش الاسعار وليس تضخم الاسعار. ما يحدث حاليا هو تراجع معدلات الزيادة في الاسعار سنويا، أي انخفاض معدل التضخم.
بالنسبة لاسعار السيارات ليست كافة السيارات ذات اسعار مرتفعة، انما السيارات الاوروبية فقط هي التي ارتفعت، وبدرجة اقل السيارات اليابانية، اما السيارات الامريكية فقد انخفضت اسعارها بسبب تراجع الدولار الامريكي عالميا كما تلاحظ.
أزمة السيولة شيئ مختلف تماما، انها ترتبط بمقدار السيولة المتاح لعملية الاقراض في القطاع المالي، وأزمة السيولة هي ازمة حقيقية، لان البنوك لديها سيولة ولكنها لا ترغب في الاقراض لانخفاض مستويات ثقتها في استعادة هذه القروض وارتفاع مستويات المخاطرة المصاحبة لعملية الاقراض في اوقات الازمة. ولذلك تلاحظ أن مقترح الحكومة في قانون الاستقرار الاقتصادي الذي لم ير النور حتى الان تضمن ضمانات حكومية لقروض البنوك للقطاعات المختلفة في الاقتصاد لكي تعالج مشكلة السيولة.