الثلاثاء، يوليو ٢١، ٢٠٠٩

مطلوب زيادة معدلات المواليد في أوروبا

في الأجل الطويل يؤدي انخفاض معدلات الخصوبة (ببساطة المواليد) بين السكان إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي. هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها دراسة للمكتب القومي للبحوث الاقتصادية NBER في الولايات المتحدة عن تكلفة انخفاض معدلات الخصوبة في أوروبا. فكما هو الحال في معظم دول العالم حيث مالت معدلات الخصوبة نحو الانخفاض فقد شهدت أوروبا انخفاضا واضحا في معدلات الخصوبة إلى معدل خصوبة كلي اقل من 2 أي اقل من معدل الإحلال (2 طفل لكل أسرة)، وهو ما يعني انه في ظل هذه المعدلات سوف تميل أعداد السكان نحو التناقص في الأجل الطويل. حاليا توجد دولتين فقط في أوروبا اللتان تزيد فيهما معدلات الخصوبة عن 2 وهما أيسلندا وألبانيا.

وتشير الدراسات الديموجرافية (السكانية) إلى أن هناك عوامل عديدة تقف وراء ضعف معدلات الخصوبة أهمها انخفاض معدلات الوفيات بصفة خاصة بين الأطفال والتي تؤدي إلى تراجع معدلات المواليد بين السكان نتيجة لارتفاع احتمال بقاء المواليد الجدد على قيد الحياة، وارتفاع مستويات التعليم ومن ثم تغير النظرة حول الحجم الأمثل للأسرة، وانتشار ما يسمى بالأسر الذرية (الزوج والزوجة والأطفال) وتراجع مفهوم الأسر الممتدة (والتي تتكون من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد.. الخ والتي تشكل تعاونا فيما بين أفراد الأسرة على إعالة الجميع)، وتراجع الدور الاقتصادي للذكور، وزيادة عمل المرأة ومن ثم قضاءها أوقات أطول خارج المنزل وبالتالي عدم القدرة على توفير الرعاية المناسبة للأطفال، هذا بالإضافة إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت بها أوروبا. وقد أشارت الدراسات إلى أن كل طفل إضافي تنجبه السيدة الأوروبية يقلل من المدة التي تقضيها في العمل بحوالي 1.9 عاما، ومن ثم مع انخفاض معدلات الإنجاب تزيد السنوات التي تقضيها النساء في العمل، ومن ثم تتمكن من تحقيق معدلات أعلى من الادخار ومستويات اكبر من الخبرة وفرص أفضل للترقي. هذه هي الحسابات المادية التي في صالح تخفيض الخصوبة.

غير أن هناك ظاهرة جديدة تعاني منها المجتمعات السكانية في العالم اجمع، وبصفة خاصة أوروبا والتي تؤدي إلى تعميق النتائج السلبية الناجمة عن ضعف معدلات الخصوبة وهي ارتفاع معدلات الشيخوخة، والتي تعود إلى ميل متوسط العمر للسكان نحو الارتفاع. ارتفاع معدلات الشيخوخة يؤدي إلى تزايد الأعباء الملقاة على عاتق السكان في سن العمل عندما يبدأ كبار السن في دخول سن التقاعد وتحولهم إلى قوة بشرية غير منتجة ومستهلكة بشكل صاف. ماذا يعني ذلك، إن ذلك يعني انه مع كل زيادة تحدث في معدلات الشيخوخة لا بد وان يقابلها زيادة في معدلات الخصوبة لكي يكون لدينا قوة العمل اللازمة لإعالة جميع السكان في سن العمل أو خارج سن العمل.

وقد توصلت الدراسة إلى أنه في الأجل القصير يؤدي انخفاض معدلات الخصوبة إلى زيادة متوسط نصيب الفرد من الدخل من خلال تخفيض تكاليف إعالة الأطفال بالنسبة للأسر، وزيادة النصيب الذي يحصل عليه العاملين من الدخل داخل الأسرة الصغيرة. ولكن في الأجل الطويل عندما يدخل الأفراد سن التقاعد، فان الأعداد الجاهزة من السكان للإحلال محل المتقاعدين سوف تأخذ في التناقص نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة، ومن ثم فان المكاسب التي حصلت عليها دول أوروبا في المراحل الأولى لتخفيض معدلات الخصوبة، سوف تنعكس بصورة كبيرة لاحقا في شكل ارتفاع عبئ معدلات الإعالة (نصيب الفرد في سن العمل من الذين لا يعملون) على الأفراد الناشطين اقتصاديا نتيجة ارتفاع معدلات الشيخوخة.

من الحسابات المثيرة التي توصلت إليها الدراسة هي انه إذا كان توقع الحياة (عند الولادة)هو 80 عاما، فان نسبة السكان في سن العمل سوف تنخفض من 70% اليوم إلى ما بين 50% إلى 55% في الأجل الطويل، وهو ما يعني انخفاض في أعداد السكان العاملين لكل نسمة من السكان بحوالي 25%. ومن ثم انخفاض مستويات الدخول التي يتم توليدها لكل نسمة من السكان، فكلما انخفضت أعداد السكان في سن العمل كلما انخفضت مستويات الناتج، وبالنسبة لفرنسا حيث يصل توقع الحياة إلى 80 عاما فان معدل الخصوبة الذي يعظم نسبة السكان في سن العمل هو 2.1، وذلك بفرض بدء الفرد للعمل عند سن 20 عاما وإحالته إلى التقاعد عند سن 60 عاما، أما إذا انخفض سن التقاعد إلى 55 عاما فان معدل الخصوبة لا بد وان يرتفع إلى 3.1. أما في حالة إطالة سن التقاعد إلى 70 عاما فان المعدل الخصوبة الأمثل يمكن أن ينخفض إلى 2.

الدعوة الى خفض معدلات المواليد ليست إذن صحيحة في الاجل الطويل، هذا ما تشير اليه التجربة الاوروبية، فهل تستفيد الصين من التجربة الاوروبية وتعيد النظر في سياسة الطفل الواحد.

المرجع:


"The Cost of Low Fertility in Europe", NBER Working Paper No. 14820. Issued in March 2009

http://papers.nber.org/papers/w14820

هناك ٣ تعليقات:

  1. لاتقلق

    سيمدهم المسلمون بالعدد الكافي من السكان عن طريق الهجرة

    وهذا نوع من التكامل العالمي :)

    ردحذف
  2. شكرا على التعليق.
    من المؤكد ان خيار الهجرة كان من الخيارات المفتوحة في الدراسة لتدارك نقص اعداد السكان الناجم عن انخفاض معدلات المواليد في اوروربا، وقد استعرض المؤلفون هذا الخيار غير انهم توصلوا الى ان خيار الهجرة لن يحل المشكلة، وليس من المتوقع ان يؤدي الى تغيرات جوهرية في تحسين الوضع.
    في رأيي ان ذلك ربما يعود الى المشاكل المصاحبة للسماح بأعداد ضخمة من المهاجرين بالتدفق الى هذه الدول سواء على النسيج الاجتماعي او السياسي او الثقافي. وهي جميعها قضايا في غاية الحساسية في اوروبا اليوم. ولكن من المؤكد انه عندما تحدث الكارثة فان الجميع سوف يرحب بهؤلاء، مثلما فعلت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية عندما خرج رئيس الوزراء البريطاني بنفسه في استقبال مركب للمهاجرين من جزر الهند الغربية الى بريطانيا ليرحب بقدومهم الى بريطانيا العظمى (هكذا كان اسمها في ذلك الوقت)، حيث كانت بريطانيا في هذا الوقت في حاجة ماسة الى هؤلاء المهاجرين.
    أوروبا الآن ادركت بشكل جزئي اهمية سياسات الهجرة المنفتحة، مثل تلك التي تتبناها الولايات المتحدة الامريكية، ويلاحظ ان هناك تحول في سياسات الهجرة الاوروبية وان كان ذلك بصورة انتقائية، فقد اعلنت اوروبا انها سوف تسمح لمليون مهندس في الهجرة اليها في المستقبل، بصفة خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

    ردحذف
  3. شكرا على التوضيح ..

    كنت اتسائل في السابق لماذا تعطي امريكا البطاقه الخضراء وتروج لها ؟
    ولماذا في اوروبا تتعالي الندائات الانسانية واللجوء السياسي او السماح بالمهاجرين وتأمين سبل الحياة لهم .. وفي نفس الوقت هناك الكثير من البطاله والازمات الاقتصادية التي لاتستوعب عددا اكبر من المواطنين ... لكن موضوعك قد وضع النقاط على الحروف .

    وشكرا مره اخرى

    ردحذف